عشت لأرويه إنسانًا ومبدعًا
تاريخ النشر: 15th, September 2023 GMT
اخترت أخيرا أن أرويه مثلما أحسسته، من لحظات لا تلتزم ترتيبا رأسيا تقليديا، بل بما يفرضه علىّ تأثرى بمجرى الحدث وما اعتمل بداخلى عند معايشتى للأمر، محمد عبد المنعم زهران، القاص والمبدع الذى غادرنا جسدا وترك لنا إرثا إنسانيا وإبداعيا نبيلا.. عنه.. عن زوجى أروى..
للحظة شعرت بأننى لم أفهم ما يقال، «ورم بالمخ من الدرجة الرابعة والأمر يستلزم جراحة عاجلة»، نظرت إليه فلمحت بعينيه نظرة مشفقة، عليّ، تجاوزت اللحظة هاتفة «ستشفى، أعرف كثيرين أجروا تلك الجراحة منذ سنوات وعادوا لحياتهم الطبيعية»، لكنه لم يكن معنيا بتلك العبارات، بل لم يلتفت لحالته، فقط كان كل ما يشغله كيفية تلقى من حوله للخبر، أنا وأمه وأولاده، لمحت بعينيه دموعا، ظننتها خوفا، فإذا به يقول لى «أمى لن تتحمل الخبر، أشفق عليها كثيرا أن تعرف ذلك عن ابنها الأكبر»، ثم صمت للحظة وقال: « لا تخافى، سأشفى وأعود لحياتى معك».
«أريد أن أتعلم الكلام والمشى والحب»..
كانت تلك هى أولى العبارات التى خطها زهران بعد أيام من إجرائه للجراحة، على إثر تعليق طبيبه المعالج على حالته قائلًا إنه سيحتاج لأن يتعلم من جديد الكلام والمشى، كطفل فى بدء النبت، فكانت تلك طريقته فى تلقى الأمر...
أذكر أنه خلال شهور مرضه، لم ألمح بعينيه يأسا أو ضعفا، بل كان يحفه الأمل طوال صحوه، يحدثنى عن مشروعاته الإبداعية، وعن تلك الرواية التى ينوى أن يوثق بها لحظات مرضه، بل إنه قد وضع لها عنوانا بالفعل، عن آماله فى النشر، حتى أنه قد اشترك فى مسابقة كبرى بروايته الوحيدة التى لم تطبع، فرحت أشاركه أحلاما مستقبلية مشرقة.
لكن ماذا عن آلامه.. آلام ما بعد الجراحة والإشعاع والكيماوي؟ كان كعادته يكبت آلامه ولا يتحدث بها لأحد، وإذا ما سأله أحد أصدقائه قال عبارة واحدة لم تفارق شفتيه: «الحمدلله، أنا بخير».
تهيأت نفسيا للحظة يأس أو قنوط من بؤس المرض وطول الانتظار، وهو ذلك الشاب الرياضى الذى لا يهدأ ولا يطيق الرقاد طويلا، انتظرت، لكنه أبدا لم ييأس، بل كان كثيرا ما يدفع نفسه للصبر بالذكر والعبادة، وغيرها، فها هو يخط عبارات تشجيعية على وريقات ويلصقها فوق الحائط المواجه لفراشه، حتى لا يفارق عينيه الأمل حتى لو أصابته لحظة كدر مفاجيء، وكأى إنسان قد يسكنه الضعف ولو للحظات، حدثنى مرة واحدة عن أمله الذى طال فى الشفاء ولم يتحقق بعد، لكنه لم يلبث أن سارع بالاستغفار لائما نفسه على التفكير هكذا، مغيرا مجرى الحديث، مبتسما رغم الألم.
صبره أورثنى أملا لا حدود له، دفعنى لنبذ فكرة الموت بشكل قاطع، حتى صرت أنا وهو الوحيدين اللذين ينتظران الشفاء، بينما كل المحيطين يعلمون بدنو النهاية.. فإذا حانت لحظة الفراق لم أصدقها، ومازلت..
