حزب الله.. حضور راسخ ودور لا ينكسر
تاريخ النشر: 20th, October 2025 GMT
منذ استشهاد أمينه العام شهيد الإسلام والإنسانية السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه-، تكاثرت الأصوات المشككة والمحرّضة ضدّ حزب الله وبيئته، وكثر الترويج لانحسار دوره أو حتّى نهايته، فجاء العرض الكشفي الأخير للحزب ليقدم مشهدًا يناقض ويدحض ويذيب كلّ هذه الادّعاءات، حيث شهد لبنان قبل أيام استعراضًا استثنائيًا نظمته كشافة الإمام المهدي (عج)، بمشاركة أكثر من 74 ألف كشاف ومرشدة، ضمن مهرجان عيد التأسيس وتحت عنوان “أجيال السيد”، في مشهد عكس التنظيم المحكم، والمظهر اللافت، والانضباط الدقيق، ومستوى عاليًا من الجهوزية والبنية المؤسسية المتينة التي يتمتع بها الحزب.
هذا الاستعراض، الذي أضاء مجددًا على الجيل القادم في بيئة المقاومة، شكّل ردًا عمليًا على كلّ محاولات التشكيك بوجود الحزب وقوته. كيف ذلك؟.
إذا أُخذ الرقم مجردًا، فهو أكبر من الحاصل الانتخابي لمجموعات في مجلس النواب اللبناني تقود حملة التضليل واستهداف الحزب وبيئته. هكذا علق ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي.
ليس الرقم وحده ما يلفت النظر في المهرجان، بل الدلالات العميقة التي يحملها رقم كهذا، أكثر من 74 ألف كشاف ومرشدة، استعرضوا ضمن التنظيم الدقيق والانضباط اللافت ومظهر باهر يشي بما هو أبعد بكثير من مجرد فعالية كشفية.
فحين يتمكّن حزب الله من تعبئة عشرات الآلاف من الناشئة في حدث واحد، تحت راية واحدة، وبخطاب موحد، فإن ذلك يدل على حضور متجذر في المجتمع الجنوبي والبقاعي وفي الضاحية، وعلى امتداد بيئة المقاومة، وليس مجرد حشد جماهيري عابر، هؤلاء الفتية والفتيات هم أبناء هذه البيئة التي ما زالت تحتضن المقاومة وتنتجها وتربي أبناءها على قيمها وتعدهم ليتحملوا المسؤوليات في المستقبل سواء في ميادين الخدمة أو في خطوط الدفاع.
والأهم من ذلك، أن هذا الحجم من المشاركة لا يمكن تحقيقه من دون مؤسسة فعلية قادرة على التخطيط، والتدريب، والتنظيم، والتواصل، والتحكم اللوجستي، ما يعني أن حزب الله، بعيدًا عن الصورة النمطية التي يحاول خصومه ترسيخها، هو ليس مجرد السلاح، حزب الله بنية شاملة متكاملة ثقافية، تربوية، خدماتية، وأمنية. عرض الكشافة بهذا الزخم هو في جوهره عرض لقدرات التنظيم، ومتانة البنية، وسعة الانتشار، وليس لمجرد استعراض شكلي.
من الناحية السياسية، هذا العرض جاء في توقيت لا يمكن تجاهله. فمع تصاعد التصريحات “الإسرائيلية” والغربية حول “انكفاء” حزب الله، ومع الحملات المتواصلة التي تحاول رسم صورة توحي بتراجع الحزب أو فقدانه السيطرة، جاء هذا المشهد ليقول العكس تمامًا. فجيل “السيد” لم ينتهِ، بل هو أكبر، وأشمل، وأكثر حضورًا من أي وقت مضى. وهذه القوّة الناعمة التي رأيناها في العرض الكشفي، تشكّل في الحقيقة أرضية صلبة لأي مواجهة قادمة، ودعامة بشرية ومعنوية في معركة الوعي التي لا تقل خطورة عن المعارك العسكرية.
