76 عاما على ظهور "مزرعة" الشر!
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
تأسست وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية قبل 76 عاما لتكون يد الولايات المتحدة الخفية الضاربة في العالم، ووسيلتها الاستخباراتية الرئيسة الخارجية والمضادة.
إقرأ المزيدتحت عباءة "ضمان الأمن القومي" ظهرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى الوجود في عام 1947 عقب إقرار قانون الأمن القومي، الذي وقعه الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت هاري ترومان في 26 يوليو 1947 ودخل حيز التنفيذ في 18 سبتمبر 1947.
محطات في الطريق إلى مزرعة الرعب:
وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية حلّت محل سلفها "مكتب الخدمات الاستراتيجية"، وتوسعت لتصبح بعبعا للرعب وأداة تعمل كما لو أنها "دولة" داخل "دولة" لضمان مصالح الولايات المتحدة في العالم بأي ثمن وبأي وسيلة كانت، وبعيدا عن الأنظار.
من بين خطوات تعزيز دورها وحمايتها عملياتها السرية من المساءلة العامة، جرى في عام 1949 تمرير قانون وكالة الاستخبارات المركزية بشأن أنشطتها وتعاملاتها المالية وحماية معلوماتها، نصت في السياق على إجراء مبسط لمنح الجنسية الأمريكية للأشخاص الذين تعاملوا معها.
ومن ذلك أيضا اعتماد استراتيجية الاستخبارات الوطنية الأمريكية في أكتوبر 2005، والتي من خلالها تم تكليف وكالة الاستخبارات المركزية بمهام إضافية، بما في ذلك العمل على "تصدير" الديمقراطية إلى البلدان الأخرى.
على الرغم من أن أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية يتم نظريا الإشراف عليها ومراقبتها من قبل الكونغرس والسلطات التنفيذية، إلا أنها تتمتع عمليا بحصانة كبيرة بهامش حركة واسع، يمكنها من إرسال قوات تابعة لها معززة بالطارئات لغزو بلد ما كما فعلت مع كوبا بعمليتها في خليج الخنازير في 17 ابريل عام 1961.
الـ "سي أي إي" يمكنها أيضا ان ترسل طائرات تجسس متطورة تنتهك أجواء الدول الأخرى كما فعلت مع الاتحاد السوفيتي في مطلع مايو عام 1960، بتوغل طائرة تابعة لها من طراز "يو – 2" في الأراضي السوفيتية.
هذه العملية كانت فضيحة مدوية عرضت العالم إلى خطر مواجهة لا تحمد عقباها بين القوتين العظميين النوويتين، وانتهت بإسقاط طائرة التجسس وأسر قائدها فرانسيس باورز.
من صلاحيات وكالة الاستخبارات الأمريكية أيضا تنفيذ عمليات سرية خاصة مثل تلك التي نفذتها عامي 1967-1968 في فيتنام تحت الاسم الرمزي " فينيكس".
تلك العملية كانت بهدف إجهاض مقاومة الفيتناميين بما في ذلك باستخدام أساليب القتل الجماعي والتعذيب بوضع الفيتناميين في أقفاص، وإطلاق الكلاب الشرسة عليهم، وأسقاطهم من الطائرات المروحية.
لم تتوقف أنشطة وكالة الاستخبارات المركزية أمام أي حدود، ومنذ وقت مبكر حاكت هذه الوكالة الضخمة ذات الأذرع الطويلة المؤامرات وقامت بعمليات أطاحت فيها بأنظمة وطنية معادية للولايات المتحدة كما فعلت مع رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق في إيران عام 1953، والرئيس التشيلي المنتخب سلفادور أليندي في عام 1973.
قائمة مثل هذه الانقلابات التي أطاحت من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية بواسطة ذراعها الاستخبارات المركزية بأنظمة ديمقراطية منتخبة وأقامت عوضا عنها أنظمة فاشية دموية تطول وخاصة في أمريكا اللاتينية التي تعدها الولايات المتحدة حديقتها الخلفية.