إنه محمد عبدالمنعم زهران، الإنسان النبيل، والمبدع المتفرد، الذى ظل أمله يسكنه حتى اللحظات الأخيرة، فها هو يقول عن إبداعه الإنسانى وإصراره على استمراره، بينما كان جسده يعانى المرض:
«لقد أنفقت وقتًا وعمرًا باهظًا لأكون هذا الإنسان الذى يكتب هذا الأدب، محملًا بالتصور الأكثر مثالية للإنسانية، ولن أخاطر بفقد هذا الإنسان أبدًا».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الجراحة
إقرأ أيضاً:
بيل جيتس يحذِّر| تقليص الدعم الأمريكي للبرامج الصحية يُهدّد حياة 14 مليون إنسان بحلول 2030
في عالم يعاني من الأوبئة، ويكافح من أجل الوصول إلى لقاحات وعلاجات، لا تبدو المساعدات الدولية مجرد أرقام في ميزانية، بل تُعد شريان حياة لملايين البشر. هذا ما شدد عليه الملياردير الأمريكي والناشط في مجال الصحة العالمية بيل جيتس، محذرًا من أن تقليص التمويل الأمريكي المخصص لبرامج الصحة والتنمية قد يؤدي إلى "كارثة إنسانية" تهدد الأرواح، خصوصًا في القارة الإفريقية.
في تغريدة على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، دعا جيتس العالم إلى عدم تجاهل العواقب الوخيمة التي قد تنتج عن قرارات مالية قد تبدو في ظاهرها إدارية، ولكنها تحمل في طياتها مستقبل شعوب بأكملها.
14 مليون إنسان في دائرة الخطر
ربما تبدو الأرقام صادمة، لكنها دقيقة ومدعومة بتحليل علمي نشرته مجلة "ذا لانسيت" الطبية المرموقة، والتي نقل عنها جيتس في منشوره. تشير التقديرات إلى أن خفض التمويل الأميركي لبرامج الصحة في الدول منخفضة الدخل قد يؤدي إلى وفاة حوالي 14 مليون شخص بحلول عام 2030.
وأكد جيتس في تغريدته أن "المساعدات الأمريكية في مجالي الصحة والتنمية أنقذت 92 مليون إنسان خلال العشرين عامًا الماضية"، وتساءل بأسى: "هل يمكننا أن نتحمل خسارة هذا النوع من التقدم؟"
ضربة موجعة لبرامج مكافحة الأمراض
التحليل الذي أشار إليه جيتس كشف أن برامج حيوية مثل مكافحة الإيدز، الملاريا، وتحصين الأطفال ستكون أول المتأثرين بتخفيضات التمويل. هذه البرامج تعتمد بشكل شبه كلي على الدعم الأميركي، وفي حال تراجعه، فإن الأثر لن يكون محدودًا بل مدمّرًا.
على سبيل المثال، برنامج "PEPFAR" العالمي لمكافحة الإيدز أنقذ وحده ملايين الأرواح في إفريقيا، وحرم خفض تمويله قد يعيد القارة إلى مربع الصفر في مواجهة الوباء.
بيل جيتس.. ثروتي لأفريقيا
وفي موقف إنساني فريد، أعلن بيل جيتس مؤخرًا أنه قرر التبرع بـ99% من ثروته الطائلة، التي يُتوقع أن تصل إلى 200 مليار دولار بحلول عام 2045، لصالح الصحة والتعليم في إفريقيا.
في كلمة ألقاها بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال احتفالية بمقر الاتحاد الإفريقي، قال جيتس: “من خلال إطلاق العنان للإمكانات البشرية عبر الصحة والتعليم، ينبغي أن تكون كل دولة إفريقية على طريق الازدهار.”
الذكاء الاصطناعي.. فرصة ذهبية
لم يكن جيتس متشائمًا فقط، بل حمل في كلماته الكثير من الأمل، خاصة حين دعا الشباب الأفارقة إلى الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين الرعاية الصحية.
أشار إلى أن هذه التكنولوجيا الناشئة يمكنها سد الفجوات الصحية في القارة، والمساعدة في تطوير أنظمة تشخيص مبكر وإدارة الكوارث الصحية بتكاليف منخفضة وفعالية أكبر.
خطر فعلي على الأرواح.. أزمة تتجاوز الأرقام
عبّر الدكتور محمد حنتيرة، وكيل كلية الطب بجامعة طنطا، عن قلقه الشديد من هذه التحذيرات، مؤكدًا أن التخفيضات المقترحة تمثل تهديدًا فعليًا لحياة ملايين البشر.
