ما ينبغي أن يقال في ذكرى تحرير ليبيا
تاريخ النشر: 25th, October 2025 GMT
تاريخ 23 أكتوبر هو الذكرى السنوية لـ "التحرير"، والإشارة هنا إلى الإعلان عن تحرر البلاد من قبضة النظام السابق العام 2011م، حيث أصبح هذا اليوم عطلة رسمية كل عام من ذلك التاريخ، غير أن هناك ما ينبغي عن يقال عن هذا الحدث، ذلك أن التحرير اقتصر على التخلص من قبضة الاستبداد والدكتاتورية، ولم يتسع ليشمل التحرر من كل مظاهر الاستبداد وتوابعه التي ما تزال حاضرة إلى اليوم.
المسؤولون الليبيون الذين تعاقبوا على المناصب الحيوية في البلاد تلبسوا، بدرجات متفاوتة، بالسلوك الدكتاتوري: تفردوا بالقرار، وأقصوا الخصوم، ووقعوا في تجاوزات خطيرة، وإذا نظرت بشكل أعم، فإن في عقول جُل الليبيين دكتاتور صغير يحرك سلوكا يعرقل الانتقال وتخطي هذا الوضع البائس، ولهذا أسبابه ودوافعه.
ثقافة التسامح والحوار وقبول الرأي الآخر واحترام القوانين والعمل بشكل منظم ومنضبط ومؤسسي لا تزال مفقودة في الواقع الليبي، والاستثناء مساحته محدودة، واذا غابت هذه القيم والمبادئ، فإن البديل هو موروثات الدكتاتورية التي هي قرين التخلف.
لهذه الأسباب تعثر الانتقال بعد سقوط الدكتاورية في البلاد، ولهذه العلل يمكن أن تستمر حالة التخبط الراهنة، وأي جهود ومساعي لتجاوز الأزمة الخانقة سيكون نتيجها الإخفاق ما لم تراع الأسباب الحقيقة لاستمرار حالة التخلف والفشل في السير بثقة وثبات صوب الاستقرار والنهوض.
المنخنق السياسي والانفلات الأمني والتردي الاقتصادي والاجتماعي هي انعكاس لحالة التخلف التي هي إفراز المرحلة الدكتاتورية، ذلك أن جذور التأزيم في مختلف أبعاده ترجع إلى حقبة الاستبداد، والشواهد على ذلك عديدة، وليس هذا محل استعراضها، وبالتالي فإن تخطي الأزمة يكون من خلال التحلل من أفات التخلف والاستبداد.
سياسيا تقف ليبيا اليوم على مفترق طريق له ثلاث مخارج: إما السير الصحيح صوب الاستقرار والنهوض عبر الأخذ بمقومات الانتقال الصحيح، وإما المراوحة باستمرار حالة النزاع الراهنة، والمراوحة لا تعنمي الثبات على هذا الوضع، بل هي سير إلى المجهول وانزلاق إلى وضع أشدا تعقيدا وتأزيما، وثالث المخارج هو العودة إلى الاستبداد.
المسار الانتقالي الرشيد إلى فضاء الحريات والحقوق والمؤسسات وسيادة القانون له اشتراطاته ومقوماته، وهو مسار شاق وطويل، ولكن لا بديل عنه للولوج إلى التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والانحراف عنه يكون بسبب غياب الرؤية والمعرفة وخوار الهمة والهزيمة النفسية، وهذا فرق جوهري عند الحث عن مقومات الانتقال وعوامل نجاحه.حالة المراوحة تغذي شرايين الاستبداد وتمهد له الطريق، ذلك أن الغالبية العظمى من المواطنين يستجيبون إلى ما يعتقدونه الخلاص من الفوضى والاضطراب السياسي والأمني والتردي الاقتصادي والاجتماعي، ويكونون عرضة للتسليم بالحكم الدكتاتوري اعتقادا أنه وسيلة الوصول إلى بر الآمان، لذلك فإن استمرار الحالة الراهنة هي بمثابة الدفع باتجاه البديل الاستبدادي.
المسار الانتقالي الرشيد إلى فضاء الحريات والحقوق والمؤسسات وسيادة القانون له اشتراطاته ومقوماته، وهو مسار شاق وطويل، ولكن لا بديل عنه للولوج إلى التقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والانحراف عنه يكون بسبب غياب الرؤية والمعرفة وخوار الهمة والهزيمة النفسية، وهذا فرق جوهري عند الحث عن مقومات الانتقال وعوامل نجاحه.
دراسة لمعهد "أيديا انترنشنوال" أكدت أن تحقيق الانتقال من حالة التخلف والاستبداد إلى الاستقرار والنهوض تعتمد بدرجة كبيرة على القيادة التي تشرف على مرحلة الانتقال، وأن هذه القيادة ينبغي أن تتحلى بسمات وخصائص من أهمها:
ـ الرؤية والتخطيط الاستراتيجي للانتقال.
ـ القدرة على التعبئة واحتواء كافة المكونات والقوى على الأرض.
ـ التحمل والاستعداد للتضحية في مواجهة التحديات.
ـ الاعتماد على كوادر مؤهلة للسير بقاطرة الانتقال صوب محطتها الاخيرة.
والحقيقة أن أبرز سبب من أسباب تعثر عملية الانتقال في ليبيا بعد العام 2011م هو الافتقار إلى القيادة وفق الخصائص المشار إليها، ذلك أن من أشرفوا على تسيير المرحلة الانتقالية وقعوا في شرك ردود الفعل، وانقادوا وفق رغبات ومصالح ومطالب مختلف الفواعل على الأرض، السياسية، الأمنية، الاجتماعية..الخ.
"جوهان غالتنغ"، المختص في قضايا النزاع والسلم، يرى أن حلقة النزاع في دول الأزمات يمكن أن يمتد عمرها بالمراوحة بين فترة قصيرة من السلم تعقبها مواجهات مسلحة، وأن هذا الوضع قابل للاستمرار ما لم يتم كسر حلقة النزاع بمقاربة تنهي النزاع كليا، تقوم هذه المقاربة على ركيزتين أساسيتين:
1 ـ الإجراءات التأسيسية وتشمل عدد من المقاربات الجزئية هي العدالة البناءة التي تعالج جذور الأزمة، والتحول الثقافي الذي يفرض قيم التسامح والحوار كبديل للتنازع، المؤسسات القوية، السياسية والاقتصادية والقضاءية، والمجتمعية، التي تملئ الفراغات وتعالج المشكلات.
2 ـ الإجراءات الوقائية، وتتضمن وضع دستور ينظم العلاقات ويحفظ الحقوق، والتنمية الاقتصادية التي تحقق مستوى مقبول من العيش الكريم، والتعليم الذي يلعب دورا في بناء الوعي.
إن الخلاصة النهائية لإجراءات كسر حلقة النزاع هي بناء مجتمع ناضج رافض للنزاع ومحرك رئيسي باتجاه الاستقرار والتقدم على مختلف المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الذكرى التحرير الرأي ليبيا ليبيا ذكرى تحرير سياسة رأي مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ذلک أن
إقرأ أيضاً:
دور التوثيق وكشف الحقيقة في الوقاية من تجدد الصراع
يمثل منع تجدد الصراع في مجتمعات ما بعد الحرب كسوريا أحد أكثر التحديات إلحاحا في مسارات بناء السلام المعاصرة؛ ومع تعرض ما يقارب 33% من هذه المجتمعات لانتكاسة إلى العنف المسلح خلال خمس سنوات، تصبح إقامة آليات مستدامة للسلام أولوية قصوى.
في هذا السياق يبرز التوثيق وكشف الحقيقة بوصفهما تدخلات أساسية؛ فهما ليسا مجرد حفظ للسجلات التاريخية، بل هما ركيزتان تأسيسيتان لبنية الوقاية من النزاعات.
إذ تنتج هذه العمليات سجلات موثوقة ترسي أسسا واقعية للتفاهم المشترك، وتيسر آليات المساءلة ذات الأثر الرادع، وتوفر مؤشرات منهجية لتقدير احتمالات عودة العنف.
ويستند الإطار النظري لوظيفة التوثيق الوقائية إلى قدرته على تفكيك بنى الإنكار، وبناء ذاكرة مؤسسية، وتثبيت أسس اجتماعية مقاومة للتلاعب بالمظالم التاريخية لأغراض التعبئة السياسية.
لجان الحقيقة والذاكرة المؤسسيةيتجلى البعد المؤسسي للتوثيق عبر لجان الحقيقة التي تعد من أكثر أدوات الوقاية تطورا من خلال آليات منهجية لتقصي الحقائق؛ تنتج هذه اللجان اعترافا رسميا يعيد تشكيل مشهد الخطاب التاريخي ويضيق هوامش التلاعب بالروايات مستقبلا.
ويعبر إطار العدالة الانتقالية في الاتحاد الأوروبي عن هذا المبدأ بصورة واضحة، مؤكدا أن تجاهل مظالم الماضي، وعدم معالجتها بالتوثيق المنهجي وتقصي الحقائق يضعفان استدامة السلام ويفاقمان مخاطر تجدد العنف.
يبين هذا التصور الوظيفة الوقائية للتوثيق في كسر دوامات الإفلات من العقاب وإرساء أنماط من المساءلة تولد أثرا رادعا ضد الانتهاكات اللاحقة.
تركز الفلسفة التشغيلية للجان الحقيقة عمدا على مكامن القصور المؤسسي بدلا من حصر المسؤولية في الأفراد، فتوجه عملها نحو توصيات للإصلاح الهيكلي تعالج الأسباب الجذرية للصراع.
ويتيح هذا التركيز المؤسسي تحديد الأنماط المنهجية داخل البنى العسكرية والأمنية والقضائية التي تتطلب تحولا بنيويا لمنع تكرار الانتهاكات.
إعلانويعمل المنطق الوقائي عبر مسارات متعددة:
اعتراف رسمي يرسخ أسسا تاريخية مشتركة تحد من قابلية توظيف المظالم وتوصيات إصلاح مؤسسي تعالج نقاط الضعف الهيكلية التي مكنت الانتهاكات سابقا وعملية توثيق تقيم سوابق للمساءلة تعدل حسابات الجناة المحتملين عند التفكير في ارتكاب انتهاكات مستقبلية. توثيق المجتمع المدني وتكامل منظومات الإنذار المبكرتحتل منظمات المجتمع المدني، كالشبكة السورية لحقوق الإنسان، موقعا محوريا في منظومة التوثيق من خلال إنشاء أرشيفات مجتمعية ومشاريع ذاكرة تكمل الإجراءات الرسمية وتعالج قيودها؛ وتحقق هذه المبادرات آثارا وقائية عبر مسارات متوازية:
تعزيز التماسك الاجتماعي بإبراز المعاناة المشتركة عبر خطوط النزاع. صون المعارف المحلية التي قد تغفلها الآليات الرسمية. تدعيم المؤسسات الديمقراطية عبر توسيع قنوات المساءلة.ويرتكز الأساس لتوثيق المجتمع المدني على بناء قاعدة شعبية داعمة لجهود الوقاية ومعالجة الأسباب الجذرية من منظور مجتمعي قد لا تلتقطه الآليات الرسمية بالقدر الكافي.
ويمثل دمج التوثيق مع منظومات الإنذار المبكر تطورا مهما في منهجيات الوقاية؛ إذ يتطلب الإنذار الفعال جمعا منهجيا للبيانات وتحليلا للمؤشرات الدالة على احتمالات تكرار العنف، وهو ما يستلزم توثيقا شاملا للانتهاكات السابقة؛ لتوفير خطوط مرجعية واكتشاف الأنماط القابلة للتكرار. وبدون معالجة العوامل الهيكلية المغذية للصراع عبر توثيق شامل ومحاسبة، تبقى المجتمعات عرضة لتوظيف المظالم التاريخية في المكاسب السياسية.
ويتطلب التوثيق الفعال عمليات سريعة وشاملة وجامعة وتشاركية ومراعية للسياق ومتمحورة حول الضحايا ومراعية للفوارق بين الجنسين، بما يضمن معالجة الأسباب الجذرية لا مجرد سرد الوقائع.
وينتج هذا التكامل أطرا تحليلية قادرة على رصد الأنماط في الانتهاكات الموثقة واستشراف المخاطر الناشئة، بما يحول الأرشيفات من مخازن ساكنة إلى أدوات وقائية ديناميكية.
أنظمة الحفظ الرقمي وتحدياتهاأحدثت الثورة الرقمية تحولا نوعيا في القدرة الوقائية للتوثيق، إذ وفرت إمكانات غير مسبوقة للحفظ الآمن وإتاحة الوصول على المدى الطويل؛ ويرسي بروتوكول بيركلي للتحقيقات الرقمية مفتوحة المصدر معايير منهجية تضمن بقاء القيمة القضائية للتوثيق عبر العقود، بما يخلق أثرا رادعا مستداما من خلال إبقاء إمكانية المساءلة قائمة في المستقبل.
وتظهر الأرشيفات الرقمية كيف يسهم التوثيق الجمعي في ترسيخ القيمة الإثباتية، فضلا عن دوره الإبداعي في عمليات التعافي المجتمعي.
وتتبدى الأهمية للحفظ الرقمي الآمن في قدرته على صون توافر الأدلة أمام آليات المساءلة المقبلة، حتى عند تعذر العدالة الفورية بسبب استمرار النزاع أو القيود السياسية.
وينتج هذا الامتداد الزمني لإمكانات المساءلة ما يمكن تسميته "الردع المؤجل"، حيث يضطر الجناة المحتملون إلى احتساب كلفة فورية وأخرى مستقبلية غير محددة سلفا.
تواجه جهود التوثيق تحديات بنيوية في المجتمعات شديدة الانقسام التي تحتفظ بفهم متعارض جذريا للوقائع الماضية؛ وإدراك أن التوثيق وحده قد لا يكفي لتعديل المعتقدات الراسخة، ما يستدعي إستراتيجيات متكاملة تركز على الاعتراف المشترك بالصدمات، بدلا من الاتكال على الدقة التاريخية وحدها.
إعلانويشير هذا التصور النظري إلى أن الوقاية عبر التوثيق تتطلب مناهج متقدمة توازن بين دقة الحقائق وشمولية السرد، على نحو يفسح المجال لتعدد وجهات النظر مع الإبقاء على معايير الأدلة الأساسية.
كما يفترض تحدي الاستدامة التزاما مؤسسيا طويل الأمد يتجاوز الفترات الانتقالية المباشرة لما بعد النزاع، عبر تحصين الأرشيفات وآليات البحث عن الحقيقة بالتنظيم القانوني والتمويل المستدام لضمان استمرار فاعليتها الوقائية.
ويتطلب التخطيط لسيناريوهات عدم اليقين تصميما مؤسسيا خاصا يوازن بين الإتاحة والأمن، وبين المشاركة والحماية، وبين الشمولية والجدوى.
خاتمةيتجاوز التوثيق وكشف الحقيقة حدود حفظ السجلات ليشكلا بنية تحتية للوقاية المستدامة من النزاعات؛ فهما ينشئان ذاكرة مؤسسية وروايات مشتركة وآليات مساءلة قادرة على كسر دوامات العنف وترسيخ سلام صامد.
ويبين هذا التحليل أن التوثيق يعمل عبر قنوات وقائية متعددة: بناء سجلات تاريخية موثوقة تقاوم التلاعب، وفتح مسارات للإصلاح المؤسسي تعالج مواطن الضعف البنيوية، وتعزيز التماسك الاجتماعي عبر عمليات الاعتراف المشتركة، والحفاظ على إمكانات مساءلة دائمة تعيد تشكيل حسابات الجناة. ويعزز التوجه نحو الأنظمة الرقمية هذه القدرات الوقائية، مع إدخال تعقيدات جديدة تتطلب منهجيات أكثر تطورا.
وفي مجتمعات ما بعد النزاع كسوريا، يكمن التحدي في تحويل التوثيق الشامل إلى آليات وقائية فاعلة عبر عمليات شاملة للبحث عن الحقيقة والعدالة، وإصلاحات مؤسسية، ومشاركة مجتمعية مستدامة تشيد ذاكرة جماعية تخدم السلام بدلا من إعادة إنتاج النزاع.
وتكمن القوة الوقائية للتوثيق في توظيفها الإستراتيجي داخل أطر شاملة لبناء السلام تعالج الأسباب البنيوية والانقسامات الاجتماعية التي تبقي قابلية النزاع حية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline