هل تستطيع قوة الاستقرار الدولية أن توقف الاعتداءات الإسرائيلية على غزة؟
تاريخ النشر: 30th, October 2025 GMT
تمثل الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2025 نقطة تحول كاشفة في مسار الهدنة المعلنة، إذ جاءت مباشرة بعد انقضاء المهلة البالغة 48 ساعة التي حددها الرئيس الأمريكي ترامب لتسليم رفات الأسرى الإسرائيليين. هذا التزامن لم يكن مصادفة، فالمعطيات السياسية والميدانية تظهر أن العملية العسكرية جاءت ضمن سياق منسق سياسيا بين واشنطن وتل أبيب، لا كنتيجة لمبادرة ميدانية منفردة.
ورغم أن تزامن انتهاء مهلة ترامب مع بدء القصف الإسرائيلي قد يوحي بوجود علاقة سببية مباشرة، إلا أن هذا التفسير لا يستقيم مع طبيعة اتخاذ القرار في تل أبيب. فالمؤشرات السياسية والعسكرية لا تؤكد أن الضربة نُفذت بأمر أمريكي مباشر، كما لا يمكن الركون إلى مغالطة "بعده إذا بسببه". غير أن القراءة المتأنية للمشهد تظهر أن نتنياهو لا يقدم على أي تصعيد ميداني بهذا الحجم إلا في ظل غطاء سياسي أمريكي يضمن له تفادي أي مساءلة دولية، وبالتالي فإن التزامن بين المهلة والضربة لا يدل على تبعية آلية، بل على تواز في الإرادة بين الطرفين: واشنطن التي توفر الغطاء، وتل أبيب التي تنفذ ما تعتبره ضرورة أمنية ضمن الهامش الممنوح لها.
إلى جانب هذا الغموض الميداني، تبرز الاعتبارات السياسية الداخلية في إسرائيل بوصفها أحد المحركات الأساسية للتصعيد. فمستقبل بنيامين نتنياهو السياسي بات مرهونا بالحفاظ على تماسك ائتلاف حكومي يميني متطرف يضع أمن المستوطنات والسيطرة على غزة في صدارة أجندته
ادعت إسرائيل أن الغارات جاءت ردا على هجوم من عناصر حماس على جنود في رفح، غير أن المعطيات الميدانية والأمنية تضعف هذه الرواية، فرفح تقع ضمن نطاق سيطرة إسرائيلية مباشرة من حيث الممرات الأمنية والمراقبة الجوية، ما يجعل احتمال وقوع هجوم مفاجئ فيها ضعيفا للغاية. كما نفت حركة حماس تماما حدوث هذا الهجوم، مؤكدة التزامها بوقف إطلاق النار، وهو ما يدعم التقدير القائل إن الضربة كانت مقررة مسبقا في حال فشل المفاوضات حول تبادل الأسرى.
كما أن تصريحات ترامب التي برر فيها الغارات بالقول إن "الجنود الإسرائيليين تعرضوا لهجوم ودافعوا عن أنفسهم"؛ اعتمدت بالكامل على الرواية الإسرائيلية دون أي تحقق مستقل. فلا توجد مصادر ميدانية أو تقارير أممية تدعم هذا الادعاء، في حين منعت إسرائيل دخول وسائل الإعلام الدولية، ما يجعل نقل الوقائع مقتصرا على البيانات العسكرية الإسرائيلية. هذا التعتيم الإعلامي المتعمد أتاح لتل أبيب صياغة روايتها دون منافس، وجعل الموقف الأمريكي يبدو وكأنه تبن تلقائي لرواية غير قابلة للتحقق، الأمر الذي أضعف صدقية الخطاب الأمريكي بشأن التزامه بالحياد أو الرقابة.
إضافة إلى ذلك، لم تلتزم إسرائيل فعليا بالمرحلة الأولى من الخطة الأمريكية التي أعلن عنها ترامب والمتعلقة بإدخال المساعدات الإنسانية وفتح المعابر بشكل تدريجي تحت إشراف دولي. فبدل تنفيذ الترتيبات اللوجستية المقررة، استمرت السلطات الإسرائيلية في فرض قيود مشددة على المعابر، وعرقلت مرور قوافل الإغاثة إلى شمال القطاع بحجج أمنية متكررة. كما أن المساعدات التي سُمح بدخولها خضعت لتفتيش إسرائيلي كامل وتأخير متعمد في نقاط العبور، ما جعل المرحلة الأولى من الخطة، التي كان يفترض أن تخلق مناخا إنسانيا مهدئا، تتحول إلى أداة ضغط إضافية على السكان. وبذلك فشلت إسرائيل في الوفاء بالتزاماتها الأساسية ضمن الاتفاق، مما أفرغ الهدنة من مضمونها العملي قبل أن تبلغ مرحلتها الثانية ونزع السلاح.
إلى جانب هذا الغموض الميداني، تبرز الاعتبارات السياسية الداخلية في إسرائيل بوصفها أحد المحركات الأساسية للتصعيد. فمستقبل بنيامين نتنياهو السياسي بات مرهونا بالحفاظ على تماسك ائتلاف حكومي يميني متطرف يضع أمن المستوطنات والسيطرة على غزة في صدارة أجندته. ومع تصاعد الانتقادات الداخلية وتراجع شعبيته، أصبحت العمليات العسكرية وسيلة لتوحيد اليمين الإسرائيلي خلفه واستعادة زمام المبادرة داخل حكومته. لذلك فإن توقيت الغارات لا يمكن فصله عن منطق البقاء السياسي، إذ يسعى نتنياهو إلى امتصاص ضغوط حلفائه من خلال تصعيد محسوب يقدمه أمام جمهوره كدليل على الحزم الأمني.
