هكذا تدخل 100 طن من المخدرات أوروبا سنويا
تاريخ النشر: 4th, December 2025 GMT
تعيش تجارة المخدرات في السنوات الأخيرة ذروة توسعها داخل الاتحاد الأوروبي، ما يهدد الصحة والأمن العام والأجيال الناشئة واقتصادات دول التكتل، ويغذي الجريمة والعنف على نطاق واسع، وهو ما يستدعي تنسيقا أوروبيا ودوليا لمكافحة هذه التجارة العابرة للحدود.
ونبهت المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية، إيلفا جوهانسون، بصراحة إلى هذه المخاطر الداهمة في إحاطة لها عن "خارطة طريق" أوروبية لتعزيز مكافحة تجارة المخدرات، ضمن تقرير للجنة المخدرات في مارس/آذار 2024.
وأشارت على وجه الخصوص إلى التهديد الأكبر الذي تشكله الشبكات الإجرامية باستغلال البنية التحتية اللوجيستية وخاصة الموانئ البحرية.
يمكن الوقوف على حجم هذه المخاطر من بحث نشرته مجلة "كونفلي" (صراعات) المتخصصة في التحقيقات الجيوسياسية، إذ تتضح الزيادة اللافتة في إنتاج الكوكايين عالميا في غضون 15 عاما، ليقفز من 1024 طنا عام 2007 إلى 2700 طن عام 2022، أي بزيادة تقدر بنسبة 164%.
على المستوى الأوروبي، تقدر قيمة هذه السوق بأكثر من 31 مليار يورو، أكثر من نصفها تمثل تجارة مادتي الكوكايين والهروين في وقت تستحوذ تجارة الحشيش على أكثر من 12 مليار يورو، وذلك حسب تقرير بحثي للوكالة الأوروبية للمخدرات صدر في مارس/آذار 2024.
وفي فرنسا وحدها تدر هذه السوق، ما بين 3 مليارات يورو و6 مليارات يورو سنويا من الإيرادات، كما توفر 21 ألف وظيفة بدوام كامل، وتدعم 240 ألف شخص مباشرة أو غير مباشر.
لكن فرنسا ليست وحدها في هذه المعمعة، فخارطة المخدرات لم تستثن أي دولة داخل القارة الأوروبية تقريبا بل إنها تزداد تمددا عاما بعد عام، وهذا ما كشفت عنه عملية "السحاب" التي قادتها وكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية التركية في ربيع 2025.
إعلانوتمكنت العملية النوعية من تفكيك 4 عصابات إجرامية واعتقال 234 شخصا في تركيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا بجانب مصادرة أكثر من 21 طنا من المخدرات، بما فيها 3.3 ملايين قرص من عقار الأكستاسي.
مع ذلك لا شيء يظل ثابتا في عالم الاتجار بالمخدرات بما فيها الجغرافيا، فقد أدى تحول تدريجي على مدى عدة سنوات إلى نقل مركز الكوكايين من إسبانيا الوجهة الأوروبية الأولى لتدفق هذه المواد في تسعينيات القرن الماضي، إلى الموانئ الرئيسية في بحر الشمال، تحديدا في هولندا وبلجيكا.
يحتل ميناء روتردام في هولندا وأنتويرب في بلجيكا اليوم موقعا إستراتيجيا عند مفترق طرق الاتجار بالمخدرات، في قلب أوروبا الغربية.
وتتعامل هذه الموانئ مع أعداد هائلة من الحاويات، حيث يصل معدلها إلى قرابة 12 مليون حاوية سنويا في ميناء أنتويرب مقابل حاوية كل 5 ثوان في ميناء روتردام وفق دراسة مجلة "كونفلي"، مما يعقد عمليات الرقابة ويسهل تدفق المخدرات من أميركا الجنوبية، خاصة كولومبيا، عبر دول العبور مثل الإكوادور وأوروغواي.
وحتى وقت قريب، يعد ميناء أنتويرب الذي أدمج حديثا في ميناء زيبروغ، الثاني على المستوى الأوروبي باستقباله حجم بضائع بلغ 271 مليون طن في عام 2023 وحده. لكن شهرته أصبحت أكثر اقترانا بتدفق شحنات المخدرات حيث سجل في نفس العام رقما قياسيا مع ضبط 116 طنا من مادة الكوكايين وفق الجمارك البلجيكية، ما يجعله نقطة العبور الرئيسية للمواد المخدرة في أوروبا.
ومع ذلك، فقد شهد هذا الاتجاه تغيرا خلال ثمانية عشر شهرا تالية، ويعود ذلك خاصة إلى تشديد ضوابط تفتيش الحاويات في الميناء البلجيكي.
وفي النتيجة انخفض حجم كميات الكوكايين التي تم ضبطها في عام 2024، إلى 44 طنا نصفها في النصف الأول من العام مقارنة بنحو 17 طنا ضبطت في النصف الأول من عام 2025، أي بانخفاض يقدر بنسبة 25% عن العام السابق، حسب بيانات التقرير نصف السنوي للجمارك البلجيكية.
وفي الواقع لا يعود هذا الانخفاض إلى تراجع في وتيرة التدفق للمخدرات على أوروبا كما تقر بذلك الجمارك البلجيكية في تقريرها، بقدر ما يرتبط بتنويع المهربين لطرق إمداداتهم للسوق الأوروبية، معتمدين على قاعدة "تهريب كميات أصغر، لكن في عدد أكبر من الشحنات"، وتحيل هذه القاعدة إلى تكتيكات مبتكرة في تنويع مسارات التهريب عبر الموانئ وفي طرق شحن المخدرات.
في عام 2024 ووفقا لبيانات وزارة الداخلية الفرنسية، ضبطت الأجهزة الأمنية الفرنسية (الشرطة والدرك والجمارك والبحرية) 53.5 طنا من المخدرات، بزيادة قدرها 130% مقارنة بعام 2023 (23 طن)، وهو ما يفسر انتقال جزء من عمليات التهريب أوروبيا إلى موانئ فرنسية مثل لوهافر ودونكيرك.
كما يشير تقرير صدر عن "المرصد الفرنسي للمخدرات واتجاهات الإدمان"، إلى أن أكثر من 75% من شحنات الكوكايين المعترضة في عام 2022 تم تأمينها باستخدام النقل البحري، خاصة ميناء لوهافر الذي بات "إحدى نقاط الدخول الرئيسية للكوكايين إلى أوروبا" بسبب روابطه البحرية مع دول أميركا الجنوبية، التي تعد من أكبر منتجي الكوكايين في العالم.
إعلانعلى الرغم من دوره المحوري تعترف هيئة الموانئ الفرنسية بوجود عمليات تكييف في شحن وتسريب المخدرات، يعني ذلك أنه بمجرد تشديد المراقبة في ميناء "لوهافر" يلجأ المهربون إلى موانئ أقل ضغطا مثل "دونكرك" و"روان" و"مونتوار دوبروتاني" في محاولة لاستغلال أي ثغرة ممكنة لتفادي المراقبة.
وقد مكنت عملية أمنية نوعية من إماطة اللثام عن شحنة ضخمة تقدر بـ10 أطنان في ميناء دونكرك في مارس/آذار الماضي، بحسب الهيئة الفرنسية.
لكن في موانئ أخرى أقل أهمية يعمد المهربون إلى اختبارها بشحنات أقل مثلما حصل في "لاروشيل" في جنوب غربي فرنسا، عندما كُشف عن 124 كيلوغراما من الكوكايين في شحنة "لب الورق" قادمة من البرازيل، في حادثة تصدرت عناوين الأخبار بالجهة في 2022.
والتكييف لا يقتصر على الموانئ البحرية، ذلك أن تقريرا صادرا عن "ديوان المحاسبة" الفرنسي حذر من أن خارطة تهريب المخدرات لا تستثني أي جزء من البلاد، بما فيها المناطق الريفية، حيث تخصص الطرق البرية في العادة وفق وكالات متخصصة في مكافحة المخدرات، لتهريب الحشيش والهيروين والمخدرات المصنعة أساسا.
تواجه الأجهزة الأمنية في الاتحاد الأوروبي واليوروبول تحديات مستمرة لفك شيفرة الخطط المطورة للعصابات الدولية في استغلال البنى التحتية بهدف التنويع في عمليات التهريب والتحايل على أنظمة المراقبة والتفتيش.
وبعيدا عن السواحل الغربية للقارة شكلت الموانئ الموجودة في دول البلقان خاصة ألبانيا وصربيا والجبل الأسود، جسرا إستراتيجيا للعصابات الدولية لشحن المخدرات إلى أوروبا الغربية.
ويسلط مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في منشوراته لعام 2024، الضوء على صعود الجماعات الإجرامية في البلقان ونجاحها في تكوين روابط قوية مع الكارتلات بأميركا اللاتينية، بما يضمن لها إمدادات مستقرة من الكوكايين.
ويظهر هذا الصعود قدرة هذه الجماعات على التكيف مع خطط المراقبة وعمليات الاعتراض، من خلال تنويع طرقها باستخدام السفن التجارية والغواصات المصنعة محليا، وحتى الطائرات المسيرة لنقل المخدرات.
ويؤكد مكتب الأمم المتحدة في ملاحظاته أن هذه الشبكات تعمل عبر الحدود الجغرافية، وتتشارك الموارد والخدمات والمعلومات أساليب التهريب وطرقه من المصدر إلى دول العبور والتوزيع.
علاوة على ذلك، يبرز حجم الكارتلات ونفوذها عبر تسللها في بعض المناطق إلى الاقتصاد المحلي بتمويلها للبنية التحتية أو الخدمات الاجتماعية، مما يكسبها دعما شعبيا ويجعل القضاء عليها أكثر صعوبة.
مع ذلك تلقت هذه الشبكات ضربة قوية في عام 2024، حيث نجح "اليوروبول" في تفكيك إحدى كارتلات البلقان واعتقال ما يقرب من 40 شخصا إلى جانب مصادرة 8 أطنان من الكوكايين عقب عملية أمنية دولية استمرت 4 سنوات.
