دواء شائع للألم يُظهر خصائص مضادة للسرطان.. دراسة تكشف
تاريخ النشر: 19th, October 2025 GMT
قد لا يقتصر دور "الإيبوبروفين" Ibuprofen، وهو أحد أكثر الأدوية استخدامًا في العالم لتسكين الصداع وآلام العضلات والدورة الشهرية، على تخفيف الألم فحسب.
فوفقا لبحث علمي جديد، نُشر في مجلة Nature Biomedical Engineering وأعاد موقع ScienceAlert العلمي تسليط الضوء عليه، قد يمتلك هذا الدواء الشائع خصائص مضادة للسرطان، ما يفتح آفاقاً جديدة في فهم العلاقة بين الالتهابات المزمنة ونشوء الأورام.
أداة محتملة للوقاية من السرطان
وينتمي الإيبوبروفين إلى فئة الأدوية غير الستيرويدية المضادة للالتهاب (NSAIDs)، التي تعمل عبر تثبيط إنزيمات تُعرف باسم "السيكلو أوكسيجينيز" (COX).
كما يؤدي الإنزيمان المعروفان باسم COX-1 وCOX-2، وظائف مختلفة في الجسم، فالأول يحمي بطانة المعدة ويساعد في تجلط الدم، أما الثاني فيحفز الالتهابات التي قد تساهم في تكوّن الخلايا السرطانية.
إلى ذلك، يحد الإيبوبروفين، من خلال تثبيط نشاط COX-2، من إنتاج مركبات "البروستاغلاندين" (Prostaglandins) التي تُغذي الالتهاب ونمو الخلايا غير الطبيعية.
وفي السياق، قال الباحث ستيفن ويذرز، أستاذ الكيمياء الحيوية بـ"جامعة كولومبيا البريطانية" في كندا: "الاكتشافات الجديدة تمنحنا رؤية أوضح حول كيفية تحسين نتائج العلاج طويلة الأمد، وتُظهر أن العلم الأساسي يمكن أن يقترب أخيرًا من التطبيق العملي في رعاية المرضى."
انخفاض خطر سرطان الرحم 25%
ووفقًا لدراسة أُجريت عام 2025 ضمن مشروع PLCO الأميركي (المعني بسرطانات البروستاتا والرئة والقولون والمبيض)، تم تحليل بيانات أكثر من 42 ألف امرأة تتراوح أعمارهن بين 55 و74 عامًا على مدى 12 عامًا.
فيما أظهرت النتائج أن النساء اللواتي تناولن ما لا يقل عن 30 قرصًا من الإيبوبروفين شهريًا كنّ أقل عرضة للإصابة بـ"سرطان بطانة الرحم" بنسبة 25% مقارنة بمن تناولن أقل من أربع جرعات شهرية. وكانت الفائدة الوقائية أكثر وضوحًا بين النساء اللواتي يعانين أمراض القلب.
يُذكر أن سرطان بطانة الرحم هو الأكثر شيوعًا بين سرطانات الرحم، ويصيب عادة النساء بعد سن اليأس. وترتبط عوامل خطره بالسمنة، وارتفاع مستويات هرمون الإستروجين، والعلاج الهرموني الأحادي بالإستروجين، إلى جانب السكري ومتلازمة تكيس المبايض.
التأثير لا يقتصر على الرحم
إلا أن الأدلة لم تتوقف عند هذا الحد. فبحسب دراسات إضافية، قد يمتد التأثير الوقائي للإيبوبروفين ليشمل سرطانات القولون والثدي والرئة والبروستاتا.
كما تبين أن المرضى الذين سبق إصابتهم بسرطان القولون وتناولوا الإيبوبروفين كانوا أقل عرضة لعودة الورم، كما أشارت أبحاث أخرى إلى احتمال أن يقلل الدواء خطر سرطان الرئة بين المدخنين.
ورجّح العلماء أن التأثير ناتج عن الحد من الالتهاب المزمن الذي يُعد سمة أساسية لتطور الأورام. فمن خلال تقليل مستويات البروستاغلاندينات، قد يبطئ الإيبوبروفين عملية نمو الورم أو يوقفها كليًا.
كما كشفت الأبحاث أن الدواء يؤثر على جينات مرتبطة بنمو الخلايا السرطانية، مما يجعل الخلايا أكثر حساسية للعلاج الكيميائي وأقل قدرة على مقاومة الأدوية.
