صبرا وشاتيلا.. حمام دماء بإشراف ومشاركة إسرائيلية (بورتريه)
تاريخ النشر: 17th, September 2023 GMT
جريمة بلا عقاب.. المتهمون الثلاثة بارتكاب إحدى أكبر جرائم العصر، لم يقدموا للمحاكمة، ولم توجه لهم أية تهمة، بل "كرموا" في مراحل لاحقة بمناصب سياسية.
"حزب الكتائب" و"جيش لبنان الجنوبي" و"الجيش الإسرائيلي"، ثلاث جهات تعاونت وتواطأت فيما بينها بتنسيق مسبق في ارتكاب مجزرة وجريمة ضد الإنسانية، ذهب ضحيتها عدد لا يعرف بشكل دقيق، لكنه يقع ما بين 800 و3500 شهيد من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين، أغلبيتهم من الفلسطينيين وكان من بينهم لبنانيون أيضا، ليس من بينهم مقاتل واحد.
مخيما صبرا وشاتيلا غرب بيروت، كانا على موعد في يوم قائظ من شهر أيلول/ سبتمبر عام 1982، مع الموت، ورائحة الدماء، حين استغل القتلة والمخططون والمنفذون للعملية خروج الفدائيين نهائيا من بيروت، وتوجههم عبر البحر إلى تونس، ومنافٍ عربية ودولية أخرى، بعد حصار الجيش الإسرائيلي العاصمة اللبنانية بيروت نحو 80 يوما.
دخل القتلة المخيمين بقطع من الليل، في 16 أيلول/ سبتمبر، وبدأ حمام الدم فعليا حين صدر قرار المذبحة برئاسة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي رفائيل ايتان آنذاك، ووزير الدفاع آرييل شارون.
بموجب الخطة المرسومة، دخلت ثلاث فرق من "الكتائب اللبنانية" تحت إمرة إيلي حبيقة إلى المخيم كل منها يتكون من 50 مسلحا بحجة وجود مسلحين فلسطينيين داخل المخيم، وقامت المجموعات "المارونية اليمينية" بالإطباق على سكان المخيم، وأخذوا في قتل الجميع دون تمييز وبكل شراسة وكراهية، وبكافة أنواع الأسلحة حتى السيوف و"البلطات" والسكاكين.
أطفال في سن الثالثة والرابعة كانوا غرقى في دمائهم، حوامل بقرت بطونهن ونساء اغتصبن قبل قتلهن، رجال وشيوخ ذُبحوا وقتلوا، وكل من حاول الهرب كان القتل مصيره، 48 ساعة من القتل وممارسة أبشع الجرائم ضد الإنسانية، فيما كانت سماء المخيم مغطاة بنيران القنابل المضيئة التي كان يطلقها الجيش الإسرائيلي لتسهيل المهمة.
كان دور الجيش الإسرائيلي و"جيش لبنان الجنوبي" إحكام إغلاق كل مداخل المخيم حتى لا يسمح بخروج أحياء من بين ساكنيه، ومنعت وسائل الإعلام والصحفيون ووكالات الأنباء من الدخول إلا بعد انتهاء المجزرة، وضمان تحقيق أهدافها، حيث استفاق العالم على واحدة من أبشع المذابح في تاريخ البشرية.
تشير تقارير عدة إلى أرقام متباينة في أعداد شهداء مجزرة "صبرا وشاتيلا". في رسالة من ممثلي الصليب الأحمر يذكر أن تعداد الجثث بلغ 328 جثة، ولكن لجنة التحقيق الإسرائيلية برئاسة إسحاق كاهان تلقت وثائق تشير إلى تعداد 460 جثة في موقع المذبحة.
وفي تقريرها النهائي استنتجت "لجنة كاهان" الإسرائيلية من مصادر لبنانية وإسرائيلية أن عدد القتلى بلغ ما بين 700 و800. وفي تقرير إخباري لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) يشار إلى 800 قتيل في المذبحة.
فيما قدرت بيان "نويهض الحوت"، في كتابها "صبرا وشتيلا - سبتمبر 1982"، عدد القتلى بنحو 1300 ضحية على الأقل، بحسب مقارنة بين 17 قائمة تفصل أسماء الضحايا ومصادر أخرى.
وأفاد الصحفي البريطاني روبرت فيسك، أن أحد ضباط المليشيا المارونية الذي رفض كشف هويته، قال إن أفراد المليشيا قتلوا 2000 فلسطيني. أما الصحفي الإسرائيلي الفرنسي أمنون كابليوك، فقال في كتاب نشر عن المذبحة، إن الصليب الأحمر جمع 3000 جثة، بينما جمع أفراد المليشيا 2000 جثة.
