تحوّل لقب عشماوي في الذاكرة المصرية إلى مرادف لوظيفة تنفيذ أحكام الإعدام، حتى صار الاسم يسبق المنصب ويلازمه عبر الأجيال ورغم أن كثيرين يستخدمون اللقب دون معرفة أصله، فإن قصته تعود إلى بدايات القرن العشرين عندما شغل رجل يحمل اسم عبد المسيح عشماوي منصب أول منفذ رسمي لأحكام الإعدام في مصر الحديثة.

بداية اللقب مع أول منفذ للإعدام

كان عبد المسيح عشماوي يتمتع بسمعة صارمة وحضور قوي، ما جعله معروفاً لدى الرأي العام في ذلك الوقت، ومع كثرة تداول اسمه في الصحف والدوائر القضائية، التصق اللقب بمهنة تنفيذ حكم الإعدام، حتى صار كل من يتولى المهمة بعده يُعرف شعبياً باسم عشماوي، بغض النظر عن اسمه الحقيقي.

ومع مرور الزمن، أصبح اللقب جزءاً من الثقافة الشعبية، يظهر في الأعمال الفنية والصحفية، ويرمز إلى وظيفة شديدة الحساسية ترتبط بتطبيق أحكام القضاء في قضايا الجنايات الكبرى.

وظيفة دقيقة تخضع لإجراءات صارمة

تنفيذ حكم الإعدام مهمة لا تعتمد على القوة أو القسوة كما يظن البعض، بل على الالتزام بالإجراءات القانونية والضوابط الإنسانية.

ويتولى منفذ الإعدام تنفيذ الحكم بعد استيفاء جميع مراحل التقاضي وإصدار القرار النهائي غير القابل للطعن. وتتم العملية خلف الأسوار تحت إشراف عدد من الجهات المختصة وفق بروتوكول معتمد يضمن احترام القانون وصون كرامة جميع الأطراف.

وتسبق التنفيذ إجراءات للتأكد من هوية المحكوم عليه، ومراجعة القرار القضائي، والتأكد من استكمال المستندات الرسمية، إضافة إلى حضور ممثل عن النيابة العامة وطبيب السجن والجهات المعنية.
ولا يُعلن اسم منفذ الإعدام الحقيقي حفاظاً على خصوصيته وأمنه الشخصي، وهو ما زاد من ترسيخ لقب عشماوي كبديل عن الكشف عن الهوية.

مهنة لها خصوصية نادرة

على الرغم من أن اللقب يحمل رهبة في المخيلة العامة، فإن منفذ الإعدام يمارس وظيفة قانونية بحتة، تنتهي دوره لحظة تنفيذ الحكم دون أي سلطة على قرار الإعدام نفسه الذي يصدر من المحكمة وحدها.
وتحتاج الوظيفة إلى انضباط نفسي وقدرة على الالتزام الحرفي بالقواعد، بعيداً عن الانفعال أو التقدير الشخصي.

ورغم التطور التشريعي وتحديث نظم العمل خلف الأسوار، ما زال لقب عشماوي حاضراً في الوعي الشعبي حتى اليوم، شاهداً على تاريخ طويل لصاحب الاسم الأول الذي صاغ، دون أن يقصد، أشهر لقب ارتبط بمنفذي أحكام الإعدام في مصر.



المصدر: اليوم السابع

كلمات دلالية: الداخلية اخبار الداخلية حوادث حوادث اليوم عشماوي

إقرأ أيضاً:

الحكاية الشعبيّة: حمّالةُ الرموز واهبة الإمتاع

لم يكن لنا في فضائنا الجامعيّ العالِم في عموم وطننا العربيّ عناية بالحكاية الشعبيّة التي شكّلت أساسًا متينًا لحياة القصص، ومثّلت مظهرًا من مظاهر الوجود التي بها يُعرَّف الإنسان على أنّه كائن حكّاء. الحكاية الشعبيّة التي رافقت الإنسان على تغاير العصور، وصاحبته في مختلف المحن والأزمات وفي شتّى الأفراح والمسرّات، هي أصلٌ منغرس في عمق ثقافات الشعوب، يضعون فيها أساطيرهم ومعتقداتهم وأحلامهم وحنوّ الواقع وقسوته عليهم، غير أنّ هذا التراكم للحكاية الشعبيّة وهذا الأثر المرافق للإنسان العربيّ منذ يفاعته وبدايات اكتشافه للكون لم يلقَ من الذهن العربيّ العالِم، من العقل المُدرّس، ومن الفضاء الباحث، دروسًا دقيقة وبحوثًا عميقة. فقد بقيت دراسة الحكاية الشعبيّة مستهجنة، لا يقبلها العقل العربيّ العالِم، وإن حاول البعض من الدراسين الخوض فيها والتخصّص في بنائها ومقامها وأثرها، غير أنّها جهود بسيطة تلاقي في أغلب الأحيان رفضًا من قبل عصبة العلماء في جامعاتنا العربيّة. وأذكر جيّدًا أنّه لمّا قدّم عبد العزيز الراشدي مشروع دراسته للحكاية العربيّة في الجامعة لاقى رفضًا، وفرضنا موضوعه فرضًا، ناهيكم بأنّ أغلب القائمين على العلم في تلك الجامعة لا يعتبرون الأدب الشعبيّ أدبًا.

صحيح أنّ جهودًا عديدة توجّهت إلى تجميع التراث اللامادي، ومن ضمنه الحكايات الشعبيّة المتوزّعة في مناطق مترامية والمحفوظة في الذاكرة الشعبيّة، ولكن مع تغيّر نمط الحياة وانشغال الناس بشكل جنوني، بدأت الأمهات الحكّاءات والجدّات الراويات يفقدن موقعهنّ، وبدأت الحكايا الشعبيّة تميل إلى الضياع. دراسة هذه الحكايات لا يمكن أن تكون شبيهة بدراسة القصص العالِم، وإنّما هي حاملة في أثنائها وأحشائها تواريخ شعوب وثقافات واعتقادات. فالحكاية الشعبيّة حمّالة مقاصد ومتشرّبة أعماقًا ومبنيّة على رموز، ولها أوجه وأقفية، ومطواعة للتوجيه والتقصيد والتكييف حسب مقتضيات الأحوال.

وقد حفّزني اليوم باحث عميق على إثارة موضوع الحكاية الشعبيّة العربيّة وضرورة النظر فيها بأدواتٍ تتجاوز التسطيح وتنفذ إلى أعماقها، إذ منها نُدرك جوانب الإنسان التي لا يعرض لها التاريخ ولا ينصرف إليها المؤرّخون. وهذا الباحث هو الأنتروبولوجي العربي محمد الجويلي، الذي خصّص قسمًا هامًّا من مجاله البحثي لدراسة الحكاية الشعبيّة من منظور علم الإناسة، وهو الأوّل في عالمنا العربي الذي تشرّب الأنتروبولوجيا من مظانّها وأعملها على الحكاية الشعبيّة، رغم أنّ الرجل خرّيج قسم اللّغة العربيّة بالجامعة التونسيّة، إلاّ أنّه واصل دراسته في فرنسا جامعًا بين لغة العرب وعلوم الفرنجة، وقد أثمر هذا الجمع إثراءً وإغناءً للثقافة الشعبيّة العربيّة، ممّا رشّحه لإفادة الجامعة التونسيّة وللإشعاع على جامعات خليجيّة وأمريكيّة بدروس ومقاربات ومباحث أعتقد أنّها على جانب كبير من الأهميّة.

