بقلم/ احمد الشاوش
يقال أن جد حسن محمد زيد وزير الشباب والرياضة ، كان عالماً وعلى قدر كبير من التواضع والبساطة والكرم ، وكل ماجاء شهر رمضان المبارك يعتبره فرصة كبيرة في دعوة أي شخص معروف او غير معروف للافطار في منزله في بستان الخير بصنعاء لنيل الاجر ، وذات يوم لم يجد زيد أي شخص بعد صلاة المغرب بجوار بيته سوى مجنون مسبع مربع من مأرب يبلغ من الطول والعرض والقوة والعنفوان مايحطم محمد علي كلاي وغريمه فريزل ، دون أن يُدرك أن الرجل مخلول عقلياً.
فقال له هيا انت ضيفي اليوم ، فقام المجنون قومة أسد وقال .. بسم الله باللكنة المشرقية ، وبفراسته عرف ان الرجل غير طبيعي .. وقال في نفسه .. وتيه .. وداااااافة .. على الله .. يابها يا عليها .. دخل البيت والمجنون بيقفز الاول مثل الحصان وهو يقوله له حبه حبه .. درج درج لاتنكض . وطلعوا الدرجان والسيد زيد يردد الله .. الله .. طريق .. معانا ضيف .. والمجنون بعده حتى وصلوا الى الديوان في الدور الثالث وقد قربوا أهل البيت العشاء ، وقال زيد للضيف هيا بسم الله .. مد يدك .. تعشى .. البيت بيتك يا ابني .. فقال له المجنون بصوت مرتفع ويش هذا الاكل .. فرد عليه السيد زيد" شفوت " ، فشل المجنون الصحن بشفوته بحركة بهلوانية وزغف به من الطاقة للبستان فتعجب السيد زيد وصدم من تصرفات الضيف العجيب .
وقَرَب السيد زيد للمرة الثانية " الحامضة " ، وقله مجنون مأرب وش هذا ياسيد ، فقال له " حامضة" ، فجر الطاسة ورجمها من الطاقة وقال هذا مانبية أي مايعجبه ..
ثم قرب له مقلى وقال له المجنون ايش هذا .. فرد عليه زيد هذه كذا ، فأخذ المقلى الحرض بحرارته المرتفعة وزغفه من الطاقة الى أرض البستان ، والسيد زيد ينظر اليه بتوجس وحذر وصبر وكأنه يقول من أين خرج لي هذا الجني وايش المقلب الذي فعلته لنفسي؟
وماهي الا لحظات وبهدوء ولطافة وحذر شديد ، قرب السيد زيد المقلى ، فقال.. المجنون ، ويش داخل هذا .. فقال له لحم ومرق ، فقال له المجنون هات .. هذا نبيه .. فأجتغرت بطون السيد زيد من الجوع والعطش والبوقه والجنان وأخذ المقلى بلحمه وشحمه ومرقه وزغف به من الطاقة الثانية وقال للمجنون بنزق وصوت عالي حرمت عليك البرمة .. يهي والطرفه والتشراط والزلغفة .. عاد الجنان يشتي عقل .. وردد هذا نبيه وهذا مانبية وان قد المجنون مطنن ومصدوم من رد الفعل.
وبعد العشاء العجيب والقصة الطريفة وجوع وعطش رمضان والجنان الذي أرهق وجغص طبيعة السيد زيد ، بدأ الضيف رياضة الشوط الثاني من الجنان وقام كالمذعور قائلاً للسيد زيد ماذ لحين والله ماحيلتك ماتلعب معي .. قله صلي على النبي .. رد المجنون هات جنبك وهزر بيد السيد وهو بقميصه وعمامته وتوزته ودجلته وتحمله فوقه ونزله عبر الدرجان الى الدور الاول ..
