انتهت حرب غزة .. فمن المسؤول الآن عن حفظ السلام؟
تاريخ النشر: 14th, October 2025 GMT
ترجمة: أحمد شافعي
بدت شوارع تل أبيب خاوية أمس الأول الاثنين. بعيدًا عن المسارعين إلى العمل أو السائرين ينزهون كلابهم، بدا المكان مهجورا بعض الشيء. بل إن بعض أكثر المقاهي اجتذابا للرواد بدت فيها المقاعد الفارغة أكثر من المشغولة. فيبدو وكأن اليوم يوم مقدس ـ لا لأنه كذلك بالفعل فهو عيد سيمخات توراة ـ ولكن بسبب عودة آخر الأسرى العشرين الأحياء من أسر حماس.
منذ إبرام الصفقة وانتهاء الحرب فعليا، تبدو إسرائيل واقعة تحت تأثير أفضل المخدرات إطلاقا. فمن يمشي في الشوارع الآن يرى الناس تبتسم بلا داع، أو ربما بسبب أفضل الدواعي على الإطلاق. وحتى الوجوه المتجهمة التي يظهر بها المذيعون في التلفزيون حلت محلها وجوه مستبشرة. فقال مراسل تليفزيوني في سعادة: «اليوم أبتسم».
لكن في الوقت الذي أصر فيه المذيعون والضيوف على نغمة الخبر السعيد، لم يملك المرء إلا أن يلاحظ صورا أخرى. ففيما تسارع سيارات الصليب الأحمر في قطاع غزة لإنجاز مهمة إرجاع الأسرى، يظهر مشهد الدمار، وأطلال مدينة كان يعيش فيها الناس من قبل.
وما الكفاح من أجل الأسرى والكارثة في غزة إلا وجهان لعملة الحرب الواحدة. وسيبقى هذا هو الحال في الأيام القادمة. ولكن مع مضي الوقت، يرجح أن يتجه المزيد والمزيد من التركيز إلى غزة، وإعادة تأهيلها، والحقيقة المدفونة تحت الأنقاض.
في وقت لاحق من اليوم سوف يرتفع الستار في مدينة ومنتجع شرم الشيخ بمصر التي تشهد إقامة قمة غزة لزعماء العالم. ولعل هذا الاجتماع، وما سيليه حتما من الاجتماعات (في ضوء أن خطة «اليوم التالي» لا يمكن ولو بشق الأنفس أن تحل في يوم واحد) سوف تحدد جدولًا زمنيًا لكيان حكم دولي جديد وقوة أمنية تتولى السيطرة الفعلية في قطاع غزة. وتبديدًا لأي شك، إن كان من شكوك أصلا، فقد حملت أحدث الأخبار إشارات إلى أن حماس أعادت بالفعل تأكيد سيطرتها على غزة في سياق نسختها الخاصة من فرض «النظام والقانون».
وفي ظهر اليوم فقط، وفي الدقيقة الأخيرة من الوقت بدل الضائع، أعلنت مصر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مدعو هو الآخر لحضور القمة. وفي ضوء أن نتنياهو كان عازفًا عن إنهاء الحرب منذ أن بدأت ـ ومهما بلغت التكلفة ـ بدا أن هذا القرار محاولة لربطه بسيناريو «اليوم التالي» لكل من إسرائيل وغزة؛ فخلافًا للمرحلة الأولى، التي أعادت الأسرى إلى الوطن، لا تعرض المرحلة الثانية لإسرائيل مكاسب ملموسة. فكل ما فيها يتعلق بإعادة تأهيل غزة. وفي ضوء أن كثيرًٍا من الإسرائيليين رأوا نهاية الحرب ثمنًا ملائمًا لرجوع الأسرى، فلا بد أن يتساءل المرء: هل سيسعون إلى الرجوع إلى ميدان المعركة فور أن يأمن الإسرائيليون في بيوتهم؟ كان ينبغي أن يكون حضور نتنياهو في شرم الشيخ، بجانب محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، إجابة لهذا السؤال. غير أنه بعد ساعة واحدة، وبعد أن احتفل الإعلام الإسرائيلي بحضوره الوشيك، أصدر مكتبه بيانًا بأنه مضطر إلى الاعتذار المهذب بسبب قرب حلول بداية اليوم المقدس في إسرائيل.
مهما يكن سبب نتنياهو الحقيقي، فلعل أصل المسألة يظل هذا: هذه القمة التي نسقها دونالد ترامب مع زعماء العالم طريقة يشار بها لإسرائيل إلى أن غزة لم تعد تحت سلطتها المنفردة. لقد انتهت الحرب ـ كما يقول ترامب باستمرار ـ والآن سوف يتولى آخرون المسؤولية. وبالطبع سوف تحتاج أي مبادرة في غزة إلى عمل وثيق مع الحكومة الإسرائيلية. لكن السؤال يظل متعلقا بما لو أن ذلك سيكون عملا تعاونيا أم مسألة إملاءات مباشرة شبيهة بالطريقة التي أرغم بها ترامب إسرائيل على قبول اتفاقية إنهاء الحرب.
