احتفاء بتجربة الغذَّامي النقدية واستقراء للإبادة الثقافية في غزة
تاريخ النشر: 24th, October 2025 GMT
صدر حديثا العدد 124 من مجلة نزوى، مستهلا بافتتاحية عائشة الدرمكي، رئيسة التحرير، التي تقارب "النصّ في مواجهة السُلطة"، ويأتي هذا العدد مرفقًا بكتاب شعري لإبراهيم سعيد عنوانه "أنت الكتاب، وأنا القارئ".
وفي صدارة هذا العدد نقرأ ملفًا خاصًا عن الناقد السعودي عبدالله الغذَّامي، أعده وقدمه علي بن حمد الفارسي.
وفي ملف ثانٍ يتناول أدب الدياسبورا العربي من إعداد وتقديم أسماء كوار وحميد عبدالقادر، تكتب أسماء كوار عن "مكانة أدب الشتات في الدراسات البين-ثقافية لدى الباحثين الغربيين"، أما نوال الحلح فتتحدث عن "سيرة مجموعات تتقاطع مصائرها أو تتباعد في البلد الغريب"، ويسلط شتيفان فايدنر الضوء على الكتَّاب العرب في ألمانيا وإنجازاتهم الثقافية، ويترجم جلال الدين سماعن مقالة لفوزية عمروش تناقش كتابة المهجر في المنجز الروائي لعمّارة لخوص، ويترجم سماعن أيضًا للامية أوشريف مقالتها "نحو تعريف لما يسمّى لغة الكتابة"، ويختتم علي بدر الملف بمقاله "منفى واحد أو أكثر".
وفي ملف ثالث يتناول الإبادة الثقافية في قطاع غزة، تكتب بثينة حمدان، مُعدة الملف، عن قتل الكُتاب والفنانين بوصفه سحقًا لذاكرة الهوية الثقافية ومرجعياتها. ويصف علي أبو ياسين العالم بالغابة التي سقطت فيها كل الشعارات والقيم والمبادئ. أما نبيل دياب فيكتب "أبو جودة: لا نسعى لإضحاك الناس بل لإنقاذ الأمل"، وتحدثنا مادلين شقلية عن مهدي كريرة الذي "يحوّل معلبات الجوع إلى رسالة أمل للأطفال"، أما آلاء كراجة فتحكي عن وسام التي توزع جسدها في مكانين مختلفين "ساق دُفنت مع أمّي وأخرى مع أخي". ويذهب مصطفى النبيه في مقاله للحديث عن السينما الفلسطينية كسلاحٍ يُوثقُ المعاناة. أما أكرم الصوراني فيكتب «هولوغزّة كوست».. ذاكرة قاسية لن تموت". ويحكي سماح عمر الجزار عن التي خُطِبت وصوت القذائف أعلى من صوت الزغاريد في عرسها. وأخيرًا تكتب نور بدر عن المرض في فلسطين بوصفه هويةً للقهر.
أما في باب الدراسات فنطالع ما كتبه علي البزاز عن بورخيس وعلاقته بإسرائيل التي تجعلنا نتساءل: أهي رمزية توراتية أم انحياز أيديولوجي؟ كما نقرأ دراسة لمحمد العجمي عن "صعود الفيلسوف التنفيذي" كمقاربة لفهم دور الفلسفة في الشركات التجارية. وتترجم آسية السخيري دراسة لآن ماري بارانوفسكي تتناول الوجوه الهامشية في كتابات كارسون ماكولرز. ونقرأ لعزالدين عناية دراسة بعنوان "الدراسات اليهودية المسيحية.. نحو بناء حقل علمي". وأخيرًا في الدراسات يأخذنا محمود فرغلي لتقصي "جدلية الصمت والصوت" في سرديات زهران القاسمي البيئية.
وفي باب الحوارات يحاور رشاد حسينوف، المستعرب الروماني، جورج غريغوري عن الترجمة وعلاقته باللغة العربية. وفي حوار آخر يحاور ساسي جبيل صلاح بوسريف الذي يرى أن "الشعر في طور البناء دائمًا، ولا يُختزل في شكل ولا عصر".