ثم طلب المجنون من السيد زيد يتحمله ويصعد به الى المجلس بالدور الثالث ، وعلى قولت " جنان يخارجك ولاعقل يحنبك " ، ما كان من السيد الا أن تحمل المجنون بالقوة وصعد الدرجان درج درج بصعوبة من حمولة وزن الفيل وهو يتصبب عرق من كل شعره ، حتى وصل به الى المجلس .. واولاده واسرته مش عارفين ما لذي يجري من معارك طاحنة وعذاب وطرافة بين المجنون ووالدهم الطيب.
وفي حاله هدوء خطرة فكرة لجد حسن زيد ، وقال للمجنون .. ايش رأيك أنت تصيح من الطاقة تيه .. ياغارااااته .. وانا أصيح من الطاقة الثانية .. يارجالاه .. فاعجب المجنون بالفكرة واللعبة .. فكان يصيح المجنون ياغاااارتاه بأعلى صوته .. ويصيح السيد زيد بصوت استغاثة من قلبة أوله في الارض وآخره في السماء ياااارجالاه .. حتى سمعوا اسرة ال زيد والجيران وأهل الحارة وهبوا هبة رجل واحد من كل مكان وصعدوا الى اعلى البيت لانقاذه واخرجوا المجنون وندعوا له ضربه طيفرت الجن من رأسه.. واسمع لك والضحكة والكركارة والمجابرة والذكرى العجيبة.
ومن القصص الواقعية والتي أصبحت حديث المجالس في ذلك المكان ، كان جد الشهيد حسن زيد لديه مكتبه كبيرة تضم امهات كُتب ومخطوطات لكبار علماء ومؤلفي اليمن وال البيت من بيت الامام القاسم وغيرهم وكتب تاريخية وللقيمة الدينية والتاريخية اراد الامام يحي حميد الدين أن يسيطر على تلك الكتب النادرة ، فأستدعى جد حسن زيد للتأثير عليه وعرض عليه ان يعينه في منصب لكن الهدف الحقيقي هو نقل الكتب الى دار الامام يحي .. فقال للامام .. كم معاكم يامولانا موظفين فقال له حوالي 300 موظف .. فقال جد حسن زيد للامام يحي انتم داريين يامولانا ان معي 360 وكيل لادارة اموالي وأنا مشغول..
فحاول الامام ان يأخذ الكتب بالحيلة ثم بالقوة ولكن قوة وصلابة وعلم وشخصية جد حسن زيد كانت بالمرصاد .. فصرخ في وجه الامام يحي قائلاً إلا المكتبة هي امانة .. قسماً ما ينتقل كتاب وانا على قيد الحياة .. والله لاجمعن العلماء واخلعنك بفتوى .. فصعق الامام وتدخل الكثير من العلماء وتم تحكيم أثنين من القضاة في الموضوع وحكموا بأن على جد حسن زيد أن يوافق بنقل الكتب الى الجامع الكبير ، وان على الامام يحي أيضاً أن ينقل كل الكتب الذي في داره الى الجامع الكبير ومن تلك اللحظة تم الاحتفاظ بالكتب في الجامع الكبير وهو ما أدى الى تأسيس مكتبة الجامع الكبير .. كما روى لي الاعلامي الكبير والاخ العزيز احمد العنابي أطال الله في عمره خلال لقاء وحديث معه في صنعاء القديمة.
وعلى وقع من طلب الجن ركضوه.. كم من تلك القصص والحكايات العجيبة يصادفها البعض على مدار اليوم الشهر والعام .. ما زلت اتذكر قصة "المُخبر" الذي دقها جنان في أحد احياء صنعاء وفجع وضرب أحد الاطفال وذهب مستنجداً بابيه وأخوته فما كان منهم الا أخذ عدد من الاعصي والصمل وندعو للمجنون ضربة عمياء حتى سالة دمائه من كل مكان وكان يصيح انا عاقل .. انا في مهمة .. وما أن حل الظلام حتى أتي طقم شرطة الى والد الطفل لاخذه بالقوة .. وعندما سأل أيش القضية .. قالوا له اطلع ياعنتر .. انت ضربت ضابط مخابرات .. قال قسماً ياجماعة انه مجنون فجع أطفالي .. بطلوا جنان .. قالوا أطلع وبعدها سين وجيم وتم التعويض وحل الموضوع .