ولامتصاص الغضب الدولي وحتى الغضب الداخلي الإسرائيلي، فقد قررت "المحكمة العليا" الإسرائيلية تشكيل لجنة تحقيق خاصة، وقرر رئيس "المحكمة العليا" إسحاق كاهان، أن يرأس اللجنة بنفسه، حيث سميت "لجنة كاهان".
في شباط/ فبراير عام 1983، أعلنت اللجنة نتائج التحقيق، وقررت أن شارون يتحمل مسؤولية مباشرة عن المذبحة، إذ تجاهل إمكانية وقوعها، ولم يسع للحيلولة دونها، رغم علمه بها.
ورفض شارون قرار اللجنة، ولكنه استقال من منصب وزير الدفاع، و"كرم" بعدها بقليل بتعيينه وزيرا بلا حقيبة، وفي ما بعد أصبح رئيسا للوزراء.
ولا تعد "صبرا وشاتيلا" المجزرة الوحيدة في مسيرة شارون العسكرية، فقد اتهم بارتكاب مجازر عدة في فلسطين، ولم يحاكم أبدا رغم ثبوت التهم عليه. من بينها، "مذبحة قبيه" عام 1953، التي راح ضحيتها 170 من الفلسطينيين.
واتهم بمجزرة اللد عام 1948، وارتقى فيها 426 فلسطينيا بعد أن حاصرهم داخل المساجد. واتهم أيضا بقتل وتعذيب الأسرى المصريين عام 1967. وفي اجتياح بيروت و"مذبحة جنين" عام 2002، والكثير من عمليات الاغتيال ضد أفراد المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسهم اغتيال الشيخ أحمد ياسين.
في بداية 2001، أقام أقارب ضحايا "صبرا وشاتيلا" دعوى قضائية في بلجيكا ضد شارون لتورطه في أحداث المجزرة، إلا أن محكمة الاستئناف البلجيكية أسقطت القضية لعدم اختصاص القضاء البلجيكي بالنظر فيها.
صحيفة "نيويورك تايمز" كشفت عام 2012 في تحقيق خاص، أن الإدارة الأمريكية كانت على علم بالمجزرة.
ونسبت إلى وثائق لوزارة الخارجية الأمريكية تأكيدها أن السفير الأمريكي في بيروت أبلغ تل أبيب بالمجزرة، لكنها اكتفت بالرد بأن هناك "عمليات تطهير للمخيمين من المخربين".
وتحتفظ "إسرائيل" بمجموعتين من الوثائق السرية الخاصة بـ"صبرا وشاتيلا" في أرشيف الجيش، وأرشيف لجنة "كاهان" التي حققت في المجزرة، ورغم مرور 38 عاما على المجزرة ما زال الاحتلال يتحفظ على وثائق تتعلق بالمجزرة، ويتفق عدد من الباحثين الفلسطينيين والإسرائيليين على أن التحفظ مرتبط بحقيقة تورط "إسرائيل" بالمجزرة وبالأهداف غير المعلنة لاجتياح لبنان.
كان الغضب العربي والعالمي عارما صبيحة يوم اكتشاف المجزرة، فقد أصيب العالم بحالة من الذهول، لكنه لم يكن كافيا لجر القتلة إلى المحكمة لينالوا العقاب. صور الجثث المتناثرة والأجسام "المكومة" بعضها فوق بعض والتي اخترقها الرصاص ورائحة الدماء والموت لا زالت عالقة في الذاكرة وكأنها "الجريمة الكاملة"، حيث يفر المتهم من العقاب ليس لعدم كفاية الأدلة، وإنما لـ"عدم الاكتراث بالدم العربي".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه لبنان مجزرة الفلسطينيين صبرا وشاتيلا لبنان مجزرة الفلسطينيين صبرا وشاتيلا بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه تغطيات سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجیش الإسرائیلی صبرا وشاتیلا من بین
إقرأ أيضاً:
"ممارسات غير إنسانية".. الأصوات المعارضة للحرب على غزة تعلو في صفوف الجيش الإسرائيلي
مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة وارتفاع أعداد القتلى، تتزايد الأصوات المعارضة داخل الجيش الإسرائيلي لا سيما بين جنود وضباط الاحتياط. وقد خرج بعضهم عن صمته علنًا، في انتقاد غير مسبوق للحكومة وقراراتها التي يصفونها بأنها غير أخلاقية وتحمل دوافع سياسية. اعلان
ومن بين هؤلاء يوڤال بن آري، جندي احتياط خدم في جولتين داخل القطاع، الأولى في الشمال والثانية في الجنوب، وقد أعلن عبر مقابلة مع شبكة NBC أنه يرفض المشاركة في ما وصفه بـ"جرائم حرب"، مشددًا على أن "الموقف الوطني الحقيقي هو أن تقول لا".
كما عبّر عن شعوره بالخجل والذنب حيال معاناة المدنيين في غزة، قائلاً: "أناشد الحكومة الإسرائيلية وقف تجويع مليوني إنسان".
