البدعة يتساءل الكثير عن مفهوم البدعة ومعناها شرعا وهل كل بدعة ضلالة.. وسوف نجيب عن هذه التساؤلات فى السطور القادمة.

معنى البدعة ومفهومها الصحيح

لمعرفة معنى "البدعة" ومفهومها الصحيح، لابد أن نتعرف على معناها في اللغة، وكذلك معناها في الاصطلاح الشرعي، ونبدأ بالمعنى اللغوي.

 أولًا: البدعة في اللغة

هي الحدث، وما ابتُدع من الدين بعد الإكمال.

قال ابن السِّكِّيت: «البِدعة كل مُحدَثة»، وأكثر ما يُستعمل لفظ المبتدع عرفًا في الذم.

وقال أبو عدنان: «المبتدع هو الذي يأتي أمرًا على شبهٍ لم يكن ابتدأه إياه».

ويقال: فلان بِدْع في هذا الأمر، أي أوّل من فعله، لم يسبقه إليه أحد.

ويقال: ما هو مني ببِدْعٍ ولا بَديعٍ…

وأبدع وابتدع وتبدّع: أتى ببدعة.

قال الله تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}.

وبدَّعه: نسبه إلى البدعة، واستبدعه: عده بديعًا.

والبديع: المُحدَث العجيب، والمبدِع كذلك.

وأبدعتُ الشيء: اخترعته لا على مثال. (لسان العرب)

 ثانيًا: البدعة في الشرع

اختلف العلماء في تعريف البدعة في الشرع على مسلكين:

● المسلك الأول: مسلك العزِّ بن عبد السلام

حيث اعتبر أن ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بدعة، ثم قسمها إلى أحكام خمسة، فقال: «فعل ما لم يُعهد في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة. والطريق في معرفة ذلك أن تُعرض البدعة على قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة». (قواعد الأحكام في مصالح الأنام)

وأكد النووي هذا المعنى، فقال: «وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنًا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك». (فتح الباري)

 المسلك الثاني: مسلك ابن رجب الحنبلي

حيث جعل مفهوم البدعة في الشرع أخصّ منه في اللغة، فجعل البدعة هي المذمومة فقط، ولم يُسمِّ البدع الواجبة أو المندوبة أو المباحة بدعًا كما فعل العز، وإنما اقتصر على المحرّمة.

قال رحمه الله: «المراد بالبدعة ما أُحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة». (جامع العلوم والحكم)

وفي الحقيقة، فإن المسلكين اتفقا على حقيقة مفهوم البدعة، وإنما الاختلاف في المدخل للوصول إلى المفهوم المتفق عليه، وهو أن البدعة المذمومة التي يأثم فاعلها هي التي ليس لها أصل في الشريعة يدل عليها، وهي المرادة من قوله صلى الله عليه وسلم:  «كل بدعة ضلالة». (أخرجه أحمد ومسلم)

 أقوال الأئمة في تقسيم البدعة

كان على هذا الفهم الواضح أئمة الفقهاء وعلماء الأمة المتبوعون، ومن ذلك:

- الإمام الشافعي رضي الله عنه: قال كما روى البيهقي: «المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما ما أحدث مما يخالف كتابًا أو سنة أو أثرًا أو إجماعًا فهذه بدعة الضلالة، والثاني ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة». (مناقب الشافعي)

- حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه: «ليس كل ما أُبدع منهيا عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمرًا من الشرع». (إحياء علوم الدين)

- الإمام النووي رحمه الله ناقلًا عن سلطان العلماء العز بن عبد السلام: «البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ...». (تهذيب الأسماء واللغات)

كما قال في "الأذكار" عند حديثه عن المصافحة عقب الصلاة: «واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له في الشرع على هذا الوجه، ولكن لا بأس به؛ فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها».

- وقال ابن الأثير: «البدعة بدعتان: بدعة هدى وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب إليه وحضّ عليه فهو في حيز المدح... ثم قال: والبدعة الحسنة في الحقيقة سنة، وعلى هذا التأويل يحمل حديث: "كل محدثة بدعة" على ما خالف أصول الشريعة، ولم يخالف السنة». (النهاية لابن الأثير)

هل الصدقة تكفي لتكفير الذنوب؟.. أمين الإفتاء يجيبهل تعليق صور الميت حرام؟.. انتبه لهذا الشرط إذا كانت الصورة لأمكهل يجوز الإنابة في العمرة؟ .. أمين الفتوى يوضح الضوابط الشرعيةلتنال رضا الله.. علي جمعة يوصي بعملين بهما يطيب العيش

