الآثار المصرية من البردي إلى السحابة
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
توقيع بروتوكولي التعاون بين وزارتي الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والسياحة والآثار في المتحف المصري الكبير ليس مجرد خطوة إدارية أو تقنية عادية، ولكنه حدث تاريخي يؤكد أن مصر تمضي بخطى واثقة في مشروع مصر الرقمية في زمن تتحول فيه المعلومة إلى كنز جديد والبيانات إلى سلاح ناعم في معارك النفوذ العالمي، ومن هنا تأتي مبادرة بوابة تراث مصر الرقمي كترجمة عملية لرؤية مصرية شاملة ترى في التحول الرقمي أكثر من تحديث إداري، بل أداة لإعادة تعريف الذات الوطنية أمام العالم.
هذا البروتوكول يؤكد أن الحضارة المصرية ليست مجرد رموز على جدران المعابد أو مقتنيات داخل المتاحف، ولكن يمكن أن تتحول هذه الرموز إلى محتوى رقمي عابر للحدود ويمكن للعالم كله أن يراه ويتفاعل معه بضغطة زر.
وهنا تكمن عظمة هذه الخطوة وهذا البروتوكول فهو يربط بين الثقافة والتكنولوجيا والدبلوماسية في إطار استراتيجية القوة الناعمة التي باتت إحدى ركائز السياسة المصرية الحديثة فعندما تتاح الآثار المصرية عبر منصة رقمية رسمية ليس فقط من أجل حفظها، بل استرداد رواية التاريخ من منظور مصري، بعيدًا عن التفسيرات الأجنبية التي طالما احتكرت الخطاب الأكاديمي عن الحضارة المصرية.
العبقرية أيضًا كانت في اختيار المتحف المصري الكبير كموقع لتوقيع البروتوكولين وهذه لم يكن مصادفة، خاصة أن مصر والعالم كله ينتظر الافتتاح خلال الأيام القليلة القادمة وهذا المتحف الكبير هو رمز لتلاقي الأصالة بالتجديد، تمامًا كما تسعى الدولة إلى بناء نموذج يجمع بين التراث والابتكار.
والجدير بالذكر أن البروتوكول الأول المعني برقمنة التراث، والثاني المخصص لرفع كفاءة خدمات الاتصالات داخل المواقع الأثرية، يعكسان إرادة مصرية لبناء بيئة رقمية متكاملة تخدم الاقتصاد السياحي، وتُعيد تعريف تجربة الزائر الأجنبي على أرض مصر.
لكن الأهم من ذلك أن البروتوكولين يمثلان نقلة فكرية في إدارة التراث فالماضي لم يعد تاريخًا فقط ، بل ينبض بالبيان والهوية التي لم تعد محفوظة في المتاحف بل على السحابة الرقمية.
إن ما حدث ليس مجرد تعاون بين وزارتين، بل هو تزاوج بين قطاعين استراتيجيين: الاتصالات باعتبارها محرك الاقتصاد الجديد، والسياحة باعتبارها واجهة القوة الناعمة المصرية.
فهذا المشروع يضع مصر في قلب الاقتصاد المعرفي العالمي، حيث تتحول المقتنيات الأثرية إلى أصول رقمية يمكن أن تُستثمر في التعليم، والبحث العلمي، والسياحة الافتراضية، بل وحتى في صناعات الذكاء الاصطناعى.
وهذا التوجه ظهر بوضوح في كلمة الوزير عمرو طلعت الذي تحدث عن توظيف التكنولوجيا في الحفاظ على الإرث الحضاري، بينما أكد الوزير شريف فتحي على تحسين تجربة السائح باستخدام التحول الرقمى.
لكن بين هذين التصريحين المهمين تقف رسالة سياسية أعمق: أن مصر تخوض معركة تثبيت حضورها في الفضاء الرقمي العالمي، ليس كدولة مستخدمة للتكنولوجيا، بل كصانعة محتوى وراوية للتاريخ.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ع الطاير
إقرأ أيضاً:
تحول رقمي أم "توطين" للبيروقراطية؟!
د. عبدالعزيز بن محمد الصوافي **
في الوقت الذي تتسابق فيه شعارات "الحكومة الإلكترونية" و"التحول الرقمي" لتتصدر واجهاتنا الإعلامية، يصطدم المواطن عند أول احتكاك حكومي واقعي بحقيقة مؤلمة: التقنية حضرت كأجهزة، وغابت كثقافة مؤسساتية.
من المفارقات العجيبة في عصر البيانات السحابية والربط الإلكتروني، أن يُطلب من المراجع إرفاق "صورة من الهوية"، أو "شهادة الميلاد"، أو حتى "توقيع شيخ القبيلة"! هذه الطلبات ليست مجرد أعباء إدارية، بل هي دليل صارخ على غياب الربط الإلكتروني الحقيقي بين المؤسسات. فكيف لحكومة تمتلك قاعدة بيانات مركزية أن تطلب من المواطن إثبات هويته أو تاريخ ميلاده بأوراق هي من أصدرتها في الأصل؟!
إن الخطر الحقيقي لهذه العقلية الورقية التقليدية لا يتوقف عند إهدار وقت المواطن واختبار صبره، بل يمتد ليضرب العصب الاقتصادي. فالمستثمر الأجنبي، ورائد الأعمال المحلي، لا يملكون ترف الانتظار في طوابير الموافقات العقيمة. رأس المال لا يبحث فقط عن الفرصة، بل يبحث عن السرعة والسهولة.
عندما تكون الإجراءات في الدول المجاورة تتم بـ "نقرة زر"، بينما لا تزال لدينا رهينة "الأختام" و"المستندات الورقية" و"مكاتب سند" و"إجازة المدير المخول بالتوقيع" ... إلخ، فإننا نصنع بيئة طاردة للاستثمار بامتياز. الاستفادة من التجارب الدولية في "هندسة الإجراءات" (Re-engineering) ليست ترفًا، بل ضرورة لبقائنا على خارطة التنافسية. نحن لا نحتاج إلى أتمتة البيروقراطية القديمة، بل نحتاج إلى نسفها لكي لا يهرب المستثمر إلى جهات أخرى منافسة حيث تُنجز معاملته قبل أن يُنهي قهوته.
وختامًا.. إن ما حققته شرطة عُمان السلطانية من نقلة نوعية في سرعة وسهولة إنجاز المعاملات يُعد دليلًا دامغًا على قدرتنا المحلية على صنع الفارق، وإثباتًا بأن التحول الإلكتروني لدينا يمكن أن يكون واقعًا ملموسًا لا مجرد شعارات، متى ما توافرت الإرادة الإدارية.
** باحث أكاديمي