NYT: كيف تبنى المرشح لعمدة نيويورك زهران ممداني القضية الفلسطينية؟
تاريخ النشر: 28th, October 2025 GMT
استعرضت صحيفة نيويورك تايمز، مسيرة حياة المرشح لمنصب عمدة نيويورك، زهران ممداني، والذي أشارت إلى أن عائلته ومسيرته الدراسية في الجامعة، كانت تتجه نحو مناهضة الاحتلال لفلسطين، ودعم القضية الفلسطينية.
ولفتت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21" إلى أن ممداني، يشير إلى أنه بأنه منفتح على الجميع، ورغم أنه كان يعرف جامعيا على المستوى الرياضي لكنه انخرط في السياسة منذ ذلك الوقت.
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
لم يكن هذا الطالب النحيل القادم من مدينة نيويورك يُجسّد صورة الناشط المتطرف في الحرم الجامعي. كان يرتدي سترة شبابية ويبتسم ابتسامة عريضة، ويرتجل أحيانًا مقاطع راب لإثارة إعجاب أصدقائه، ويكتب مقالات ساخرة عن نفسه في صحيفة الجامعة، يتناول فيها عدة مواضيع من بينها كسر الحدود الأخلاقية أثناء حفلات الرقص.
لكن بالنسبة للأصدقاء وزملاء الدراسة الذين عرفوا زهران ممداني في كلية بودوين مطلع العقد الثاني من الألفية، لم يكن هناك شك في مدى التزامه بالقضية التي اختارها: النضال الفلسطيني ضد إسرائيل.
ففي حرم جامعي في نيو إنغلاند يُعرف بالرياضة أكثر من النشاط السياسي، أسّس فرعًا لمنظمة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” قبل أن تتحول إلى منظمة مؤثرة على مستوى وطني، وقاد حملة لحث الكلية على الانضمام إلى المقاطعة الأكاديمية ضد “الاحتلال والسياسات العنصرية” الإسرائيلية (وهو ما قابله رئيس الكلية بالرفض).
كان منفتحًا على الحوار مع وجهات نظر مختلفة، ولكن إلى حد معين. عندما اجتاحت موجة عنف منطقة الشرق الأوسط عام 2012، أقنعه زملاؤه بالمشاركة في فعالية تعليمية مشتركة مع منظمة “جي ستريت يو”، وهي مجموعة ليبرالية مؤيدة لإسرائيل تدعم حل الدولتين.
بالنسبة لهم، بدت الجلسة نموذجًا واعدًا للتعاون المستقبلي. لكن بعد ذلك، أنهى ممداني الشراكة بكل أدب، حسب رئيس منظمة “جي ستريت يو”، يهوذا إيسيروف. وقد أوضح حينها أن الأمر ليس شخصيًا، بل إن “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” يتبعون سياسة مناهضة للتطبيع، ما يعني أنهم لن يتعاونوا مع منظمات تدعم إسرائيل.
قال إيسيروف، الذي يُدرّس حاليا الفكر والسياسة اليهودية في جامعة واشنطن في سانت لويس: “لم تصل الأمور يومًا إلى حد العداء. ولم تكن مناهضة التطبيع التوقف عن تناول الغداء معًا. لكنني وجدت هذا الموقف إلى حد ما هزيمة ذاتية”.
بعد أكثر من عقد، صعد زهران ممداني، البالغ من العمر 33 عامًا، بسرعة لافتة في الساحة السياسية لمدينة نيويورك، ليبرز كمرشح الحزب الديمقراطي الأوفر حظًا لمنصب العمدة، مستندًا إلى كاريزما هادئة وتركيزه على أزمة القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة في المدينة.
لكن في سباق انتخابي تهيمن عليه المعارك حول تجميد الإيجارات وسياسات الشرطة، شكّلت مواقفه الراسخة بشأن إسرائيل والفلسطينيين نقطة جدل فريدة، وكانت حافزًا رئيسيًا لدعمه مبكرا، لكنها أيضًا من أبرز نقاط ضعفه.
