هل ينبغي لفرنسا إلغاء الأحزاب السياسية للخروج من أزمتها؟
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
طرح مقال بمجلة لوبوان سؤالا عما إذا كان قمع الأحزاب السياسية هو الحل للأزمة السياسية الحالية في فرنسا، وهو ما ينسجم مع فكرة الفيلسوفة سيمون فايل.
واختار جوزيف لو كور قراءة فكرة سيمون فايل الثورية التي دعت عام 1950 إلى إلغاء الأحزاب السياسية، معتبرة إياها "سُم الديمقراطية" ومصدر الانحراف عن الحقيقة والعدالة.
وكان النصّ، الذي كتبته الفيلسوفة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية ونُشر بعد وفاتها، يقدم نقدا جذريا لروح التحزب التي تُفسد البحث عن الحقيقة وتحوّل السياسة إلى صراع مصالح، وفقا لرؤيتها.
فايل: الأحزاب السياسية "سُم الديمقراطية" ومصدر الانحراف عن الحقيقة والعدالة.
ففايل ترى أن الأحزاب ليست أدوات ديمقراطية، بل "كيانات منظمة علنا لقتل الإحساس بالحقيقة والعدالة في النفوس"، كما أن الانتماء إلى حزب معين يُجبر الفرد على الكذب، لأنه لا يستطيع أن يكون مخلصا في الوقت نفسه للحقيقة و"لخط الحزب"، مما يعني أن الانضباط الحزبي ينتج عنه الولاء الأعمى، وبالتالي فهو يقضي على التفكير الحر.
وتنتقد فايل ما تسميه "انقلاب العلاقة بين الغاية والوسيلة"، موضحة أن الأحزاب التي وجدت أصلا لخدمة الصالح العام، صارت غايتها الأولى النمو والبقاء في السلطة، وبذلك فإن السياسة تتحول من سعي نحو الحقيقة والعدل إلى مجرد صراع من أجل النفوذ، حيث "الغاية تنسى والوسيلة تُؤلَّه"، وهو ما تعتبره فايل شكلا من الوثنية السياسية.
فايل: الانتماء إلى حزب معين يُجبر الفرد على الكذب، لأنه لا يستطيع أن يكون مخلصا في الوقت نفسه للحقيقة و"لخط الحزب"
لكن طرح فايل يقابله، حسب لو كور، موقف الفيلسوف النمساوي هانس كلسن، الذي يرى في كتابه: (الدمقراطية، طبيعتها وقيمتها 1932) أن "الديمقراطية الحزبية" ضرورة، إذ تتيح للأفراد التأثير في الحكم عبر تنظيم أنفسهم في أحزاب تعبّر عن مصالحهم.
وهذا ما ترفضه فايل، المتأثرة بالفيلسوف وعالم الاجتماع السويسري الفرنسي جان جاك روسو، إذ ترى أنه يخضع لمنطق المصالح في حين تؤمن هي بـ"الإرادة العامة" التي تتجسد في العقل الجماعي لا في الأهواء الجماعية، حسب قول لو كور.
إعلانوتدعو الفيلسوفة إلى "المرونة بدل الدوغمائية" التي تعد حالة من التمسك الشديد بأفكار ومعتقدات معينة، لدرجة رفض أي رأي أو فكرة مخالفة، أي أن فايل تدعو إلى تكوين جماعات فكرية غير جامدة، تحافظ على حرية التفكير والحوار، بعيدا عن الانغلاق الحزبي، وكما يوضح الفيلسوف الفرنسي المختص في فكر فايل، روبير شينافييه، فإنّ الديمقراطية الحقيقية لا تقوم على تبادل الشعارات، بل على "ممارسة التفكير" عبر الصمت والوقت والانتباه، على حد تعبيره.
ويُذكّر لو كور بأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أعلن إعجابه بسيمون فايل، حاول في بدايات حكمه تجسيد هذا التصور عبر حركة "إلى الأمام" التي تجاوزت الأحزاب التقليدية، لكنه، مثل غيره، انتهى إلى جعل السلطة غاية بحد ذاتها، متخليا عن مبادئه الإصلاحية، وفقا للكاتب.
وكمثال على ذلك، يقول الكاتب، إن ماكرون اختار التخلي عن إحدى الحقائق القليلة التي آمن بها والتي انتُخب على أساسها عام 2022 وهي إصلاح نظام التقاعد، وهكذا، لم تعد سلطة ماكرون وسيلة لتحقيق غاية، بل أصبحت غاية بحد ذاتها، وفقا للكاتب.
وهنا يلخص الكاتب مقاله بما قاله جاك جوليارد، وهو أحد أبرز المتخصصين في فكر فايل، بأنه يجب فهم دعوة الفيلسوفة إلى أنها تروج لــ "إلغاء الأحزاب" كفكرة تنظيمية مثالية لا كأمر سلطوي، فهي دعوة إلى تجاوز التحزب نحو ديمقراطية روحية وعقلانية يكون فيها التفكير، لا الولاء، هو معيار الفعل السياسي، على حد قول لو كور.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: غوث حريات دراسات الأحزاب السیاسیة
إقرأ أيضاً:
ما ينبغي أن يقال في ذكرى تحرير ليبيا
تاريخ 23 أكتوبر هو الذكرى السنوية لـ "التحرير"، والإشارة هنا إلى الإعلان عن تحرر البلاد من قبضة النظام السابق العام 2011م، حيث أصبح هذا اليوم عطلة رسمية كل عام من ذلك التاريخ، غير أن هناك ما ينبغي عن يقال عن هذا الحدث، ذلك أن التحرير اقتصر على التخلص من قبضة الاستبداد والدكتاتورية، ولم يتسع ليشمل التحرر من كل مظاهر الاستبداد وتوابعه التي ما تزال حاضرة إلى اليوم.
المسؤولون الليبيون الذين تعاقبوا على المناصب الحيوية في البلاد تلبسوا، بدرجات متفاوتة، بالسلوك الدكتاتوري: تفردوا بالقرار، وأقصوا الخصوم، ووقعوا في تجاوزات خطيرة، وإذا نظرت بشكل أعم، فإن في عقول جُل الليبيين دكتاتور صغير يحرك سلوكا يعرقل الانتقال وتخطي هذا الوضع البائس، ولهذا أسبابه ودوافعه.
ثقافة التسامح والحوار وقبول الرأي الآخر واحترام القوانين والعمل بشكل منظم ومنضبط ومؤسسي لا تزال مفقودة في الواقع الليبي، والاستثناء مساحته محدودة، واذا غابت هذه القيم والمبادئ، فإن البديل هو موروثات الدكتاتورية التي هي قرين التخلف.
لهذه الأسباب تعثر الانتقال بعد سقوط الدكتاورية في البلاد، ولهذه العلل يمكن أن تستمر حالة التخبط الراهنة، وأي جهود ومساعي لتجاوز الأزمة الخانقة سيكون نتيجها الإخفاق ما لم تراع الأسباب الحقيقة لاستمرار حالة التخلف والفشل في السير بثقة وثبات صوب الاستقرار والنهوض.
المنخنق السياسي والانفلات الأمني والتردي الاقتصادي والاجتماعي هي انعكاس لحالة التخلف التي هي إفراز المرحلة الدكتاتورية، ذلك أن جذور التأزيم في مختلف أبعاده ترجع إلى حقبة الاستبداد، والشواهد على ذلك عديدة، وليس هذا محل استعراضها، وبالتالي فإن تخطي الأزمة يكون من خلال التحلل من أفات التخلف والاستبداد.
سياسيا تقف ليبيا اليوم على مفترق طريق له ثلاث مخارج: إما السير الصحيح صوب الاستقرار والنهوض عبر الأخذ بمقومات الانتقال الصحيح، وإما المراوحة باستمرار حالة النزاع الراهنة، والمراوحة لا تعنمي الثبات على هذا الوضع، بل هي سير إلى المجهول وانزلاق إلى وضع أشدا تعقيدا وتأزيما، وثالث المخارج هو العودة إلى الاستبداد.