من هنا، لا يمكن فصل هذا المشهد عن السياق العام في لبنان والمنطقة. فما بين من يروّج لوهم انتهاء الحزب، ومن يراهن على تفكك بيئته، يأتي عرض الـ74 ألفًا ليُعيد التوازن إلى المشهد، ويقول بوضوح إن هذه ليست جماعة متناثرة، فحزب الله أمة تقف خلف مشروع، وأجيال تتسابق على حمل رايته.
ولم يكن العرض الكشفي الوحيد في سياق التأكيد على قوة الحزب واستمراريته، إذ سبقه نجاح سياسي كبير في الانتخابات البلدية، حيث تمكّن حزب الله، بتحالفه الوثيق مع حركة أمل، من حصد كلّ المقاعد الشيعية في الجنوب، وغالبية المجالس البلدية بالتزكية. وقد علق الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، في خطابه بمناسبة سنوية شهيد الإسلام والإنسانية، على هذا الإنجاز “خضنا الانتخابات البلدية بتحالف متين وثيق بين حزب الله وحركة أمل، مع أهلنا وأحبتنا، وكان النجاح عظيمًا، لفت نظر الجميع: كيف لهذه البيئة وهذه الجماعة أن تكون بهذا الزخم، وأن يكون هناك نجاحات بالتَّزكية في أكثر من نصف البلدات، كدليل على التوافق والتعاون».
إلى جانب العمل السياسي كانت للحزب إنجازات كبيرة على الصعيد الاجتماعي والخدماتي لا سيما في ما يتعلق بعمليات ترميم وإيواء شملت أكثر من 400 ألف مسكن، وهذا الرقم يعد إنجازًا استثنائيًا في ظل الحصار والأزمات والتضييق والقيود.
كما شكل إحياء ذكرى عاشوراء هذا العام علامة فارقة، من حيث الإقبال الكبير وروح التفاعل واستعداد الجمهور للتضحية وانخراط شرائح جديدة في مسيرة المقاومة.
كل هذه الوقائع تشير بوضوح إلى أن حزب الله لم يهزم، بل لم يضعف أصلًا، وأن ما تردّده ببغاوات الاحتلال “الإسرائيلي” وأدواتهم الإعلامية في الداخل والخارج لا يعدو كونه تمنيات وأوهام، أكثر من كونه قراءة واقعية. وهذه الحملات، وإن بدت صاخبة أحيانًا، فهي في جوهرها محاولات يائسة للتأثير على وعي الناس، وفصلهم عن واقعهم وبيئتهم. لكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن جمهور المقاومة لا يزال وفيًا، واعيًا، وراسخًا في خياره.
بالمحصلة، يبقى حزب الله رقمًا صعبًا في معادلة الأمن والاستقرار في لبنان، ودعامة أساسية في محور المقاومة، وكلّ من يظن أن الحزب قد انتهى أو تراجع، إنما يقرأ الأحداث بعيون الوهم والتمني، لا بعين الحقيقة والواقع.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الحيرةَ التي تعيشها أمةُ الإسلام جاءت بالتجرؤ على أولياء الله
كتب الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف منشورا جديدا عبر صفحته الرسمية على فيس بوك قال فيه:حديثُ سيدِنا رسولِ الله ﷺ هو نِبراسُ الهُدى ومِصباحُ الظَّلام.
وتابع: أخرج البخاري عن سيدِنا أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسولُ الله ﷺ: «إنَّ اللهَ قال: مَن عادى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يُبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورِجلَه التي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذَنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن، يكره الموتَ وأنا أكره مساءتَه».
هذا الحديثُ هو أعلى ما رُوي في شأن الوليّ عن النبي ﷺ.
ونوه ان ربُّنا يأمرنا أن نواليَ أولياءَ الله، وألَّا نُبارزهم بالإهانة أو الحرب؛ فمَن بارز أولياءَ الله بالعداوة أو الإيذاء فقد عادى الله، وكان في صفِّ أعدائه.
ولفت إلى أن اللهُ سبحانه وتعالى نهانا أن نُواليَ أعداءَه؛ فعلينا إذن أن نمتثلَ لحبِّ أهلِ الله، لأنَّ حبَّ أهلِ الله لا يكون إلا من حبِّ الله سبحانه وتعالى.