كان برنامج ممداني المؤيد علنا للفلسطينيين شيئا يصعب تصوره بالنسبة لمرشح بارز لمنصب العمدة في وقت سابق. منذ هجوم حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، والذي دفع المنطقة إلى حرب شاملة، اتهم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، وتعهّد باعتقال زعيمها، وقال إنه لا يستطيع دعم دولة تُعرّف نفسها رسميًا كدولة يهودية وتمنح الفلسطينيين حقوقًا أدنى.
في الذكرى الثانية للمجزرة، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية إدانة غير معتادة، واصفة إياه بأنه “ناطق باسم دعاية حماس”، رغم إدانته للمجزرة التي ارتكبتها الحركة. ومع ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي أن سكان نيويورك، مع استمرار الحرب، باتوا يقتربون من موقف ممداني، وهو موقف كان يومًا ما بعيدًا عن التيار السائد.
وفي وقت يسعى فيه ممداني، بوصفه اشتراكيًا ديمقراطيًا، إلى طمأنة سكان نيويورك بأنه منفتح على التسويات، تبقى هذه القضية تحديدًا هي الوحيدة التي لم يتزحزح عنها.
لفهم السبب، وكيف أصبحت إحدى أكثر القضايا تعقيدا في السياسة العالمية محورًا أساسيًا في صعوده السياسي، لا بد من تجاوز السباق الانتخابي الحالي، والنظر إلى البيئة النخبوية التي شكّلت رؤية الابن الوحيد لمفكرَين مرموقَين، وإلى الحرم الجامعي الذي بدأ فيه ترجمة تلك الرؤية إلى أفعال.
إنها قصة تبدأ في أوغندا وجنوب أفريقيا، حيث تعلّم ممداني لأول مرة أن يرى معاناة الفلسطينيين كجزء من النضال ضد الاستعمار، وهو ما شكّل هوية عائلة والده المسلمة.
كان منزل العائلة يستضيف لقاءات مستمرة مع إدوارد سعيد وغيره من أبرز المفكرين الفلسطينيين الأمريكيين. وتُسهم هذه الخلفية في تفسير الطريقة التي تشكل بها فكر ممداني السياسي، وعدم إيمانه بالسياسات الديمقراطية التقليدية، وانضمامه إلى منظمة الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا.
وقبل شهر من يوم الانتخابات، قد تؤشر تلك الخلفية إلى صراعات محتمل إذا ما تم انتخابه عمدةً للمدينة، بين قناعاته الراسخة كناشط، ومتطلبات إدارة مدينة متنوعة يبلغ عدد سكانها ثمانية ملايين نسمة.
وقد أقرّ ممداني بأن كثيرًا من سكان نيويورك يرون الصراع من منظور مختلف، وتعهد بأن يكون عمدةً لهم جميعًا. لكنه قال في مقابلة صحفية إنه أدرك منذ صغره وجود “تناقض صارخ”، حيث تُهمّش حقوق ومصالح الفلسطينيين لتبرير التحالف الأمريكي الإسرائيلي.
وأضاف: “قيمة السياسة تنبع من تطبيقها على الجميع، وأعتقد أن جزءًا من سبب فقدان الكثيرين الثقة في السياسة هو غياب هذا الاتساق”.
“أشخاص أدين لهم بكل شيء”
عندما كان طفلا في المرحلة الابتدائية، كان ممداني يتمتع بذكاء فائق وكان يلتهم كتب هاري بوتر، وقد فاجأ والده بطلب غير متوقع: هل يمكنه أن يبدأ بقراءة أعماله الأكاديمية له بصوت عالٍ؟
يقول والده، محمود ممداني، في كتاب له نُشر عام 2001: “عندما لم تنجح محاولاتي في أن أشرح له أن كتابتي لا تناسب القراءة قبل النوم، بدأت أبحث عن أجزاء يمكن قراءتها لطفل في الثامنة دون ضرر”.
في ذلك الوقت، كان البروفيسور ممداني يُنهي دراسة عن الإبادة الجماعية في رواندا، وكان ذلك نموذجيًا لاهتماماته – مثل إرث السلطة الاستعمارية والاستيطانية، والصراعات التي خلّفتها، وكيف يمكن لضحايا القمع العنيف أن يتحولوا إلى جناة – والتي نقلته من كمبالا في أوغندا إلى جنوب أفريقيا عقب نهاية نظام الفصل العنصري، ثم في مطلع القرن إلى جامعة كولومبيا في نيويورك.