وقد تناول في البداية الحكاية الشعبيّة التونسيّة من منظور أنتروبولوجي في كتاب مُؤسّس حمل عنوان "أنتروبولوجيا الحكاية: دراسة أنتروبولوجية في حكايات شعبيّة تونسيّة"، خاض فيه الأبعاد الاجتماعيّة والدلالات الرمزيّة لمحتويات الحكاية الشعبيّة في تونس من خلال الصدور من بعض الحكايا الرائجة والشائعة في الوسط الشعبي، تلقّط هذه الحكايا من أفواه الجدّات، واشتغل على دلالاتها الممكنة ومضامينها الظاهرة والباطنة وحمولتها الرمزيّة التي شُحنت بها، في وقت كانت الجامعة التونسيّة تُقدّس الدراسة البنيويّة المحايثة للقصص.

ولكن الجميل في هذه العلاقة بين الدرس البنيوي الذي يفصل القصّة عن واقعها وصاحبها، وبين الدرس الأنتروبولوجي للأدب الذي ينغرس في التأويل وفي البحث عن الدلالات والرموز، أنّ مقدّم كتاب الجويلي هو رأس الشكلانيّة في تونس والأستاذ الأوّل الذي نشر البنيويّة الأدبيّة وأعملها في تحليل النصوص، وهو توفيق بكّار الذي يقول في فاتحة الكتاب:

"كأنّما وُلد محمّد الجويلي ليكون أنتروبولوجيا. هيّأته منذ الطفولة لهذا العلم مدينته، جنوبيّة على الحدود، وككلّ الثغور، مقامٌ للنّاس ومَعْبَر، ينزلها أصيل ووافد. مزيج أهلها من الألوان والأديان ونواطق اللّسان ، بيضٌ وسُود، ومسلمون ويهود وغيرهما، ولهجات تلتقي وتفترق نغماتها، ونشَّأته أسرته على عريق العادات والتقاليد من أصناف المآكل والألبسة، ومواكب الأعياد وطقوس الأعراس. وزوَّد ذاكرته الكبارُ من جدّةٍ وأمٍّ بِذُخر من الأساطير والخرافات تُذْكي الخيال وتبعث على الاعتبار..."

ومن هذه الأرضيّة الجنوبيّة الصحراويّة الثريّة تغذّى الجويلي بثراءٍ من الحكايات الشعبيّة التي تضمّنت العادات والتقاليد والمعتقدات والأوهام والأحلام. وقد أبان الجويلي في مقدّمة كتابه ارتباطه بهذا العالم الذي حفّزه إلى تتبّع الحكايات والعادات والطقوس وما يحفّ بالإنسان من أفعال وأقوال وأعمالٍ في مسار حياته، والذي كيّف تخصّصه وحمله إلى دراسة علم الإناسة أو علم الإنسان في ثقافته ومحيطه وقبيلته.

وقد تضمّن الكتاب بيانًا لحكاية الباحث مع الأنتروبولوجيا، وتحليلًا للأمثال التي تختصر في الأصل حكاياتٍ رائجة بين النّاس وحاملة لرموز قابلة للتفكيك والتأويل، وتحليلًا أيضًا لـ"الخرّاف"، وهي العبارة الشعبيّة التونسيّة التي تُطلق على الحكايات الشعبيّة، ولعلّ القارئ يُدرك صلتها اللفظيّة والدلاليّة بالعبارة الفصيحة التي منها استُقيت، وهي "الخُرافة" ليقف على تفكيك جملة من الحكايات الشعبيّة التونسيّة ونظر فيها بعين الأنتروبولوجي العارف بتحليل نصوص الأدب، المدرك لجهود الغربيين والعرب في تحليل القصص عامّة والقصص الشعبيّ خاصّة. ومن هذه الأرضيّة أيضًا تتبّع الباحثُ حكايات الأمّهات، في جمعٍ لحكايات شعبيّة تعهّد طلبته بتقصّيها من جهات مختلفة من البلاد التونسيّة، فكان كتاب "الأمّ الرسولة: رسالة الأمّ في الحكاية الشعبيّة العربيّة: دراسة أنثروبولوجيّة نفسيّة" نتاج هذا الجمع وحصيلة الدرس الذي أدّاه الأستاذ بالتشارك مع طلبته.

ولم يقتصر الجويلي على هذين الكتابين في تحليل الحكاية الشعبيّة، بل تفتّحت دراسته على الحكاية الشعبيّة الخليجيّة، وخاصّة الحكاية الشعبيّة في البحرين والسعوديّة وعُمان، في دروس ومحاضراتٍ وبحوث وكتب. ولنا أن نذكر على سبيل المثال كتاب "من الحطب إلى الذهب" الذي أهداه إلى المرأة السعوديّة والخليجيّة المعطاءة الحكّاءة، وركّز فيه التحليل على حكاية سعوديّة شعبيّة، هي حكاية الغول مع الإخوة الثلاثة، قارنها بحكاية شعبيّة فرنسيّة عالميّة هي حكاية "الإصبع الصغير"، مبيّنًا جذور التواصل بين الثقافات والروابط العميقة بينها.

وأذكر جيّدًا أنّ الباحث عبد العزيز الراشدي عندما شرع في 2009 تقريبًا في جمع الحكايات الشعبيّة في عُمان والإمارات ليكوّن مدوّنة تشكّل أرضيّة ومصدرًا لإنجاز بحث الماجستير في الحكاية الشعبيّة، وجد حكاية "الإصبع الصغير" بروايات مختلفة وقد تعمّنت، بل واتّخذت ألبسة حسب المناطق والجهات.

وأختم في شأن جهود محمد الجويلي في دراسة الحكاية الشعبيّة بذكرِ كتابٍ عنونه ب"الرجل" الذي حبل: السلطة، الولادة وتأنيث الوجود من خلال الحكاية الخرافية الشعبيّة العربيّة"، وفيه تتبّع حكاية شعبيّة تحمل النوى نفسها، وتتبعها الباحث في صيغ مختلفة بروايات مصريّة وتونسيّة ومغربيّة وفلسطينيّة وسعوديّة وإماراتيّة ويمنيّة وعُمانيّة. ومفاد الحكاية أنّ رجلًا يحبل بعد أكله مأكولًا (تفاحة أو سمكة أو ترنجة) مخصّصًا لمعالجة العقم وتحقيق الحمل، خطأً عوض زوجته العاقر، فيحصل الحمل. وتكون الحكاية بكلّ حمولتها الرمزيّة إنسانيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا، يعالجها الباحث بأدوات أنتروبولوجيّة توسّع آفاق المقاربة وتحرّر الدراسة من الإرث النصّي الضيّق.

وجب أن نشير في نهاية هذا المقال إلى أنّ بحوثًا واعدة كان مؤمّلًا أن تُنجز في دراسة الثراء الحكائي الشعبي في سلطنة عُمان، ووصل هذه الحكايات بآفاقها الكونيّة من جهة، وبمقاماتها الرمزيّة والكنائيّة من جهة أخرى، ولكن أغلب هذه البحوث انتهى إلى الإجهاض بسبب النظرة الدونيّة أوّلًا إلى الأدب الشعبيّ، وبسبب عدم العناية بالدرس الأنتروبولوجي في أقسام الأدب التي ظلّت أدواتها بائدة باهتة.

مقالات مشابهة

  • جائزة لاس فيجاس للفورمولا1.. نوريس يغازل اللقب
  • جهود مصر متواصلة لتخفيف معاناة سكان غزة عبر القافلة السادسة والسبعين
  • الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية فقط
  • نقابة الأطباء الإسرائيلية تحظر المشاركة في تنفيذ عقوبة إعدام الأسرى
  • قانون الإعدام الإسرائيلي يقترب من الإقرار: تنفيذ خلال 90 يومًا وحقنة سُمّ
  • الحكاية الشعبيّة: حمّالةُ الرموز واهبة الإمتاع
  • مخرجة فيلم فى البداية تحمر الوجنتان ثم نعتاد تكشف سر استخدام مصاص الدماء
  • ثريا بغدادي عن فيلم ثريا حبي: كنت أرغب فى تقديم عمل بعيد عن حياتي فى البداية
  • السيطرة على حريق داخل منفذ خدمات بريد فى الشيخ زايد