في قلب العالم الإسلامي، حيث يقف مئات الآلاف من الحجاج والمعتمرين أمام الكعبة المشرفة، يُفترض أن تكون تجربة الحج تجربة روحانية فريدة، مليئة بالسكينة والتقديس، غير أن ما تكشفه تقارير حديثة وشهادات ناشطين وحجاج، يجعل هذه التجربة في بعض الأحيان تجربة صادمة، مليئة بالاعتداءات، والمضايقات، والتعامل الأمني القاسي، أحيانًا بما يتناقض مع طبيعة قدسية المكان.

يمانيون / تقرير / خاص

 

في الوقت نفسه، تصرف السلطات السعودية مليارات الدولارات على مهرجانات موسيقية ضخمة وعروض ترفيهية في الرياض وجدة، حيث تُقام حفلات راقصة وجولات سياحية ترفيهية تجذب مشاهير العالم، هذا التناقض بين الانفتاح الاجتماعي المبالغ فيه، والتركيز على الانضباط الصارم داخل الحرم الشريف، يطرح تساؤلات جوهرية حول أولويات مملكة آل سعود وطبيعة سياساتها تجاه ضيوف الرحمن، هذا التقرير يأتي لإلقاء الضوء على هذه التناقضات، استنادًا إلى وقائع موثقة، شهادات حية، ومتابعة إعلامية محلية ودولية، في محاولة لكشف الواقع الذي لا يظهر دائمًا على الشاشة أو في البيانات الرسمية.

 

مكة المكرمة ليست مجرد رمز ديني، بل تجربة حياتية حقيقية يعيشها كل حاج أو معتمر، ومن خلال متابعة موسم الحج الأخير، ظهرت العديد من المشاهد الصادمة، حيث تعرض الحجاج لاعتداءات قاسية من قبل رجال أمن سعوديين في تصرف يبدو منهجي وليس في إطار تصرف فردي غير محسوب ، وبدلاً من التعامل مع الازدحام المفرط في طرق الطواف والسعي، وتأخر الخدمات الأساسية، ووجود نقص واضح في التسهيلات لكبار السن والنساء، من قبل عناصر الأمن ، يقومون بالتعامل بطرق عدوانية وقاسية بحق الحجاج ،  ولأن الحرم الشريف أكبر من مجرد إدارة مادية، فإن أي تقصير في التنظيم يترك أثرًا نفسيًا عميقًا على الزوار، ويخلق شعورًا بالغربة في أقدس بقاع الأرض.

شهادات حية انتشرت عبر وسائل التواصل، موثقة حالات تدخل صارمة من رجال الأمن مع حجاج حاولوا تجاوز بعض الحواجز التنظيمية أو التصرف وفق ظروفهم الخاصة، وفي بعض المقاطع، بدا أن التدخلات تجاوزت مجرد ضبط النظام لتصبح ممارسات قاسية أثارت استياء الزوار وأفراد أسرهم، هذه الوقائع تبرز الصعوبة الحقيقية التي يواجهها الحجاج في أداء الشعائر بروحانية وسكينة، ما يطرح تساؤلًا مهمًا، هل يمكن للقداسة أن تستمر في ظل إدارة تعتمد هذا القدر من التصرفات الإجرامية القاسية على حساب الإنسان؟

 

الانفتاح الاجتماعي والمهرجانات الاباحية .. صورة المملكة الحديثة

على بُعد الكيلومترات من مكة، تشهد المدن الكبرى في السعودية تحولًا هائلًا في المشهد الاجتماعي والثقافي، المتفسخ والاباحي، مهرجانات موسيقية ضخمة، عروض فنية عالمية، وحفلات راقصة، أصبحت علامات بارزة في وجه المملكة الجديد، الذي يسعى إلى جذب السياحة الدولية على حساب القم الدينية والأخلاق وجر الشباب السعودي الباحث عن الترفيه والانفتاح، إلى هاوية الشذوذ والاباحية التي انتشرت مثل النار في  الهشيم .

هذه المشاريع الضخمة لا تُظهر فقط الوجه الترفيهي للبلاد، بل تعكس رؤية سياسية واضحة، تمكنها من السيطرة الإجتماعية على عقول الشباب ودفن أي تطلعات للتحرر من الاستبداد أو على الأقل التخلص من جحيم التفسخ الاجتماعي الحاصل في المملكة، بينما تتزامن هذه الصورة مع القسوة في إدارة الحرم المكي ،  هذا التناقض صار واضحًا للعيان، ويكشف عن ازدواجية في أولويات المملكة .

 

الازدواجية السعودية .. السياسة والدين

التناقض في إدارة المملكة يظهر في السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء، في حين تعرض الحكومة وجه الانفتاح والتغيير لجذب الاستثمارات والسياحة ونشر مظاهر الانفتاح والتفسخ الاجتماعي، تبرز في إدارة الحرم صورة أخرى تمامًا، التعامل بغلظة وقسوة مع زائري بيت الله الحرام ، والضغط على الحجاج بشكل يجعل بعضهم يشعر بالاضطهاد أكثر من شعوره بالراحة الروحية.

النتيجة المباشرة لهذا التناقض هي شعور الزوار بالغربة وعدم الأمان أثناء أداء شعائرهم، ولأن شهادات الحجاج توثق المواقف الواقعية عبر مقاطع فيديو وتدوينات، فإن الصور الرسمية للترتيب والتنظيم لا تتطابق دائمًا مع الواقع الميداني، هذا الفارق يترك أثرًا نفسيًا واجتماعيًا عميقًا،

هذا الازدواج لا يقتصر على تجربة الحجاج، بل هو انعكاس لسردية سياسية تهدف إلى تهيئة الدولة للانفتاح مع المشروع الصهيوأمريكي الذي يرى فيه بن سلمان أنه ما سيعزز من قوته ويؤمن سلطته في ظل الحسابات والمتغيرات الصهيونية التي لن يكون خارجها مهما كانت درجة الإرضاءات أو التضحيات التي يقدمها في سبيل ذلك،

 

أخيراً 

ما يفرضه الواقع السعودي اليوم هو مواجهة الحقيقة الصارخة، المملكة تقدم للعالم وجهًا من الانفتاح الاجتماعي والترفيه والتفسخ والانحلال، بينما الحرم الشريف يُدار بقسوة وغلظة، على حساب كرامة الزوار، الوقائع الموثقة، والشهادات الحية، والتقارير الإعلامية، تؤكد أن هناك تباينًا صارخًا بين الصورة الإعلامية والواقع الميداني للحجاج والمعتمرين.

وهذا التقرير لا يهدف إلى النقد العاطفي، بل إلى كشف الحقيقة بوضوح للعالم، وتوثيق تجربة الحجاج كوقائع ملموسة، تعكس الوجه الحقيقي لإدارة الحرمين في ظل الانفتاح المبالغ فيه على الترفيه والصور الحديثة للمملكة، وفيما يلي صورة من المواد الموثقة لما يحدث في الحرم المكي من ممارستها ضد الزوار .

https://www.yamanyoon.com/wp-content/uploads/2025/11/حجاج-بيت-الله-يتعرضون-للضرب-من-رجال-أمن-مملكة-الشر.mp4

المصدر: يمانيون

إقرأ أيضاً:

اقتصاد بلا بوصلة

لم يكن ما يعيشه الاقتصاد المصري اليوم من اضطرابٍ وليد اللحظة، بل هو نتيجة تراكمات تاريخية بدأت منذ لحظة ما سُمِّي في السبعينيات بالانفتاح الاقتصادي — أو بالأدق، “الانفتاح العشوائي” الذي فُتح بلا رؤية ولا تخطيط ولا ضوابط، فحوّل الاقتصاد من مشروعٍ وطني طموح إلى سوقٍ فوضوية مفتوحة لكل أنواع الفساد والمضاربات
فحين خرجت مصر من حرب أكتوبر، كانت بحاجة إلى بناء قاعدة إنتاجية متينة، لا إلى سباق استهلاكي محموم. لكن قانون الاستثمار الذي صدر عقب إعلان الانفتاح جاء غامضًا وفضفاضًا، يترك القرارات الكبرى للمزاج الشخصي والسلطة التقديرية دون قواعد مكتوبة.
كان من المفترض أن يكون الانفتاح الاقتصادي مرحلة حذرة من الادخار وتنظيم الموارد، لكنه تحوّل إلى بابٍ خلفي للمضاربات والثراء السريع.
سمح القانون لأول مرة بالاستيراد من دون تحويل عملة، فصار ثمن السلع يُدفع من مدخرات المصريين العاملين بالخارج دون أن تمر هذه العملات على البنك المركزي، أي “من بره بره”!
وكانت النتيجة موجة استهلاكية عارمة استوردت كل ما لا تحتاجه مصر — من الفستق والشيكولاتة إلى السفن آب — بينما كان الوطن في أمس الحاجة إلى آلات الإنتاج لا إلى رفوف السوبرماركت.
من رحم هذا الانفتاح غير المنضبط وُلدت طبقة جديدة من "رجال الأعمال الورقيين" — مغامرون بلا خبرة، راكموا الثروات عبر الاستيراد والمضاربة، ثم تحوّلوا بمرور الوقت إلى نخبٍ اقتصادية وسياسية نافذة.
لقد وصف الدكتور عبد العزيز حجازي، رئيس الوزراء حينها، المشهد بدقة حين أشار إلى “قوى عاتية” دفعت بهذا الاتجاه، حتى دخلت عناصر غريبة عالم المال والتجارة، فكانت النتيجة أن تحوّل الاقتصاد إلى مضمار للفهلوة والتربح السريع.
وبين عامي 1974 و1984، قفزت ديون مصر الخارجية من مليار دولار إلى أكثر من 30 مليار دولار — قفزة مروعة تعكس حجم الاختلال وسوء التقدير، إذ لم يصحبها أي نمو إنتاجي حقيقي أو توسع صناعي.
بعد ارتفاع أسعار النفط عام 1973، تدفقت على مصر تحويلات ضخمة من العاملين بالخارج، وبلغت العملات الصعبة ذروتها.
كانت تلك فرصة تاريخية لبناء اقتصاد منتج ومستقل، لكنها ضاعت وسط الفوضى. لم تُستثمر الأموال في المصانع أو الزراعة أو التكنولوجيا، بل ذهبت إلى استيراد السلع الكمالية وتضخم السوق السوداء.
فبدلًا من أن تسبح الدولة في بحر من التنمية، غرقت الأسواق في بحر من الاستهلاك. 
من انفتاحٍ عشوائي إلى انغلاقٍ إجباري 
ومع مرور السنوات، وبعد أن استُنزفت الموارد وارتفعت المديونيات، وجدت مصر نفسها في مواجهة انغلاقٍ اقتصاديٍ إجباري فرضته شروط الدائنين والواقع الصعب.
لم يكن الانغلاق قرارًا وطنيًا لإعادة الهيكلة، بل خيارًا اضطراريًا لإنقاذ ما تبقّى من توازن هش.
هكذا انتقلت البلاد من انفتاح بلا حساب إلى انغلاق بلا إرادة.
فأصبحت بصدد اقتصاد بلا هوية... وسياسات بلا بوصلة
فضاعت هوية الاقتصاد المصري بين الشعارات:
فلا هو رأسمالي قائم على الإنتاج والمنافسة،
ولا اشتراكي منظم يوجّه الموارد بخطة وطنية،
ولا مختلط متوازن بين الاثنين
بل أصبح اقتصادًا تابعًا، تُوجِّهه التسويات الأجنبية وشروط القروض والخصخصة العشوائية، وكأن الهدف لم يكن الإصلاح بل تفكيك البنية الاقتصادية الوطنية وإعادتها إلى التبعية.
إن ما نعانيه اليوم من تضخمٍ وعجزٍ وركودٍ إنتاجي ليس إلا ثمرة سياساتٍ قصيرة النظر حكمتها ثقافة “الفهلوة” والكسب السريع.
لقد دُفعت مصر إلى الانغلاق لا بإرادتها، بل نتيجة عقود من الاستهلاك بلا إنتاج والاستيراد بلا تخطيط والانفتاح بلا ضابط.
ولا مخرج من هذا المأزق إلا عبر انفتاح منضبط قائم على الإنتاج الحقيقي والحوكمة والعدالة الاقتصادية، انفتاحٍ لا يسمح بأن تتحول الأسواق إلى فوضى، ولا أن تُدار الدولة بمنطق “الفرصة السانحة”، بل بمنطق التخطيط والعلم والمسؤولية.
إن اقتصادًا بلا هوية، هو كجسدٍ بلا قلب، لا يعيش إلا على ما يُضخّ فيه من الخارج — ولا يلبث أن ينهار حين يتوقف الضخ.

مقالات مشابهة

  • باحث أسري: الاعتداء على المسنين "نذير خطر" سببه تراجع دور الأب وتفشي "الجبن الاجتماعي"
  • الدفاع المدني ينفذ تجربة صافرات الإنذار الثابتة بالتزامن مع المنصة الوطنية للإنذار المبكر بجميع مناطق المملكة
  • أريستون ومجموعة شاكر تحتفلان بثلاثة عقود من الشراكة في المملكة العربية السعودية احتفاءً بثلاثين عامًا من الإرث الإيطالي والنجاح المشترك
  • «الدفاع المدني» ينفذ تجربة للإنذار المبكر في مختلف مناطق المملكة
  • اقتصاد بلا بوصلة
  • حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد
  • رئيس الهيئة السعودية للمياه: المملكة تبني أسس أمن مائي مستدام على 3 أركان
  • صفقات التبادل.. الوجه الآخر للعلاقة بين الحوثي والقاعدة
  • حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد.. الإفتاء توضح