يتركز الاهتمام في طفولة ممداني على والدته ميرا ناير، وهي مخرجة شهيرة حائزة على جوائز سينمائية، وقد عملت مع دينزل واشنطن وشركة ديزني.
لكن تفاعله العميق مع والده ساهم أيضًا في تشكيل رؤيته للعالم. فرغم أن كتابات البروفيسور ممداني كانت أكاديمية ولا تحظى بمتابعة شعبية واسعة، إلا أنه كان جزءًا من مجموعة من المؤرخين والمنظرين، معظمهم من جامعة كولومبيا، ساهمت أعمالهم في إعادة تشكيل نظرة بعض الغربيين – خصوصًا في الأوساط اليسارية – إلى قضايا العِرق والاستعمار وعنف الدولة.
كان زملاؤه جزءًا من حياة عائلية في شقة أعضاء هيئة التدريس بشارع ريفرسايد بمنطقة “مورنينغسايد هايتس”. كان إدوارد سعيد أبرز المدافعين عن استقلال فلسطين في الولايات المتحدة قبل وفاته عام 2003. كما كان رشيد ومنى الخالدي، وهما من أبرز الأكاديميين الفلسطينيين الأمريكيين، من أصدقاء العائلة المقربين.
وقال تيموثي ميتشل، زميل آخر من جامعة كولومبيا،: “كانت بالتأكيد بيئة يشارك فيها طلاب الصف الثامن والتاسع والعاشر في النقاشات بنفس قدر مشاركة البالغين”.
وقد عبّر ممداني بوضوح عن ارتباطه الوثيق بوالديه، قائلاً عام 2020: “هؤلاء هم الأشخاص الذين أدين لهم بكل شيء، ليس فقط على الصعيد الشخصي، بل الأفكار التي أتبناها أيضا”.
وفي مقابلة أُجريت معه الأسبوع الماضي، قال إنه استغرق وقتًا ليُدرك أن الشخصيات التي شكّلت طفولته كانت أيضًا شخصيات سياسية. وأضاف: “جزء من نضجي كان في فهم من كان يجلس إلى الطاولة قبل سنوات”. ومع ذلك، تسللت إليه بعض الرسائل.
قال البروفيسور ممداني إن أول عمل شاركه مع ابنه الصغير تضمّن مقتطفات من الكتاب الأقرب إلى تجربته الشخصية، وعنوانه “من مواطن إلى لاجئ“. يسرد ممداني الأب في الكتاب كيفية وصول العائلات الهندية، مثل عائلته، إلى شرق أفريقيا في ظل الاستعمار البريطاني، ثم طردهم لاحقا في سبعينيات القرن الماضي من أوغندا في ظل حكم الديكتاتور عيدي أمين. (وقد وصف ممداني أيضًا علاقته الوثيقة بجده، الذي قال إنه “فقد الكثير من حيويته” بعد الهجرة).
في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، أعادت الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهي انتفاضة استمرت سنوات وحدثت خلالها تفجيرات نفذها مسلحون فلسطينيون، مع ردود عسكرية من الجيش الإسرائيلي، تسليط الضوء الدولي على القضية الفلسطينية، ولم يقف أفراد عائلة ممداني مكتوفي الأيدي.
ففي عام 2002، وقّع البروفيسور ممداني على عريضة من أعضاء هيئة التدريس تطالب جامعة كولومبيا بسحب استثماراتها من الشركات التي تبيع أسلحة لإسرائيل. (وبعد أكثر من عقدين، في ربيع عام 2024، وسط موجة احتجاجات في الولايات المتحدة ضد الحرب على غزة، أشرف على جلسة تثقيفية لطلاب جامعة كولومبيا الذين نظموا اعتصامًا يطالب بسحب الاستثمارات).