- وقال ابن منظور رحمه الله: «البِدْعةُ بدْعتان: بدعةُ هُدى، و بِدعة ضَلال، فما كان فـي خلاف ما أَمر الله به ورسوله، فهو فـي حَيِزّ الذّمِّ والإِنكار، وما كان واقعًا تـحت عُموم ما ندَب الله إِلـيه وحَضّ علـيه أَو رسولُه فهو فـي حيِّز الـمدح، وما لـم يكن له مِثال موجود كنَوْع من الـجُود والسّخاء وفِعْل الـمعروف فهو من الأَفعال الـمـحمودة.

ولا يجوز أَن يكون ذلك فـي خلاف ما ورد الشرع به؛ لأَن النبـي صلى الله عليه وسلم قد جعل له فـي ذلك ثوابًا فقال: مَن سنّ سُنّة حسَنة كان له أَجرُها وأَجرُ مَن عَمِلَ بها، وقال فـي ضدّه: مَن سَنَّ سُنّة سيئة كان علـيه وِزْرها ووِزْر مَن عَمِلَ بها، وذلك إِذا كان فـي خلاف ما أَمر الله به ورسوله.

قال: ومن هذا النوع قول عمر رضى الله عنه: نعمتِ البِدْعةُ هذه، لـمّا كانت من أَفعال الـخير وداخـلة فـي حيّز الـمدح سَماها بدعة ومدَحَها؛ لأَنَّ النبـي صلى الله عليه وسلم لـم يَسُنَّها لهم، وإِنما صلاَّها لَـيالِـيَ ثم تركها ولـم يحافظ علـيها ولا جمع الناس لها، ولا كانت فـي زمن أَبـي بكر؛ وإِنما عمر رضى الله عنه جمع الناسَ علـيها وندَبهم إِلـيها، فبهذا سماها بدعة، وهي علـى الـحقـيقة سنَّة لقوله: علـيكم بسنّتـي وسنة الـخُـلفاء الراشدين من بعدي، وقوله: اقْتَدُوا باللذين من بعدي: أَبـي بكر وعمر، وعلـى هذا التأْويل يُحمل الـحديث الآخَر: كلُّ مُـحْدَثةٍ بدعة، إِنما يريد ما خالَف أُصولَ الشريعة ولـم يوافق السنة». (لسان العرب)

 كيف تعامل العلماء مع مفهوم البدعة

تعامل جمهور الأمة من العلماء مع البدعة على أنها أقسام، كما ظهر في كلام الإمام الشافعي، والعز بن عبد السلام، والنووي، وأبي شامة.

ومن المالكية: القرافي، والزرقاني.

ومن الحنفية: ابن عابدين.

ومن الحنابلة: ابن الجوزي.

ومن الظاهرية: ابن حزم.

ويتمثل هذا الاتجاه في تعريف العز بن عبد السلام للبدعة، وهو:

أنها فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي منقسمة إلى "بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة".

أمثلة على أقسام البدعة

* البدعة الواجبة: كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله، وذلك واجب؛ لأنه لا بد منه لحفظ الشريعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

* البدعة المحرمة: كمذهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، والخوارج.

* البدعة المندوبة: كإحداث المدارس، وبناء القناطر، وصلاة التراويح جماعة.

* البدعة المكروهة: كزخرفة المساجد، وتزويق المصاحف.

* البدعة المباحة: كالمصافحة عقب الصلوات، والتوسع في اللذيذ من المآكل والمشرب والملبس.

 أدلة العلماء على تقسيم البدعة

1. قول عمر رضي الله عنه: «نعمت البدعة هذه» في جمع الناس على صلاة التراويح. (البخاري)

2. تسمية ابن عمر صلاة الضحى جماعة بدعة، وهي حسنة، لما سئل عنها فقال: «بدعة». (البخاري)

3. حديث سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها...» (مسلم)

ومما سبق يتضح أن هناك رؤيتين:

* رؤية إجمالية: وهي ما ذهب إليه ابن رجب الحنبلي وغيره، وهو أن الأفعال التي يثاب المرء عليها ويشرع له فعلاً لا تسمى بدعة شرعًا، وإن صدق عليها الاسم في اللغة، وهو يقصد أنها لا تسمى بدعة مذمومة شرعًا.

* رؤية تفصيلية: وهي ما ذكره العز بن عبد السلام بتقسيم البدع إلى الأحكام الخمسة.

فينبغي للمسلم أن يحيط بهذا في قضية باتت من أهم القضايا التي تؤثر في الفكر الإسلامي، وكيفية تناوله للمسائل الفقهية، وكذلك نظره لإخوانه من المسلمين؛ حيث يقع الجاهل في الحكم على الآخرين بأنهم مبتدعون وفساق والعياذ بالله بسبب جهله بهذه المبادئ التي كانت واضحة، وأصبحت في هذه الأيام في غاية الغموض والاستغراب. نسأل الله السلامة.

طباعة شارك البدعة أقوال الأئمة في تقسيم البدعة كيف تعامل العلماء مع مفهوم البدعة معنى البدعة أقسام البدعة

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: البدعة معنى البدعة صلى الله علیه وسلم العلماء مع البدعة فی فی الشرع الله عنه خلاف ما ما لم ی ما کان

إقرأ أيضاً:

هل تغير المجتمع الأميركي؟ وكيف فاز 38 مسلما بمناصب قيادية؟

يمثل الفوز القياسي للمسلمين في الانتخابات الأميركية الأخيرة نقطة تحوّل في مسار حضورهم السياسي والاجتماعي، إذ بات وجودهم في مواقع السلطة قادرا على التأثير في صناعة القرار داخليا ورسم ملامح السياسة الأميركية خارجيا، خاصة في ظل تنامي التصدعات داخل الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

وحسب تصريحات محللين وخبراء للجزيرة نت، فإن مكاسب المسلمين الأميركيين في الانتخابات الأخيرة تعكس انتقالهم من هامش السياسة إلى قلب المعادلة، ومن المشاركة الرمزية إلى الممارسة الفعلية للسلطة، بما يرسخ مواطَنتهم العملية ويمنحهم أدوات من أجل الدفاع عن حقوقهم وصياغة رؤى بديلة لسياسات البلاد.

وتقف وراء ارتفاع عدد المسلمين الفائزين في هذه الانتخابات جملة من الأسباب، وأهمها الزيادة غير المسبوقة في عدد المرشحين المسلمين هذا العام، وهو ما رفع تلقائيا احتمالات الفوز، مع توافر المؤسسات الإسلامية التي توفر الدعم والمساندة، وبما يمهد الطريق لمكاسب أكبر على المستوى الفدرالي في المستقبل، وتضع أمام الجالية المسلمة فرصة تاريخية لتوسيع نفوذها السياسي في مواجهة بيئة ما زالت تحمل قدرا من التحدي والعداء.

وجاء هذا التطور في أعقاب انتخابات أُجريت الأسبوع الماضي في بعض الولايات الأميركية، ترشّح فيها 76 مسلما وفاز منهم 38 بمناصب تتنوع بين عمد مدن وأعضاء مجالس تشريعية ونواب حكام ولايات، حسب تقرير لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير).

وأكد التقرير أن من أبرز نتائج هذه الانتخابات هو تولي زهران ممداني منصب عمدة مدينة نيويورك لأول مرة في تاريخها، وهي أكبر المدن الأميركية وأكثرها تأثيرا في المال والإعلام، وكذلك انتخاب غزالة هاشمي نائبا لحاكم فرجينيا. وحسب "كير" فإن ذلك يمثل "رقما قياسيا غير مسبوق"، ويرسخ صعود المسلمين إلى قلب المشهد القيادي الأميركي.

إعلان أسباب ارتفاع عدد الفائزين المسلمين

يعود هذا الصعود اللافت إلى تضافر عوامل سياسية وتنظيمية وسياقية، دفعت إلى تمثيل المسلمين إلى مستويات غير مسبوقة، ويعود بعضها إلى نشاط الجاليات الإسلامية التنظيمي داخل المجتمع الأميركي، وهناك من الأسباب ما يعود إلى طبيعة المجتمع الأميركي الحالية والجدلية الدائرة داخل التركيبة الحزبية للجمهوريين والديمقراطيين.

فالمدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير) نهاد عوض يربط بين هذا الإنجاز وظهور بنية مؤسساتية فاعلة داخل المجتمع المسلم، من لجان تمويل وضغط سياسي إلى منظمات تدريب وتأهيل. وحسب رأيه، فإن هذه الكيانات لم تعد تكتفي بدعم المرشحين معنويا، بل تقدم لهم أدوات مهنية للعمل الانتخابي: من التخطيط الإستراتيجي للحملة، إلى إدارة التمويل، وتوجيه الرسائل الإعلامية التي تصل إلى الناخب الأميركي العادي، بما يتجاوز خطاب الهوية والدين إلى قضايا المعيشة والصحة والتعليم.

ويضيف عوض -للجزيرة نت- أن الحرب في غزة، وما رافقها من صور الحصار والمجازر المدعومة أميركيا لإسرائيل، لعبت دورا حاسما في تعبئة القاعدة الشعبية للمسلمين، ودفعت كثيرا منهم إلى الانخراط المباشر في السياسة، ليس فقط دفاعا عن القضية الفلسطينية، بل رفضا لترتيب الأولويات في واشطن بحيث تُقدَّم مصالح إسرائيل على مصالح المواطنين الأميركيين أنفسهم.

أما الكاتب والباحث السياسي أسامة أبو أرشيد فيربط هذا التقدم بسياق أوسع، حيث أصبح المسلمون جزءا من النقاش الأميركي حول هوية البلاد التي يريدونها: فهل ستكون أميركا بلد التنوع والعدالة والمساواة بين المواطنين، أم أميركا الانغلاق العرقي؟ ويؤكد أن دخول المسلمين هذا النقاش -رغم حملات التشويه والقوانين المقيِّدة- دليل على قدرتهم على المناورة والتأثير.

ويشير أبو أرشيد إلى أن هذا الشعور لم يقتصر على المسلمين، بل شاركتهم فيه شرائح واسعة من الشباب والديمقراطيين التقدميين، وحتى أصوات جمهورية بارزة انتقدت ما وصفته بـ"حرب إبادة" ضد الفلسطينيين.

ويشير المختص في الشؤون الأميركية محمد علاء غانم إلى سبب آخر يرجع إلى زيادة غير مسبوقة في عدد المرشحين المسلمين هذا العام، وهو ما رفع تلقائيا احتمالات الفوز. ويرى أن الفوز بالمناصب المحلية والولائية هو "خطوة أساسية تمهد الطريق للفوز بمقاعد في الكونغرس ومناصب فدرالية لاحقاً".

من اليمين: أسامة أبو أرشيد ونهاد عوض ومحمد علاء غانم (الجزيرة + وكالات)أهمية هذه الانتخابات

تمثل هذه الانتخابات لحظة فاصلة في علاقة المسلمين بالدولة الأميركية، فالوجود في مواقع قيادية -من بلديات إلى نائب حاكم ولاية- يعني الانتقال من التمثيل الرمزي إلى الشراكة الحقيقية في صنع القرار.

ولذلك يشدد المدير التنفيذي لـ"كير" على أن القيادات المنتخبة باتت قادرة على صياغة تشريعات تحمي الأقليات وتعزز العدالة الاجتماعية، وأن هذا ما يجعل الحضور السياسي للمسلمين اليوم أكثر عمقا وتأثيرا من أي وقت مضى. مضيفا أن شخصية مثل غزالة هاشمي، التي فازت بمنصب نائب حاكم فرجينيا، تمثل نموذجا ملهما للنساء والشباب المسلمين، مما يرفع معدلات مشاركتهم السياسية مستقبلا.

إعلان

وحسب تصريحاته للجزيرة نت، فإن المختص في الشؤون الأميركية يعتبر فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك "اختراقا تاريخيا"، نظرا لأهمية المدينة على المستويين الاقتصادي والإعلامي، ويرى أن مثل هذه الانتصارات ستخلق حالة من الألفة المتزايدة والتعود لدى الجمهور الأميركي تجاه القيادات المسلمة.

أما الباحث السياسي فيرى أن هذا الفوز دليل على نضج جيل جديد من المسلمين الأميركيين المندمجين بعمق في المجتمع، الرافضين لمحاولات التشكيك في ولائهم أو هويتهم، مستشهدا بما تعرض له نواب مثل إلهان عمر ورشيدة طليب من هجمات عنصرية، ورغم ذلك واصلوا التقدم في المشهد السياسي.

موقع المسلمين في المجتمع الأميركي

يرى المتحدثون أن هذه المكاسب الانتخابية رسخت صورة المسلمين كجزء أصيل من "بوتقة الصهر" الأميركية، التي تحفظ خصوصيات المكونات الثقافية والدينية دون إذابتها.

فأسامة أبو أرشيد يؤكد أن المسلمين اليوم يناقشون قضايا المجتمع اليومية -من مكافحة الفقر والبطالة إلى مواجهة التضخم– بنفس القدر الذي يناقشون فيه القضايا الدولية، مثل الحرب على غزة، مما يعني أنهم لم يعودوا محصورين في قضايا "الهوية" أو "الطائفة"، بل أصبحوا فاعلين في الشأن العام بمفهومه الواسع.

ويضيف محمد علاء غانم -للجزيرة نت- أن دخول المسلمين إلى المناصب العامة يغير تدريجيا الصورة النمطية عنهم، ويمكّنهم من كسر الحواجز النفسية والسياسية التي حالت سابقا دون قبولهم في مواقع القرار، رغم استمرار التحديات، ومن بينها الحملات التي تسعى لربط أي مرشح مسلم بالإرهاب -كما حدث مع ممداني الذي تعرض لمحاولة ربطه بهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ولكن ذلك فشل أمام إرادة الناخبين في نيويورك.

أما نهاد عوض فيصف هذه المرحلة بأنها "ترسيخ للمواطنة العملية"، حيث أصبح للمسلمين قناة مباشرة للتأثير في السياسات التي تمس حياتهم وحياة مواطنيهم، بدلا من البقاء على هامش دوائر صنع القرار.

تأثير فوز المسلمين في السياسة الأميركية

تتعدد صور تأثير هذه الانتخابات بين صنع القرار الداخلي، بما يوسّع هذا الحضور من أجندة القضايا المطروحة، لتشمل العدالة الاقتصادية، والرعاية الصحية، والتعليم، وحماية الحقوق المدنية، بالإضافة إلى رسم ملامح السياسة الخارجية بما في ذلك نقد السياسات التي تقدم مصالح إسرائيل على مصالح الأميركيين، حسب المحللين.

فعوض يقول إن هذا التوسع يعكس تغيرا في المزاج العام، مشيرا إلى أن استطلاعات الرأي تظهر انخفاض التأييد لسياسات إسرائيل، خاصة بين الشباب والديمقراطيين، وأن وجود ممثلين مسلمين يضفي شرعية على هذا التحول ويؤطره سياسيا.

وفي ما يتعلق بدخول المسلمين دوائر صنع القرار، فإن أسامة أبو أرشيد يرى أن ذلك يتيح مراجعة القوانين التي تستهدفهم، ويكشف الانقسامات الحزبية حول السياسة الخارجية، خاصة الدعم الأميركي لإسرائيل، مستشهدا باستطلاع أظهر أن 79% من القاعدة الديمقراطية تتعاطف مع الفلسطينيين مقابل 8% فقط مع إسرائيل.

أما على الصعيد الخارجي، فيعتبر علاء غانم أن هذه المكاسب على المستوى المحلي تمهد الطريق لتأثير أكبر على السياسة الفدرالية، مما قد يغيّر معادلة الخطاب الأميركي في القضايا المرتبطة بالعالم الإسلامي إذا استمرت هذه الموجة التصاعدية.

وتجمع آراء المتحدثين على أن ما تحقق لم يكن وليد الصدفة، بل هو ثمرة عمل منظم وتراكم جهود سياسية ومجتمعية، مدفوعة بوعي متزايد لدى المسلمين الأميركيين بضرورة الاستثمار في العملية السياسية، إلى جانب انفتاح نسبي في الرأي العام بفعل أحداث كبرى مثل حرب غزة.

غير أن هذا التقدم يقابله تصعيد منظم من خصوم سياسيين وتشريعيين يسعون لإعاقة تمدد النفوذ المسلم، مما يجعل المرحلة المقبلة اختبارا لمدى قدرة الجالية المسلمة على تحصين مكاسبها وتحويلها إلى حضور مستدام في المشهد الأميركي.

إعلان

مقالات مشابهة

  • علي جمعة: البدعة ليست كلها ضلالة.. وهكذا فرّق العلماء بين أقسامها
  • بعد التصديق عليه.. تعرف على موعد تطبيق قانون الإجراءات الجنائية
  • ما تمويل المناخ وكيف يخطط العالم لدفع تكاليفه؟
  • رونالدو يحدد موعد اعتزاله.. متى وكيف؟
  • أحمد حمودة: عبد الرؤوف تعامل مع مباراة بيراميدز بشكل جيد
  • آلام المفاصل في الشتاء.. لماذا تزداد وكيف يمكن تخفيفها؟
  • عاجل: صلاة الاستسقاء.. تعرف على كيفيتها وعدد ركعاتها وأهم سننها
  • زغلول النجار.. العالم الإنسان
  • هل تغير المجتمع الأميركي؟ وكيف فاز 38 مسلما بمناصب قيادية؟