بن آري، الذي أعيد تجنيده في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 رغم إصابته السابقة في ساقه، أشار إلى أن صدمته من حجم الدمار الذي شاهده خلال المهمة الأولى دفعته لاحقًا إلى طلب إعفائه من المهمة بعد أسبوع واحد فقط على انتشار جديد جنوب القطاع في آذار/مارس. وقد كتب عبر وسائل التواصل: "لن أرتدي هذا الزي العسكري ما دامت هذه الحكومة في السلطة".
ورغم تلقيه دعمًا من بعض أفراد عائلته وأصدقاء مقرّبين، فقد واجه بن آري أيضًا اتهامات بـ"الخيانة" و"التخلي عن الرهائن"، وهي اتهامات قال إنه كان يتوقعها. ودوّن تجربته لاحقًا في مقال بصحيفة "هآرتس" دون الإفصاح عن هويته.
تصاعد المعارضة داخل المؤسسة العسكريةلم يكن موقف بن آري معزولًا عن موجة اعتراض آخذة في الاتساع، فمع انطلاق عملية "عربات جدعون" مطلع الشهر الجاري، تصاعد زخم الرافضين داخل الجيش الإسرائيلي.
ووفق منظمة "ريستارت إسرائيل"، التي ترصد الاعتراض على سياسات الحكومة، فقد وقّع أكثر من 12 ألف جندي حالي وسابق على رسائل احتجاج منذ انهيار الهدنة في آذار/مارس، دعوا فيها إلى وقف الحرب، وأعلنوا رفضهم أداء أي مهام قتالية مستقبلية في حال استمرارها.
وفي هذا السياق، برز موقف الطيار المتقاعد غاي بوران (69 عامًا) في مقابلة مع شبكة NBC، والذي عبّر عن رفضه العلني لما يجري، مؤكدًا من تل أبيب أن الاعتراض لا يأتي من منطلق التعب بل لأن "هذه الحرب غير شرعية".
وكان بوران من أوائل من بادروا إلى صياغة رسالة احتجاج وقّع عليها نحو 1200 من الطيارين الحاليين والسابقين. واعتبر أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو "غارق في مشاكل قانونية خطيرة"، في إشارة إلى محاكمته في قضايا فساد.
ورأى بوران أن الحرب تُدار خدمةً لمصالح الشركاء اليمينيين في الائتلاف الحاكم، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين هددا بإسقاط الحكومة في حال التوصل إلى هدنة مع حماس، كما دعا كلاهما إلى "إبادة كاملة" للحركة، واحتلال غزة مجددًا وإعادة توطينها. وعلّق بوران قائلًا: "إسرائيل أصبحت رهينة لهذا الابتزاز السياسي".
حرب "غير إنسانية"اعتراضات أخرى برزت من داخل صفوف ضباط الاحتياط. أحدهم، برتبة رائد، أعرب عن قلقه من تصريحات بعض الوزراء بشأن استخدام التجويع كأداة ضغط، قائلاً: "هذه لم تعد حكومة أخلاقية... على الجيش أن يضع حدًا لهذا الجنون".
وعلى الرغم من أن القانون الإسرائيلي يمنع فصل الموظفين دون مبرر قانوني، أفادت تقارير بأن الجيش قام فعلًا بفصل أو تهديد عدد من الجنود الموقّعين على رسائل الرفض.
في المقابل، اكتفى الجيش الإسرائيلي بإصدار بيان مقتضب قال فيه إن "الجنود الاحتياطيين الذين يتركون عائلاتهم ووظائفهم للدفاع عن البلاد هم ركيزة أساسية في قوة الجيش"، من دون أن يتطرق إلى الانتقادات أو الخلفيات السياسية المرتبطة باستمرار الحرب.
Relatedمظاهرات في تل أبيب تطالب بعودة الرهائن وبإنهاء الحرب في غزةإسرائيل تتهم ماكرون بشن "حملة صليبية ضد الدولة اليهودية" بعد انتقاده الحرب على غزةغزة: جوع وطوابير ولا حل في الأفق.. الآلاف يتجمعون أمام مركز جديد للمساعدات في رفحوفي ختام تصريحاته، قال بوران إن الصراع الجاري لم يعد سوى "حرب انتقام"، محذرًا من غياب الحلول الواقعية: "حتى الجيش يقول إن هذا ليس حلًا طويل الأمد. إذا احتلّ غزة، فعليه أن يطعم سكانها، ويعالجهم، ويوفر لهم التعليم والبنية التحتية. من سيتولى ذلك؟".
أما بن آري، فاختصر موقفه بالقول: "لا يمكن تهجير مليوني إنسان من ديارهم بهذه البساطة... هذا فعل غير إنساني".
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة