المديفر: المملكة تمتلك مقومات إستراتيجية تجعلها مركزًا عالميًّا للتعدين والمعادن
تاريخ النشر: 4th, November 2025 GMT
أكد معالي نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين المهندس خالد بن صالح المديفر أن قطاع التعدين والمعادن يعيش مرحلة استثنائية في ظل الاهتمام العالمي غير المسبوق بالمعادن منذ عام 2020، مشيرًا إلى أن رؤية المملكة 2030 كانت سبَّاقة في إدراك أهمية هذا التحول باتخاذها التعدين ركيزة رئيسة لتنويع الاقتصاد الوطني وبناء القوة الصناعية للمملكة.
وأوضح خلال مشاركته في جلسة بعنوان “تمهيد الطريق نحو أمن المعادن العالمي” ضمن أعمال النسخة التاسعة من مبادرة مستقبل الاستثمار (FII) أن المملكة تمتلك كل مقومات النجاح لتكون مركزًا عالميًّا لصناعات المعادن وسلاسل الإمداد المرتبطة بها، وتجمع بين الموقع الجغرافي الإستراتيجي, الذي يربط ثلاث قارات، والإمكانات الجيولوجية الهائلة ورأس المال البشري المؤهل، والرؤية الواضحة لقيادتها.
وقال: “رؤية 2030 وضعت الأساس لبناء قطاع تعدين عالمي المستوى، تمامًا كما بُني سابقًا أحد أكبر قطاعات النفط والغاز والبتروكيماويات في العالم، واليوم، نعمل على أن يكون التعدين والمعادن الركيزة الثالثة لقوتنا الصناعية، ولدينا كل ما نحتاجه لتحقيق ذلك من الموارد الطبيعية والمواهب إلى البنية التشريعية والاستقرار الاستثماري”.
وبيَّن معاليه أن الدرع العربي الذي يمتد على مساحة 700 ألف كيلومتر مربع ما يزال غير مستكشف بالكامل، لافتًا النظر إلى أن قيمة الموارد المعدنية في المملكة ارتفعت من 5 تريليونات ريال (1.3 تريليون دولار) إلى نحو 9.4 تريليونات ريال (2.5 تريليون دولار)، بفضل التوسع في برامج المسح الجيولوجي والاستكشاف، مؤكدًا أن هذا الثراء الطبيعي يمثل قاعدة انطلاق لصناعة تعدينية عالمية.
وأشار إلى أن المملكة بنت منظومة تعدين حديثة قائمة على الشفافية والاستقرار وجذب المستثمرين، موضحًا أن الاستثمار الأجنبي يشكل اليوم نحو 66% من إجمالي الاستثمارات التعدينية، وتجاوز حجم الإنفاق على الاستكشاف في عام 2024، ضعف ما كان عليه في العام السابق، ووصل إلى 1.05 مليار ريال في عام 2024 مقارنة بـ501 مليون ريال في 2023؛ لتصبح المملكة من أسرع مناطق التعدين نموًّا في العالم.
وأوضح أن المملكة ترحب بالشراكات الدولية، وتتبنى أحد أكثر الأطر التنظيمية تنافسية في العالم، ومن ذلك الملكية الأجنبية الكاملة بنسبة 100% للمستثمرين، مشيرًا إلى أن نجاح تجارب سابقة مع شركات عالمية كبرى مثل باريك جولد، وألكوا وموزاييك؛ يعكس متانة الشراكة السعودية مع القطاع الخاص العالمي.
وبيَّن أن المملكة تبني منظومة تعدين شاملة “من المسح إلى إعادة التدوير” تشمل خدمات الاستكشاف وتطوير المناجم والهندسة والبناء والتمويل والتكنولوجيا والأسواق، وإنشاء بورصة للسلع في الرياض، مؤكدًا أن هذه المنظومة ستجعل من المملكة أحد أكبر مراكز التعدين المتكاملة في العالم.
وتحدث المديفر عن أهمية التحول التقني والتوظيف الذكي للمواهب الوطنية في تطوير القطاع، مشيرًا إلى أن المملكة تعمل على بناء قطاع تعدين مستدام قائم على التكنولوجيا الحديثة، مثل الإدارة عن بُعد والمركبات الذاتية والروبوتات الصناعية.
ولفت الانتباه إلى أن الوزارة عملت بالشراكة مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وشركة “معادن” على إطلاق برنامج علوم وهندسة التعدين، إلى جانب تطوير برامج تدريبية متقدمة مع جامعة الملك عبدالعزيز وهيئة المساحة الجيولوجية، وإطلاق مبادرة “أستوديو الابتكار التعديني” بالشراكة مع هيئة المساحة الجيولوجية السعودية وبرنامج “ندلب” وشركة “معادن” و”إسناد” وشركة “نيولاب” الأمريكية؛ بهدف استقطاب المواهب العالمية وتطوير حلول تقنية مبتكرة وإعداد جيل جديد من الكفاءات السعودية القادرة على قيادة مستقبل قطاع التعدين.
واختتم نائب وزير الصناعة والثروة المعدنية لشؤون التعدين حديثه بدعوة المستثمرين والخبراء إلى المشاركة في النسخة الخامسة من مؤتمر التعدين الدولي الذي تستضيفه الرياض، قائلًا: “ندعو الجميع إلى حضور مؤتمر التعدين الدولي، الذي يعد أفضل منصة عالمية للتعدين، ونعمل مع الشركاء من مختلف دول العالم لصناعة مستقبل أكثر استدامة وازدهارًا لهذا القطاع الحيوي”.
يُشار إلى أن العاصمة الرياض ستستضيف النسخة الخامسة من مؤتمر التعدين الدولي خلال الفترة من 13 إلى 15 يناير 2026م، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- تحت شعار “المعادن.. مواجهة التحديات لعصر تنمية جديد”, ويشهد المؤتمر مشاركة واسعة من الوزراء والرؤساء التنفيذيين لأبرز شركات التعدين العالمية، مثل BHP وIvanhoe Mines وRio Tinto وMa’aden وZijin وBarrick Gold، مما يعكس مكانته بوصفه منصة عالمية للنخبة في قطاع التعدين، وحدثًا رئيسًا يُجسد الدور الريادي للمملكة في قيادة مستقبل المعادن على المستويين الإقليمي والعالمي.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية أن المملکة فی العالم إلى أن
إقرأ أيضاً:
المتحف المصري الكبير.. مركز عالمي للحضارة والحوار الثقافي ومنصة لتقديم التاريخ الإنساني
بحفل أسطوري عالمي لا ينسى، دشن الرئيس عبد الفتاح السيسي، المتحف المصري الكبير ليكون هدية مصر إلى العالم.
ولا يقتصر افتتاح المتحف المصري الكبير على كونه حدثا ثقافيا ضخما، بل هو مشهد رمزي يحمل دلالات أعمق تتجاوز حدود الجغرافيا والتاريخ. فمن قلب أرض قدمت للعالم أول مفاهيم الدولة والقانون والعدالة، تقف مصر لتعلن أن الماضي لا يحفظ في المتاحف، بل يعاد تقديمه كقوة فاعلة في بناء المستقبل.
حفل الافتتاح شهد حضورا رفيع المستوى من قادة الدول والملوك والرؤساء والأمراء، فضلا عن ممثلين لمنظمات حقوقية ودولية كبرى، وهو ما يعكس المكانة العالمية للمتحف كمشروع إنساني قبل أن يكون مشروعا مصريا.
وتسلم كل قائد من القادة الحاضرين نموذجا مصغرا من المتحف يحمل اسم دولته، ليضعه بدوره في مكانه، إلى جانب مجسم ضخم للمشروع، في إشارة إلى أن هذا الصرح ملك للبشرية جمعاء.. ثم قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بوضع القطعة الأخيرة التي تمثل مصر، معلنا رسميا افتتاح المتحف في لحظة مؤثرة تمثل تتويجا لعقود من العمل الدؤوب.
الرسائل التي حملها الافتتاح كانت متعددة الأبعاد، فثقافيا، أكد المتحف الكبير أن الحضارة المصرية كانت وما تزال مصدر إلهام للبشرية في مجالات القانون والطب والهندسة والفلك والفن.
سياسيا، جاءت كلمات الرئيس السيسي لتجسد رؤية مصر لدورها في العالم، باعتبارها قوة سلام وإنسانية؛ إذ شدد على أن السلام هو الطريق الوحيد لبناء الحضارات، وأن العلم لا يزدهر إلا في مناخ من الأمن والاستقرار، والثقافة لا تثمر إلا حين تتوفر بيئة من التعايش والتفاهم.
وذكر الافتتاح بقانون "ماعت" الذي وضعه المصري القديم قبل آلاف السنين، باعتباره أول إعلان لحقوق الإنسان وكرامة الطبيعة، حيث دعا إلى العدل والنظام واحترام الأرض والماء ونقاء الحياة، وهي القيم نفسها التي تؤمن بها مصر المعاصرة وتسعى لترسيخها في عالم اليوم، لتؤكد أن الحضارات الحقيقية لا تموت، بل تتطور وتعيد تعريف ذاتها في كل عصر.
وفي كلمته، أكد الدكتور خالد العناني المدير العام لليونسكو على أن المتحف المصري الكبير يمثل نقطة التقاء نادرة بين الماضي والمستقبل، إذ يقدم فيه التاريخ ليس كأثر ساكن، بل كقوة محركة للفكر الإنساني وتدفعه نحو الابتكار.
كما أشار الجراح المصري العالمي السير مجدي يعقوب ، في كلمته ، إلى أن الطب في مصر القديمة كان مهنة مقدسة تجمع بين الجسد والروح، وأن الحضارة المصرية قدمت للبشرية فكرة الرعاية الصحية الشاملة قبل آلاف السنين، وهي الفكرة نفسها التي تواصل مصر ترسيخها اليوم في سياساتها الصحية والإنسانية.
وجاءت كلمة وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، صاحب فكرة المتحف، لتستعرض الرحلة الطويلة التي مر بها المشروع منذ عام 2002، مشيرا إلى أن الفكرة كانت حبرا على الورق، لكن الإرادة المصرية جعلت منها واقعا ملموسا رغم كل التحديات، مؤكدا أن المتحف يقف على أرض من القيم التي أرساها الأجداد: التصميم، الإبداع، الإصرار، والإيمان العميق بأن الحضارة رسالة تتناقلها الأجيال.
المتحف المصري الكبير فتح أبوابه ليس ليعرض الماضي فحسب، بل ليقدمه بوصفه حيا نابضا في الحاضر، وقوة قادرة على تشكيل المستقبل، فالحضارة المصرية القديمة التي أذهلت الإغريق والرومان، وأرست أسس القانون والعدالة والفنون والعلوم، تعود اليوم في أبهى صورها لتلهم العالم مرة أخرى، وهذه العودة ليست استدعاء للتراث من أجل الاحتفاء به فقط، بل دعوة للتعلم منه وفهم رسائله العميقة التي تتجاوز الزمن والجغرافيا.
كلمة الرئيس السيسي خلال حفل الافتتاح حملت التأكيد على حرص مصر على السلام.. ومن داخل قاعات المتحف، تروي المعروضات قصة أول معاهدة سلام في التاريخ التي أبرمها الملك رمسيس الثاني في معركة "قادش"، لتؤكد أن السلام كان في قلب المشروع الحضاري المصري منذ فجره الأول، وتستمر الحكاية في قانون "ماعت" الذي وضع أول إعلان لمبادئ حقوق الإنسان وحماية البيئة.
كل زاوية في المتحف تحكي قصة، وكل قطعة أثرية تحمل رسالة، وكل جدار ينطق بدرس إنساني خالد.. ومع ذلك، فإن المتحف ليس نهاية الحكاية، بل بدايتها الجديدة، فمن خلال مرافقه التعليمية والبحثية، ومنصاته التفاعلية، ومراكزه الثقافية والفنية، يتحول المتحف إلى فضاء حي للتفكير والبحث والإبداع، يستقبل ملايين الزوار من مختلف الثقافات، ويتيح لهم فرصة أن يروا أنفسهم في مرآة التاريخ.
ويمكن القول إن المتحف المصري الكبير سيكون مركزا عالميا للحضارة والحوار الثقافي، ومنصة لتقديم التاريخ الإنساني برؤية معاصرة، وبهذا الافتتاح، تكتب مصر فصلا جديدا في كتاب الحضارة الإنسانية، يبدأ من الماضي العريق، ويمتد بخطى واثقة نحو المستقبل، لتظل القاهرة مهد الحضارات قادرة على إبهار العالم وإثراء وعيه بما قدمته، وما تزال تقدمه من رسالة محبة وسلام.
وبافتتاح المتحف تؤكد مصر المعاصرة أن الهوية ليست ماضيا نحتفى به فحسب، بل طاقة نستمد منها القوة لبناء مستقبل يليق بما بدأه الأجداد، إذ أن المتحف لا يمثل مجرد إنجاز معماري أو أثري، بل هو إعلان جديد عن الدور الريادي الذي تلعبه مصر في صياغة الوعي الإنساني، ومساهمتها المستمرة في حوار الحضارات، وإيمانها بأن التراث لا قيمة له إذا لم يتحول إلى قوة قادرة على إضاءة طريق المستقبل.
ومن قلب القاهرة، على خط واحد مع الأهرامات التي أذهلت العالم، يقف المتحف المصري الكبير ليقول للعالم: إن مصر لا تزال كما كانت دائما، قلب التاريخ وعقله وروحه، إنها لا تقدم ماضيها على أنه ذكريات، بل كعهد جديد بين الإنسانية كلها: عهد يربط بين الحجر والإنسان، بين الملمح والفكر، بين الماضي والمستقبل.