مثل هذا "الحق" في تنفيذ عمليات استخباراتية في جميع أنحاء العالم كانت الاستخبارات المركزية الأمريكية قد حصلت عليه منذ ديسمبر عام 1947.
هذه الأنشطة المشبوهة توسعت باستمرار مع اشتداد الحرب الباردة، وظهرت في السنوات الأخيرة تجلياتها الجديدة في شكل تنظيم ما يعرف بـ "الثورات الملونة" في أكثر من منطقة في العالم.
الوكالة الأمريكية المتخصصة بالأنشطة التجسسية الخارجية التي يوجد مركزها الرئيس في منطقة "لانغلي" بولاية فيرجينيا، بالقرب من واشنطن، تستخدم مركزي تدريب في تنفيذ عملياتها السرية، الأول يتمثل في قاعدة "كامب بيري" في ولاية فيرجينيا والتي اعترفت رسميا بوجودها في عام 1980، وكانت تعرف بالاسم الرمزي "المزرعة"، فيما يوجد المركز الثاني في منطقة "هارفي بوينت" بولاية كارولينا الشمالية.
الكثيرون ربما يعتقدون أن الاستخبارات المركزية الأمريكية تدار تحت رقابة تشريعية وتنفيذية صارمة، إلا أن نشاطاتها الهدامة بإمكانياتها المالية والبشرية الضخمة، تجاوزت في العديد من المناسبات كل الحدود وخرقت القوانين الأمريكية والدولية مرارا، لكن عباءة "الامن القومي الأمريكي" التي تتلفع بها تجعلها بمنأى عن أي مساءلة ليس فقط عن "العمليات القذرة" بل وعن الأكاذيب التي تسوق لها لشن حروب وإسقاط أنظمة.
مثل هذه الأكاذيب حين تنكشف، يقال أخطأت تقارير الاستخبارات المركزية الأمريكية التقدير، وينتهي الأمر عمليا عند هذا الحد.
المصدر: RT
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: كورونا أرشيف الاتحاد السوفييتي وكالة المخابرات المركزية CIA وکالة الاستخبارات المرکزیة الولایات المتحدة فی عام
إقرأ أيضاً:
فيلم رينر .. الذكاء الاصطناعي يسيطر على حياة الشخصية ويبحث عن الشر في ماضيها
مهندس برمجيات محاصر ما بين عقدة أوديب وإعادة تنظيم يومياته
لا شك أن هنالك الكثير مما نقرأه ونسمع عنه فيما يتعلق بالمستويات التي تغلغل فيها الذكاء الاصطناعي في مفردات حياتنا اليومية، وإلى أين يمكن أن يصل أيضًا في المستقبل، إلى درجة إطلاق العديد من الأصوات المحذّرة الصادرة عن باحثين ومبرمجين وعلماء، وهم يحذّرون من النتائج الوخيمة لسيطرة الذكاء الاصطناعي على صناعة القرار وحياة البشرية، وإمكانية أن يتمرد على قوانين البشر.
ولقد شاهدنا خلال المدة الماضية العديد من الأفلام التي عالجت مسألة خروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة وتخريبه حياة صانعيه، أو تشويشه على حياة المجتمع برمّته، أو التسبب في مشكلات معقّدة، ويمكننا أن نتذكر أفلامًا مثل إكس ماشينا وميجان وتشابي وأنا أم، وسلسلة الفاني، وسلسلة ماتريكس، وفينتش، والمائة، وآي روبوت، ومتسابق المتاهة، وغيرها من الأفلام.
