تمرُّ علينا اليوم الذكرى الثانية والعشرون لأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر المعروفة، والتي غيّرت العالم كله، وبغض النظر عن الحديث السطحي والمتكرر على هذه الأحداث إلاّ أنني أودّ الحديث عنها من زاوية ربما تكون مختلفة، لا سيما وقد عايشت وغطيت الحدثين الأهمين في العقود الماضية وهما الحدث الأفغاني والحدث السوري.



لقد كانت الخطيئة الأمريكية الكبرى بعد الانسحاب السوفييتي من أفغانستان في فبراير/ شباط 1989 التخلي عن الأفغان، وتركهم لوحدهم يقلعون أشواكهم وأشواك غيرهم التي زرعوها في أفغانستان طوال عقد من الاحتلال وتدخلات دولية وإقليمية ضخمة؛ كانت أفغانستان خلالها مسرحاً لكل التدخلات ولكل المغامرات الاقليمية والدولية. ومع هذ التخلي العالمي، وترك الروس والقوى الإقليمية يعززون حضورهم على حساب الشعب الأفغاني، استفاق العالم كله بعد سنوات على تمدد الجرح الأفغاني إلى ما بعد أفغانستان ليشمل دول المنطقة ثم دول العالم، وهي الطبيعة الطبية لكل الجروح، في حال أصاب عضو من الجسد، فأُهمل، فيتمدد حينها الجرح ليصيب الجسد كله، وهو ما يحصل تماماً في الجروح الاجتماعية، والجرح الأفغاني ليس بدعا وليس جديداً عن هذه المعادلة.

هناك الجرح السوري الممتد لاثنتي عشرة سنة، ولا تزال تصر القوى الدولية على تكرار عبارات متكلسة وممجوجة ثبت فشلها طوال سنوات ماضية، وهي أن الحوار السوري- السوري هو الأساس، وأن السوريين هم من يقررون مصيرهم بأنفسهم، وغيرها من العبارات التي في ظاهرها العسل وفي باطنها وجوهرها السم الزعاف
اليوم هناك الجرح السوري الممتد لاثنتي عشرة سنة، ولا تزال تصر القوى الدولية على تكرار عبارات متكلسة وممجوجة ثبت فشلها طوال سنوات ماضية، وهي أن الحوار السوري- السوري هو الأساس، وأن السوريين هم من يقررون مصيرهم بأنفسهم، وغيرها من العبارات التي في ظاهرها العسل وفي باطنها وجوهرها السم الزعاف. فكيف يمكن للحوار أن يأخذ مجراه بين قوى سورية بعضها مرتهن للخارج ومسلح حتى أسنانه، ومدعوم بشرعية دولية زائفة، ومعها باحتلالات خارجية ومليشيات طائفية عابرة للحدود، بينما الطرف الآخر محارَب حتى في فتات المساعدات الإغاثية إليه، فيقرر دخولها إلى مناطقه عدوه وخصمه، كما حصل أخيراً في الفيتو الروسي والصيني في مجلس الأمن الدولي؟

الجرح السوري لم يعد سورياً، مع فشل المبادرة العربية، وانقلاب الأردن على عصابات الأسد، ومع تمدد جمهورية الكبتاغون والحشيش ليس إلى دول الجوار فحسب، وإنما تمددها اليوم إلى أوروبا عبر الكشف عن مصانع تصنيع المخدرات في ألمانيا وغيرها، وما خفي كان أعظم، فغدا الخطر أوسع وأعمق، وما التصريحات الأردنية الأخيرة إلّا تعبيراً عن اليأس من التطبيع مع نظام الأسد، خصوصاً مع بدء النظام السوري بمشروع إغراق الأردن وغيره بالمتفجرات والأسلحة والذخائر، وهو أمر خطير ليس على مستوى المنطقة وإنما على مستوى العالم.

الفارق بين أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 وأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2023 أن الأولى كانت من صنع فاعلين غير دولتيين، أما اليوم فالفاعل دولة لها شرعيتها الدولية وتحظى بدعم وغطاء دولي ومؤسسات عالمية، وتمارس كل الموبقات وسط صمت العالم كله، ومباركته في التطبيع معها والتعاون معها، وترتكب كل يوم 11 سبتمبر وذلك على مدى أكثر من عقد
الفارق بين أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001 وأحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2023 أن الأولى كانت من صنع فاعلين غير دولتيين، أما اليوم فالفاعل دولة لها شرعيتها الدولية وتحظى بدعم وغطاء دولي ومؤسسات عالمية، وتمارس كل الموبقات وسط صمت العالم كله، ومباركته في التطبيع معها والتعاون معها، وترتكب كل يوم 11 سبتمبر وذلك على مدى أكثر من عقد.

لم يعد هناك موبقة من الموبقات إلّا وقد ارتكبتها عصابة تحكم السوريين؛ إن كان بقتلهم بكل صنوف الأسلحة من أسلحة كيماوية، وقصف طائرات للمناطق المأهولة بالسكان، ودك الأسواق والمدارس والمخابز، إلى استخدام الأسلحة المحرمة دولياً من النابالم، وفوق هذا دعمها باحتلالات إقليمية ودولية، ومعها مليشيات طائفية عابرة للحدود، ومع كل هذا يستمسك العالم بالصمت والتآمر ضد السوريين مسانداً لمرتكبي 11 سبتمبر بشكل يومي، بينما العالم الذي رفض احتلال أفغانستان من دولة مثل الاتحاد السوفييتي، قبل في سوريا احتلالات متعددة ومليشيات عابرة للحدود لتدعم الاستبداد والاحتلال الداخلي وتقتل السوريين على مدار الساعة.

الجرح السوري ملوث، وتلوثه أصاب الجسد العربي، وليس أمام العالم كله إلّا عملية جراحية استئصالية رأفة بدول الجوار السوري والعالم؛ وليس رأفة بالسوريين الذين جرّبوا كل أصناف القتل والتعذيب والإجرام الأسدي، واليوم ما يجري من حراك في السويداء، ومن اشتباكات في مناطق العشائر العربية، لدليل واضح على أن الجرح السوري سيمتد إلى ما بعد سوريا، ولات حين مندم.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأسد 11 سبتمبر سوريا سوريا الأسد امريكا 11 سبتمبر جرائم مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العالم کله

إقرأ أيضاً:

الحج من أفغانستان.. موكب مهيب وعادات تقاوم الاندثار

 

كابل- كانت لحظة فارقة تلك التي رن فيها جرس هاتف الأفغاني صديق الله سردار هذه المرة، كان المتحدث على الطرف الآخر، موظف من وزارة الإرشاد والحج والأوقاف يخبره ليتجهز لرحلة العمر، إلى بيت الله الحرام موطن شد الرحال ومهوى أفئدة المؤمنين.

تحدث سردار عن السعادة الغامرة التي لفته في تلك اللحظة، وكيف وافقت الأقدار حلمه وجرت الرياح بما اشتهت أشرعته، فقد اضطر أحد الحجاج إلى التخلف عن رحلة الحج هذا العام لأسباب قاهرة على ما يبدو، فتم الاتصال به ليأخذ مكانه.

بطريقة لم تكن متوقعة، سنحت الفرصة لصديق الله سردار أن يحج هذا العام، ليكمل أركان دينه كما يقول للجزيرة نت، التي التقته في قريته النائية على حدود كابل "لقد كان أمرا غير متوقع، لقد حققت أخيرا الأمنية التي يتوق لها كل مسلم وحصلت على تأشيرة الحج هذا العام".

ينقل الحجاج الأفغان في حافلات في موكب تفتح له الشوارع وتغلق أمام السيارات والمارة (رويترز ) عادات الأفغان في الحج

كما هو الحال في كثير من البلدان، يتفق عدد كبير من الأفغان بأن عادات الحج وتقاليده تغيرت في أفغانستان عما كانت عليه قبل 40 عاما، لكنه حافظ على بقاء بعض الطقوس وتواصلت عبر الأزمان.

يقول سردار وهو يشير إلى حقيبته الممتلئة بحاجياته لقد "جهزت حقيبتي مع ملابس الإحرام وملابس أخرى، أخذت معي ما يكفي من الفواكه المجففة والمكسرات إضافة إلى الزبيب واللوز والجوز والفستق والكاجو والشاي الأخضر".

إعلان

لكنه يؤكد وهو يبتسم أن "أهم شيء لدينا أن نأخذ معنا إبريق الشاي، فنحن الأفغان اعتدنا شربه كثيرًا ولا نستغني عنه"، مشيرا إلى أن بعض هذه الحاجيات يأتي بها الأصدقاء والأقارب كهدايا للحاج قبيل سفره.

ومن العادات التي يحافظ عليها الأفغان، كما يقول مدير مدرسة عمر بن الخطاب الدينية الشيخ محمد حقاني، إنهم يدعون من سيذهب للحج كي يصلي بهم جماعة في المسجد أو في بيته، كما يدعوه أقاربه وأصدقاؤه إلى الطعام دوريا قبيل سفره بأسبوع تقريبًا، ويطلبون منه الدعاء لهم عند توديعه بكل احترام وتوقير.

موكب مهيب

ويكون وداع الحجاج من الأقارب قبيل السفر بأعداد كبيرة في المطار، لكن وزارة الحج اعتمدت أسلوبًا جديدًا يقلل من الازدحام، حيث تأخذ حافلات خاصة الحجاج من مجمع الحجاج وحتى المطار بمسافة 3 كيلو مترات بموكب مهيب تفتح لهم الشوارع وتغلق أمام السيارات والمارة، احترامًا وتكريمًا للحجاج واحتفاءً بهم، ويتم الأمر بتنسيق مسبق مع رجال الأمن والسير.

أما من جهة الأقارب والأصدقاء فتؤجل إلى حين عند عودة الحجاج، إذ تمتلئ مطارات أفغانستان الأربعة بالمستقبلين بأعداد هائلة رغم ضعف البنية التحتية.

وتنظم السلطات عددا من الإجراءات لتسهيل ترتيبات الحج، منها إنه لا يسمح للحجاج بالذهاب من منازلهم للمطار مباشرة بصرف النظر عن شخصية الحاج، بل يتوجهون جميعا إلى مجمع الحجاج، الذي يعتبر نقطة التجمع.

وهناك يتم التأكد من الأوراق الثبوتية، ومن حصولهم على جرعات التطعيم المطلوبة، قبل التوجه إلى المطار لمغادرة البلاد إلى الديار المقدسة، وفقا لمدير مجمع الحجاج عبد الصبور فاروق الذي أكد للجزيرة نت: "نقدم للحاج التطعيمات الإجبارية ضد الإنفلونزا وكوفيد 19، ونسلمهم بعض الأدوية التي قد يحتاجونها".

وأشار المتحدث ذاته إلى أن عشرات الأطباء المتخصصين يرافقون حملة الحجيج إلى الديار المقدسة في كل عام، إضافة إلى وجود مراكز طبية مرخصة من السلطات السعودية في مكة والمدينة.

إعلان

وعند وصول الحجاج للمجمع يلزمون بحضور دروس دينية ويتلقون أجوبة عن استفساراتهم من مرشدين مختصين يبقون معهم حتى عودتهم إلى أفغانستان ضمن حملة الحج.

30 ألف حاج

كان سردار واحدا من 30 ألف حاج أفغاني وصلوا إلى الديار المقدسة في مكة والمدينة المنورة، سارت بهم نحو ألف رحلة نظمتها وزارة الحج هذا العام من 4 مطارات رئيسية في البلاد، هي هيرات ومزار شريف وقندهار وكابل.

وتأمل السلطات الأفغانية أن تزيد السلطات السعودية حصة أفغانستان لتصل إلى 40 ألف حاج سنويًا، نظرًا لإقبال المواطنين الأفغان المتزايد على أداء مناسك الحج، بحسب الناطق الإعلامي باسم وزارة الحج الأفغانية فاضل الحسيني، الذي قال للجزيرة نت، إن طلبات الحج هذا العام تجاوزت 60 ألفا في عموم البلاد.

في المقابل، يضيف مسؤول في وزارة الحج، أن نحو 4 آلاف حاج تخلفوا هذا العام عن دفع تكاليف الحج في عموم أفغانستان، 700 منهم في العاصمة كابل، ويرجع ذلك للأوضاعِ المعيشية الصعبة التي تعيشها البلاد والضائقة المالية لدى المواطنين الأفغان.

من شعيرة الوقوف بعرفة (أسوشيتد برس) سواسية في الحج

وكانت الوزارة قد أعلنت أن تكلفة الحج هذا العام تبلغ 3837 ألف دولار أميركي، ويشمل المبلغ الإقامة في الفندق وتذاكر السفر والطعام والمواصلات الداخلية، وكل ما يحتاجه الحاج من أساسيات.

ويؤكد الناطق الإعلامي باسم وزارة الحج فاضل الحسيني أنه "لا يوجد حج ممتاز في أفغانستان، فجميع مواطنينا في الحج سواسية، لا تمييز بينهم ولا في أماكن سكنهم داخل مكة أو المدينة".

وتدفع تكاليف الحج مسبقًا للوزارة، ومن اللافت أنه غالبًا ما يتم إرجاع مبالغ مالية منه بعد عودة الحجاج إلى أفغانستان، تحت مسمى "ردّيّات" (مسترجعات)، وحسب بيانات الوزارة فقد تم إرجاع 38 دولارا العام الماضي لكل حاج، و110 دولارات في العام الذي سبقه.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • الجمعية العامة للأمم المتحدة تنتخب أنالينا بيربوك رئيساً للدورة الـ80
  • الفاعل مجهول.. 3 مسيّرات تقصف مواقع للدعم السريع غرب السودان
  • الحج من أفغانستان.. موكب مهيب وعادات تقاوم الاندثار
  • بعد تحرك الطفولة والأمومة.. المشدد 7 سنوات لـ والد طفلة واقعة فيديو المهندسين
  • هكذا انتصر الجيش وتبددت أحلام آل دقلو!
  • زلزال جديد بقوة 4.3 ريختر يضرب أفغانستان
  • المغرب يخلد يوم إفريقيا في واشنطن وينادي بالتنمية المشتركة والتضامن الفاعل
  • العالم يترقب رد حماس على مقترح الهدنة اليوم
  • أشهر خمس نساء في تاريخ أفغانستان
  • مباريات اليوم السبت حول العالم والقنوات الناقلة