وفي باب السينما تكتب هدى جعفر عن النوافذ كاستعارة للعمى والإبصار في الأفلام السينمائية. في حين يقدم إبراهيم العدراوي في باب التشكيل قراءته في لوحات عبدالكريم الأزهر التي تعكس سردية استيبانيكو، بينما تتناول راما وهبة أعمال جاومي بلينسا كمشاغِل نحت ومجسَّمات لا نهائية.
ونطالع في مقدمة باب الشعر نصًا لخميس قلم بعنوان "رؤيا اليقظة". وتترجم أصالة لمع مختارات شعرية للفرنسي كريستيان بوبان من كتابه "زنبقة الوادي الأحمر". ونقرأ أيضًا لعبدالعزيز أمزيان قصيدةً يهديها لمحمد عنيبة الحمري بعنوان "البحرُ الذي يختبئ في قميص قلبك". وتترجم شروق حمود مختارات من شعر جورج والاس بعنوان "في انتظار الأرض الموعودة". أما أوس حسن فيكتب "دليل الحالم وصمته إلى عصر ما بعد الإنسان. وأخيرًا في باب الشعر، نقرأ قصيدة "سفينة العبيد" للبرازيلي كاسترو ألفيس بترجمة وتقديم نضال القاضي.
وبالدخول في باب النصوص نقرأ "انتقام بوذا" بقلم محمود الرحبي، كما نقرأ لفاليري ياكوفليفيتش بريوسوف قصةً بعنوان "آخر الشهداء" يترجمها محمد خميس. وهناك أيضًا "الدواليب" لهمدان دماج، و"الساحرة" لشريفة التوبي، و"أحلام في القفص" لأنيسة عبود، وأخيرًا "نافذة غرفتي هي عالمي"، وهو عنوان يفتح العين على مشاهدات من الضفة الغربية في ظل تصاعد بطش الاحتلال.
وفي باب المتابعات والرؤى نقرأ بقلم محمد آيت لعميم عن "واحة تينونا أو سر الطائر على الكتف" لأحمد التوفيق. ويقارب جواد عامر عن الهمذاني باعتباره "ناقدًا ثقافيًا". أما شهلاء العجيلي فتستقرئ رواية عبده وازن "الحياة ليست رواية" كعزاء جميل في الردّ على تاريخ القبح. ويكتب عمر العسري "جينالوجيا الحكي الحيواني المضاد" في مقاربته لمجموعة "سيرك الحيوانات المتوهمة" لأنيس الرفاعي. أما علاء الجابري فيكتب عن "كهف أفلاطون" لسمير مندي مناقشًا "السيرة الذاتية في الخليج... من الإذعان الاجتماعي إلى الحرية الفنية". وأخيرًا قراءة في كتاب "الطريق إلى مكة" كرحلة عميقة إلى جوهر الإسلام وروحه، كما يقرأه معراج أحمد الندوي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
شروط نتنياهو تكتب الفشل للمرحلة الثانية في غزة
كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هذا الأسبوع، القول إنّ المرحلة الأولى لتنفيذ خطّة ترامب في غزة أشرفت على الانتهاء، وأنّه «يركّز الآن على المهمة المقبلة وهي، تجريد حركة حماس من أسلحتها ونزع السلاح في غزة. وهذا سيحدث إمّا بالطريقة السهلة (اتفاق) أو بالطريقة الصعبة (حرب)». جاء ذلك في خطابه في الكنيست الاثنين الماضي وفي مؤتمره الصحافي مع المستشار الألماني ميرتس. وأكد نتنياهو وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، أن الانتهاء الرسمي للمرحلة الأولى مشروط بإعادة جثة الإسرائيلي الأخيرة المتبقيّة في غزة.
يتجاهل نتنياهو أن وتيرة إعادة المحتجزين الإسرائيليين الأحياء والأموات فاقت كل التوقّعات الإسرائيلية والأمريكية. فقد صرّح ترامب أن هناك أقل من 20 محتجزا إسرائيليا حيا، وأن قسما منهم فقد الحياة، وتبين أن هذا غير صحيح، فقد عادوا جميعا. كما ردد مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، أنّ حماس لن تعيدهم جميعا لتبقى عندها ورقة للمساومة، ولم يحدث هذا. وشكّكت إسرائيل بإمكانية انتشال جثث الإسرائيليين من تحت الركام في غزّة، خلال فترة قصيرة، وتوقع مسؤولوها أنّ هذا سوف يستغرق أشهرا طويلة وربّما سنوات، وجرى الحديث حتى عن إمكانية فقدان آثار عدد منهم إلى الأبد.
