إعداد: أود مازو إعلان اقرأ المزيد

تعاملت الحكومة الفرنسية بحذر مع الانقلاب العسكري الذي وقع في الغابون والذي يعتبر أحد أهم مستعمراتها السابقة. وفي أول رد فعل إزاء الانقلاب، قال أولفييه فيران، الناطق الرسمي باسم الحكومة في 30 أب/أغسطس الماضي: "فرنسا تدين الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكم علي بونغو، مضيفا خلال ندوة صحفية "الدبلوماسية الفرنسية تؤكد مرة أخرى رغبتها أن يتم احترام نتائج الانتخابات عندما يعلن عنها".

هذا الموقف المتوازن يدخل في إطار السياسة الجديدة التي تسعى فرنسا إلى اتباعها إزاء مستعمراتها القديمة في أفريقيا. موقف سبق وأن أعلن عنه الرئيس ماكرون خلال الزيارة التي قام بها إلى الغابون في 2023 حيث تحدث عن نهاية عهد فرنسا أفريقيا"، تقول كارولين روسي، رئيسة الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية بباريس.

وتابعت: "نشهد تغير في العصر. فقبل بضعة أشهر فقط، لم تدين فرنسا انتخاب إدريس دبي في تشاد في 2021 ولا الحسن وتارا في كوت ديفوار الذي فاز بعهدة ثالثة مثيرة للجدل في 2020".

اقرأ أيضاالغابون: الجنرال "أوليغي نغيما تابع، وخلفه تقف عائلة بونغو التي تسيطر على السلطة"

وأردفت نفس الباحثة " أمام كل هذه المتغيرات الجيوسياسية، أصبحت فرنسا من باب المبدأ تندد بجميع الانقلابات، لكنها ترفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان". كما أنها تعتقد أن "الدبلوماسية الجديدة المتبعة من قبل فرنسا والمتمثلة في عدم التدخل في شؤون النيجر مثلا هي الأفضل في وقت تعقدت فيه الأوضاع". دون أن تستثني "استخدام باريس لدبلوماسية موازية وخفية تمر بشكل أساسي عبر سفيرها الذي قد يمكن أن يلعب دور الوسيط بين المعارضة والانقلابيين".

من المراقب إلى الوسيط؟

من جهته، أضاف فرانسوا غولم، الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية وصاحب كتاب "الغابون وظله"، "فرنسا لا تريد أن تأخذ أي موقف إزاء ما يجري في بعض الدول الأفريقية، على غرار النيجر لكيلا تستفز مشاعر السكان المعادية لها. فهي تقف كمراقبة لا سيما أن ما حدث في الغابون ما هو إلا ثورة قصر. لكن في حال طالب سكان الغابون المساعدة، فمن الممكن أن تضع تحت تصرفهم معرفتها الجيدة للبلاد وتلعب دور الوسيط لأن علاقاتها مع ليبرفيل جيدة".

أما في منظور كارول روسي، فالعلاقات بين البلدين (فرنسا والغابون) تغيرت وتطورت مع الوقت ولم تعد كما كانت في السابق. فبعدما كانت حميمية في زمن عمر بونغو، تغيرت اليوم ولم تعد كذلك. فرنسا فقدت تأثيرها بشكل كبير".

نفس الاستنتاج توصل إليه أيضا فرانسوا غولم الذي أكد أن "منذ عهد الرئيس فرانسوا هولاند، العلاقات بين فرنسا والغابون ليست سيئة، لكنها تتميز بالحد الأدنى من الاحترام والتقارب. لكن القرابة التي كانت تميز مثلا العلاقات بين فرانسوا ميتران وجاك شيراك مع عمر بونغو تغيرت ولم تعد كالسابق. وصول نجله علي بونغو إلى سدة الحكم أبعد العاصمتين وخلق مسافة فيما بينها".

فقدان كبير للنفوذ

ابتعاد الغابون من فرنسا بدأ مع إدخال علي بونغو بلاده في مجموعة الكومنولث. فحسب فرانسوا غولم، هدف هذه الخطوة الاستفزازية هو وضع مسافة بين بلاده والقوة الاستعمارية السابقة". لكن بالنسبة لكارول روسي المراد من ذلك هو "تنويع الشراكات الخارجية في ظل العولمة". والدليل على ذلك هو النداء باللغة الإنكليزية الذي أطلقه بونغو للأسرة الدولية لكي تتدخل لإنقاذه بالرغم من أن اللغة الفرنسية لا تزال قائمة في هذا البلد.

أما على الصعيد الاقتصادي، " سعى علي بونغو إلى التقرب من الصين وسنغافورة على حساب الشركات الفرنسية"، حسب فرانسوا غولم الذي تابع: "طبعا لا تزال فرنسا تستثمر في النفط ومادة المنغنيز والحطب، لكن بعض الموارد مثل اليورانيوم نفذت. أكثر من ذلك فعلى مرور الزمن، فقدت فرنسا الكثير من العقود في مجال الصناعات الغذائية".

مصالح مستمرة

ورغم كل هذه التغييرات، إلا أن فرنسا ما زالت تحافظ على بعض من مصالحها في الغابون. ففي هذا البلد الغني بالنفط، تواصل 80 شركة فرنسية نشاطاتها الاقتصادية حيث بلغت عائداتها المالية حوالي 3 مليار يورو. فعلى سبيل المثال توظف كل من شركة توتال للنفط و"إير ليكيد" وشركة الملياردير بلوريه وهفاس وأيضا "إيرمي" حوالي 350 عامل فرنسي في هذا البلد.

اقرأ أيضاالغابون.. ماهي ممتلكات عائلة بونغو؟

كما تدير فرنسا منذ استقلال الغابون في 1960 قاعدة عسكرية دائمة تضم 350 إلى 400 عسكري مهمتهم "تدريب وتكوين عسكريين من دول المجموعة الاقتصادية لدول أفريقيا الوسطى للمشاركة في عمليات عسكرية خارجية"، وفق وزارة الدفاع الفرنسية.

الدبلوماسية الفرنسية "على المحك"

ويرى فرانسوا غولم أن الغابون "لا زال بلدا فرانكو فونيا والدليل أن عدد الفرنسيين الذين يعيشون في العاصمة ليبروفيل بلغ حوالي 1400 شخص. كما توجد أيضا في فرنسا جالية غابونية كبيرة". وأضافت كارول روسي: "لا يوجد مشاعر عدائية للفرنسيين في الغابون". أما فرانسوا غولم فقال "طبعا المعارضون السياسيون يعاتبون باريس بسبب دعمها لعشيرة بونغو لكن في نفس الوقت لا يشتكون منها كما هو الحال في النيجر أو في مالي".

وأنهت كارول روسي: "من الممكن جدا أن موقف الحكومة الفرنسية منذ بداية الأزمة لم يولد مشاعر معادية لباريس، لكن في حال تأزم الوضع ستجد الدبلوماسية الفرنسية نفسها أمام تحد كبير وعلى المحك".

أود مازوي

المصدر: فرانس24

كلمات دلالية: العراق الغابون النيجر ريبورتاج الغابون الانقلاب العسكري في الغابون فرنسا علي بونغو استعمار للمزيد الدبلوماسیة الفرنسیة فی الغابون علی بونغو

إقرأ أيضاً:

الدبلوماسية الإنسانية والشعبية !

الإنسانية تلك المفردة العميقة والمليئة بالمعاني النبيلة والصافية والملاصقة للإنسان والخير والعطاء، والعمل الصالح، والحب والوفاء.
وتُمثل الإِنسانية مجموع خصائص الجنس البشري التي تُميزه عن غيره من الكائنات الحية!

والإنسانية صفة أخلاقية تَتمثل بالتعاطف والتراحم، والعمل على تقليل مآسي الآخرين ومساعدتهم لتجاوز ظروفهم القاهرة، وبما يحفظ حياتهم وسلامتهم وكرامتهم وكافة حقوقهم الإنسانية، دون النظر لدينهم وقوميتهم وبقية الهويات الفرعية!

والإنسانية تَبرز في كافة الأوقات والمواقف، ولكنها تُتَرجم بوضوح في المواقف الحرجة المليئة بالرعب والخوف والموت ومنها الحروب والكوارث الطبيعية والحوادث المتنوعة!

ومنذ بداية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وحتى اللحظة تتوالى المواقف الإنسانية العربية والعالمية الداعمة لحياة الإنسان والسلام والأمن والرافضة لموت الأبرياء والحرب والرعب في غزة!

ويمكن تقسيم عموم المواقف الإنسانية الداعمة لغزة إلى جانبين رئيسيين وهما:

- الجانب الإنساني الدبلوماسي:
وهذا الجانب مثلته بشكل واضح وأصيل الدبلوماسية القطرية بالدرجة الأولى، ورافقتها الدبلوماسية المصرية وأخيرا رافقتهما التركية والأمريكية.

وسعت هذه الدبلوماسية الإنسانية لوقف شلال الدم الذي سحق حتى اليوم ما يقرب من 70 ألف إنسان فلسطيني، وأكثر من 179 ألف جريح، وما يقرب من مليوني نازح، وأكثر من 19 ألف معتقل، وأكثر من 200 ألف منزل متضرر، وفقا للجهاز الفلسطيني المركزي للإحصاء.

