أحمد مسعود في موسكو.. هل تدعم روسيا جبهة المقاومة وتدير ظهرها لطالبان؟
تاريخ النشر: 8th, September 2023 GMT
موسكو- زار زعيم جبهة المقاومة الشعبية الأفغانية أحمد مسعود العاصمة الروسية، والتقى بزعيم حزب العدالة ونائب رئيس البرلمان الروسي "الدوما" سيرجي ميرونوف. وحسب بيان للجبهة، ناقش الطرفان الأوضاع الأمنية والسياسية في أفغانستان، وتشكيل حكومة شاملة.
وقال ميرونوف بالمناسبة إن البرلمان الروسي سيعقد اجتماعا حول أفغانستان وسيلقي أحمد مسعود كلمة أمام النواب ومسؤولين روس.
وهذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها موسكو شخصية أفغانية معارضة لطالبان، فهل يكون ذلك ردًّا على الانتقادات التي توجه لدول مثل روسيا والهند وإيران، واتباع نصيحة عدم وضع كل البيض في سلة طالبان؟.
هل تدعم روسيا جبهة المقاومة؟
يقول الخبير في الشؤون الأمنية سنجر غفاري، للجزيرة نت، إن أحمد مسعود يحاول سلوك طريق والده الراحل أحمد شاه مسعود، ويسعى في بناء العلاقات مع حلفاء والده التقليديين مثل روسيا وإيران والهند وفرنسا، على أمل كسب دعمها في الوقوف أمام حركة طالبان.
ولكن الكاتب والباحث السياسي رجب كمال، قال إنه لا يعتقد أن زيارة واحدة معناها أن موسكو تدعم جبهة المقاومة، "فمجلس "الدوما" ليس لديه صلاحيات تنفيذية".
ويضيف كمال للجزيرة نت "روسيا دولة مهمة، وربما حاولت أن تسمع من أحمد مسعود تقييمه للوضع الميداني والأمني في أفغانستان، وتنوي القول إن الروس يسمعون منكم فقط، ولا تريد أن تخسر طالبان على حساب شخصيات سابقة خرجت من المشهد الأفغاني بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان".
من جهة أخرى يصف أمر الله صالح نائب الرئيس الأفغاني المنصرف أشرف غني (ويُعتبر من أشد معارضي الحكومة الحالية) زيارة أحمد مسعود إلى موسكو بـ"الخطوة المهمة والتطور السياسي والإستراتيجي". وقال للجزيرة نت، إن بداية "العلاقات الرسمية" بين جبهة المقاومة وروسيا أمر لافت للغاية.
وأضاف صالح أن وجود زعيم الجبهة في البرلمان الروسي بدعوة من حزب العدالة يُعد علامة جيدة، وأن البرلمان الروسي له مواقف تتفق مع سياسات الكرملين، ووجود أحمد مسعود لم يكن ليحدث لولا التنسيق داخل الحكومة وهيئة صنع القرار في روسيا.
وعن رأي جبهة المقاومة في ذلك، قال مصدر فيها للجزيرة نت إن روسيا قوة لا يمكن تجاهلها ولها دور بارز في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ولا يمكنها دعم جبهة المقاومة بسبب انشغالها في الحرب الأوكرانية، ويبدو أنها لا ترغب بفتح جبهة جديدة ضد طالبان قرب حدودها شمالي أفغانستان.
يقول مصدر في الحكومة الأفغانية الجديدة، للجزيرة نت، إن استيعاب روسيا للنظام السياسي الجديد في أفغانستان يعكس تأثير ما يزيد عن عقد من الدبلوماسية السرية مع طالبان، ومع ذلك هناك تحفّظات روسية بشأن بناء العلاقات الدبلوماسية مع الحركة.
ويضيف المصدر ذاته أن الإستراتيجية الروسية في التعامل مع النظام الجديد في كابُل يجمع بين "الدبلوماسية والردع"، مما يسمح بالحفاظ على علاقات ودية مع طالبان، في حين تعمل على تهدئة المخاوف الأمنية لشركائها في آسيا الوسطى.
و يرى مراقبون أن زيارة مسعود تعد مؤشرا على أن طالبان في حد ذاتها لم تعد شريكًا مهمًا بالنسبة لروسيا، لذا أرادت موسكو إرسال الرسائل إلى الولايات المتحدة وطالبان على السواء. يقول الكاتب والباحث السياسي المقرب من جبهة المقاومة رزاق مأمون إن الزيارة جاءت وفق خطة مدروسة وبالتنسيق مع الكرملين، وهي تفتح صفحة جديدة في العلاقات الأفغانية الروسية مفادها أن روسيا اعترفت بعد عامين من الصمت تجاه القضية الأفغانية بالمقاومة ضد حركة طالبان في أفغانستان.