نتائج متباينة وتحذيرات طبية
لكن رغم هذه النتائج المشجعة، فإن الصورة ليست مكتملة بعد. فبعض الدراسات أظهرت نتائج معاكسة، منها دراسة شملت أكثر من 7,700 مريضة ربطت بين استخدام الأسبرين بعد تشخيص سرطان الرحم وزيادة معدل الوفيات، خصوصًا لدى من استخدمنه قبل التشخيص. كما أن بعض الأدوية من نفس الفئة رفعت من مخاطر الوفاة المرتبطة بالسرطان في عينات محددة.
في المقابل، توصلت مراجعة علمية حديثة إلى أن الأسبرين قد يقلل خطر الإصابة بعدة أنواع من السرطان، لكنه قد يرفع خطر الإصابة بسرطان الكلى عند الاستخدام المنتظم طويل الأمد.
وأكدت هذه النتائج المتضاربة، وفق الباحثين، أن العلاقة بين الالتهاب والمناعة والسرطان شديدة التعقيد ولا يمكن تفسيرها بمعزل عن عوامل أخرى مثل الوراثة ونمط الحياة.
في حين حذر الأطباء بشدة من تناول الإيبوبروفين بجرعات مرتفعة أو لفترات طويلة دون إشراف طبي. فالاستخدام المزمن يمكن أن يؤدي إلى مشكلات تشمل قرح المعدة ونزيف الجهاز الهضمي، وتلف الكلى، ومشكلات قلبية مثل الجلطات والسكتات، وتفاعلات دوائية خطيرة مع مميعات الدم وبعض مضادات الاكتئاب.
كما أكد الباحثون أن هذه الأدوية يجب أن تُستخدم فقط وفق وصفة طبية محددة، خاصة لدى المرضى الذين يعانون أمراض القلب أو الكلى.
الوقاية الأفضل: نمط حياة صحي
ورغم الإثارة التي أثارها هذا الاكتشاف، شدد الخبراء على أن أفضل وسيلة للوقاية من السرطان لا تزال تتمثل في أسلوب حياة متوازن، يعتمد بالأساس على تناول أطعمة غنية بمضادات الأكسدة والألياف، والحفاظ على وزن صحي، وممارسة النشاط البدني بانتظام، والابتعاد عن التدخين والكحول. وختم الباحثون تقريرهم بالقول: "قد يكون في الأدوية اليومية التي نستخدمها مفاتيح لمعارك طبية أكبر مما نتصور، لكن حتى يحسم العلم الجدل، تبقى النصيحة الأهم: لا تتناول أي دواء على أمل الوقاية من السرطان دون استشارة الطبيب".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الإيبوبروفين الصداع الدورة الشهرية العضلات الالتهاب الخلايا
إقرأ أيضاً:
دراسة تكشف مفارقة قاسية في غانا: كسب الرزق من النفايات الإلكترونية مقابل التعرض لسموم خطيرة
ركزت الدراسة، التي قادها الباحث براندون مارك فين من كلية البيئة والاستدامة بجامعة ميشيغان، على منطقة أغبوغبلوشي في العاصمة الغانية أكرا، التي تعد من أكبر مواقع النفايات الإلكترونية غير الرسمية في العالم.
أظهرت دراسة صادرة عن جامعة ميشيغان أن العاملين في إعادة تدوير النفايات الإلكترونية في غانا وفي دول الجنوب العالمي يواجهون مفارقة قاسية؛ تأمين مصدر رزق ضروري للبقاء يقابله تعرض طويل الأمد لسموم خطيرة وتلوث بيئي كبير.
وبحسب الأمم المتحدة، ينتج العالم سنويا 62 مليون طن من النفايات الإلكترونية، ويجري تدوير أقل من ربع هذه الكمية في منشآت رسمية ومنظمة، بينما يتم تدوير الجزء الأكبر في قطاع غير رسمي لا يخضع للحماية أو التنظيم أو التسجيل. وتستقبل غانا وحدها نحو 15 في المئة من النفايات الإلكترونية العالمية.
موقع غير رسمي يهدد صحة البشر والبيئةركزت الدراسة، التي قادها الباحث براندون مارك فين من كلية البيئة والاستدامة بجامعة ميشيغان، على منطقة أغبوغبلوشي في العاصمة الغانية أكرا، التي تعد من أكبر مواقع النفايات الإلكترونية غير الرسمية في العالم.
وخلال 55 مقابلة ميدانية، وثق فين ما سماه المفارقة غير الرسمية، حيث يؤدي العمل غير المنظم في إعادة التدوير إلى الإضرار بصحة العمال وتلويث بيئة المدينة بصورة واسعة.
وبالتعاون مع الباحث ديميتريس غوناريديس والأستاذ باتريك كوبيناه من جامعة ملبورن، وجد الفريق أن ازدياد عدد السكان في المنطقة أدى إلى تفاقم التلوث الناتج من الجسيمات الدقيقة، ما رفع المخاطر الصحية والبيئية. ونشرت نتائج البحث في مجلة Urban Sustainability بدعم من معهد غراهام للاستدامة والمركز الإفريقي للدراسات في جامعة ميشيغان.
يعتمد العمال على حرق البلاستيك لفصل المعادن من الأسلاك والأجهزة، أو على استخدام الأحماض لاستخراج المعادن القيّمة، ما يؤدي إلى انتشار جسيمات ضارة في الهواء وتسرب ملوثات خطيرة إلى التربة والبحيرة القريبة.
ويبيع العمال المعادن المستخرجة لتجار محليين يعيدون إدخالها في سلاسل التوريد العالمية، مع أن هذه المعادن ضرورية لصناعات الطاقة الحديثة ولعمليات التحول نحو الطاقة النظيفة.
مخاطر مصدرها الشمال العالميأوضح فين أن كثيرا من العاملين هم مهاجرون من شمال غانا حيث تنتشر الفقر والنزاعات، مشيرا إلى أن الأجهزة الإلكترونية تصل إلى البلاد من دول الشمال العالمي ومن دول إفريقية، وغالبا تحت غطاء التبرعات أو المعدات الصالحة للاستخدام رغم أنها غير قابلة للتشغيل.
وقال فين إن المفارقة واضحة؛ نتائج اجتماعية وبيئية خطيرة، مقابل أن هذا العمل قد يكون السبيل الوحيد أمام الناس لكسب المال وتحقيق أي درجة من الحراك الاقتصادي. وأكد أن الاقتصادات الدائرية، إذا قامت على الاستغلال والتعرض للسموم، لا يمكن اعتبارها اقتصادات مستدامة، مضيفا أن سلامة سلاسل التوريد لا تقل أهمية عن الهدف النهائي للطاقة النظيفة.
بيانات تمتد لعشرين عامااستخدم الباحث غوناريديس بيانات جغرافية تمتد عشرين عاما لقياس العلاقة بين نمو السكان وزيادة الجسيمات الدقيقة PM2.5 الناتجة أساسا من حرق البلاستيك.
وتوصل إلى علاقة مباشرة؛ كلما ازداد عدد السكان في أغبوغبلوشي، ارتفعت مستويات التلوث التي يتعرضون لها.
وقال غوناريديس إن الناس ينتقلون بحثا عن عمل، لكن وجودهم ونشاطهم يسهمان أيضا في تفاقم التلوث الذي يعانون منه.
الحاجة إلى حل وسطأشار فين إلى أن تنظيم الاقتصاد غير الرسمي في دول الجنوب العالمي يواجه تحديات كبيرة؛ فالتدخلات السابقة إما أدت إلى عمليات إخلاء قاسية شردت السكان، أو فرضت شروطا تعجيزية منعت دخولهم السوق، أو تجاهلت المشكلة تماما.
ويقترح الباحث اعتماد استراتيجية وسطية تخفف الأضرار وتوفر دعما ماليا وتقنيا للعاملين، مثل توفير أدوات stripping للأسلاك لمنع الحرق، أو إنشاء وحدة معالجة مركزية تسمح بإعادة التدوير ضمن ظروف أكثر أمنا وتزيد من شفافية سلاسل التوريد.
وختم فين بأن التدخل لمعالجة المفارقة غير الرسمية ضرورة ملحة في غانا وفي دول أخرى، لكنه حذر من السياسات التي قد تؤدي إلى تفاقم معاناة الفئات الأكثر هشاشة في حال لم تراع السياق الحقيقي والتحديات الفعلية.
انتقل إلى اختصارات الوصول شارك محادثة