لجريدة عمان:
2025-07-28@02:53:58 GMT

الوجه الآخر للسكين

تاريخ النشر: 11th, September 2023 GMT

كانت طريقته في حمل سكّينه مدهشة لطفلة في سنواتها الست؛ إذ كان يودع السكّين في غمد جلدي بني اللون فصَّله خصيصا لها، ثم يُدخلها بغمدها ما بين رقبته ودشداشته من الخلف. حارت الطفلة كثيرا في ثبات السكّين هناك من دون أن تسقط! وراحت تتخيّل دشداشته بجيب -ولا شك- يبدأ من فتحة الرقبة مباشرة كي تستقرّ السكّين فيه.

أطلق عليها اسم «سمّ الموت» لحدّة نصلها الذي ما كانت بسببه تعجز عن قطع شيء مهما بدا قطعه مستحيلا، أو هذا ما راج عنها من حكايات كان مصدرها الأساس الاسم الذي اشتهرت به. لازمته السكّين طوال عمره من دون أن تفارقه حتى في ساعات نومه، بل كان يخرجها من مخبئها خلف رقبته ويضعها إلى جواره قبل أن ينام، ولم يكن أحد ليتجرأ على استخدام سكّينه بدلا منه، ولا التفكير في استعارتها منه فضلا عن سرقتها، فقد بدا أن اسمها لم يكن قاطعا وحسب، وإنما كان تميمة ترهب من يفكر فيها بسوء.

كان يكفي أن تكون «سمّ الموت» موجودة في البيت القديم ليحسّ أفراده بالأمان، وكان كافيا أن يحملها معه ليكون آمنا من الدوابّ وهوامش الليل. وإذا نزلت بأحدهم نازلة يكفي أن يسأل عن «سمّ الموت» وصاحبها ليدرك الحاضرون أن أمرا جللا قد حدث يستدعي استخدام الأيقونة التي اقترنت به.

أما هو فقد كان، بخلاف سكّينه، رجلا وادعا ومسالما وكثير التبسّم قليل الكلام، لا سيما إذا كان محدّثه لا يضطرّه للكلام. ولكن حركته وهو يستلّ سكّينه من خلف رقبته إذا ما دعت الحاجة لا تختلف عن فارس يستلّ سيفه، فيظهر فجأة صاحب «سمّ الموت» كما يليق بسكّين دارت حولها الأساطير.

لم تكن «سمّ الموت» أداة شرٍّ بعد كل شيء، فهي لم تفعل أكثر من قطع ما لا ينقطع -أو هكذا كنا نظن- أو قتل دابة أو هامشة أو أفعى بضربة واحدة لا ثانية لها، حتى أوشكنا على الاعتقاد بأنها تعرف هدفها وتراه، حتى لو صُوّبت نحو الهدف الخطأ فإنها قادرة على تغيير مسارها تجاه هدفها الذي تعرفه. ولكن ما يغفله الكبار قصدا أو عمدا أنها كانت تجلب لنا الفرح نحن الصغار، فبها حصلتُ على كثير من الدمى الخشبية التي ينحتها لي بسكّينه هذه، فقد نحت لي مرة حصانا خشبيا وفارسا وسيما وضعه على ظهر الحصان، وأحاط رقبة الحصان بخطام من الخوص الرفيع المسفوف، ووصله بيد الفارس الراكب على ظهره. كنت سعيدة بالهدية المنحوتة بعناية رغم أنها لم تكلّفه وقتا طويلا. كان يكفي أن يجلس الطفل منا إلى جواره أسفل شجرة الليمون الكبيرة في حوش بيته حتى يبادر إلى إخراج سكّينه بحركة الفرسان تلك وينحت دمية له بـ«سمّ الموت»، كما يحدث كثيرًا أن يقطع بها جريد النخل في مزرعته التي تحيط بالبيت، ويجدله ليصنع منه قفرانًا وأشكالًا لا نهائية من الجِمال والقطط والأواني الخوصية الصغيرة. كان رقيقا وفنانا، ولكن أحدا لم يُعر اهتماما لما كان يصنعه من أشكال بالغة الدقة والرهافة عدانا نحن الصغار، كانوا جميعا مشغولين بالوجه الآخر للسكّين.

ولكن حارسته الأمينة «سمّ الموت» لم تستطع أن تحلّ مشكلة استطالة طريقه من البيت إلى المزرعة التي اشتراها على بعد خمسة كيلومترات. مسافة كان يقطعها بادئ الأمر في عشر دقائق فقط، تساعده في ذلك نحافته وخفة وزنه وسرعة ساقيه، ولكن الأمر مع الوقت بدأ يسير بشكل لم يعهده من عرفوه، حتى وصلت المدة التي يقضيها بين البيت والمزرعة ساعتين بتمامهما وكمالهما. يتأخر في كل يوم عن البيت مدة أطول عن اليوم الذي قبله، حتى أجهده المرض وأقعده عن الذهاب إلى المزرعة التي نمت فيها الحشائش الزائدة فزاحمت «جلب» القت «البرسيم». لمدة طويلة لم يكن مقتنعا أن ما به يحتاج إلى طبيب أو مستشفى، فقد تجلّد وتحامل على نفسه حتى بلغ الغاية التي لا رجوع منها. في سرير المستشفى كان لا ينفك يسأل عن «سمّ الموت» التي أزالها الأطباء من خلف رقبته، ولكن سرعان ما تعاوده الطمأنينة عندما يجدها إلى جواره؛ وكأنها الشيء الوحيد الذي يجعل البقاء ممكنا في مكان لا يطيقه.

أما موته فيشبه النهايات المفتوحة التي تأتي بأكثر من صيغة محتملة، وأولى تلك الصياغات كانت محض إشاعة لم تفعل أكثر من تأخير المحتوم يومين أو ثلاثة من دون أن تغيّر في تفاصيله كثيرا، ولكنها مهلة كانت كافية لأمّي التي بكت في المرة الأولى لاعتقادها أن أباها قد غادر الحياة قبل أن تصل إلى المستشفى، وعندما وجدته ما يزال يتنفّس تنفّست هي معه، وقرّرت ألا تتركه أبدا، وأنها ستقيم إلى جوار سريره حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

في الصيغة الثانية- قبل أن يجيء الموت صدقا- طلب منها جرعة ماء، فسقته حتى ارتوى، وأسلم الرّوح بين يديها. بكت موته للمرة الثانية ولكنّها كانت راضية هذه المرة. أما «سمّ الموت» فلم يعد يتذكّرها أحد، فقد كانت موجودة بوجوده هو، وعندما غادر غادرتها أساطيرها، وزهد فيها وارثوها، وعادت سكّينا أقصى ما تستطيعه أن تقطع تفّاحة أو حبّة مانجا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

وجهتها كانت إلى لبنان.. توقيف شحنة أسلحة في سوريا (صور)

أفاد مصدر أمني لقناة "الإخبارية السورية" بأن قوى الأمن الداخلي في منطقة النبك بريف دمشق تمكنت من ضبط شحنة أسلحة كانت معدّة للتهريب باتجاه الأراضي اللبنانية.

وأوضح المصدر أن العملية الأمنية أسفرت عن إحباط عملية التهريب ومصادرة كمية من الأسلحة والذخائر، دون أن يتم الكشف عن تفاصيل إضافية بشأن طبيعة الشحنة.   View this post on Instagram      

A post shared by الإخبارية السورية (@alekhbariahsy)

مواضيع ذات صلة بالصورة.. إحباط تهريب شحنة أسلحة من سوريا إلى لبنان Lebanon 24 بالصورة.. إحباط تهريب شحنة أسلحة من سوريا إلى لبنان 26/07/2025 21:56:34 26/07/2025 21:56:34 Lebanon 24 Lebanon 24 القيادة المركزية الأميركية: قوات يمنية صادرت شحنة أسلحة إيرانية ضخمة للحوثيين Lebanon 24 القيادة المركزية الأميركية: قوات يمنية صادرت شحنة أسلحة إيرانية ضخمة للحوثيين 26/07/2025 21:56:34 26/07/2025 21:56:34 Lebanon 24 Lebanon 24 الاستخبارات الإيرانية تعلن ضبط شحنة أسلحة وإلقاء القبض على عناصر انفصالية في كردستان Lebanon 24 الاستخبارات الإيرانية تعلن ضبط شحنة أسلحة وإلقاء القبض على عناصر انفصالية في كردستان 26/07/2025 21:56:34 26/07/2025 21:56:34 Lebanon 24 Lebanon 24 قادمة من لبنان.. سوريا تُفشل تهريب شحنة مخدرات خطيرة بكمين محكم (صور) Lebanon 24 قادمة من لبنان.. سوريا تُفشل تهريب شحنة مخدرات خطيرة بكمين محكم (صور) 26/07/2025 21:56:34 26/07/2025 21:56:34 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان عربي-دولي قد يعجبك أيضاً "إبتسامة داخل المستشفى".. آخر صورة لزياد الرحباني قبل وفاته! Lebanon 24 "إبتسامة داخل المستشفى".. آخر صورة لزياد الرحباني قبل وفاته! 21:47 | 2025-07-26 26/07/2025 09:47:11 Lebanon 24 Lebanon 24 جعجع نعى زياد الرحباني: لبنان خسر فناناً استثنائياً Lebanon 24 جعجع نعى زياد الرحباني: لبنان خسر فناناً استثنائياً 21:45 | 2025-07-26 26/07/2025 09:45:23 Lebanon 24 Lebanon 24 هذه كواليس لقاء بري - سلام.. معلومات لافتة Lebanon 24 هذه كواليس لقاء بري - سلام.. معلومات لافتة 21:34 | 2025-07-26 26/07/2025 09:34:25 Lebanon 24 Lebanon 24 ما جديد ملف التشكيلات القضائيّة؟ Lebanon 24 ما جديد ملف التشكيلات القضائيّة؟ 21:24 | 2025-07-26 26/07/2025 09:24:24 Lebanon 24 Lebanon 24 انتخاب المجلس العام الجديد لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة Lebanon 24 انتخاب المجلس العام الجديد لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة 21:04 | 2025-07-26 26/07/2025 09:04:22 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة هذا سبب وفاة زياد الرحباني Lebanon 24 هذا سبب وفاة زياد الرحباني 13:18 | 2025-07-26 26/07/2025 01:18:21 Lebanon 24 Lebanon 24 الموت خطف حياته.. زياد الرحباني "وداعاً"! Lebanon 24 الموت خطف حياته.. زياد الرحباني "وداعاً"! 11:05 | 2025-07-26 26/07/2025 11:05:11 Lebanon 24 Lebanon 24 بعد وفاة زياد الرحباني... بيان لمستشفى "BMG" في الحمرا Lebanon 24 بعد وفاة زياد الرحباني... بيان لمستشفى "BMG" في الحمرا 16:27 | 2025-07-26 26/07/2025 04:27:47 Lebanon 24 Lebanon 24 تفاقمت حالته الصحيّة.. مصادر تكشف كيف أمضى زياد الرحباني أيّامه الأخيرة Lebanon 24 تفاقمت حالته الصحيّة.. مصادر تكشف كيف أمضى زياد الرحباني أيّامه الأخيرة 15:32 | 2025-07-26 26/07/2025 03:32:50 Lebanon 24 Lebanon 24 حزنٌ كبير... ماذا حصل للسيّدة فيروز بعد تلقيها خبر وفاة إبنها زياد؟ Lebanon 24 حزنٌ كبير... ماذا حصل للسيّدة فيروز بعد تلقيها خبر وفاة إبنها زياد؟ 17:22 | 2025-07-26 26/07/2025 05:22:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 21:47 | 2025-07-26 "إبتسامة داخل المستشفى".. آخر صورة لزياد الرحباني قبل وفاته! 21:45 | 2025-07-26 جعجع نعى زياد الرحباني: لبنان خسر فناناً استثنائياً 21:34 | 2025-07-26 هذه كواليس لقاء بري - سلام.. معلومات لافتة 21:24 | 2025-07-26 ما جديد ملف التشكيلات القضائيّة؟ 21:04 | 2025-07-26 انتخاب المجلس العام الجديد لجمعية المرسلين اللبنانيين الموارنة 20:56 | 2025-07-26 "رسائل تحذيرية" وصلت إلى لبنان.. ماذا فيها؟ فيديو بالفيديو: الكارثة المؤجلة.. أبنية مُهددة بالإنهيار في لبنان Lebanon 24 بالفيديو: الكارثة المؤجلة.. أبنية مُهددة بالإنهيار في لبنان 20:14 | 2025-07-26 26/07/2025 21:56:34 Lebanon 24 Lebanon 24 "أنا والقمر"… هدية جديدة من هشام جمال إلى ليلى زاهر (فيديو) Lebanon 24 "أنا والقمر"… هدية جديدة من هشام جمال إلى ليلى زاهر (فيديو) 17:00 | 2025-07-24 26/07/2025 21:56:34 Lebanon 24 Lebanon 24 "نعمل مهرجان للبوس".. نقيب الفنانين في مصر ينفعل مباشرة على الهواء بسبب قُبلة راغب علامة (فيديو) Lebanon 24 "نعمل مهرجان للبوس".. نقيب الفنانين في مصر ينفعل مباشرة على الهواء بسبب قُبلة راغب علامة (فيديو) 09:48 | 2025-07-24 26/07/2025 21:56:34 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • إنقسام السنابل لا يسر وطني ولكن الأحزاب السودانية تتجاهل الدروس
  • حميدتي أباد نصف أهله ويعمل عبد الرحيم جاهداً لإبادة النصف الآخر
  • مطار بورتسودان .. الوجه الآخر من الصورة
  • إذا كانت شهيتك مفتوحة في أوقات الضغوط النفسية.. فإليك سبب ذلك
  • وجهتها كانت إلى لبنان.. توقيف شحنة أسلحة في سوريا (صور)
  • كانت ستجنب العراق ويلات الحرب.. الكشف عن مبادرة عربية رفضها صدام حسين
  • روحانا: يبقى إيماننا ناقصا إن لم تقترن صلواتنا بمحبة الآخر والتسامح
  • تمثال يمني نادر يبهر العالم في سويسرا: تحفة أثرية تسرق الأضواء في معرض دولي
  • مواعيد قطارات تالجو الإسباني اليوم السبت 26 يوليو 2025.. لـ الوجه القبلي والبحري
  • مبابي يسخر من مزاعم رفضه المشاركة في حمل الشعلة الأولمبية