وقد أثبتت التطورات المتوالية في هذا الملف بطلان الادعاءات الإسرائيلية المتكررة، أن حماس «تماطل في إعادة المحتجزين وتخرق الاتفاق».
خروقات متواصلة
لقد بررت إسرائيل العقوبات الجماعية التي فرضتها على أهالي غزة، بالادعاء أن «حماس تخرق الاتفاق»، في حين أن الحركة التزمت به بالكامل من حيث تسليم المحتجزين، والالتزام التام بوقف إطلاق النار، حتى بعد أن خرقته إسرائيل مرارا وتكرارا. في مقابل التزام الطرف الفلسطيني، لم تف إسرائيل بتعهداتها، وخرقت اتفاق وقف إطلاق النار 738 مرّة، وبلغ عدد الضحايا 386 شهيدا و987 جريحا. كما أنّها لم تفتح المعابر ولم تسمح بدخول «مساعدات كاملة» كما وعدت والتزمت، إذ تدخل القطاع يوميا 145 شاحنة بالمعدّل من أصل 600 شاحنة نص عليها الاتفاق. وبالنسبة للوقود فقد دخلت غزة منذ وقف إطلاق النار 115 شاحنة فقط بنسبة حوالي 10% من 1100 شاحنة اتفق على إدخالها. وبعد هذا كلّه يردد نتنياهو، بوقاحته المعهودة، أنّ «حماس تخرق وقف إطلاق النار»، وتلحقه الإدارة الأمريكية، إمّا بإبداء التفهّم لما تفعله إسرائيل «دفاعا عن نفسها» أو بسكوت يعبّر عن الرضى أو عدم الاكتراث، ما بقيت الأمور تحت السيطرة ولم تنزلق إلى انهيار الاتفاق.
يبدو أن السلوك الإسرائيلي في المرحلة الأولى، لن يتغيّر في المرحلة الثانية لتنفيذ اتفاق ترامب. ولا مؤشّرات أنّ حكومة نتنياهو ستبدّل تعاملها في المرحلة المقبلة. العكس هو الصحيح، فهي ستواصل خرقها لوقف إطلاق النار والتضييق على المساعدات وعلى فتح المعابر، وسوف تنقل خروقات المرحلة الأولى كأدوات ضغط ومناورة في المرحلة الثانية. لقد كان من المفروض أن يكون دخول لمساعدات إنسانية كاملة، وفتح للمعابر ووقف فعلي لإطلاق النار، مقابل تسليم المحتجزين، لكن إسرائيل استلمتهم كما نص الاتفاق، لكنّها لم تدفع «الثمن»، إلا جزئيا واحتفظت لنفسها بالجزء الأكبر للمقايضة به لاحقا.
شروط نتنياهو
مع الحديث عن قرب إجراء مفاوضات حول المرحلة الثانية في غزّة صرّح نتنياهو أنها ستكون صعبة جدّا. قال ذلك لأنّه يعرف أن الاتفاق أصلا صعب على الهضم فلسطينيا، وأكثر من ذلك لأنّه يعرف أن شروطه هو لا يمكن أن يقبل بها الفلسطينيون. وفي كل يوم يطلع نتنياهو ومن حوله بشرط جديد ليس موجودا في الاتفاق أصلا، أو بصياغة أكثر تشددا لشرط قائم. ويمكن تلخيص شروط نتنياهو، كما هي اليوم، بالتالي:
أولا، تجريد حركة حماس من أسلحتها. وهذا هو الشرط الأهم بالنسبة للمؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل. ويعتبره نتنياهو مفتاحا لإعلان النصر في غزة، فقد قال مرارا وتكرارا أنه حقق الانتصارات على إيران ولبنان وسوريا وبقي عليه غزّة، وهو يصر على نزع حماس من أسلحتها الثقيلة والخفيفة بلا استثناء، وخلال فترة وجيزة. ويبدو أن الولايات المتحدة تكتفي بنزع الأسلحة الثقيلة بشكل متدرّج، لكن لن نستغرب إن هي غيّرت موقفها وتبنت الموقف الإسرائيلي.