علاقة تاريخية بين روسيا وطالبان
وقفت روسيا خلال حكم طالبان الأول لأفغانستان من 1996 إلى 2001 إلى جانب جبهة تحالف الشمال السابقة، ولعبت موسكو حينئذ دورًا محوريًا في اقناع دول آسيا الوسطى وإيران والهند بالوقوف مع الجبهة، وفعلا فتحت طاجيكستان أبوابها في تلك الفترة كما هي اليوم لجبهة المقاومة.
وفي عام 2003 صنفت موسكو طالبان على أنها جماعة إرهابية، إلا أنها حافظت على علاقات دبلوماسية غير رسمية طويلة الأمد مع الحركة. وفي عام 2007 أجرت روسيا محادثات سرية معها حول منع تهريب المخدرات من أفغانستان إلى آسيا الوسطى.
وتطورت العلاقات الروسية مع طالبان وظهرت إلى العلن عام 2015، حيث أنشأت موسكو قنوات اتصال مع طالبان لتبادل المعلومات في مجال مكافحة المخدرات ومحاربة تنظيم الدولة الذي ظهر في نفس العام شرقي أفغانستان.
وبعد أن أصبحت حركة طالبان هي السلطة الحاكمة في أفغانستان، تأمل روسيا في إقامة علاقات اقتصادية وأمنية، وتستبعد التعاون العسكري رغم رغبة الجانب الأفغاني في ذلك. كما تنظر موسكو إلى الحكومة الأفغانية الجديدة بزعامة طالبان على أنها شريك أساسي في مكافحة تنظيم الدولة.
وتؤكد موسكو على تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، حيث سيكون من الصعب عليها الاعتراف بالحكومة الأفغانية بقيادة طالبان، ويهمها وجود حلفائها التقليديين في السلطة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: جبهة المقاومة فی أفغانستان طالبان على للجزیرة نت مع طالبان
إقرأ أيضاً:
الصناعة في أفغانستان على حافة الانهيار مع العقوبات وتقطع الكهرباء
كابل– في شوارع العاصمة الأفغانية كابل، حيث كانت المصانع الصغيرة والمتوسطة تضج بالحركة وتوفر لقمة العيش لآلاف الأسر، بدأت أصوات الآلات تخفت رويدا رويدا تحت وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة.
ومنذ عودة حركة طالبان إلى الحكم في أغسطس/آب 2021، انكمش الاقتصاد بنسبة 27%، فقد زادت كل من العقوبات الدولية وتجميد الأصول من الضغوط الاقتصادية، إلى جانب أزمات داخلية مثل نقص الكهرباء وارتفاع أسعار الوقود. وفي ظل كل ذلك، يرزح القطاع الصناعي تحت تهديد الشلل، رغم جهود حكومية معلنة لإنقاذه.
توقف المصانع وتصاعد التكاليفوتشير تقارير البنك الدولي إلى تقلص القطاع الصناعي الأفغاني بنسبة 5.7% في 2022، مما دفع مصانع كابل إلى التوقف أو تقليص نشاطها. كذلك تتهدد استمراريتها بسبب نقص المواد الخام، وانعدام التمويل، وارتفاع التكاليف.
يقول أحمد فريد، صاحب مصنع لتجهيز الأغذية في منطقة ده سبز الصناعية في كابل، للجزيرة نت: "كنا ننتج 10 أطنان يوميا من المواد المعلبة والمجففة، أما الآن فنعمل بطاقة 30% فقط. أسعار الزيوت والسكر ارتفعت 40%، مما رفع أسعار منتجاتنا وخفض الطلب المحلي".
ويشكو عبد البصير تره كي، صاحب مصنع أحذية في كابل، في حديث للجزيرة نت: "نشتري المواد الخام من إيران والصين بأسعار مرتفعة، والبضائع المستوردة تهيمن على أسواقنا. نطالب الحكومة الأفغانية برفع الرسوم الجمركية على الواردات لدعم الصناعة المحلية". ووفقا لاتحاد صانعي الأحذية، أُغلقت أكثر من 50% من مصانع الأحذية في أفغانستان خلال العامين الماضيين.
إعلانفي 2024، قفزت الواردات إلى 10.8 مليارات دولار، مدفوعة بزيادة المنتجات المعدنية بنسبة 56%، والمواد الكيميائية بنسبة 51%، والسلع الغذائية بنسبة 28%. لكن أسعار الوقود ارتفعت 35% منذ 2022، مما زاد العبء.