يرى الدكتور محمد حنتيرة أن تصريحات بيل جيتس ليست مجرد وجهة نظر، بل تمثل تحذيرًا مبنيًا على معطيات علمية دقيقة.
ويؤكد أن الدول ذات الدخل المنخفض ستكون الأكثر تضررًا من خفض التمويل، لكونها تعتمد بشكل أساسي على هذه المساعدات الدولية في إدارة برامج الرعاية الصحية الأساسية ومكافحة الأمراض القاتلة.
ويضيف: "إذا كانت التقديرات تشير إلى أن نحو 14 مليون شخص قد يواجهون خطر الوفاة بحلول عام 2030 نتيجة هذه التخفيضات، فهذه ليست مبالغة، بل نتائج محسوبة استنادًا إلى مؤشرات أداء فعلية لبرامج صحية تمولها الولايات المتحدة."
عقود من التقدم مهددة بالضياع
يُحذر حنتيرة من أن التقدم الكبير الذي أحرزته البشرية في تقليل نسب الإصابة والوفاة بالأمراض المعدية، خصوصًا في إفريقيا وجنوب آسيا، بات مهددًا. ويرى أن برامج مثل "PEPFAR" لمكافحة الإيدز، ومبادرات تطعيم الأطفال، هي أمثلة حية على كيف يمكن للتمويل الأمريكي أن ينقذ الأرواح.
ويتابع: "أي تقليص في هذا التمويل لا يعني فقط تهديد حياة الأفراد، بل انهيار البنية التحتية الصحية في بعض الدول الفقيرة، ما قد يؤدي إلى عودة الأوبئة وانتشارها بصورة أوسع".
الاستثمار في الصحة هو استثمار في الأمن العالمي
يركز الدكتور حنتيرة على أهمية النظرة الاستراتيجية لقضية التمويل الصحي، مشيرًا إلى أن الأمر يتجاوز الجانب الإنساني ليطال أبعادًا سياسية وأمنية، إذ أن الدول ذات الأنظمة الصحية الضعيفة تكون أكثر عرضة للاضطرابات الداخلية، والنزاعات المسلحة، والهجرة الجماعية.
ويؤكد: "الصحة ليست مجرد خدمة، بل هي أساس للاستقرار والتنمية، وأي تراجع في تمويلها سيؤدي إلى نتائج كارثية تطال ليس فقط الدول الفقيرة، بل العالم بأسره."
التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.. أمل المستقبل
أشاد الدكتور حنتيرة بدعوة بيل جيتس للمبتكرين الأفارقة لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، معتبرًا أن هذه الرؤية تُعد مفتاحًا لتطوير حلول صحية فعالة ومنخفضة التكاليف في ظل محدودية الموارد.
وقال: "علينا كأدميين ومؤسسات طبية في إفريقيا أن نكون جزءًا من هذا التحول، ونستثمر في البحث العلمي لتطوير أدوات رقمية تساعدنا في التشخيص المبكر، وإدارة الأوبئة، وتحسين الخدمات الصحية للمجتمعات المحرومة."
التزام إنساني نادر وإلهام عالمي
في ختام حديثه، عبّر الدكتور حنتيرة عن تقديره لموقف بيل جيتس المعلن بالتبرع بـ99% من ثروته لدعم الصحة والتعليم في إفريقيا، واصفًا هذه الخطوة بأنها من "أسمى صور الالتزام الأخلاقي في التاريخ الحديث للعمل الخيري".
وأكد: "هذه المبادرات يجب أن تكون مصدر إلهام لكل رجال الأعمال حول العالم لدعم قضايا العدالة والصحة، فالمال وسيلة للبناء وليس فقط للتكديس."
الرسالة التي يوجهها الدكتور محمد حنتيرة واضحة ان الصحة ليست رفاهية، بل حق أصيل لكل إنسان. والعبث بتمويلها لا يعني فقط تقليص ميزانية، بل هو اعتداء على حياة الملايين من البشر ممن لا صوت لهم، ولا نظام صحي يحميهم. في زمن الأزمات، تبقى الإنسانية والوعي العالمي هما الطريق الوحيد نحو مستقبل آمن ومتوازن.