كلنا نسمع عن عقوق الأبناء للآباء ولا نعلم أن هناك عقوقًا من الآباء للأبناء، وكيف ذلك ؟ أقول لكم كيف ذلك، الرجل الذى ينجب الأبناء ولا يقوم بواجباته نحوهم فهو عاق لهم، والأم التى تلد وترمى أبناءها أو تهمل تربيتهم فهى عاقه لهم، فليس كل من أنجب طفلا يسمى أبًا، وليس كل من ولدت طفلا تسمى أمًا.
الأم والأب مسميان وكيانان كرمهما الله فى كتابه حيث قال «وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا» أى أن الله قرن الرحمة بالتربية وليس بالإنجاب، إذن فليس من المعقول أن نطلق على أى شخص أبًا أو أمًا إلا إذا قاما بواجبهما، فوجب عليهما أن يستمدا شرعيتهما فى الرحمة والمصاحبة وغيرهما من الأوامر التى أمرنا بها الشرع بعدما يؤديان واجبهما نحو أبنائهما، من أول اختيارهما لنطفهم وتسميتهم أسماء تليق بهم وحسن معاملتهم ورعايتهم الى تعليمهم أمور دينهم.
هذا هو واجب الآباء نحو الأبناء إذا فعلوه حُق لهم أن يطالبوا الأبناء بشرع الله الذى أمرهم بطاعتهما وبرهما ومصاحبتهما وعدم قول أف لهما ولا نهرهما وقولنا لهم قولا كريما، بل وندعو لهما بالرحمة كما ربيانا ونحن صغار. أما إذا لم يكن هناك كل ذلك فبماذا ندعو؟ وهل سيستجيب المولى لنا ونحن ندعو لأناس لم يمتثلوا لأوامر الرحمن؟ كيف ندعو لقوم لا نعرفهم إلا بالاسم؟ كيف ندعو لهما بالرحمة وهما لم يرحمانا ولم يرحما ضعفنا وتركانا كالريشة فى مهب الريح ليس لنا سند ولا ظهر نستند إليه؟
أعرف أن كلامى هذا مخالف للغريزة الإنسانية ومفاهيمها، وسوف يغضب منه الكثير ولكننى أتكلم هنا عن أناس لم يغرسوا بداخلنا شجرة يستظلون بها عندما يهرمون، وأنا من الذين يؤمنون بأن الجزاء من جنس العمل، فإذا كنتم تؤمنون بغير ذلك فلكم دينكم ولى دين..
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عقوق الاباء
إقرأ أيضاً:
عذراء حمود وخدش السكينة المتوهمة!
لم تكن عذراء حمود لتتوقع الحياة التي تنتظرها، ذلك التنازع المُعذّب والمرعب بين قرار لم تتخذه فـي عمر السابعة عشرة بالزواج بالإكراه من رجل يكبرها عمرًا، وبين الظروف الغامضة التي أنهتْ حياة ابنتها فـي عمر السابعة عشرة أيضًا!
لكن عذراء حمود كانت تمتلك الشجاعة الجديرة بالتأمل، لتجلس على الجانب الآخر من طاولة هلا إف إم الإذاعية، لتتحدث بنبرة هادئة وصوت يشي بحزن غائر، عن مرض يحتجز الناس كرهائن، ولا يكف عن مراوغتهم حتى يسلب منهم الحياة!
لم تحتفظ عذراء حمود بوجعها وتجربتها الشخصية، أرادت أن تمنح بصيصا من الأمل لهذا العالم المعتم، لظنها بوجود من يكابدون أوجاعا مشابهة وظلاما يشبه الظلام الذي أخذ ابنتها من بين ذراعيها. هنالك من قد يرفض أن يحضر جنازة المنتحر أو يُصلي عليه، يصنّفه بعض آخر بأنه خارج الملة، أو يصفه بضعف الإيمان، دون إمعان فـي تأمل اليد التي امتدت لإيذاء الذات، أيّ قوة تستعير؟ دون إمعان فـي تأمل العقل الشارد، فـي أي ظلمة يُحدق؟ وأشباح الأفكار، كيف تظهر وتختفـي فـي الرؤوس التي تبدو لنا طبيعية؟ النفس الهائجة، القلق واضطرابات النوم، العزلة المؤلمة، ليس ذلك نتيجة لسبب واحد يختصر بسذاجة فـي «ضعف الإيمان»، دون فهم أو مؤازرة من الآخرين! فكيف لنا نُصدر أحكامنا، ولم نُؤتَ من العلم إلا قليلا، لاستيعاب انثيالات العقل وهواجسه ومناطقه الأشد قتامة؟!
والسؤال الحقيقي: إلى أيّ حدّ نحن نعرف إلى أين نتجه عندما نكتشف شرارة الاكتئاب الأولى فـي أنفسنا وفـي أبنائنا؟ إلى أين نتجه؟ ماذا نفعل بأنفسنا؟ هل يوجد فـي مستشفـياتنا أطباء نفسيون جيدون فـي جميع المحافظات؟ هل يوجد وعي كاف لدى الأهالي بضرورة اصطحاب الأبناء لمراجعات تتعلّق بشكوك حول سلوكياتهم، تسمح بالدخول إلى عقولهم المشوّشة، وملامسة العجز الذي يُفضي إلى نهاية قاتلة؟ أم أنّ الطب النفسي لا يزال يُرجم هو الآخر بوصمة العار، ويفضّل الناس الذهاب إلى «العِلاّم» وشعوذاتهم؟!
اعترف وليام ستايرون فـي كتابه «ظلام غير مرئي» بأن ما وفر الحماية له من الانتحار هو «الذكريات».
الذكريات كانت صمّام الأمان الذي دفعه لخوض رحلة العلاج. لكن ماذا عن الذين يفقدون حتى الذكريات الجيدة فـي الطفولة الأولى جرّاء العنف الأسري وحرمان مُبكر من عاطفة الأمّ!
ترصدُ الطفولة الماكرة بعدستها الخفـية الاستعدادات الأولى لنهاية كارثية من هذا النوع، لا سيما عندما تجفُّ منابع الذكريات، فنتمرّغ فـي حتميّة خيانة أجسادنا وعقولنا لنا!
فـي ذلك اللقاء المهم واللافت لعذراء حمود، كان ثمّة اتهام مبطن للمدرسة، التنمّر، الإخفاق فـي الاحتواء، غياب الانتباه، وغياب الكاميرات التي ترصد هذه المرحلة الحساسة من عمر الأبناء!!
فالبنت التي ذهبت جرّاء استعدادات عميقة ومُحفّزة، ينبغي ألا يذهب موتها سُدى، ينبغي أن نُعيد التفكير فـي مركزية المدرسة التي يذهب حيّز كبير من حياة أبنائنا بين جدرانها، كيف يمكن أن تغدو بيئة آمنة؟ وكيف يمكن أن تكون الأخصائيات الاجتماعيات مجسات أولى لاستيعاب تحوّلات الأبناء، لا مصدر شكوى أو تصدير عقاب!
قد يظن البعض أن انتشار الاكتئاب عائد لتقلص العقبات وصنوف المعاناة الجسدية، وهو نتاج الرفاهية المُفرطة، وأنّ كلمات العياء النفسي تناسلت وتنوّعت دلالاتها «الآن» وحسب، دون نظر فـي تغير سمات العصر، ودون انتباه إلى أنّ عدم تداول المصطلح قديما لا ينفـي الفعل أو دوافعه!
عزيزتي عذراء حمود: أعرف أن خروجك شاق، وأن كلماتك كانت تخرج من جرح مُلتهب، لكن حديثك الشفّاف عن مرض يقتل الآلاف حول العالم سنويًا، هو فعلُ مؤازرة أصيل، وأداة حمايةٍ لمن يُعانون فـي الخفاء.
لقد كان لديك خيار الانكفاء، والانطواء على ذاتك، لكنك أردت أن تجعلي من هذا الموت الصاخب فـيك حياة للآخرين. لست وحدك من جُلد، فالقصة تتكرر بصيغ مختلفة، لكنك فتحت باب العالم الغامض والكئيب أمام عينيّ المجتمع، خدشتِ سكينته المتوهمة، ووضعت يدك الرقيقة فوق الطيّات الناعمة لكشف ما يستعر أسفلها من جحيم!
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير «نزوى»