ويفاقم هذه الأزمة انقطاع الكهرباء المستمر، فمنذ أكثر من 10 أيام، تعاني المناطق الصناعية في كابل من نقص حاد في الطاقة. وفي السياق، يقول روح الله محمدي -مدير مصنع للأغذية- للجزيرة نت: "نحصل على كهرباء لـ5 أو 6 ساعات يوميا فقط، وغير مستقرة، لا تكفي لتشغيل معداتنا. اضطررنا للاعتماد على مولدات باهظة التكلفة، مما زاد خسائرنا وأثر على جودة منتجاتنا".
ويضيف مزمل نيكبين -مدير مصنع لمواد البناء- أن "انقطاع الكهرباء خفض إنتاجنا إلى النصف منذ أشهر، مما أدى إلى تأخير تسليم المواد للمشاريع المحلية. نطالب بكهرباء منتظمة لخدمة الوطن وتجنب خسارة العملاء".
أما المدير التنفيذي لمصنع "شيتا" للرقائق حميد الله عمري، فيقول: "توقفنا عن الإنتاج منذ أسبوعين بسبب انقطاع الكهرباء، و50 موظفا أصبحوا عاطلين، مما يهدد سبل عيش أسرهم. نأمل حلا عاجلا لاستئناف العمل وتلبية الطلب المحلي".
تنوع صناعي في العاصمةورغم التحديات، فإن كابل تحتضن تجمعات صناعية كبيرة. يشار إلى أنه يوجد نحو 5 آلاف مصنع صناعي في أفغانستان، منها 1100 في كابل، وفقا لوزارة الصناعة والتجارة الأفغانية، بينما يقدّر اتحاد الصناعيين العدد بنحو 4500. وتشمل هذه المصانع:
صناعات النسيج: مصانع القطن والملابس في بغرامي. صناعات الأغذية والمشروبات: معامل تجهيز الأغذية، ومصانع "عمد بهار" و"كوكا كولا". الصناعات الدوائية: 104 مصانع تنتج 650 نوعا من الأدوية. الحرف اليدوية: صناعة السجاد والجلد. مواد البناء: مصانع الطوب وغيرها. إعلانوبعض هذه المصانع يصدر للخارج، رغم الركود.
الأزمة طالت العمال، إذ بلغت البطالة 14.1% في 2022، وتصل تقديرات غير رسمية إلى 35% في كابل. يقول محمد ناصر -عامل سابق بمصنع نسيج- للجزيرة نت: "في عام 2023، طُردت أنا و90% من زملائي. أعيل 6 أفراد، والآن نعتمد على مساعدات بسيطة". القطاع الصناعي، الذي شغّل 18.1% من القوى العاملة، خسر 40% من وظائفه منذ 2021.
غياب الدعم الحكومييشتكي الصناعيون من ضعف الدعم، إذ يقول رئيس جمعية صغار الصناعيين في كابل عبد الله رحيمي -للجزيرة نت- "لا قروض ميسرة، ولا إعفاءات ضريبية كتخفيض الرسوم الجمركية، ولا خطة واضحة لإنقاذ الصناعة. نحتاج دعما ماليا عاجلا وتسهيلات لاستيراد المواد الخام لنتمكن من الاستمرار".
ويزداد الوضع تعقيدا إثر تجميد 9 مليارات دولار من الأصول وانقطاع 8 مليارات دولار من المساعدات سنويا (40% من الناتج المحلي).
من جهته، يقول أحمد الله زاهد، نائب وزير الصناعة والتجارة، للجزيرة نت: "خصصنا 32 ألف هكتار للمناطق الصناعية، وسلمنا 20 ألف هكتار لدعم المصانع الجديدة. نعمل في 11 ولاية، بما فيها كابل. زاد عدد المصانع بنسبة 40% منذ 2022 ليصل إلى 5 آلاف مصنع، ونسعى لتطابق إنتاجنا مع المعايير العالمية". ويوضح أن "الركود ناتج عن العقوبات الدولية ونقص التمويل الخارجي، لكننا نعمل على خطة لتأمين الطاقة عبر شراكات إقليمية، ودعم المصانع بقروض ميسرة وتسهيلات جمركية خلال السنتين المقبلتين".
في حين يقول رئيس اتحاد الصناعيين الأفغان عبد الجبار صافي -للجزيرة نت- إن "مصانعنا الصغيرة تواجه تحديات، ونعمل مع وزارة الصناعة والتجارة الأفغانية لزيادة الرسوم الجمركية على الواردات. فلا يمكن إيقاف الاستيراد، لكن رفع الرسوم سيحمي الصناعة المحلية".
إعلانوفي سياق متصل، أعلن عبد السلام حنفي نائب رئيس الوزراء للشؤون الإدارية -خلال مراسم توزيع أراض في غزني- أن الحكومة ستعفي المستثمرين والصناعيين العائدين من الخارج من جميع الضرائب لمدة 5 سنوات، مع تخصيص أراضٍ ومساكن مجانية. وقال: "أصحاب الأعمال الكبيرة، مثل المصانع في باكستان، سيخضعون لرعاية لجنة خاصة".