لا تقتصر خارطة المخدرات في أوروبا على الممرات الكبرى المعروفة في غرب القارة والبلقان، ولكن تشمل أيضا -وفق الوكالة الأوروبية للمخدرات- طرقا أخرى مستحدثة ومعقدة، منها:
ممرات في غرب أفريقيا، عبر جزر الكناري أو الرأس الأخضر أو ماديرا، تستخدم هذه المرات كبديل من الطرق التقليدية من أميركا الجنوبية إلى أوروبا الغربية. طريق الحشيش عبر مضيق جبل طارق إلى إسبانيا، لكن هذا الممر بدأ ينقل تدريجيا إلى شمال أوروبا. ممرات أخرى تزاوج بين النقل البحري في الموانئ، والطرق البرية (الشاحنات والسيارات عبر أوروبا الشرقية والبلقان) وحتى الجوية، بحسب المخاطر والظروف الجيوسياسية والإقليمية.عموما تبرز الطرق البحرية عبر المحيط الأطلسي، والممرات البرية في أوروبا الشرقية، ومناطق العبور عبر أفريقيا والبلقان، مرونة الشبكات الإجرامية وتطورها المستمر.
إعلان تكتيكات مبتكرةيترافق التنويع في جغرافيا تهريب المخدرات مع الابتكار المستمر لطرق الشحن التي تعتمدها شبكات التهريب. كانت آخر الابتكارات تلك التي كشفت عنها وزارة الداخلية الإسبانية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عندما أطاحت بشبكة إجرامية تستخدم مسيرات محلية الصنع لتهريب المخدرات عبر مضيق جبل طارق.
نفذت العملية الأمنية، التي أُطلق عليها اسم "روشي"، بالتعاون مع الدرك الملكي المغربي بعد رصد عدة رحلات جوية مجهولة بين البلدين. وفي المجموع، تم ضبط 8 طائرات مسيرة محلية الصنع جاهزة للاستخدام وعشر طائرات أخرى قيد الإعداد وضبط 210 كيلوغرامات من الحشيش ومبلغ نقدي بقيمة 320 ألف يورو.
علاوة على ذلك، فقد كشفت التحقيقات الأمنية الأوروبية أن المهربين يلجؤون إلى إخفاء الكوكايين داخل شحنات قابلة للتلف، مثل الفاكهة حتى تستفيد من عمليات تفريغ سريعة وبالتالي تفادي التفتيش الدقيق.
ويفيد تقرير الجمارك البلجيكية، أنها نفذت 82 عملية في النصف الأول من عام 2025، لوحظت تطورات جديدة لافتة، تتمثل في إخفاء الكوكايين في الموز والمشروبات الغازية السائلة والثلاجات، وغيرها من الحيل المبتكرة.
كما كشفت الأجهزة الأمنية الفرنسية في ميناء لوهافر عن طريقة مستحدثة، إذ يستخدم المهربون حاويات مضللة تحمل نفس علامات الحاويات الحاملة لشحنات الكوكايين، حتى تحل محلها أثناء عمليات الفحص عبر أجهزة السكانير.
لكن ما كان لهذه الخطط أن تتوسع في غياب الفساد في الموانئ وحتى داخل أجهزة الجمارك، ما يدفع إلى التغاضي عن الشحنات أو إلى التنبيه المسبق للمهربين في حال وجود عمليات تفتيش.
وحيال ذلك يعترف كريستيان فاندرفيرين، المدير العام للجمارك البلجيكية: "تظهر الأرقام أن مكافحة تهريب المخدرات لم تنتهِ بعد، وأن الجريمة المنظمة تتكيف باستمرار".
أما المفوضة الأوروبية للشؤون الداخلية إيلفا جوهانسون، فلم تتردد من جهتها في الدعوة إلى تأسيس نظام أوروبي شامل للإنذار المبكر من أجل تحسين الاستجابة ومنع تفاقم الوضع، في ظل التطور المستمر والمعقد لأسواق المخدرات في الاتحاد الأوروبي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الأجهزة الأمنیة تهریب المخدرات من الکوکایین المخدرات فی فی میناء أکثر من عام 2024 فی عام
إقرأ أيضاً:
انطلاق عملية تصدير 28 ألف طن من الإسمنت الأبيض من ميناء عنابة
تُجرى حاليًا على مستوى المرفأ رقم 8/9 بالرصيف الشمالي لميناء عنابة عملية شحن السفينة «SSI RELIANCE» بكمية معتبرة من مادة الإسمنت الأبيض تُقدَّر بـ : 28.000 طن، موجَّهة للتصدير من طرف المتعامل الاقتصادي مجمع البسكرية للإسمنت نحو الولايات المتحدة الأمريكية.
تندرج هذه العملية ضمن البرنامج المسطر من طرف هذا المتعامل، والذي يهدف إلى تعزيز قدراته التصديرية للوصول إلى 200.000 طن سنويًا.
وقد تم اتخاذ جميع الإجراءات التسهيلية اللازمة بالتنسيق مع مختلف المتدخلين، بهدف ضمان السير الحسن لعملية التصدير، وذلك تنفيذًا لتوجيهات السلطات العليا للبلاد في هذا المجال.