المسار الانتقالي الرشيد إلى فضاء الحريات والحقوق والمؤسسات وسيادة القانون له اشتراطاته ومقوماته، وهو مسار شاق وطويل، ولكن لا بديل عنه للولوج إلى التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والانحراف عنه يكون بسبب غياب الرؤية والمعرفة وخوار الهمة والهزيمة النفسية، وهذا فرق جوهري عند الحث عن مقومات الانتقال وعوامل نجاحه.حالة المراوحة تغذي شرايين الاستبداد وتمهد له الطريق، ذلك أن الغالبية العظمى من المواطنين يستجيبون إلى ما يعتقدونه الخلاص من الفوضى والاضطراب السياسي والأمني والتردي الاقتصادي والاجتماعي، ويكونون عرضة للتسليم بالحكم الدكتاتوري اعتقادا أنه وسيلة الوصول إلى بر الآمان، لذلك فإن استمرار الحالة الراهنة هي بمثابة الدفع باتجاه البديل الاستبدادي.
المسار الانتقالي الرشيد إلى فضاء الحريات والحقوق والمؤسسات وسيادة القانون له اشتراطاته ومقوماته، وهو مسار شاق وطويل، ولكن لا بديل عنه للولوج إلى التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والانحراف عنه يكون بسبب غياب الرؤية والمعرفة وخوار الهمة والهزيمة النفسية، وهذا فرق جوهري عند الحث عن مقومات الانتقال وعوامل نجاحه.
دراسة لمعهد "أيديا انترنشنوال" أكدت أن تحقيق الانتقال من حالة التخلف والاستبداد إلى الاستقرار والنهوض تعتمد بدرجة كبيرة على القيادة التي تشرف على مرحلة الانتقال، وأن هذه القيادة ينبغي أن تتحلى بسمات وخصائص من أهمها:
ـ الرؤية والتخطيط الاستراتيجي للانتقال.
ـ القدرة على التعبئة واحتواء كافة المكونات والقوى على الأرض.
ـ التحمل والاستعداد للتضحية في مواجهة التحديات.
ـ الاعتماد على كوادر مؤهلة للسير بقاطرة الانتقال صوب محطتها الاخيرة.
والحقيقة أن أبرز سبب من أسباب تعثر عملية الانتقال في ليبيا بعد العام 2011م هو الافتقار إلى القيادة وفق الخصائص المشار إليها، ذلك أن من أشرفوا على تسيير المرحلة الانتقالية وقعوا في شرك ردود الفعل، وانقادوا وفق رغبات ومصالح ومطالب مختلف الفواعل على الأرض، السياسية، الأمنية، الاجتماعية..الخ.
"جوهان غالتنغ"، المختص في قضايا النزاع والسلم، يرى أن حلقة النزاع في دول الأزمات يمكن أن يمتد عمرها بالمراوحة بين فترة قصيرة من السلم تعقبها مواجهات مسلحة، وأن هذا الوضع قابل للاستمرار ما لم يتم كسر حلقة النزاع بمقاربة تنهي النزاع كليا، تقوم هذه المقاربة على ركيزتين أساسيتين:
1 ـ الإجراءات التأسيسية وتشمل عدد من المقاربات الجزئية هي العدالة البناءة التي تعالج جذور الأزمة، والتحول الثقافي الذي يفرض قيم التسامح والحوار كبديل للتنازع، المؤسسات القوية، السياسية والاقتصادية والقضاءية، والمجتمعية، التي تملئ الفراغات وتعالج المشكلات.
2 ـ الإجراءات الوقائية، وتتضمن وضع دستور ينظم العلاقات ويحفظ الحقوق، والتنمية الاقتصادية التي تحقق مستوى مقبول من العيش الكريم، والتعليم الذي يلعب دورا في بناء الوعي.
إن الخلاصة النهائية لإجراءات كسر حلقة النزاع هي بناء مجتمع ناضج رافض للنزاع ومحرك رئيسي باتجاه الاستقرار والتقدم على مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.