في حديثه أمام البرلمان الإسرائيلي اليوم قال ترامب إن «إسرائيل بعون منا كسبت كل ما يمكن كسبه بقوة السلاح، لقد كسبتم. والآن حان الوقت لترجمة هذه الانتصارات على الإرهابيين وفي ميدان القتال إلى جائزة عظمى للسلام والرخاء للشرق الأوسط كله». قد لا يكون هذا الكلام مفاجئًا، في ضوء تعليقاته السابقة التي أعلن فيها أن «الحرب انتهت». وهي تتسق أيضا مع الزيارة المجدولة إلى إسرائيل من رئيس إندونيسيا، حيث لا توجد علاقات دبلوماسية بين إسرائيل وإندونيسيا وقد توحي الزيارة بـ«اتفاقية سلام» أخرى في الطريق. ولكن على المرء أن يتساءل (على ألا يخرب الاحتفال): أين موضع الفلسطينيين في هذه الرؤية؟ هل ثمة دولة مستقلة قريبة المنال حقا؟ هل يتضمن ذلك الضفة الغربية، وهل يعني هذا نهاية كل المستوطنات؟ يبدو أن هذا استنتاج سابق لأوانه، على أقل تقدير. ولو أن ذلك غير منتظر، فهل يكون من المرجح حقا تحقيق سلام دائم؟
ولكن هذا موضوع لم يحل بعد ضمن مواضيع كثيرة مثله. فقد كانت مواضيع أخرى بارزة في أولى احتفالات مساء السبت في ميدان الأسرى، حيث كانت من وراء مظاهر السعادة والارتياح حقائق أعمق. وأبرز لحظات ذلك المساء كانت حينما جاء ويتكوف مبعوث ترامب وحاول الثناء على نتنياهو لدوره في تحقيق الاتفاقية. فإذا بالحشد، وهم أدرى بإخفاقات نتنياهو، يطلقون صيحات استهجان. لا مرة واحدة بل مرتين. وكلما ذكر اسمه كان الحشد يصيح، ولم يبرز هتافهم الإيقاعي «شكرا يا ترامب» إلا الشخص الذي يرى الإسرائيليون أنه مخلصهم.
قد يكون هذا هو الكشف الأهم: في نظر الشعب، ليست حكومة إسرائيل ـ التي تمثل مصالحهم على الأقل ـ إلا في واشنطن. لكن حتى لو أن هذا صحيح الآن، فترامب ـ مثلما أثبت مرات لا حصر لها من قبل ـ أشبه بطفل سرعان ما يسأم ألعابه القديمة.
وفي مرحلة ما، سوف يتخلى على الأرجح عن الشرق الأوسط ويوجه انتباهه إلى مكان آخر: قد يكون الصراع الروسي الأوكراني (ففي نهاية المطاف ثمة مجال لمطاردة جائزة نوبل العام القادم)، أو معركته مع الهجرة، أو الحرب التي أعلنها على الديمقراطية الأمريكية نفسها. وحينما نصل إلى هذه المرحلة، سوف يواجه العالم الاختبار الأصعب. فلعل ترامب قد أنهى الحرب، لكن من المسؤول حقا عن مهمة حفظ السلام الصعبة؟
روي شوارتز كبير المحررين في صحيفة ها آرتس
الترجمة من صحيفة ذي جارديان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی ضوء
إقرأ أيضاً:
ترامب يمنح زيلينسكي مهلة حتى عيد الميلاد لقبول صفقة سلام
منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مهلة حتى عيد الميلاد لقبول صفقة سلام جديدة مع روسيا مهددًا بأن أوكرانيا قد تخسر المزيد إن استمر التأجيل مضيفاً الي أن الهدف من الصفقة هو إنهاء الحرب بسرعة وتخفيف الضغط على العالم ..
وأكد ترامب أن الوقت يفرض اتخاذ قرار عاجل لإنقاذ الوضع في أوكرانيا من تفاقم الصراع في المقابل أعلن زيلينسكي استعداده لإجراء انتخابات وطنية خلال ستين إلى تسعين يوماً رغم أن أوكرانيا لا تزال تحت قانون الطوارئ والحرب ..
لكنه اشترط أن تقدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ضمانات أمنية جدية حتى تصبح الانتخابات ممكنة هذا الموقف يمثل تحولاً لافتاً إذ إن إجراء الانتخابات كان سابقاً مستحيلاً في ظل القصف المستمر ووجود ملايين نازحين ومقاتلين في الجبهات ..
ويثير الطلب الأميركي لقبول الصفقة تساؤلات واسعة في كييف وحلفائها الأوروبيين حول جدوى التنازل عن أراضٍ مثل منطقة دونباس مقابل وعود السلام والأمن ..
ورفضت بعض الدول الأوروبية تقديم أي تنازل خشية أن يؤدي ذلك إلى إضعاف سيادة أوكرانيا ويضع خطة السلام الأميركية أمام تحد كبير في هذه الأثناء تبدو أوكرانيا أمام مفترق طرق فإما قبول صفقة سلام قد تُضعف بعض خطوطها الحمراء مقابل وعد أم رفض الصفقة والسعي لإجراء الانتخابات رغم الظروف الصعبة ..
وتشكل الأزمة الحالية اختباراً لمستقبل الدولة وهوية النظام السياسي وحق الشعب الأوكراني في تقرير مصيره .. كما أن استمرار الضغوط الأميركية يقابله تردد أوروبي وأوكراني مما يزيد من حدة الغموض ويضع المنطقة برمتها في حالة ترقب للقرار النهائي ..
ويشير المحللون إلى أن أي خطوة نحو السلام أو الانتخابات ستؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الإقليمي وقدرة أوكرانيا على إدارة سياستها الداخلية والخارجية في الأشهر المقبلة ..
كما أن متابعة ردود الفعل الدولية ستكون حاسمة لتحديد مدى نجاح أي اتفاق أو الانتخابات المزمعة وتأثيرها على موازين القوى في المنطقة ومع استمرار المفاوضات والمباحثات بين الأطراف المعنية ..
يبقى مستقبل أوكرانيا ومسار الحرب الروسية الأوكرانية في قلب الاهتمام الدولي مع توقعات بزيادة الضغوط الأميركية والأوروبية على كييف لاتخاذ قرار واضح في أقرب وقت ممكن.