صحيفة أثير:
2025-06-13@14:50:32 GMT

محمد قراطاس يكتب: ما لا نعرفه عن ابن الفارض

تاريخ النشر: 23rd, September 2023 GMT

محمد قراطاس يكتب: ما لا نعرفه عن ابن الفارض

أثير- محمد قراطاس

شغلني شعره كما شغل آلاف الشعراء والقرّاء في العالم. فعندما أقرأ له أشعر بحرارة الكلمات تغمرُ روحي. شاعرٌ قادرٌ على نقلك من خيال إلى آخر آخذا بيديك إلى محطات كثيفة في الحبّ الطاهر والخالص. قررتُ الوقوف على مسجده في زيارتي الأخيرة للقاهرة، وقد وصلتُ إليه بعد صعوبة وذلك بسبب وجوده بين الكثير من الأحياء المتداخلة والمدافن.

الإمام الذهبي قال عن قصيدته التائية أنها إن لم تكن فيها عقيدة الإتحاد فليس هناك في العالم من زندقة ولا ضلال! وقال عنه ابن خلّكان كان شاعرا رقيقا ينحو منحى الفقراء وهو مسمّى الزهاد في تلك الفترة، واختلف في أشعاره الجميع. لكنهم يتفقون جميعاً على أنّه مبدعٌ استثنائي في استدراج القلب إلى الدهشة.

أُخفي الهوى ومدامعي تُبديهِ
وأميتهُ وصبابتي تُحييهِ
فكأنّهُ في الحسنِ صورةُ يوسفٍ
وكأنني في الحزنِ مثلُ أبيهِ
ياحارقاً بالدمع وجه محبِّهِ
مهلاً فإنّ مدامعي تُطفيهِ

هو شرف الدين عمر بن علي الحموي من أعمق وأرقّ الشعراء في العشق والمحبة الإلهية، ولد في القاهرة سنة 576 بعد الهجرة. غلب عليه اسم ابن الفارض لأن والده كان فقيها كبيرا في علم الفرائض.
درس الفقه ولكنه قضى معظم أوقاته معتزلا الناس في الأماكن النائية في الجبال أو في الخرابات البعيدة، متأملاً وباحثاً في الحياة والخالق والوجود. دفعه ذلك البحث المضني إلى الرحيل من القاهرة تجاه مكة ليقضي فيها 15 عاما متنسكاً في وادٍ قريب منها وهناك هدأت نفسه وامتلأت بالنور والعشق وكتب الكثير من قصائده.

اشتهر اسمه بعد عودته فتقرّب إليه الجميع، كان مرحباً ودمثاً في تعامله مع جميع زوّاره، عمر ابن الفارض كان يتحاشى قرب السلاطين، كان يعيش في زمان السلطان الكامل ناصر الدين محمد الأيوبي الذي أرسل إليه في إحدى المرّات 1000 دينار – وهو مبلغ ضخم في حينها- فرفضه، وطلب منه أن يحجز له مكانا بجانب قبر والدته أي والدة السلطان بقرب الإمام الشافعي، وهو اعتراف كبير بحسن ظنّ السلطان فيه وفي ورعه، لكنه رفض ذلك أيضاً، لأن ابن الفارض لم يكن طالبا للجاه أو المال وإنما هو روحٌ عاشقةٌ واقفةٌ على باب المحبة.

قلبي يحدثني بأنّك مُتلفي
روحي فداكَ عرفتَ أم لم تعرفِ
ما لي سوى روحي.. وباذل نفسه
في حبِّ من يهواهُ ليسَ بمسرفِ

ما لا يعرفه كثيرٌ من قرائه أنّ سبب اغترابه لأكثر من خمسة عشر عاما في مكّة كان بقّالا بسيطاً لا يُحسنُ الوضوء في المدرسة السيوفية. حين صحح له ابن الفارض، قال البقال: يا عمر أنت ما يُفتح عليك بالقاهرة ولكن يُفتح عليك بالحجاز، فسافر إلى مكة مباشرة ودون تردد وكان ذلك في غير توقيت رحلة الحج، لنعرفَ مقدارَ حجم المحبَة التي استولت على مجامع روحه.

فلسفته في الحبّ والتصوف غلبت على أشعاره فكان حضور الرمزية والمجاز فيها قويا. وكان غارقاً في المحبّة لدرجة أنّها تملكته واحتلت كلّ حرفٍ في شعره.

يُحشر العاشقون تحت لوائي
وجميع الملاح تحت لواكا

أوّل الكثير قصائده إلى غير معناها الأصلي واتهم بعقيدة الاتحاد والحلول وتم تكفيره ورميه بالزندقة، وأغلب الكتابات والاتهامات صدرت بعد رحيله عن الحياة. في حين لم يكن ابن الفارض سوى محبٍّ مخلصٍ لحبيبه فسخّر لهُ كلّ معنى مدهش وأبدع له كلَّ مجازٍ مذهل.

لم يعش ابن الفارض سوى 56 سنة. ولا أستطيعُ تصوّر حال الشعر العربي لو عاشَ أكثر من ذلك.
ترك ديوانا واحدا كان تأثيرُه وحضورهُ كبيراً في الأدب العربي والعالمي وبالذات الشعر الصوفي. من ضمن الديوان قصيدته التائية الكبرى التي يزيد عدد أبياتها عن 760 بيتا سمّاها نظم السلوك، لا تستطيع أن تجد فيما بينها حشوا أو بيتا زائدا عن الحاجة. وقد قام الكثيرون طوال العصور المتعاقبة بعد وفاته بشرح ديوانه لما يحتويه من شعرية عالية وعمق فلسفي.
توفي ابن الفارض سنة 632 ودفن تحت سفح جبل المقطّم في القاهرة. وهو مزار حاليا يتوافد إليه الناس بمختلف مشاربهم من الشعراء إلى المريدين.

المصدر: صحيفة أثير

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: " عدم إنسانية " الطاقة الحيوية !!



لا يمكن أن يكون لدينا رصيد من التجارب التراكمية  ونهملها ونسعى لإجراء تجربة جديدة، فى مجال سبقتنا إليه كل دول العالم، وكل المجتمعات التى تقدمت علينا، سواء فى مجال العلم أو التعليم أو الإدارة أو حتى فى مجال الرياضة والألعاب فى ساحات المدارس والجامعات !! 
إن تراكم التجارب،  هو رصيد للأمة لا يجب أبدًا تجاهله،  ولا يمكن أبدًا أن تتعامل معه على أنه (رجس من عمل الشيطان ) لأن التجربة غير مقيدة بأسمائنا وأسماء والدينا رحمهما الله !!
وإذا جاز هذا التصرف بين أفراد الأسرة أو أولاد الأشقاء وأولاد العم، فلا يجوز أبدًا إجرائها فى الوطن، وفيما يخص الشعب صاحب الحق الوحيد فى التراكم العلمى والإقتصادى والإجتماعى !! إن تراكم التجارب هى أصل من أصول هذا الوطن، يجب التمسك به، وتنقيته من الشوائب وإعلاء القيمة المضافة فيه !!
إن تجاربنا فى الزراعة والصناعة،  يجب أن تكون نبراس لحياتنا المعاصرة وأن نتعلم من أخطائنا ولعلنا ونحن نواجه أزمة عالمية فى توفير الغذاء والطاقة وتجربتنا بأن نزرع محاصيل ذات قيمة سعرية عالية مثل الكنتالوب والفواكة والخضراوات، لكى نشترى بناتج بيعها محاصيل أقل سعرًا فى العالم مثل القمح والذرة والشعير والعدس والفول، هذه النظرية قد إضمحلت، وقد إنتهت جدواها الإقتصادية !!
حيث تحول العالم الأول من مستورد للطاقة النمطية ( بترول وغاز) إلى منتج للطاقة الحيوية بإستخدام المحاصيل الزراعية فى إستخراجها ورغم عدم إنسانية هذا الإتجاه، إلا أن أكبر الدول فى العالم قوة وإقتصاد متمسكين بهذا الإتجاه، ولعل ما ظهر فى مؤتمر (الفاو) فى خلال إجتماعه لمناقشة هذا الأمر منذ أكثر من عدة سنوات مضت، وأصبح بند دائم على جدول أعمال ( الفاو ) كل إجتماعاته حتى اليوم، بأن لا سبيل أمامنا كإحدى الدول المستوردة للغذاء، إلا طريق واحد وهو الإعتماد على الذات فى إنتاج إحتياجاتنا وهنا لا بد من الرجوع إلى الخبرات التراكمية المصرية فى الزراعة ولا بد من تحسين سبل الرى والترشيد فى المياه وتحويل أراضينا إلى صوامع غلال الأمة المصرية وليست الأمة الرومانية كما كان فى العصور الوسطى !!
لا بد من إستخدام تجاربنا وتراكمها فى الطاقة، وترشيد إستهلاكنا، ولعلنا نتذكر أوربا إبان حرب 73، حينما أوقفوا سير السيارات لمدة يومين فى الإسبوع والعودة لركوب الخيل، والبهائم والعجل بغير محركات،  حتى يوفروا فى إستنفاذ الطاقة (بنزين ومحروقات) ! 
لا بد من العودة إلى خبراتنا المتراكمة حتى ننجو مما هو قادم (أعوذ بالله) !!
وهذا بأيدينا وتحت إمرتنا فالأرض موجودة، والمياه جارية أمامنا والأبار متفجرة (غرب الموهوب، وأبو منقار بالواحات الداخلة ) والشمس ساطعة والبنية الأساسية متاحة (شرق العوينات، توشكى، حول بحيرة ( السد العالى    ، وشمال سيناء) إذن ما هى حجة المصريين ؟؟
[email protected]

مقالات مشابهة

  • هذا ما وصل إليه الإنفاق العالمي على الأسلحة النووية العام الماضي
  • إبراهيم النجار يكتب: وجع في قلب أمريكا
  • سوسن بدر تتعاقد على بطولة فيلم حين يكتب الحب
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (القادم …. يا ساتر)
  • د.حماد عبدالله يكتب: الصحافة..... وسنينها !!!!!
  • رئيس الوزراء يتابع ما تم التوصل إليه بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي
  • حين يكتب الدّعاة بالدم.. قراءة في رسائل الشهادة من دعاة غزة إلى دعاة الأمّة
  • جراحة نادرة.. رئيس جامعة القاهرة يشيد بنجاح فريق طبي في «قصر العيني»
  • د.حماد عبدالله يكتب: " عدم إنسانية " الطاقة الحيوية !!
  • محمد كركوتي يكتب: الإمارات.. تمام الشفافية الذرية