كما أكد عبد الغني برادر، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، في مؤتمر "النداء الوطني للاستثمار"، أن "الظروف مهيأة للاستثمار"، مشيرا إلى إعفاء ضريبي لمدة 5 سنوات للعائدين الذين يستثمرون في الصناعات الحديثة، باستثناء ضريبة الموظفين، وإنشاء 35 مدينة سكنية في 25 ولاية، مع سوق تجاري في مديرية أندر في غزني.
لكن هذه المبادرات تثير تساؤلات لدى القطاع الخاص المحلي، الذي يرى أن تركيز الحكومة على العائدين قد يهمل المصانع القائمة التي تعاني من نقص الكهرباء وارتفاع التكاليف.
أما شركة الكهرباء الحكومية "برشنا"، فيقول المتحدث باسمها حكمة الله ميوندي: "نعمل على توفير الكهرباء، لكن نقص الموارد والطاقة المستوردة يحد من جهودنا. نسعى لزيادة الإمدادات من دول الجوار ودراسة مشاريع طاقة محلية".
موقف غرفة الصناعات والمعادنمن ناحيته، يقول رئيس غرفة الصناعات والمعادن محمد كريم عظيمي -للجزيرة نت- "نحتاج إلى 15 إلى 18 ساعة كهرباء يوميا، وإلا لن ننافس المنتجات المستوردة. نطالب باستثمار في الطاقة وتخفيف الرسوم لدعم الصناعة المحلية".
وأثرت هذه الأزمة على الأسواق، مع تضخم سلبي بلغ -7.7% بين 2023 و2024. كذلك، قفز عجز الميزان التجاري 59% إلى 8.9 مليارات دولار عام 2024. وارتفعت صادرات المواد الغذائية 35% إلى 1.5 مليار دولار، مدعومة بنجاحات مثل تصدير المشروبات. وفي هذا الصدد، يقول شاه محمود قادري -مدير مصنع "نور قادري" في كابل- للجزيرة نت: "صدرنا إلى كازاخستان 7 آلاف عبوة عصير رمان بقيمة 1.2 مليون أفغاني، ونخطط لتصدير مشروبات الطاقة إلى قرغيزستان وأوزبكستان".
إعلانويضيف عضو غرفة التجارة والاستثمار الأفغانية خان جان ألكوزي: "نصدر يوميا 50-60 حاوية مشروبات من كابل وهرات إلى آسيا الوسطى وباكستان، مما يعكس إمكانات الصناعة المحلية". لكن صادرات المنسوجات تراجعت 45% إلى 287 مليون دولار، متأثرة بهيمنة الواردات.
أرقام تشرح الأزمةالعدد والنمو:
5 آلاف مصنع في أفغانستان (وزارة الصناعة)، أو نحو 4500 (اتحاد الصناعيين).
زيادة 40% في عدد المصانع منذ 2022.
الأراضي:
32 ألف هكتار مخصصة للمناطق الصناعية، 20 ألفا تم تسليمها.
التدهور:
60% من مصانع كابل خفضت إنتاجها 40% أو أكثر منذ 2021.
25% من المصانع توقفت بحلول 2024.
50% من مصانع الأحذية أُغلقت خلال العامين الماضيين.
انقطاع الكهرباء أثر على 80% من الطاقة الإنتاجية.
القطاع الصناعي خسر 40% من وظائفه منذ 2021.
تراجع إنتاج النسيج 40% في كابل منذ 2023.
انخفاض استثمارات القطاع الصناعي 45% بين 2021 و2024.
خسائر مالية تقدر بـ500 مليون دولار في كابل خلال 2023-2024.
وتعليقا على هذا الوضع، يحذر الخبير الاقتصادي عمر سعيدي، أستاذ كلية الاقتصاد في جامعة كاردان الأهلية في كابل، للجزيرة نت، أن "الصناعة تقف على حافة الانهيار. وإن الاستثمار في الطاقة البديلة، ودعم الصناعات الصغيرة، ومراجعة العقوبات قد يمهد للتعافي".
في كابل، لم تعد المصانع رمزا للأمل، بل تحولت أبوابها المغلقة إلى شواهد على أزمة عميقة. وبين جهود حكومية لدعم العائدين، ونجاحات محدودة في التصدير، وتحديات يومية تواجه المصانع المحلية، يبقى السؤال: هل تستطيع أفغانستان إنقاذ صناعتها، أم سيبقى الركود عنوان مرحلة ما بعد الحرب؟