لوبس: المسيرات تغيّر وجه الحروب وتدفعها نحو نقطة اللاعودة
تاريخ النشر: 9th, October 2025 GMT
في مشهد متسارع يعكس تغيرات عميقة في موازين القوى العسكرية، تعيد الطائرات المسيرة تشكيل مفاهيم القتال باعتبارها أيقونة جديدة للحروب المعاصرة، وما الحرب في أوكرانيا إلا ساحة تجريبية لهذه التحولات، مع تصاعد دور المسيرات لتصبح السلاح الأبرز في هذا الصراع.
بهذه الجملة لخصت مجلة لوبس ما أحدثته المسيرات من تأثير في الحروب الحديثة، مستعيرة ما أبرزه الفيلم الأميركي "غود كيل" عن واقع استخدام الطائرات المسيرة، من خلال قصة طيار أميركي يقتل عن بعد في اليمن أو أفغانستان، قبل أن يعود لحياته اليومية في نيفادا، مما خلف لديه انفصاما، واضطرابا نفسيا يشبه ما يعيشه الجنود في ساحات المعارك.
وتوضح المجلة -في تقرير بقلم بيير هاسكي- أن المسيرات باتت اليوم رمزا فعليا لعصر تتشابك فيه التكنولوجيا مع العنف بشكل غير مسبوق، وضربت مثالا بأوكرانيا التي انتقلت من استخدام طائرات مسيرة تجارية معدلة بأيدي هواة، إلى صناعة متقدمة تنتج ملايين الطائرات سنويا.
ونبهت المجلة إلى أن هناك ديناميكية مستمرة من الابتكار المضاد في "حرب المسيرات" بين روسيا وأوكرانيا، إذ يقابل كل تطور من طرف بتكتيك جديد من الطرف الآخر، مما غير مفاهيم أساسية، وضعت المسيرة مكان الجندي في الخطوط الأمامية، تخترق وتضرب وتعود أو تتحطم في مهمتها.
ولم تعد الحرب محصورة في جبهات القتال بسبب المسيرات -كما تقول الصحيفة- فقد اخترقت هذه الطائرات الأجواء البولندية والرومانية، وتسببت في إغلاق مطارات كبرى مثل كوبنهاغن وميونخ، وهي تنشر الذعر والارتباك، سواء من خلال التدمير المباشر أو التأثير النفسي والشعور الدائم بالتهديد.
وهذا التحول في طبيعة الحرب -كما يرى الكاتب- يعكس عالما تتحكم فيه التكنولوجيا بقدر متزايد، حيث أصبحت دول مثل تركيا وأوكرانيا قوى عظمى في تكنولوجيا المسيرات، وتفوقت جماعات مسلحة في أفريقيا على جيوش وطنية، في حين تسعى الدول الصناعية الكبرى إلى مواكبة السباق، دون جدوى حتى الآن.
الطائرة المسيرة، بكل ما تمثله من تطور وسرعة في التحول، أصبحت رمزا قاتما لعصر يعاد فيه تعريف الحرب والقيم وحتى حدود الإنسانية
بيد أن السيناريو المستقبلي الأكثر إثارة للقلق -حسب الكاتب- يتمثل في أسراب من الطائرات المسيرة الذكية، القادرة على اتخاذ قرارات ذاتية والتنسيق فيما بينها دون تدخل بشري، وعندها ستكون الحروب قد دخلت فصلا جديدا بالكامل، يختفي فيه "المقاتل" لصالح خوارزميات قاتلة.
إعلانوذكرت المجلة أن بعض المنظمات الدولية غير الحكومية التي تسعى لحظر الأسلحة الذاتية التشغيل لا تجد جهودها أي صدى، مع تراجع القانون الدولي الإنساني، وانهيار اتفاقيات الحد من التسلح، وتراجع دور المؤسسات المتعددة الأطراف.
ويشير الخبير الأميركي بول شاري في كتابه "جيش من لا أحد" إلى عقلية تسود مراكز القرار في الدول الكبرى، حيث يقول أحد المسؤولين "لا نرغب في تطوير أسلحة ذاتية، إلا إذا امتلكها العدو"، وها نحن اليوم نعيش هذا الواقع.
وخلصت المجلة إلى أن حروب عام 2025 تتجه سريعا نحو نقطة اللاعودة، مدفوعة برغبة في تقليل الخسائر البشرية، لتصبح الطائرة المسيرة، بكل ما تمثله من تطور وسرعة في التحول، رمزا قاتما لعصر يعاد فيه تعريف الحرب والقيم وحتى حدود الإنسانية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات ترجمات
إقرأ أيضاً:
وسط تحديات الحروب وقوانين الهجرة وتقليص المساعدات الأمم المتحدة تعيد تقييم استراتيجيتها الخاصة باللاجئين
جنيف"أ ف ب": في ظلّ تصاعد النزاعات المسلحة، وتسييس قوانين اللجوء، وتقليص المساعدات الدولية، تعتزم الأمم المتحدة إعادة تقييم استراتيجياتها المتعلقة باللاجئين بدءا من بعد غد في جنيف.
خلال اجتماع لاستعراض التقدّم المحرز في المنتدى العالمي للاجئين، والذي يستمر حتى الأربعاء لربط منتديات 2023 و2027، ستناقش الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأكاديميون إنجازات السنوات الأخيرة، وسيعملون على طرح حلول جديدة.
ومن المتوقع أيضا الإعلان عن التزامات الجهات المانحة خلال هذا الاجتماع الذي يأتي في وقت تواجه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أزمة عميقة، إذ خلال عشر سنوات تضاعف تقريبا في مختلف أنحاء العالم عدد النازحين قسرا، والذي قُدّر بنحو 117,3 مليون شخص عام 2025، بينما يتراجع التمويل الدولي للمساعدات بشكل حاد، لا سيما منذ عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
فالتخفيضات التي أجرتها واشنطن والتي كانت تُساهم سابقا بأكثر من 40% من ميزانية المفوضية، معطوفة على القيود المفروضة على الميزانية في دول مانحة رئيسية أخرى، أجبرت المنظمة على الاستغناء عن أكثر من ربع موظفيها منذ بداية العام، أي نحو 5 آلاف موظف.
وقال رئيس قسم الميثاق العالمي للاجئين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين نيكولاس براس للصحفيين "إنه ليس وقت التراجع، بل وقت تعزيز الشراكات وتوجيه رسالة واضحة للاجئين والدول المضيفة بأنّهم ليسوا وحدهم".
ارتفع عدد الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار من الاضطهاد والنزاعات والعنف وانتهاكات حقوق الإنسان والاضطرابات الخطرة في النظام العام عام 2024، ليصل إلى رقم قياسي بلغ 123,2 مليون لاجئ ونازح داخلي وطالب لجوء.
في نهاية عام 2024، كان ما يزيد قليلا عن ثلث هؤلاء الأشخاص من السودانيين (14,3 مليون)، والسوريين (13,5 مليون)، والأفغان (10,3 ملايين)، والأوكرانيين (8,8 ملايين).
وأكد براس أنّ "الدعم المقدّم للاجئين مستمر في مختلف أنحاء العالم"، مشيرا إلى أنّ "ثلثي الأهداف" التي حُددت في المنتدى العالمي الأخير عام 2023 "قد تحققت أو في طريقها إلى التحقق".
- تقاسم المسؤولية غير متكافئ -
بحسب مفوضية اللاجئين، اعتمدت عشر دول قوانين جديدة تسمح للاجئين بالعمل منذ عام 2019، ما مكّن أكثر من نصف مليون شخص من الاستفادة. كما عززت عشر دول أخرى أنظمة اللجوء لديها، من بينها تشاد التي اعتمدت أول قانون لجوء في تاريخها.
لكن في تقرير حديث، أشار رئيس المفوضية فيليبو غراندي، إلى أن "هذا العام شهد انخفاضا حادا في التمويل"، لافتا إلى أن "الحلول الحالية لا تزال بعيدة كل البعد عن تلبية الاحتياجات العالمية".
وأكد أنّ "التقدّم الذي تحقق بصعوبة مهدد بشكل خطر"، داعيا إلى "تجديد الإرادة السياسية، وتوفير تمويل مستدام، وتعزيز التعاون المتعدد الأطراف المتماسك".
وأشار براس إلى أن "الوضع العالمي يتدهور وسط نزاعات مستمرة، وخسائر قياسية في صفوف المدنيين، وتزايد الانقسامات السياسية، مما يُفاقم نزوح السكان ويُرهق النظام بشدة".
ولاحظت المفوضية أن تقاسم المسؤولية لا يزال غير متكافئ، فالدول التي لا تملك سوى 27% من الثروة العالمية تستضيف 80% من لاجئي العالم. وأكدت المنظمة حديثا أنّ ثلاثة أرباع النازحين يعيشون في بلدان معرضة بشدة أو بشكل بالغ لمخاطر المناخ.
وبدءا من بعد غد الاثنين، ستركز المحادثات بين نحو 1800 مشارك مع 200 لاجئ، على خمسة محاور: التمويل المبتكر، والإدماج، وسبل آمنة إلى بلدان ثالثة، وتحويل مخيمات اللاجئين إلى مستوطنات إنسانية، والحلول طويلة الأمد.
وستُعقد فعاليات جانبية تُركز على حالات النزوح الكبرى، بما في ذلك تلك المتعلقة بسوريا والسودان وأزمة لاجئي الروهينغيا.
ويأتي هذا الاجتماع بعد فترة وجيزة من الإعلان الجمعة عن تعيين الرئيس العراقي السابق برهم صالح رئيسا جديدا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وسيتولى صالح مهامه في يناير خلفا لغراندي الذي أمضى عشر سنوات على رأس المفوضية.