وفي عام 2013، رفضت ناير دعوة للمشاركة في مهرجان حيفا السينمائي الدولي، في خطوة احتجاجية، وقارنت الوضع هناك بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وكتبت ناير: “سأذهب إلى إسرائيل عندما تسقط الجدران. سأذهب إلى إسرائيل عندما ينتهي الاحتلال”.
عندما بلغ زهران ممداني سن المراهقة، كان والده قد بدأ يتناول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في أعماله الأكاديمية.
الكتاب الذي نتج عن هذا المسار، بعنوان “لا مستوطن ولا مواطن”، هو دراسة مقارنة تتبّع نشأة الدول القومية الحديثة، وبنية السلطة الاستعمارية، وتشكّل العالم المعاصر. لكنه يطرح رؤية لإسرائيل تختلف جذريًا عن تلك التي تتبناها الحكومتان الإسرائيلية والأمريكية.
وكتب البروفيسور ممداني أن الصراع في إسرائيل، الذي تعود جذوره إلى أوائل القرن العشرين، ليس في جوهره صدامًا “بين اليهود ومن يكرهونهم”، بل هو “بين المستوطنين والمجتمع الذي سلبوا منه أرضه”.
وبحسب تحليله، فإن الصهاينة، الداعين إلى إقامة دولة يهودية صريحة، تحوّلوا من ضحايا للهولوكوست إلى موقع ممارسة الاضطهاد، عبر الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وبناء منظومة قانونية تجعل الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية.
وقد جادل المنتقدون بأن إسقاط نموذج الاحتلال الاستيطاني على ما حدث في الشرق الأوسط يُحمّل مجموعة من اللاجئين اليهود مسؤولية أخلاقية غير منصفة، ويتجاهل التاريخ الطويل لوجود اليهود في المنطقة، كما يُقلل من عداء بعض العرب تجاه اليهود.
في كتاباته ومحاضراته، دعا البروفيسور ممداني إلى إنشاء دولة ديمقراطية علمانية واحدة في المنطقة، على غرار دولة جنوب أفريقيا التي درّس فيها بعد نهاية نظام الفصل العنصري. ويرى بعض المدافعين عن إسرائيل أن هذا النموذج قد يعرّض اليهود في المنطقة للعنف، بينما يرى ممداني أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق.
وقال في محاضرة عام 2014: “يتمثل التحدي الفلسطيني في إقناع اليهود في إسرائيل والعالم، بأن أمن الوطن اليهودي على المدى البعيد في فلسطين التاريخية يتطلب تفكيك الدولة اليهودية، تمامًا كما حدث في جنوب أفريقيا”.
أما زهران ممداني، فقد قال إنه لم يطّلع إلا على “أجزاء” من كتاب والده حول هذا الموضوع، واستند إلى مصادر أخرى. ومع ذلك، تظهر أوجه تشابه واضحة بين تفكير والده وطروحاته الخاصة حول الصراع.
وقال في مقابلة تلفزيونية في يونيو/ حزيران الماضي: “لا أشعر بالارتياح لدعم أي دولة تُقيم تراتبية في المواطنة على أساس الدين أو أي معيار آخر”.
وقد استلهم أيضًا من نيلسون مانديلا، الذي كان من أبرز المؤيدين للقضية الفلسطينية. وقال في مقابلة الأسبوع الماضي إنه يتذكر “الطريقة التي كان يتحدث بها عن فلسطين بوصفها قضية إنسانية شاملة، وكان ذلك بمثابة البوصلة بالنسبة لي”.
“محاور هاوٍ”
بالنسبة لممداني، الذي قضى طفولته بين مدينة نيويورك وأفريقيا ومواقع بعيدة لتصوير الأفلام، شكّلت السنة الأولى في كلية بودوين، الواقعة في ولاية مين الباردة ذات الأغلبية البيضاء، تحولًا كبيرا في حياته.
بتكلفة تقارب 60,000 دولار سنويًا، كانت بودوين تُعرف بأنها من أبرز كليات الفنون الحرة في الولايات المتحدة، لكنها اشتهرت أيضًا بالطعام الفاخر وثقافة رياضية طاغية.
انخرط ممداني بحماس في الحياة الجامعية، حيث شارك في تمثيل إحدى المسرحيات وانضم إلى فريق تحرير صحيفة الطلاب “ذا بودوين أوريينت”. وفي أحد المقالات، روى كيف تم ضبطه وهو يسرق طاولة للعب “البير بونغ” في غرفته.
وكتب قائلًا: “ليست لعبة شرب، لأن ذلك مخالف للقواعد بالطبع، لذلك نلعب بالماء. المتعة ذاتها، لكن بترطيب مضاعف.”
قال أصدقاؤه وأساتذته إن ممداني لم يكن يتحدث أبدًا عن وظائف والديه، ولكن عندما عاد في سنته الجامعية الثالثة، بعد مشاركته في برنامج مكثف لتعلّم اللغة العربية خلال الصيف ورحلة مع والده وعمه في شرق أفريقيا، ظهر عليه التوجّه الجديد والانضباط الذي قرّبه أكثر من مجال عملهما.
وقد غيّر تخصّصه من “العلوم السياسية” إلى “دراسات أفريقية”، وهو برنامج متعدد التخصصات يجمع بين العلوم الاجتماعية والإنسانيات. وقد انجذب إلى أعمال فرانز فانون، الطبيب النفسي والمنظّر الذي أثارت كتاباته الجريئة عن الاستعمار وما ترتب عنها من عنف جدلا فكريا امتد لأجيال.
قال براين بورنيل، الأستاذ الذي أشرف على مشروع ممداني في سنة التخرج، والذي كان يربط بين نظرية العقد الاجتماعي للفيلسوف التنويري جان جاك روسو وأفكار فرانز فانون: “كان يطرح الأسئلة باستمرار، ويسعى لاستكشاف موضوعات تتعلق بالعدالة”.
وذكر بورنيل في مقابلة سابقة مع صحيفة “ذا فري برس” أنه ناقش أيضًا مع ممداني “ضرورة اللجوء للعنف في النضال المناهض للاستعمار” في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكنه رفض الخوض في التفاصيل مع صحيفة “نيويورك تايمز”، مكتفيًا بالقول إنها كانت “مناقشة أكاديمية متعمقة بين طالب وأستاذ”.
انخرط ممداني بشكل متزايد في النشاط السياسي خارج قاعات الدراسة. لكنه بدلًا من الانضمام إلى مجموعة طلابية كبيرة كانت تنظم حملات لسحب استثمارات الكلية من شركات الوقود الأحفوري، اختار مهمة أكثر طموحًا: السعي لرفع الوعي بشأن أوضاع الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، في وقت كانت فيه إسرائيل تعزز نفوذها الإقليمي.
وقالت سينيد لاميل، وهي عضوة يهودية في حركة طلاب من أجل العدالة في فلسطين: “بطريقة ما، نظرًا لأن بودوين جامعة محافظة جدًا وغنية وذات طابع بروتستانتي أنجليكاني، كان من المنطقي القيام بهذا النوع من النشاط، لأن الناس لم يكونوا يعرفون عنه شيئًا على الإطلاق”.
وقال إيسيروف إنه وجد في التزام ممداني السياسي جدية وصدقا حتى بعد أن توقفت منظماتهما عن العمل معًا. وكان الطالبان، إلى جانب عدد قليل من الطلاب الآخرين، يلتقون أحيانًا للنقاش حول الصراع أثناء تناول الغداء. (لم ينف ممداني رواية إيسيروف بشأن التعاون القصير بين المنظمتين، لكنه قال إنه لا يتذكر تلك الحادثة).
وقال إيسيروف: “كنا مجموعة من الطلاب الجامعيين الذين لم يكتمل نضجهم، وكأننا نؤدي الأدوار التي نريدها. كان من الطبيعي نوعًا ما أن نكون محاورين هواة”.
بلغ نشاط ممداني السياسي ذروته في سنته الجامعية الأخيرة، حين أطلقت حركة “طلاب من أجل العدالة في فلسطين” حملتها لإقناع كلية بودوين بالانضمام إلى مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. وقد أظهرت الصور أن ممداني وضع ملصقًا على حاسوبه المحمول كتب عليه “أوقفوا الفصل العنصري الإسرائيلي”، وكان يرتدي الكوفية أحيانًا. وكتب أن تلك المؤسسات “متواطئة بشكل مباشر وغير مباشر في الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية بجميع أشكالها الاستيطانية الاستعمارية”.
لم يكن هدف الحملة تغيير الأوضاع داخل الحرم الجامعي فقط، بل في الولايات المتحدة أيضًا، والتي وصفها ممداني بأنها “شريك إسرائيل الرئيسي في احتلال فلسطين”.
وقال في مقابلة مع محطة إذاعة محلية: “لقد أصبح هذا الموضوع قضية رئيسية. لم يعد بإمكانك أن تكون تقدميًا في كل شيء ما عدا فلسطين”.
كانت هذه المبادرة جزءًا من حركة أوسع تُعرف باسم “المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات“، والتي استُلهمت من حملات سحب الاستثمارات ضد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وتهدف الحملة إلى ممارسة ضغط دولي على إسرائيل لإنهاء احتلال الأراضي التي استولت عليها عام 1967، ومنح الفلسطينيين “المساواة الكاملة”، وضمان حق العودة للفلسطينيين الذين شُرّدوا في الحروب التي أدّت إلى نشأة إسرائيل. (يجادل منتقدو حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بأن استهداف إسرائيل في محاولة لنزع الشرعية عن الدولة اليهودية الوحيدة في العالم يُعدّ معاداة للسامية).
فشلت الحملة بسبب رفض رئيس كلية بودوين، باري ميلز، المقاطعة الأكاديمية، قائلاً إنها ستؤدي إلى “خنق النقاش وتقييد حرية تبادل الأفكار”.
لكن تلك التجربة كانت محورية بالنسبة لممداني في فهم قوة العمل السياسي المنظم، وهي تجربة سرعان ما سينقلها إلى ساحة أكبر بكثير.
وقال لاحقًا لصحيفة “ذا أوريينت”: “كنت أخوض نقاشات طويلة على فيسبوك مع أصدقائي حول الموضوع، دون أن أحقق أي تقدم. ثم أدركت أن مجرد مجموعة نشطة من عشرة أشخاص يمكنها أن تغيّر الخطاب بالكامل داخل الحرم الجامعي”.
ناشط ونائب ناشط
في عام 2015، بعد عام من تخرّجه، لفت مقال نُشر في صحيفة “ذا فيليج فويس” انتباه ممداني. كان يتناول قصة محامٍ أمريكي من أصل باكستاني يُدعى علي نجمي، يخوض سباقًا ليصبح أول مسلم يُنتخب في مجلس المدينة، وقد صادف أن حظي بدعم مغنّي الراب المفضل لدى ممداني “هيمس”.
كان ممداني يعيش في منزل العائلة ويعمل على أحد أفلام والدته بعنوان “ملكة كاتوي”، وبما أن لديه وقت فراغ، فقد وجد نفسه في ضواحي منطقة كوينز بعد رحلة استغرقت نحو ساعتين من مانهاتن.
يتذكر نجمي أن ممداني أقبل عليه بابتسامة عريضة، مرتديًا “قميصًا غريبًا”، ومن دون أي خبرة حقيقية. أمضيا ساعتين في طرق الأبواب معًا.
انتهت الحملة بالفشل، لكن شيئًا ما أشعل داخلها شرارة للعمل معا.
رأى ممداني إمكانية بناء نموذج سياسي على مستوى المدينة من النوع الذي كان يفكر فيه منذ صغره: سياسة تقدمية بلا مواربة، منفتحة على المسلمين، ومؤيدة للفلسطينيين. وفي السنوات التالية، قال إن اهتمامه بحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات قاده إلى الانضمام إلى منظمة “الاشتراكيين الديمقراطيين في أمريكا”. وقد تقدّم للعمل كمندوب ميداني في سلسلة من الحملات التمهيدية التقدمية، وبدأ بتطوير مجموعة أوسع من الأولويات فيما يتعلق بسياسات الإسكان والنقل.
وفي الفترة نفسها تقريبًا، استقطبه نجمي للانضمام إلى نادٍ سياسي جديد يُدعى “النادي الديمقراطي الإسلامي في نيويورك”، كان يسعى إلى بناء قوة سياسية لإحدى الشرائح السكانية الأسرع نموًا في المدينة.
وقال نجمي: “كنّا نعرف إمكانات زهران”، واصفًا إياه بأنه “رونالد ريغان الاشتراكي المسلم”. وأضاف: “لقد شجعناه”.
ومع ذلك، فوجئ بعض مؤيديه الأوائل عندما أصر على إدراج القضية الفلسطينية في أجندته السياسية المحلية.
ففي مدينة طالما افتخرت بعلاقة خاصة مع إسرائيل، واعتاد فيها المسؤولون المنتخبون حديثا على زيارتها في إطار رحلات تعليمية ممولة، كان معظم الديمقراطيين – وحتى كثير من المسلمين – يعتبرون توجيه انتقادات حادة لإسرائيل أمرًا محفوفًا بالمخاطر.
تتذكر بيث ميلر، المديرة السياسية لمنظمة “صوت اليهود من أجل السلام”، وهي منظمة يهودية مناهضة للصهيونية، ردّ فعلها عندما أدرج ممداني القضية الفلسطينية إلى جانب أولويات محلية أخرى خلال فعالية مرتبطة بحملته الأولى للترشح للجمعية التشريعية. وقالت: “أتذكر أنني قلت في نفسي إن هذا الخطاب لا نسمعه من كثير من المرشحين”.
بعد انتخابه في الجمعية التشريعية عام 2020، سرعان ما عُرف ممداني بأنه ناشط ملتزم سياسيا يجمع بين الاحترام والصرامة، وهي صفات صقلها خلال سنوات دراسته في بودوين. ورغم أنه عمل في الغالب ضمن المنظومة القائمة، إلا أنه أدرك قوة الرمزية والخطاب في تغيير مسار النقاش العام، وهو ما أكسبه قاعدة جماهيرية تفوق ما يحظى به عادةً نائب مبتدئ في الولاية.
وقال خلال مظاهرة أمام بعثة إسرائيل لدى الأمم المتحدة في مايو/ أيار 2021، بعد أشهر من بدء ولايته الأولى: “كل شخص بيننا يؤمن بالكرامة في غرينبوينت، عليه أن يؤمن بالكرامة في غزة”.
وأضاف: “سوف نحاسب كل شخص يملك سلطة في هذه المدينة، وفي هذه الولاية، وفي هذا البلد، على ولائه غير المبرر لدولة إسرائيل”.
وفي تجمّع نظّمته منظمة “صوت اليهود من أجل السلام” في التوقيت نفسه تقريبًا أمام منزل السيناتور تشاك شومر في بروكلين – وهو أعلى مسؤول يهودي في الولاية المتحدة – وصف ممداني الجمعية التشريعية بأنها “معقل للفكر الصهيوني”، وأعرب عن أسفه لوجود زملاء له لا يستطيعون إدراك “أن القوانين الاستثنائية لشعوب تُعامل بشكل استثنائي ليست مقبولة في هذا البلد ولا في أي بلد آخر”. (وقد تعاون لاحقًا مع شومر في خطة لتقديم إعفاءات من الديون لسائقي سيارات الأجرة والمركبات الخاصة).
وعندما قدّم ممداني مشروع قانون في الولاية يهدد بسحب الإعفاء الضريبي من المؤسسات غير الربحية في نيويورك إذا استخدمت أموالها لدعم النشاط العسكري والاستيطاني الإسرائيلي، وصفت بعض الجماعات اليهودية مشروع القانون بأنه معادٍ للسامية، لكنه لم يتراجع.
وقالت شاهانا حنيف، التي أصبحت في عام 2021 أول امرأة مسلمة تُنتخب في مجلس المدينة، إنها جلست مع ممداني عندما بدأت تفكر في الترشح. وأضافت: “أتذكر بوضوح شديد أنه قال إن القضية التي لا يساوم عليها هي فلسطين”.