وفي المقابل، وفرت واشنطن غطاء سياسيا صريحا لهذه العملية، حين صرح وزير خارجيتها بأن الضربة لا تشكل خرقا للهدنة إذا وجد تهديد وشيك، وهو تصريح أتاح لإسرائيل هامشا واسعا للتحرك دون مساءلة. فالولايات المتحدة لم تمارس وظيفة الرادع، بل اضطلعت بدور المنسق والمبرر، وصاغت الإطار القانوني والسياسي الذي يشرعن التدخل الإسرائيلي. كما عززت التعاون مع تل أبيب عبر مركز التنسيق المدني العسكري المشترك خارج غزة، الذي يتيح تبادلا مستمرا للمعلومات الميدانية، ما يجعل الفصل بين القرارين الأمريكي والإسرائيلي شبه مستحيل.
وتظهر البيانات الأممية والفلسطينية أن إسرائيل ارتكبت منذ بدء الهدنة ما لا يقل عن سبعة وأربعين خرقا، أسفرت عن مقتل عشرات المدنيين وإصابة المئات. في المقابل لم تسجل خروقات جوهرية من جانب الفصائل الفلسطينية، ما يكشف اختلالا بنيويا في ميزان الالتزام. بغياب إرادة دولية متوازنة قادرة على ضبط القرار الإسرائيلي ضمن حدود قانونية واضحة ومحاسبة من يخرقها، يبقى وقف إطلاق النار مجرد هدنة مؤقتة تعيد إنتاج الصراع عند كل جولة جديدة من التصعيدوهذا التفاوت يبرهن أن آلية الضمان الدولي غير فاعلة، لأن الطرف الأكثر قدرة على خرق الهدنة هو ذاته الطرف الذي يحظى بالدعم السياسي والعسكري من القوة الضامنة.
على هذه الخلفية، يبرز مشروع "قوة الاستقرار الدولية" بوصفه محاولة لإضفاء طابع مؤسساتي على فكرة الردع، غير أنه يعاني من ثلاث علل رئيسة تجعل فاعليته محدودة؛ أولها، ضعف التفويض الأممي، إذ لا يملك أي سند قانوني واضح يمنحه صلاحيات الرد أو المنع، ما يجعله أقرب إلى بعثة مراقبة شكلية. وثانيها، غياب الحياد الاستراتيجي، لأن تركيبته تعتمد على مساهمات دولية مرتبطة مباشرة بالمحور الأمريكي الغربي، ما يفقده الاستقلال في القرار الميداني. أما العلة الثالثة فهي تعارض أهداف المشروع مع الواقع العسكري في الميدان، إذ تعهد إليه مهام إنسانية وإدارية بينما تحتفظ إسرائيل وحدها بحق التحرك العسكري، الأمر الذي يجعل القوة عاجزة عن التدخل أو فرض الالتزام. في ضوء هذه المعطيات، لا تمثل "قوة الاستقرار الدولية" أداة لضبط النار بقدر ما تشكل إطارا سياسيا لتجميد الأزمة دون حل جذري لها.
إن استمرار الازدواجية في الموقف الأمريكي يمثل العائق البنيوي الأبرز أمام أي جهد دولي لإرساء استقرار دائم في غزة. فواشنطن، إذ تجمع بين موقع الضامن السياسي لإسرائيل وموقع الوسيط في المفاوضات، تنزع عن نفسها شرط الحياد وتحول مفهوم الردع إلى أداة إدارة للأزمة لا لتسويتها. كما أن اعتماد ترتيبات الهدنة على قنوات ثنائية خارج الإطار الأممي يجعل "قوة الاستقرار الدولية" بلا صلاحيات فعلية، فتتحول من آلية تنفيذية إلى واجهة دبلوماسية لإدامة الوضع القائم. وبغياب إرادة دولية متوازنة قادرة على ضبط القرار الإسرائيلي ضمن حدود قانونية واضحة ومحاسبة من يخرقها، يبقى وقف إطلاق النار مجرد هدنة مؤقتة تعيد إنتاج الصراع عند كل جولة جديدة من التصعيد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء الإسرائيلية غزة الهدنة خرق إسرائيل امريكا غزة هدنة خرق قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قوة الاستقرار الدولیة ما یجعل
إقرأ أيضاً:
مندوب جامعة الدول العربية بالأمم المتحدة يدعو لإنهاء الاعتداءات الإسرائيلية على الدول العربية
دعا مندوب جامعة الدول العربية لدى الأمم المتحدة، السفير ماجد عبدالفتاح، خلال جلسة عقدت اليوم، إلى وقف فوري للاعتداءات الإسرائيلية على الدول العربية، مؤكدًا أن السياسات الإسرائيلية الحالية تمثل تهديدًا مباشرًا للاستقرار الإقليمي، وفق نبأ عاجل أفادت به قناة “القاهرة الإخبارية”.
وشدد المندوب على ضرورة أن تتخلى الحكومة الإسرائيلية عن أحلامها المتعلقة بإقامة "إسرائيل الكبرى"، معتبرًا أن مثل هذه الطموحات تتعارض مع القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.
كما طالب بأن تُبسط السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، باعتبار ذلك خطوة أساسية نحو تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة.
وأشار إلى أن الجامعة العربية تواصل التنسيق مع المجتمع الدولي لضمان احترام حقوق الشعب الفلسطيني وحماية الأمن في المنطقة.
اقرأ المزيد..