وفي نهاية الثمانينات كنا نشاهد المجنون علي السافلي من أهالي وصاب السافل في باب يتجول في باب النهرين وباب السباح وكل واحد منا يهرب زوه أو ركن ، وعندما يدخل حارتنا " الطبري " يصيح للحاج محمد الورقي.. ياااااورقي .. أين الشاهي .. أين الصبوح ، لا أقلب لك البوفية رماد.. وبطيبته وهدؤه وليونته ينزل له الشاهي والصبوح مجاناً كل يوم ، لان قلبت مجانين صنعاء كوم والسافلي كووووم ثاني.
وأما يحي عزيز ، فكان من أطيب وألطف وأهدأ المجانين في باب النهرين والعلمي" جنان سلمي" ، وكان الكثير من عقال ورجال الحي يودونه ويضحكوم معه ويعطفون عليه ، حتى الاطفال عندما كانوا يتجمعون حوله يبادلهم الصمت والابتسامة دون ان يؤذي شخص
واما المجنون "علي شباعة" ، فكان طويل القامة وفي قمة الهدوء واللطف وهو يذرع باب السباح سايري - جايي ومن أندر وأظرف المجانين ، وما زلت أتذكر المقلب الذي عمله فيه الزميل عبدالله العنس الذي كنا نطلق عليه " الزمالك " حُباً في فريق الزمالك ومن اجمل تلك القفشات عندما ذهب العنس الى مكه للعمره والحج وحصل جزمات وبواتي واحذيه وسناطل يبدو من حق الحرم التي تم الاستغناء عنهن مرجومات ، فلف وجمع حوالي ثلاث شوايل وعاد بهن براً الى صنعاء ، وما أن وصل وبدأ الكثير من سكان الحي يسلموا عليه حتى يقول للبعض خذ هديتك من الشوال .. دور لك الفردة المناسبة .. وشخص يحصل جزمة خلف وجزمة سواء وجزمة مقاسها مختلف ولون ثاني.. وفي لحظة شاف العنس علي شباعه وأختار له بوتي رياضي فرده من حق كرة السلة والثانية قدم ولبسه ، ومشي شباعة في سوق باب السباح كالرجل الالي واسمع لك والضحكة والتعليقات والسخرية وشيطنة الزمالك ومقالب غوار.
أخيراً .. هناك الكثير من المجانين والحمقى وهناك الكثير من الحالات النفسية والاكتئاب الذي تنبه له العرب منذ قرون في تأسيس مصحة لجمع ودراسة وتتبع تلك الحالات وقد ألف الكثير من العرب كُتباً في "عقلاء المجانين" للنيسابوري والجاحظ وغيره وسرد قصص بهلول وآخرين..
كنا نسمع عن مجنون رسمي ، ومجنون مؤقت ومجنون بيتعلم ، ومجنون ليلي والحمقى .. والمجنون العاقل الذي تصرفاته واعماله أقرب الى الجنون ، كبعض الفنانين والشعراء والمتصوفين والفلاسفة والمثقفين والسياسيين والملوك والقادة..
أمام اليوم فالمجانين والحمقى والامراض النفسية والعصبية وحالات الاكتئاب والخوف من الحاضر والمستقبل فحدث ولاحرج وعلى قفى من يشيل بسبب الاوضاع التي تخرج الانسان عن منطق العقل والحكمة والصبر ، وخلف كل بيت وشارع وحي ومؤسسة مجنون ، بدءاً من مجانين السلطة ومروراً بحمقى السياسة ومداليز الثروة ومجانين الفقر وعلى قولة المثل اليمني " جنان يخارجك ولا عقل يحنبك".