تغيّرت المعادلة بشكل كبير بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023. افترض كثير من الديمقراطيين في البداية أن تلك الأحداث ستُضعف المشاعر المناهضة لإسرائيل في أوساط اليسار، وتُلحق الضرر بعدد من السياسيين مثل ممداني.
وقد قوبل بيانه الصادر في اليوم التالي للهجمات بإدانات حادة من بعض زملائه اليهود وديمقراطيين آخرين، لأنه لم يأتِ على ذكر حركة حماس أو الرهائن الذين احتجزتهم. كتب ممداني أنه ينعى من قُتلوا “في إسرائيل وفلسطين على حد سواء”، لكنه خصّص حيزًا أكبر للتعبير عن أسفه لإعلان إسرائيل الحرب، ودعا إلى “إنهاء الاحتلال وتفكيك نظام الفصل العنصري”. (عندما أصبح مرشحًا لمنصب العمدة، أدان ممداني لاحقًا حماس ووصف هجومها بأنه جريمة حرب).
وفي نوفمبر/ تشرين الأول من ذلك العام، سافر ممداني إلى واشنطن للمشاركة في إضراب عن الطعام أمام البيت الأبيض، دعمًا للمطالبة بوقف إطلاق النار. وقد أثار هذا التحرك انتقادات جديدة.
لكن شاهانا حنيف، رأت الأمر من منظور مختلف، وقالت إن المجتمع المسلم في نيويورك رأى في ذلك موقفًا قويًا رفع من مكانة ممداني بين شريحة أوسع من سكان المدينة.
وأوضحت: “رأت جاليتنا لأول مرة مسؤولًا منتخبًا يتحدث بصراحة عن الإبادة الجماعية، ويدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار من الطرفين”، وأضافت: “لقد تساءلوا: أين بقية قادتنا؟”.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية نيويورك زهران ممداني الاحتلال الفلسطينية فلسطين نيويورك الاحتلال زهران ممداني صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الولایات المتحدة نظام الفصل العنصری القضیة الفلسطینیة جامعة کولومبیا الحرم الجامعی قال فی مقابلة زهران ممدانی جنوب أفریقیا فی نیویورک ر ممدانی جزء ا من وقال فی من أبرز ومع ذلک قال إنه کثیر من أکثر من لم یکن فی عام کان من قال إن
إقرأ أيضاً:
لميس الحديدي عن احتفالية وطن السلام: القضية الفلسطينية أمن قومي لمصر
علقت الإعلامية لميس الحديدي على احتفالية "وطن السلام" التي عقدت بدار الأوبرا بمدينة الثقافة والفنون بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلة: “احتفالية وطن السلام التي حضرها الرئيس في مدينة الفنون بالعاصمة الإدارية شارك فيها عدد كبير من الفنانين، وحملت رسائل عديدة ما بين جهود مصر لتحقيق السلام، وآخرها مؤتمر شرم الشيخ، لكن السلام القائم على القوة، وهي قضية مهمة جدًا، فلا يمكن تحقيق السلام إلا بقوة قادرة على فرضه”.
أجهزة صوت وإضاءةوأضافت خلال تقديمها برنامجها "الصورة" المذاع على شاشة النهار: “مشهد رائع، وعندما أشاهد مدينة الفنون بالعاصمة الإدارية أترحم على اللواء محمد الأمين الذي كان مستشارًا للرئيس السيسي، وأشرف على هذه المدينة العظيمة، كان رجلًا عظيمًا، وهذه المدينة تفخر بها مصر بما تضمّه من مسارح ودار أوبرا وأفضل أجهزة صوت وإضاءة شيء نفخر به جميعًا كمصريين”.
وواصلت قائلة: “احتفالية وطن السلام ونحن في شهر أكتوبر، شهر الانتصارات مشهد الاطفال كان الاهم وحديثهم العفوي مع الرئيس لطيف جداً”.
واختتمت حديثها قائلة: "الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي لمصر، لا تنفصل عنها، فمصر خاضت حروبًا كثيرة، وكانت أجزاء كبيرة منها بسبب فلسطين، وهي قضية لا تنفصل عنا، ونعتبرها ثاني قضية بعد قضية الوطن".