ثانيا، نزع السلاح عن غزة: والمقصود بهذا الشرط الإسرائيلي اتخاذ خطوات تمنع إدخال الأسلحة إلى غزة، وتشمل إنشاء جهاز مراقبة لضمان هذا الأمر. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني، قال نتنياهو إن ترتيبات نزع السلاح واجتثاث التطرف في غزة تشبه تلك التي فرضت على ألمانيا واليابان عند انتهاء الحرب العالمية الثانية متجاهلا انهما بقيتا دولتان مستقلتان وهو يرفض بشدة فلسطين المستقلة.
ثالثا، حكم غزة: ما زال نتنياهو يصر على مبدأ ألا تحكم غزة لا حماس ولا السلطة الفلسطينية، وألا يشارك في إدارة شؤونها من له علاقة بالفصائل الفلسطينية. وهو يقبل بسلطة حكم دولية مثل «مجلس السلام»، شرط أن يقبل هذا الجسم الشروط الإسرائيلية بخصوص «الإدارة الفلسطينية»، والقوات الدولية والشرطة المحلية.
رابعا، اجتثاث التطرف: وهذا شرط يضعه نتنياهو من حين لآخر على الطاولة ويربطه بالانسحاب الإسرائيلي من غزة، وهو يمكنه من الادعاء دوما أن شروط الانسحاب لم تكتمل. ويعني هذا البند إحداث انقلاب في برامج التعليم وفي وسائل الإعلام وخطاب المسؤولين، بما يتلاءم ليس بالاعتراف بإسرائيل فحسب، بل بالاعتراف بها كدولة يهودية وكدولة اليهود، واجتثاث أي خطاب يناقض «حقها في الوجود كدولة يهودية».
خامسا، سيطرة أمنية كاملة: منذ بداية الحرب تردد إسرائيل أن أي تسوية في غزة تشمل هيمنة أمنية إسرائيلية مطلقة في الجو والبحر وعلى طول الحدود وفي داخل غزة، وسيطرة على المنافذ كافة وإخضاع كل ما يخرج أو يدخل القطاع لرقابة إسرائيلية مشددة.
سادسا، عدم الانسحاب الكامل: ترفض إسرائيل مبدأ الانسحاب الشامل من غزة، وتصر على الاحتفاظ ـ على الأقل – بشريط أمني على طول حدود قطاع غزة، وتروّج بأنه ضرورة أمنية لا تستطيع التنازل عنها. ويشكل هذا الشريط ما يقارب 15-20% من مساحة غزة.
سابعا، تركيبة القوات الدولية: تصر إسرائيل على حقها في قبول أو رفض مشاركة أي دولة في القوات الدولية، المزمع نشرها في غزة. وقد أعلنت أنها لن تقبل بقوات قطرية وتركية. وهناك قلق إسرائيلي من أن بعض الجهات في الإدارة الأمريكية ترى ضرورة مشاركة تركيا.
ثامنا، إعادة الإعمار: تريد إسرائيل أن تتحكم بمشروع إعادة إعمار غزة، من حيث الذين «تسمح» لهم بالمساهمة في إعادة الإعمار ومن حيث الأمكنة التي تأذن بإعمارها، إضافة إلى قيود بشأن مواد البناء والإنشاء وطرق إدخالها والرقابة عليها.
وإذا جمعنا هذه الشروط وغيرها من العراقيل والإملاءات الإسرائيلية، فإن إمكانية التقدم في المرحلة الثانية ليست صعبة فحسب، بل شبه مستحيلة. والذي قد يحدث في حال انسداد الأبواب السياسية هو العودة إلى الحرب الشاملة في غزة، بكل ما يعنيه ذلك من المزيد من الكوارث والدمار. هنا يلزم إعداد خطة فلسطينية – عربية بديلة، إذ لا يعقل أن تبقى خطة ترامب المجحفة هي الوحيدة المطروحة. ويجب الشروع في إعداد البديل فورا، لأن فشل خطة ترامب مصيبة إذا لم يتوفّر البديل، وقد يكون هذا البديل هو حبل النجاة.
القدس العربي