[email protected]
المصدر: سام برس
كلمات دلالية: الجامع الکبیر السید زید من الطاقة الکثیر من
إقرأ أيضاً:
"الناجي الوحيد".. لقب "بتول" الذي جردها الفقد معانيه
غزة - خاص صفا
"ناجية وحيدة"، لكن صدمة فقد عائلتها قبل نحو شهر، في وقت وضعت فيه حرب غزة أوزارها، جردتها من معاني الكلمة، وتعيش أوضاعًا صعبة، تتمنى فيها "اللحاق بهم.
الفتاة بتول أبو شاويش "20 عاما"، واحدة من آلاف الناجين الوحيدين لأسرة كاملة ارتقت بحرب غزة، لكنها تُسقى أضعافًا من كأس الفقد، لكونها استبعدته يومًا.
"أنا لستُ ناجية، أنا وحيدة وتمنيتُ لو أني ذهبتُ معهم"، تقول بتول لوكالة "صفا".
وتضيف "استشهدت أمي وأبي وإخوتي في قصف بجانب بيتنا في أبراج عين جالوت قبل شهر، وكنت معهم في نفس البيت".
ولكن دقيقة بين مغادرة "بتول" غرفة إخوتها نحو غرفتها، كانت فاصلًا بينها وبينهم، بين حياتها ومماتهم، رغم أن أنقاض البيت وقعت عليها هي أيضًا.
وتصف تلك اللحظات "كنت بجانب محمد وجميعنا بغرفة واحدة، ذهبت لأبدل ملابسي، وفي لحظة وجدت نفسي تحت الأنقاض".
ما بعد الصدمة
وانتشلت طواقم الدفاع المدني "بتول" من تحت جدارين، مصابة بذراعيها، وحينما استفاقت داخل المستشفى، وجدت عمها بجانبها.
سألت بتول عمها عن والديها وإخوتها، وعند كل اسم كان جوابه "إنا لله وإنا إليه راجعون".
لم تتمالك نفسها وهي تروي اللحظة "لم أستوعب ما كان يقوله عمي، لقد فقدتُ أهلي، راحت أمي رغم أنني كنت أدعوا دومًا أمامها أن يكون يومي قبل يومها".
"بتول" تعيش أوضاعًا نفسية صعبة منذ فقدت أسرتها، ويحاول عمها "رفعت"، أن يخفف عنها وطأة الفقد والصدمة.
"لحظات لم تكتمل"
يقول رفعت "40 عاما"، لوكالة "صفا"، إنها "ليست بخير، لا تعيش كأنها نجت، ولا تتوقف عن التساؤل لماذا لم تذهب معهم".
ويضيف "هي تؤمن بالأقدار، لكن أن يفقد الإنسان أهله وفي وقت هدنة، يعني مفروض أنه لا حرب، والقلوب اطمأنّت، فهذا صعب خاصة على فتاة بعمرها".
وسرق الاحتلال لحظات جميلة كثيرة من حياة "بتول"، لم تكتمل، كحفلة نجاح شقيقها "محمد" في الثانوية العامة.
يقول عمها "بتول بكر أهلها، وهي تدرس في جامعة الأزهر، رغم كل الظروف، وقبل استشهاد أخي وعائلته، احتفلوا بنجاح محمد، وكانوا ينوون تسجيله معها في الجامعة".
ومستدركًا بألم "لكن كل شيء راح، وبقيت بتول وحيدة تحاول أن تنهض من جديد، لكن ليس بعد".
ولم تقدر "بتول" على وداع أهلها من شدة صدمتها، وحينما وضعوها بين خمسة جثامين، تحدثت إليهم، سألتهم لما "رحلتم وتركتموني"، وما قبلت إلا جبين شقيقتها الصغيرة، أما أمها "فعجزت عن الاقتراب منها"، تردد بتول وهي تهتز من استحضار المشهد.
ويوجد في غزة 12,917 ناجيًا وحيدًا، تبقوا من أصل 6,020 أسرة أبيدت، خلال حرب الاحتلال على غزة على مدار عامين، فيما مسح الاحتلال 2700 أسرة من السجل المدني بكامل أفرادها، البالغ عددهم 8,574 شهيداً.