وقد ذكر «بشارة بحبح»، الوسيط الفلسطيني بين واشنطن وحماس، في لقاء مع «الجزيرة مباشر» بالخامس من تشرين الأول/ أكتوبر 2025 أن المفاوضين القطريين والمصريين عملوا بجدية كبيرة للحفاظ على حقوق الفلسطينيين خلال المفاوضات الطويلة والمرهقة مع «إسرائيل».

وآخر ثمار تلك الجهود الدبلوماسية الإنسانية هو اتفاق وقف إطلاق النار في غزة فجر الخميس الماضي، وهذه قمة الإنسانية الدبلوماسية الناشرة للسلام والأمن والخير والمحبة.

- الجانب الإنساني الشعبي:
وهذا الجانب لم يقتصر على بقعة معينة من الأرض، وبرز في غالبية المدن، وجميع تلك الأصوات الإنسانية كانت تُنادي بضرورة وقف الحرب والمجاعة في غزة.

وتَمثل هذا الجانب بوضوح في الفعاليات العربية والأجنبية الهادفة للتقليل من حجم كارثة غزة.
ويمكن عَد أساطيل «الحرية والصمود» الساعية لكسر حصار غزة والتي واجهتها «إسرائيل» بالقوة من أبرز صور الدعم الإنساني الشعبي بعد المساعدات الإنسانية «الرسمية» الجوية من عدة دول عربية.

وقد أعلن أسطول الصمود، يوم 3/10/2025 أن البحرية «الإسرائيلية» سيطرت على جميع سفنه، 42 سفينة، وبهذا فإن «إسرائيل» أثبتت للمجتمع الدولي بأنها تُريد سحق أهالي غزة وقتلهم بكافة الطرق المتاحة، ومنها منع الغذاء والدواء!

وتمثل هذا الجانب الإنساني كذلك بالمظاهرات العملاقة بالمدن الإسلامية والأجنبية، حيث تظاهر، الأحد الماضي، مئات آلاف الأوروبيين والأمريكيين وغيرهم للمطالبة بوقف حرب غزة، والإفراج عن ناشطين كانوا على متن «أسطول الصمود» للمساعدات الإنسانية، الذي اعترضته «إسرائيل» خلال إبحاره باتجاه غزة.

وشملت المظاهرات مدن وارسو وروما، التي تظاهر فيها ربع مليون شخص، وبرشلونة ومدريد وباريس ودبلن ولندن وأمستردام، وإسطنبول وواشنطن ونيويورك وغيرها. وفي ملف الغضب الشعبي العالمي ذكر تقرير «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)»، والمنشور في أغسطس/ آب الماضي، أن حرب «إسرائيل» التي استمرت قرابة عامين دفعت أجزاء من غزة لمجاعة «من صنع الإنسان»، مما زاد من «معاناة الفلسطينيين للبقاء في ظل القصف المتواصل والنزوح الجماعي وانتشار الأمراض»، وهذا التقرير ساهم في نشر الغضب الشعبي العالمي تجاه «إسرائيل»!

وبعد أكثر من 700 يوم من الحرب، توفي 455 فلسطينيًا نتيجة الجوع وسوء التغذية، بينهم 151 طفلًا، وفقًا لبيان صحة غزة بالأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2025. المجازر والمذابح والمآسي التي شهدتها غزة استنهضت المشاعر الإنسانية بعموم الأرض لأن ما يحدث في القطاع يفوق الخيال، ولا يمكن تبريره.

وهكذا ستبقى غزة عنوانا للإنسانية، كما قال الدكتور «فايز أبو شمالة»، الناشط السياسي الفلسطيني المقيم في غزة: «هذه هي غزة، التي ظَلت بعد كل هذا الدمار عنواناً للإنسانية، وعنوانًا للفصاحة والحصافة والمنعة والعزة»!

الشرق القطرية

مقالات مشابهة

  • انقسامات داخل الجمهوريين تربك جهود لوكورنو لتشكيل الحكومة الفرنسية
  • مجلس القيادة الرئاسي يعيد تفعيل الفريق القانوني لتعزيز النهج المؤسسي ومواجهة الانقلاب الحوثي
  • قبل الكلاسيكو..مركز ليفاندوفسكي الأساسي في برشلونة على المحك
  • العليمي يؤكد تفاهم وتكامل مجلس القيادة نحو استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب
  • الدفاع العراقية تضع حجر الأساس لمطار تلعفر العسكري
  • الخطيب: الدبلوماسية صامتة صمت القبور
  • مالي.. إقالات بتهمة الانقلاب وتوتر مع فرنسا
  • مبابي يقترب من الإنجاز التاريخي مع «الديوك الفرنسية»
  • رئيس الدولة يهنئ رئيس تركمانستان بمرور 30 عاماً على العلاقات الدبلوماسية
  • الدبلوماسية الإنسانية والشعبية !