واشنطن- باعتبارها القوة الكبرى، تستغل الولايات المتحدة نفوذها ومواردها السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية الضخمة للتدخل في حل العديد من الصراعات في العالم.

ومنذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لبدء فترة حكم جديدة في يناير/كانون الثاني الماضي، عرفت واشنطن نهجا جديدا بلعب دور أساسي في العمل على حل عدد من نزاعات القارة التاريخية والمعقدة.

وبدأت إدارته في العمل على وقف الحرب في السودان بجدية عقب طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منه التدخل الشخصي لوقف حمامات الدم هناك.

ومن ناحية أخرى، وعقب توقيع إعلان مبادئ بين حكومتي كينشاسا وكيغالي بمقر الخارجية الأميركية في يونيو/حزيران الماضي، والذي جرى بوساطة قطرية، تتجه الأنظار للبيت الأبيض اليوم الخميس حيث يستضيف ترامب زعيمي رواندا بول كاغامي والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي لتوقيع اتفاقية سلام.

مساعدة الرئيس والمتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت: يتطلّع الرئيس دونالد ترامب إلى استضافة نظيرَيه الرواندي بول كاغامي والكونغولي فيليكس تشيسيكيدي، يوم الخميس الرابع من ديسمبر، لتوقيع اتفاقية السلام والاقتصاد التاريخية التي توسّط في إبرامها.

— الخارجية الأميركية (@USAbilAraby) December 3, 2025

اتفاقية تاريخية

وأكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت الاثنين الماضي أن الرئيسين  (الضيفين) سيوقعان "اتفاقية سلام اقتصادية تاريخية بوساطة ترامب".

وتهدف إلى إنهاء عقود من الصراع خاصة شرق الكونغو. وتشمل آلية تنسيق أمني مشتركة للإشراف على انسحاب القوات المسلحة بين الدولتين لحدود متفق عليها، وتحييد الجماعات المسلحة خاصة حركة "إم 23" شرق البلاد. ويتساءل مراقبون ما إذا كان الاتفاق النهائي لواشنطن سينجح حيث فشلت الصفقات السابقة.

وفي حديث للجزيرة نت، ذكر ديفيد شين السفير الأميركي السابق في إثيوبيا وبوركينا فاسو، ونائب رئيس البعثة السابقة في السفارة الأميركية بالسودان، والباحث بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أنه "لا مؤشرات على أن ترامب قضى وقتا طويلا في هذه القضية. لقد قام مبعوثه للشؤون الأفريقية مسعد بولس بمعظم العمل على التوصل لاتفاقية رواندا والكونغو الديمقراطية".

إعلان

غير أن ذلك لا يعني عدم وجود مبررات لدى ترامب لدفع إدارته للعمل على توصل الدولتين لاتفاق سلام يوقع تحت إشرافه، ومن أهمها: أراضي كينشاسا الغنية بالمعادن النادرة، والمنافسة مع الصين، ورغبة الرئيس الأميركي الشخصية في الظفر بجائزة نوبل للسلام.

وتُعد الكونغو الديمقراطية واحدة من أكثر الدول في العالم التي تضم عدة معادن نادرة أو ذات أهمية إستراتيجية. ومع سيطرة الصين الضخمة حاليا على استخراجها وتجارتها، واستغلال ذلك في تنافسها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، تبحث واشنطن بلا توقف عن بدائل غير مستغلة من المعادن.

متمردو حركة "إم 23" على متن شاحنة عند حدود رواندا والكونغو (رويترز)أهداف واشنطن

وأكد السفير شين أن هدف الولايات المتحدة النهائي من الدبلوماسية هو ضمان الوصول إلى المعادن الحيوية في المنطقة، ومن هنا تمثل الكونغو فرصة ضخمة للشركات الأميركية بما تملكه أراضيها من عدد من أهم تلك المعادن النادرة، التي يمكن تلخيصها على النحو التالي:

الكوبالت: تمتلك كينشاسا ما بين 60% و70% من احتياطياته المعروفة في العالم. وهو معدن حيوي لبطاريات الليثيوم أيون، والمركبات الكهربائية، وسبائك الطيران. الكولتان: وهو مصدر التنتالوم المستخدم في شرائح الإلكترونيات المتقدمة اللازمة لتصنيع الهواتف الذكية، وأجهزة الحواسيب المتطورة. كما تضم أراضي الكونغو معادن أخرى بكميات ضخمة من بينها النيوبيوم، والجرمانيوم، والليثيوم، وولفراميت، والكاسيتريت، والألماس بما في ذلك الأنواع النادرة عالية الجودة.

ومن هنا يمكن فهم اهتمام ترامب بهذا البلد ضمن الصراعات الجيوسياسية الأوسع حول السيطرة على المعادن الإستراتيجية، خاصة الكوبالت والكولتان اللذين لا غنى عنهما للتقدم الصناعي التكنولوجي العسكري. وأشارت تقارير إلى إجرائه وممثلي الكونغو محادثات حول صفقة معادن محتملة تتيح لواشنطن تقديم المساعدة الأمنية لكينشاسا مقابل بعض الموارد الطبيعية للبلاد.

ويرى بعض المعلقين أن التنافس بين واشنطن وبكين يعد مفتاحا هاما لفهم اهتمام إدارة ترامب بحل النزاع بين رواندا والكونغو الديمقراطية، في ضوء التنافس الجيوسياسي بينهما حول الوصول إلى المعادن النادرة.

أميركا تسعى إلى أخذ مكان الصين بقطاع المعادن في الكونغو الديمقراطية (أسوشيتد برس)تعاون عسكري

أواخر فبراير/شباط 2025، نشرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب تغريدة على منصة "إكس" حثت حكومة الكونغو على عرقلة عرض شركة "نورين ماينينغ" التابعة لشركة نورينكو الصينية لصناعة الأسلحة والنحاس، لمشروع كوبالت ونحاس واعد.

وجاءت التغريدة بعد تجاهل شركة التعدين الكونغولية للمرة الثانية عرض استحواذ نورين ماينينغ على شركة "كيميكال أوف أفريقيا" بقيمة 1.4 مليار دولار. وتأمل إدارة ترامب من خلال الاستفادة من ثروة هذه المعادن النادرة أن يمنحها ذلك فرصة لمواجهة هيمنة الصين عليها.

ومن جانبها، تعرض كينشاسا على واشنطن ليس فقط الوصول إلى المعادن، بل والسيطرة على ميناء "بنانا" البحري العميق غرب البلاد، على أن يشمل أيضا التعاون العسكري الذي يتيح تأسيس قواعد عسكرية لواشنطن لحماية الموارد الإستراتيجية.

ويكرر ترامب نجاحه في حل 8 نزاعات دولية فشلت الجماعة الدولية في حلها على مدار العقود الأخيرة. وخلال حديث مع صحفيين، قال "لقد سوينا الكونغو مع رواندا، كانت حربا وحشية ومروعة، قتل العديد من الناس، نحو 10 ملايين شخص".

إعلان

وأضاف أن معظم الحروب "لم تكن تعتبر قابلة للحل". واعتبر الاتفاق المبدئي بين الدولتين "انتصارا مجيدا" وحذر من "عقوبات شديدة جدا" إذا تم انتهاكه. ورغم أن بعض الخبراء يشككون في قدرة ترامب على حل الصراعات، تأمل واشنطن أن تدفع جهود الرئيس ليظفر العام القادم بجائزة نوبل للسلام.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دراسات شفافية غوث حريات الکونغو الدیمقراطیة رواندا والکونغو المعادن النادرة

إقرأ أيضاً:

ترامب يجمع رئيسي رواندا والكونغو في واشنطن

يجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الخميس، رئيسَي رواندا بول كاغامي وجمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي في واشنطن ضمن محاولة لتثبيت اتفاق سلام يُنظر إليه كخطوة دبلوماسية استراتيجية مهمة في ولايته.

ويُعقد اللقاء في مقر “معهد السلام الأمريكي”، الذي أُعيدت تسميته مؤخرًا باسم “معهد دونالد ج. ترامب للسلام”، بعد خمسة أشهر على الاتفاق الأولي الذي رعته الولايات المتحدة، وسط استمرار الاشتباكات المسلحة في شرق الكونغو، حيث يواصل فصيل «M23» المدعوم من رواندا توسيع سيطرته على الأراضي، ما يهدد استقرار المنطقة.

ويركز ترامب على دفع هذا الاتفاق بما يخدم مصالح واشنطن في الموارد الطبيعية، إذ يحتوي شرق الكونغو على كميات كبيرة من الكوبالت والنحاس، وهما عنصران أساسيان في صناعة السيارات الكهربائية، ويأتي ذلك في سياق مواجهة النفوذ الصيني المتزايد في القارة الأفريقية.

وأكدت الرئاسة الكونغولية أن الاتفاق يشمل ثلاث ركائز رئيسية: تعزيز السلام، دعم التكامل الاقتصادي الإقليمي، وتأسيس شراكة استراتيجية حول الموارد الطبيعية، مع التأكيد على أن أي تعاون اقتصادي مشروط بتحقيق الاستقرار، وليس مجرد بيع المعادن.

وفي المقابل، تشترط رواندا إنهاء “إجراءاتها الدفاعية” المتعلقة بتحييد الكونغو لجماعة «FDLR» (القوات الديمقراطية لتحرير رواندا)، التي تعتبرها كيغالي وريثة مرتكبي إبادة 1994، بينما تؤكد الكونغو أن استمرار القتال يعكس انعدام الجدية في الالتزام بالسلام من الجانب الرواندي.

ويأمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يثمر هذا اللقاء عن اتفاق طويل الأمد يتيح للولايات المتحدة تأسيس شراكة استراتيجية مع البلدين، تعزز مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية في قلب أفريقيا، وتدعم الاستقرار الإقليمي بعد عقود من الصراعات المسلحة.

وشهدت رواندا والكونغو الديمقراطية نزاعات متكررة منذ تسعينيات القرن الماضي، كان أبرزها تداعيات إبادة رواندا 1994 والصراعات المسلحة في شرق الكونغو التي أودت بحياة عشرات الآلاف ودفعت الملايين إلى النزوح، كما حولت المنطقة إلى نقطة اهتمام دولي بسبب المعادن النادرة وأهمية الاستقرار السياسي والأمني فيها.

مقالات مشابهة

  • واشنطن تشهد توقيع اتفاق سلام تاريخي بين رواندا والكونغو الديمقراطية
  • ترامب يشهد توقيع اتفاق سلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية
  • ترامب: نضع تسوية لحرب كانت مستمرة بين رواندا والكونغو الديمقراطية
  • ترامب: الولايات المتحدة ستدعم السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية
  • ترامب يشهد توقيع اتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية.. ويطمع في معادن الأرض
  • ترامب: بإنهائي الحرب بين رواندا والكونغو الديمقراطية أكون قد أنهيت الحرب الثامنة خلال عام
  • ترامب يجمع رئيسي رواندا والكونغو في واشنطن
  • رئيس رواندا يثمن اتفاق السلام التاريخي مع الكونغو الديمقراطية ويشيد بدور قطر
  • رواندا والكونغو الديمقراطية توقعان اتفاقية سلام غداً