وفي هذا الفيلم، للمخرج وهو نفسه مشارك في كتابة السيناريو روبرت ريبيرجر، سوف نكون في مواجهة شكل سينمائي ومعالجة تُضاف إلى تلك السلسلة من الأفلام التي ترتبط بمسألة الذكاء الاصطناعي بوصفها حقيقة راسخة ومؤكدة في حياتنا اليومية، حيث يقدم لنا شخصية الباحث والمبتكر في مجال الذكاء الاصطناعي "رينر" -يقوم بالدور الممثل فرانكي مونيز- الذي يكون بصدد تطوير برمجية يُطلق عليها "سالينوس" بإمكانها تقديم الاستشارات والنصائح والحلول للبشر، من أجل جعل حياتهم أكثر سعادة ويُسرًا، إلى درجة أن يتم إبراز منجز ذلك الباحث الشاب وظهور صورته على أغلفة المجلات؛ لكنه في المقابل يفرض على نفسه نظامًا صارمًا، من أولى علاماته النظافة المفرطة التي تصل إلى درجة الشك والوسواس، وأن يكون كل شيء في مكانه الصحيح لا يتعدّاه ولو بسنتيمتر واحد، كما أن يومه يبدأ منذ الصباح بفعاليات متتابعة، فضلًا عن تعقيم كل شيء في المنزل قبل أن يخرج إلى العمل، وفي موازاة ذلك، هو يبحث عن حياة أكثر استقرارًا تشاركه فيها امرأة تتفهمه وتتفاعل مع شخصيته وطبيعة عمله، ولهذا سيكون الحل لدى "سالينوس"، برنامج الذكاء الاصطناعي الذي يقترب من وظيفة "حلال المشاكل".
وتمضي أحداث الفيلم مع تطور علاقة رينر مع جارته "جامي" -تقوم بالدور فيوليت بيان- التي، بسبب ثقته بها، تتكشف شخصيته الأوديبية المعقّدة؛ فهو نشأ في طفولة كان فيها خاضعًا خضوعًا تامًا لوالدته وأوامرها وعقوباتها الصارمة، فضلًا عن لسانها السليط، إلى درجة أن رينر لا يستطيع اتخاذ قرار من تلقاء نفسه دون مشورة والدته، وهو ما سوف يعترف به وهو ينهار أمام جامي من فرط ما تحمّله بسبب أسلوبها في التعامل معه.
هذه الموازنة ما بين حضور برمجية سالينوس التي لا تفارق رينر، وبين حياته الاجتماعية الغريبة والمغلقة، سوف تحيلنا إلى ذلك النوع من الحياة الاستثنائية التي تم تقديمها من خلال أحداث هذا الفيلم، وفي هذا الصدد تقول الناقدة شاينا ويذرهيد في موقع "كوريدور": "لا شك أن هذا الفيلم يقدم لنا ذلك النوع الملفت للنظر للاستخدام المفرط للذكاء الاصطناعي، وبما يحمله من مساحة خيالية توفّرها إمكانات السينما المتنوعة بكل تأكيد. واقعيًا، إن مثل هذه القصص تُثير جدلًا مستمرًا حول مديات التقدم التكنولوجي الذي وصلنا إليه، مع تساؤلات حول عواقب ما قد يحدث إذا تطورت هذه الأدوات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي بشكل يفوق فهمنا أو سيطرتنا".
وبالنتيجة، إنه فيلم يطرح سؤالًا مهمًا خلاصته: ماذا سيحدث إذا امتزجت شخصية واقعية مع برمجيات الذكاء الاصطناعي؟ الإجابة ببساطة: إنه لا شيء مُفاجئ واستثنائي، وبالتأكيد لا شيء متوقّع، كما ثبت في أعمال مثل "المرآة السوداء" و"إكس ماشينا".
أما الناقد ناثانيل جوير في موقع "إيبت كوميك" فيقول: "إننا بصدد قصة اجتماعية بجذور قديمة ولكنها تُروى من منظور معاصر، وحيث نكون أمام نوع مختلف من الابتكار يتمثل في إدخال الشر في برمجيات الذكاء الاصطناعي، وكأنها عودة إلى ذلك النوع من الروبوتات الشريرة، حيث يُعاني البشر الحقيقيون بدل أن تصبح حياتهم أكثر سهولة، وهنا سوف نواجه المشكلة نفسها التي سبق وشاهدناها في أفلام أخرى من النوع نفسه، ابتداء من الشخصية الرئيسية التي قد تبدو عبقرية، ولكنها في ذاتها غريبة الأطوار، وهي التي تبتكر وتتغلغل في قوانين الذكاء الاصطناعي، إلا أنها تدفع الثمن باهظًا".
أما إذا مضينا مع تلك الأحداث وقد توطدت علاقة رينر مع جامي، ولم يعد يستطيع أن يمضي يومه دون أن يراها ويشاركها أفكاره وهمومه، لا سيما مع جاذبيتها الآسرة وتمكنها من التغلغل في شخصيته، فإن السؤال الذي سوف يكون بمثابة تحوّل درامي هائل وحبكة استثنائية وتحوّل في مسار السرد الفيلمي، وخلاصته هي: ماذا لو كانت جامي ليست إلا واجهة لعصابة تضم من تدّعي أنه شقيقها وآخرين، وقد نجحت في استدراج رينر لغرض السطو على برمجية "سالينوس" بوصفها مستوى متقدّمًا من الذكاء الاصطناعي؟ وماذا لو كانت جامي قد سكنت بشكل مقصود بجوار رينر، وأنها تعلم عنه الكثير من المعلومات؟ وماذا لو وقع التباس في وقت خروج رينر إلى العمل، مما دفع جامي وصديقها لاقتحام شقته بحثًا عن برمجية الذكاء الاصطناعي التي لا تُقدّر بثمن؟
هذه الأسئلة هي في الواقع ما سوف تتطور لاحقًا إلى ظهور الوجه الآخر الأكثر شرًا في شخصية رينر، وما يمارسه من عمليات تعذيب بحق صديق جامي، وكذلك باتجاه جامي التي خانته وأحبطته، ولكن ها هي تحاول التخفيف عنه ومساندته في أزمته، ولكن بعد أن يكون قد قتل صديقها.
على أن من المفارقات التي قدمها الفيلم هو أن نصائح برمجية سالينوس لم تكن إلا وجهًا آخر لنصائح الأم الصارمة والمتشددة، وأن رينر لم يستطع التخلص من ماضيه، فقام بتوظيفه في برمجيات الذكاء الاصطناعي.
ولعل ما يلفت النظر أيضًا هو نجاح المخرج وفريق السيناريو في تقديم دراما فيلمية وبناء سردي لم يتراجع مستواه، رغم كون الأحداث تقع في مربع واحد محدود بشقة رينر السكنية وشقة جامي والممر، وأن الشخصيات ظلّت تدور في نطاق هذا المربع وتؤدي أعمالها الروتينية اليومية المتكررة، وصولًا إلى ارتكاب رينر الجريمة ثم مقتله في النهاية، وهي نقاط مهمة تُحسب لهذا الفيلم، في كون استثمار الجغرافيا المكانية عاملًا إضافيًا للكشف عن شخصية منغلقة ومعزولة، وأن العبرة ليست في كثرة الشخصيات، وأن الحوارات المتقنة والمدروسة ليست عوامل إضعاف في البناء الفيلمي، بل بالعكس نجد في حوارات الشخصيات عناصر عزّزت الدراما الفيلمية، فضلًا عن المرونة المتميزة لشخصيتي رينر وجامي في التنقل بين منحنيات البناء النفسي وأزمات الذات بمرونة ملفتة للنظر.
سيناريو وإخراج / روبرت ريبيرجر
تمثيل / فرانكي مونيز في دور رينر، فيوليت بيان في دور جامي، تايلور جراي في دور تشاد
مدير التصوير / شين إيمر
مونتاج / جابريل جولين