لم يعد فهم لغة الإشارة أقصى أمنيات «الصم» للتواصل مع المجتمع، إنما اقتحام عالم الذكاء الاصطناعي هو سبيلهم الوحيد للتأهيل لسوق العمل، وهو ما فطن إليه الدكتور سعيد سامي، مُعلم ومترجم لغة إشارة، بتنظيم دورات متخصّصة فى البرمجة والذكاء الاصطناعي، وبرامج تكنولوجية متنوعة، تستهدف الصم وضعاف السمع، بشكل مختلف يواكب وظائف المستقبل والتطورات والأدوات الحديثة، بمساعدة زميلته الدكتورة شيماء البحراوى.

 

كما قرّرت بسنت عواد، مُعلّمة لغة إشارة، أيضاً، أن تجوب محافظات الجمهورية لتعليم لغة الإشارة لموظفى شركات الكهرباء والمياه والغاز، بناءً على رغبتهم، بما يسمح لهم بالتواصل مع الصم أثناء تحصيل الفواتير، وحل مشكلاتهم ومساعدتهم.

 

دخول الصم وضعاف السمع عالم الذكاء الاصطناعي

 

نموذجان مشرفان، يعملان لخدمة الصم وضعاف السمع، بالتزامن مع اليوم العالمى للغة الإشارة: «هدفنا نؤهل الصم لسوق العمل ونساعدهم يغيروا مسار حياتهم من التدريبات المهنية التكنولوجية، بحيث يواكبوا وظائف المستقبل»، يقولها «سامى» موضحاً أن الدولة بدأت الاهتمام بالصم وضعاف السمع بشكل ملحوظ منذ عام 2015، حين سمحت لهم بالالتحاق بكلية التربية النوعية أقسام التكنولوجيا والتربية الفنية والاقتصاد المنزلى، بما يتوافق مع رؤية مصر، التى تبنّتها للتنمية المستدامة والاستثمار فى رأس المال البشرى، وتمكين ذوى الإعاقة.

 

«سامى» من أوائل مدرسى لغة الإشارة بكلية التربية النوعية، قسم التكنولوجيا بجامعة الزقازيق، ولمس الصعوبات التى يتعرّض لها الصم، بسبب عدم توافر مناهج بلغة الإشارة، ونُدرة التكنولوجيا التى تساعدهم على التعلم والتدريب: «قدرنا نحول المصطلحات التكنولوجية الجديدة للغة إشارة يقدر يفهمها الصم».

 

قرّر «سامى» و«شيماء» التقديم فى برنامج أطلقته وزارة الشباب والرياضة، هدفه تقديم أفكار جديدة تخدم المجتمع، واقترحا تأسيس شركة تنظّم دورات تدريبية للصم فى مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ، وتم قبول الفكرة وتنفيذها وتقديم الدعم لها: «وفّرنا برامج تعليمية مترجمة وتطبيقاً يحتوى على الكلمات التكنولوجية الصعبة على الصم، وماشيين بخطوات ممتازة، والشباب بيتعلم وبيطور من نفسه بسرعة».

 

دورات لتعليم لغة الإشارة في كافة المحافظات

 

فيما تجوب «بسنت» محافظات مختلفة، منها الإسكندرية والغربية والإسماعيلية وبورسعيد والبحيرة وغيرها، لتقديم محاضرات للعاملين فى شركات الكهرباء والغاز وغيرها، بالإضافة إلى بعض المؤسسات التى تتعامل مع المواطنين من الصم وضعاف السمع، لمساعدتهم وتسهيل الأمور الحياتية عليهم: «درّبت أكتر من ألف موظف إلى الآن، وبازور محافظة كل أسبوع، والناس متحمّسة تفهم لغة الإشارة».

 

زاد حماس «بسنت» شعورها بسعادة المشاركين فى المحاضرات للتواصل مع الصم وضعاف السمع وفهم لغتهم: «بقالى شهرين بادرب موظفين فى محافظات مختلفة، وزُرت مناطق كتيرة داخل وخارج القاهرة»، لافتة إلى أنها تستعد لتدريب موظفى البريد المصرى قريباً على لغة الإشارة، لسهولة التواصل مع الصم: «لم يتم تحديد موعد تدريب موظفى البريد، ودرّبت ناس كتيرة فى الجامعات».

 

لاحظت «بسنت» الإقبال الشديد على المشاركة فى دورات لغة الإشارة، من قِبل شركات ومؤسسات خاصة لتعليم موظفيها وتدريبهم على لغة الصم: «فيه موظفة قالت لى أنا كنت مبسوطة لما عرفت أتعامل مع الأصم وفهمته وحليت له مشكلته».

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: اليوم العالمي للغة الإشارة لغة الإشارة الذكاء الاصطناعي الصم وضعاف السمع لغة الإشارة

إقرأ أيضاً:

عندما يقفز الذكاء الاصطناعي على حواجز اللغة؟

 

 

 

مؤيد الزعبي

 

لطالما كانت اللغة حاجزًا يقف بين الإنسان والشعوب الأخرى، وفي الوقت ذاته كانت بوابةً لاكتشافهم، والبعض يجدها رحلة يخوضها ليتعلّم ويتعرّف ويكتسب المهارة التي تمكّنه وتُميّزه عن غيره بامتلاكه لغة الآخر، وكثيرًا ما كانت اللغة مصدر رزق؛ إذ شكلت مهارة الترجمة أو التحدث بلغة أجنبية مسارًا مهنيًا لكثيرين، لكن اليوم، ومع التطور الهائل في تقنيات الذكاء الاصطناعي واقتحامها عالم الترجمة من أوسع أبوابه، يبدو أن الأبواب القديمة بدأت تُغلق أمام المترجمين، فيما تُفتح في المقابل أبواب جديدة أمام البشرية بأكملها؛ أبواب الاستكشاف والتفاعل الثقافي.

وقد أصبح بإمكاننا بفضل هذه التقنيات أن نتعرف إلى ثقافات جديدة، ونمارس طقوسًا مختلفة، ونتذوق ألوانًا من الفنون والموسيقى، ونتحاور مع عقول وأفكار من شتى بقاع الأرض، ونبني صداقات تتجاوز الحدود والمسافات، في تواصلٍ لم تعرفه البشرية بهذه السهولة من قبل.

مع كل هذا الانفتاح المذهل، يحق لنا أن نتساءل: هل يمثل هذا التطور نعمةً تُقرّبنا أكثر وتعمّق تواصلنا الإنساني؟ أم أنه يحمل وجهًا آخر، يخفي في طيّاته خطر ذوبان الخصوصية الثقافية واللغوية التي تضمن تنوع الحضارات واستمرارها؟ أود أن أتحاور معك عزيزي القارئ من خلال هذا الطرح، لنتأمل معًا الوجهين المختلفين لهذا التحول التكنولوجي الذي يعيد صياغة علاقتنا بالعالم وبأنفسنا.

حضرتُ قبل أيام حفل إطلاق منتجات شركة IFLYTEK أثناء معرض جايتكس في دبي؛ حيث عرضت سماعات وأجهزة ترجمة فورية محمولة تتحوّل بها محادثاتك مع شخص يتكلم لغة مختلفة إلى لغتك الأم، ويتحول الحوار الفوري إلى حوارٍ بلا فواصل أو حواجز لغوية تقريبًا. وهذه التقنية لا تنهي فقط الحاجة إلى مترجم بشري في بعض السياقات؛ بل تفتح أمام البشر بابًا جديدًا للتعرّف على عوالم وثقافات، وكم من دولة فكرت السفر إليها وكانت اللغة هي الحاجز الوحيد الذي يقف أمامك، ولكن مع الذكاء الاصطناعي بات الأمر ممكنًا وسهلًا، ولن أخوض اليوم في دقة الترجمة فمثل هذه التقنيات مازالت في طور التقدم والتطوير وستصل يومًا لما نصبوا إليه من ترجمة دقيقة وسلسة.

الذكاء الاصطناعي بات اليوم يتعرف فوريًا على اللهجات واللهجات الفرعية، وليس فقط يمكنه فهم اللغة الرسمية؛ بل طريقة النطق ومخارج الحروف أيضًا، ويومًا بعد يوم تصبح الآلة أكثر قدرة على فهم اللهجات واللغات، ومع استخدام الأجهزة المحمولة أو السماعات سيجعل الترجمة ترافقك في الطريق، في الاجتماعات، في السفر، في التبادل الثقافي، وأيضًا في المكالمات الهاتفية بحيث تتم الترجمة فوريًا في أذنك، والأجمل من كل هذا أن الذكاء الاصطناعي يتيح لك ليس فقط فهم ما يقول الآخر، بل أيضًا تلمّس إحساسه، ثقافته، عادات التعبير، وذلك من خلال محاكاة الذكاء الاصطناعي لصوت ونبرة المتكلم، وهذا يخلق احتكاكًا ثقافيًا أكثر عمقًا مما لو اعتمدنا فقط على وسيط بشري أو على الترجمة الكتابية التقليدية، وتخيل كيف يمكن نقل التجربة لتصبح تجربة تفاعلية يومية نستخدمها في كل شيء من حولنا، من موسيقى وأفلام ونقاشات ومحاضرات وندوات.

مع كل هذا السحر.. ثمة تساؤل يجب أن نعود لطرحه؛ هل هذا التطور نعمة للتعرف على ثقافات جديدة وللتقريب بين البشر، أم أنه يحمل في طيّاته مخاطر؟ هل ستُمحى خصوصية اللغة الأصلية وتختفي الفوارق التي تُميز الشعوب في طريقة التعبير؟ وهل سيصبح “التنوّع اللغوي والثقافي” مجرد تاريخ مسحته التقنية والآلة؟

هذه التساؤلات جميعها مهمة؛ فنحن كبشر حاولنا قدر المستطاع أن نحافظ على ثقافاتنا وتاريخنا عبر اللغة، ولطالما كانت اللغة بحد ذاتها ثقافة لها أسلوبها الذي يميزنا ويكسبنا نوعًا من الخصوصية، ولكن كل هذا معرض للذوبان في ظل تقنيات ستعطينا القدرة على التواصل بشكل أفضل من جانب وتسلبنا خصوصيتنا الثقافية من جانب آخر، إلا لو استطعنا أن نستغل التكنولوجيا والتقنية في المحافظة على موروثنا اللغوي والثقافي بدلًا من أن نمحيه وهذا جانب طويل قد نتناقش فيه في مقال قادم.

أتفقُ مع أن التكنولوجيا جعلت العالم أقرب ولكن علينا أن نستخدم هذا التقدم لنمهد لمساحات مشتركة من الفهم الفكري والتبادل الثقافي؟ وعلينا أن نستفيد من تقنيات الترجمة الخوارزمية أن صح تسميتها هكذا بلا أن نفقد اللغة والثقافة التي نمثلها، فقوة الثقافة ليست فقط فيما نترجمه وننقله عن الاخر بل فيما لا يُمكن ترجمته وهو ما يميز ثقافة عن أخرى، وهو ما يعطي أي شعب خصوصيته في الكثير من الجوانب.

في النهاية يجب أن نعترف بأن الذكاء الاصطناعي قد يمنحنا مفاتيح العالم، لكنه لن يمنحنا روحَه، وبالنسبة لي اللغة هي روح الثقافات، واللغة أكثر من مجرد أداة تواصل؛ إنها هويتنا وذاكرتنا المجتمعية، وتاريخنا كأمة، لذلك حين نعبر إلى المستقبل فلنعبر بأعين منفتحة على الآخر دون أن نغلق أعيننا عن أنفسنا، وأقصد هنا أنه لا يجب لنا الانخراط في فهم الآخر لدرجة أن نذوب نحن وسط ثقافته؛ بل يجب أن نحافظ على ثقافتنا ولغتنا حتى تعيش للغد.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • مدير تعليم أسيوط يتفقد مدرسة الأمل للصم وضعاف السمع
  • محمد بن راشد يوجّه بأن يكون «جيتكس تِك-كايشن 2026» أكبر حدث عالمي في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
  • حمدان بن محمد يوجّه شرطة دبي للعمل أن تكون أفضل جهاز شرطة على مستوى العالم في توظيف التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي
  • عندما يقفز الذكاء الاصطناعي على حواجز اللغة؟
  • الذكاء الاصطناعي.. من الإبداع إلى الخداع
  • المستقبل الوظيفي في ظل الذكاء الاصطناعي.. ندوة بآداب بنها
  • «السواحه» يجتمع مع مارك زوكربيرغ لتعزيز الشراكات التقنية في الذكاء الاصطناعي وتقنيات المستقبل
  • «هاكاثون» لتطوير الذكاء الاصطناعي في طب العيون
  • عبد اللطيف: المعلم صانع المستقبل والذكاء الاصطناعي قوة تحول في التعليم المصري
  • وزير الاتصالات: الذكاء الاصطناعي أداة للتعليم والمعلم يظل البوصلة التي توجه المستقبل