لماذا وصف قادة 44 دولة الحرب في غزة بالإبادة الجماعية؟
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
شهدت الجلسات رفيعة المستوى خلال الدورة الأخيرة للجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2025 زيادة لافتة في عدد المتحدثين الذين وصفوا الحرب في قطاع غزة بأنها "إبادة جماعية". فقد ارتفع عدد الدول التي استخدمت هذا الوصف إلى 44 دولة، وذكر غزة 151 متحدثا في خطاباتهم، بزيادة 18 دولة عن العام الماضي، مما يعكس تصاعد القلق الدولي إزاء الانتهاكات المستمرة وتصاعد حدة النزاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وحسب تقرير أعدته مجموعة الأزمات الدولية، فإن الاهتمام الدولي تراجع نسبيا بالنزاع في أوكرانيا، خاصة من الدول خارج إطار الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (ناتو)، في حين ظل السودان حاضرا كأكبر أزمة إنسانية في العالم، لكن من دون نمط جغرافي واضح في الاهتمام الدولي.
كما برزت قضية إصلاح الأمم المتحدة بقوة، وسط تصاعد الحديث عن تحديات المنظمة الدولية السياسية والمالية، ومع الحديث عن مبادرة "الأمم المتحدة 80" كمحور رئيسي لتوفير حلول هيكلية وتوفير في التكاليف.
وفي مقابلة مع الجزيرة نت، تقدم المحللة والباحثة في الأمم المتحدة مايا أونغار تحليلا لهذه التحولات في اهتمامات القادة العالميين، مبينة أن استخدام عبارة "إبادة جماعية" للتعبير عما يحدث في غزة ارتبط بتقارير دولية حديثة وتصعيد مستمر في العدوان، بما في ذلك استنتاج لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.
ويمكن تلخيص أهم القضايا التي ذكرها محللو خطابات الزعماء في الأمم المتحدة على النحو التالي:
الحضور المتزايد لقضية غزة واستخدام توصيف "إبادة جماعية" من عدد غير مسبوق من الدول. التحول في الاهتمام بأوكرانيا، وتراجع حضورها خارج الناتو والاتحاد الأوروبي رغم استمرار النزاع. استمرار الأزمة السودانية كأكبر أزمة إنسانية دون اهتمام عالمي متسق أو واضح. تصاعد أولوية إصلاح الأمم المتحدة خاصة في ضوء التحديات المالية والسياسية، وتزايد النقاش حول مبادرة "الأمم المتحدة 80". تبرز خطابات القادة في الجمعية العامة كمؤشر مهم لتوجه الرأي العام العالمي والسياسات المستقبلية للأمم المتحدة. إعلانوتعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة جلساتها سنويا في سبتمبر/أيلول بنيويورك، وتشهد النقاشات العامة مشاركة أكثر من 190 قائدا وممثلا للدول الأعضاء، وتشكل هذه الجلسات فرصة لاستعراض القضايا الدولية الكبرى ورسم السياسات الأممية للعام التالي.
وحسب تقرير مجموعة الأزمات، فقد احتلت القضية الفلسطينية مرتبة الصدارة في نقاشات الجمعية العامة لعام 2025، حيث أشار 151 متحدثا إلى غزة أو فلسطين، مقابل 146 في العام السابق.
غير أن التحول الأبرز تمثل في ارتفاع عدد الدول التي وصفت الوضع في غزة "بالإبادة الجماعية"، وهو ما ذكرته 44 دولة، أي بزيادة 18 دولة عن السنة الماضية. ويتمركز هذا التحول أساسًا في دول آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية والكاريبي، بينما لم يتغير موقف معظم الدول الغربية.
وتربط أونغار بين هذا التصاعد في الخطاب واستمرار النزيف الدموي في غزة، إضافة إلى تقارير أممية حديثة خلصت إلى توصيف جرائم إسرائيل في القطاع "بالإبادة الجماعية"، مما جعل القضية الفلسطينية في واجهة الاهتمام السياسي الدولي، وبارتفاع يمثل 69% عن العام الماضي.
يذكر أن قطاع غزة تعرض على مدى العامين الماضيين إلى عدوان إسرائيلي غير مسبوق، استشهد إثره نحو 70 فلسطيني وإصابة أكثر من 170 ألفا، فضلا عن تعرض نحو 90% من البنية التحتية إلى التدمير، ونزوح أغلب سكان القطاع البالغ عددهم نحو 2.3 مليون.
أوكرانيا قضية تتراجع
رغم أن أزمة أوكرانيا كانت موضوعا أساسيا في خطابات القادة هذا العام، فإنها سجلت تراجعًا بلغ 30%، إذ تطرق إليها 106 دول فقط هذا العام مقابل 116 العام الماضي، و138 في 2022.
وحسب ما قاله محللو مجموعة الأزمات، فقد برزت ظاهرة امتناع 51 دولة عن ذكر روسيا صراحة عند الإشارة لأوكرانيا، في دلالة على تزايد الحذر الدبلوماسي.
ويقول تقرير المجموعة إن العديد من هذه الدول يصور الحرب الآن كقضية أوروبية بحتة، على الرغم من استمرار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في تأكيده على تداعيات الحرب عالميا. وفي الوقت نفسه، فقدت الجمعية العامة بعضا من أهميتها بالنسبة لأوكرانيا كمنتدى لتغيير الرأي الدولي حول النزاع.
وحسب تحليل أونغار -للجزيرة نت- فإن ذلك يعود أيضا إلى تلاشي المخاوف الأولية بشأن تداعيات الحرب على الأمن الغذائي العالمي، مقابل استمرار الاهتمام بها في الدوائر الغربية (الاتحاد الأوروبي والناتو) ليصبح الملف أوكرانيا بحتا في عيون الكثيرين خارج تلك الدوائر.
وتعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة جلسات استثنائية بناء على التطورات العالمية الكبرى؛ ففي أواخر عام 2022 وأوائل 2023 كانت أوكرانيا محور قرارات وعمليات تصويت مكثفة حول دعم سيادتها وعقوبات على روسيا، أما في عام 2025 فقد تقلص عدد تلك القرارات رغم أن الحرب ما زالت مستمرة.
السودان الأزمة المنسية
على الرغم من اتساع دائرة الأزمة الإنسانية السودانية، فإن الحرب هناك لم تلقَ اهتماما مماثلا، إذ أشار تقرير مجموعة الأزمات إلى أن 62 دولة فقط ذكروا السودان في خطاباتهم هذا العام مقارنة بـ65 في السنة الماضية.
كما لم يكن هناك نمط جغرافي واضح في الدول التي تناولت هذا الملف، إذ ذكرته 20 دولة أفريقية، وسُجل تفاوت كبير بين أعضاء المجموعة الأفريقية في الإشارة إلى السودان بين عام 2025 وما قبله.
إعلانويشير تحليل الباحثة في الأمم المتحدة إلى أن السودان يُعامل غالبا كأزمة "منسية" في الساحة الدولية، بعكس الانتظام الملحوظ في الإشارات إلى غزة وأوكرانيا، مبينة أن ذلك يرتبط بعدم تبلور أولويات واضحة للملف السوداني على أجندة دولية متزاحمة.
يأتي هذا التراجع في الأزمة التي خلفتها الحرب في السودان رغم أن المنظمات الأممية صنفت السودان هذا العام أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم، حيث تجاوز عدد النازحين داخليا وخارجيا حاجز 10 ملايين، في ظل تراجع الاستجابة الدولية وانحسار المساعدات منذ العام الماضي.
ونشبت الحرب بالسودان في 15 أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وما زال أوارها مشتعلا، مما خلف عشرات آلاف القتلى وتشريد ملايين الأشخاص بين نزوح داخلي ولجوء في دول الجوار، في واحدة من كبرى الأزمات الإنسانية في تاريخ البلاد.
إصلاح الأمم المتحدة
ارتفع عدد الدول التي ناقشت ملف الإصلاح في الجمعية العامة إلى 128 دولة، مقابل 100 في 2024، وتركز محور الاهتمام على أمرين:
أولا- مبادرة الأمين العام "الأمم المتحدة 80" التي تطرح إجراءات جذرية لضبط الإنفاق وإعادة هيكلة التفويضات الحكومية الدولية. ثانيا- أولوية إصلاح مجلس الأمن وهيكلة بنائه الحالية.وتقول أونغار إن هذا التصاعد يمثل 28% زيادة عن العام السابق بين الدول المطالبة بإصلاحات في الأمم المتحدة، مؤكدة أن هذا يرجع جزئيا إلى وجود اعتراف بأن عملية "الأمم المتحدة 80" ليس لديها خيار سوى النجاح، وإلا فقد يتهدد وجود المؤسسة نفسها.
وأضافت المحللة والباحثة في الأمم المتحدة إلى أن المناقشات في الأسبوع رفيع المستوى أشارت إلى أن الأزمة المالية للأمم المتحدة تعني تغييرات كبيرة بالنسبة للمنظمة، وأي مناقشة جديرة بالاهتمام حول مستقبل الأمم المتحدة في السلام والأمن الدوليين يجب أن تأخذ ذلك في الحسبان.
وتاريخيا، شكلت سنوات الأزمة المالية أو الأزمات الجيوسياسية الكبرى دافعا لمبادرات إصلاحية في الأمم المتحدة، وقد يمهد عام 2025 لما يعتبره بعض الخبراء أكبر تحوّل في هيكل المنظمة منذ تأسيسها.
وتُظهر التحليلات السابقة كيف انعكست التحولات الجيوسياسية في خطابات قادة الدول خلال الجمعية العامة لعام 2025 على الاهتمامات الدولية، فأصبحت غزة أكثر قضايا السلام والأمن حضورا، وتراجعت أولوية أوكرانيا خارج الدوائر الغربية، وبقي السودان أزمة إنسانية من دون زخم سياسي متواصل.
أما ما يتعلق بإصلاح الأمم المتحدة فقد فرض نفسه كملف مركزي يستشرف مستقبل المنظمة في ظل أزمات مالية وسياسية متصاعدة. وبينما ترسم هذه الاتجاهات ملامح السياسات المقبلة، تشير الوقائع إلى أن قدرة الأمم المتحدة على الاستجابة الفاعلة ستبقى رهينة لإرادة الدول الأعضاء وسرعة تحولات الرأي العالمي، خاصة في ظل تغير القيادة المرتقب للمنظمة، حسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات إصلاح الأمم المتحدة فی الأمم المتحدة الأمم المتحدة 80 مجموعة الأزمات الجمعیة العامة للأمم المتحدة أزمة إنسانیة إبادة جماعیة العام الماضی الدول التی فی خطابات هذا العام إلى أن فی غزة عام 2025
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تطلق حملة واسعة لإزالة أنقاض الحرب من شوارع غزة
أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن بدء عمليات واسعة لإزالة الأنقاض من الطرق الرئيسية في مدينة غزة، في إطار جهود تهدف إلى إعادة فتح الشوارع وتسهيل الوصول إلى المستشفيات والمدارس والبنية التحتية المتضررة عقب الحرب المدمرة التي شهدها القطاع.
ووفقًا لمركز إعلام الأمم المتحدة، زار وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر أحد مواقع العمل في شارع الجلاء وسط مدينة غزة، برفقة ممثل البرنامج في فلسطين جاكو سيليرز، لتقييم سير العمل ضمن المرحلة الأولى من خطة شاملة لإدارة الأنقاض في القطاع.
وأكد سيليرز أن إزالة الأنقاض تمثل الخطوة الأولى الحيوية في جهود إعادة الإعمار، مشيرًا إلى أن حجم الأنقاض المقدر في غزة يتراوح بين 55 و60 مليون طن، ما يجعل المهمة تحديًا لوجستيًا وبيئيًا كبيرًا.
وأوضح أن الهدف الأساسي من العملية هو فتح الطرق وتأمين وصول الخدمات الأساسية، مضيفًا أن الأنقاض تُعاد معالجتها وسحقها لاستخدامها في رصف الطرق وإنشاء قواعد للخيام والمرافق المؤقتة، في إطار نهج مستدام لإعادة التدوير وتقليل الأثر البيئي.
وأشار المسؤول الأممي إلى أن عشرات الآلات الثقيلة تعمل حاليًا بإدارة البرنامج على امتداد شارع الجلاء، وتواصل مهامها على مدار الساعة لإزالة الأنقاض وتنظيف الشوارع المغلقة منذ شهور.