وأعلى الأولياء في هذه الأمة هو سيِّدُ الخلق ﷺ؛ فهو خيرُ وَلِيٍّ كما أنه خيرُ نبيٍّ.
وهو لنا بمنزلة الوالد للولد، وهو المقياسُ والمعيارُ الذي إذا أردنا لهذه الحياة الدنيا أن تسير على مراد الله اتبعناه، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
وأولياءُ الله عبر التاريخ حاولوا أن يكونوا في ظاهرهم وباطنهم على مثالِ سيدنا رسول الله ﷺ؛ حتى إنهم كانوا يَلتمسون أخلاقَه، وأوامرَه، ونواهيه، ومشيته، وهيئتَه، وسمتَه في مأكلِه ومشربِه.
ويقول الإمامُ السيوطي رحمه الله: إنَّ من رحمةِ الله بالعباد أن أوجدَ فيهم أولياءَه وأصفياءَه؛ فإنهم يدعون الله فيستجيب، فيستقر الخلق، ويؤمنون بالله، ويعلمون أن وراء هذا العالم خالقًا قادرًا حكيمًا يستجيب الدعاء. وإنه فَرَضَ على الأمة أن يُخلِّص منها بعضَهم حتى يلتجئ إلى الله بالليل والنهار، لا يفتر لسانُه عن ذكر الله، ولا قلبُه عن التعلُّق به سبحانه وتعالى، يُخرِج الدنيا من قلبه لتكون في يده، حتى يلجأ إليه الناس، وحتى يفزع إلى الدعاء، فإذا سأل الله أعطاه، وإذا استعاذه أعاذه، وإذا دعاه أحبَّه وقرَّبه إليه.
ولكننا نرى في حياتنا وإعلامنا "حربًا على أولياء الله"، واستهتارًا بهم وإهانةً لهم؛ حتى إن كثيرًا منهم قد تركوا الحياة لأهلها والدنيا لعشاقها، وانعزلوا - مكرهين - عن الناس، فبركتهم لم تعم، وأحوالهم لم تنتشر، فأصبح الناس بلا رأسٍ وبلا رؤساءَ يذهبون إليهم، فانتشر الوَبَش والوابِش.
والناس إذا ذهبت رؤوسهم وذهبت رؤساؤهم صاروا فوضى لا ضابطَ لهم.
إنَّ هذه الحيرةَ التي تعيشها أمةُ الإسلام إنما جاءت بالتجرؤ على أولياء الله؛ ليس فقط أولئك الذين يعيشون بيننا، بل أيضًا الذين كانوا أولياء عبر التاريخ.
فإن الله سبحانه وتعالى يغار على أوليائه، ومن المناهج التي تركها لنا رسولُ الله ﷺ في سنته ودعائه إلى ربه ألا يجعلَ في قلوبنا حقدًا على الذين آمنوا، ولا غِلًّا للذين اتخذوا الله وليًّا واتخذهم الله أولياء.
وقد غبش هذا الأمرُ على كثيرٍ من المسلمين، فذهبت البركةُ من الطعام، وذهبت البركةُ من الأرزاق، وذهبت البركةُ من الأوقات والأعمال، ودعا كثيرٌ من الناس فلم تُستجب دعوتُهم، وكان هذا الشعورُ – الذي يفرُّ من أولياء الله، وهو في حقيقته فرارٌ إلى أعداء الله – حائلًا بين الإنسان وربِّه.
ونصح قائلا: عودوا إلى حبِّ أولياء الله من الأتقياء والأنقياء، ومن أهلِ بيتِ رسولِ الله ﷺ وعترته، رجالًا ونساءً، وعلماءَ وأولياءَ صالحين؛ فإن هذا هو الصراطُ المستقيم، وهو المنهجُ الذي نستطيع به أن نلُمَّ شعثَنا، وأن نلتجئ إلى ربنا، وأن يرضى عنَّا برضاه، وأن يرحمنا برحمته.