القيادي في «الحرية والتغيير» قال إن «أوهام الإسلامويين» تمنع جهود إنهاء الحرب

قال القيادي في «قوى الحرية التغيير» في السودان، ياسر عرمان، إن الحرب بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، مرشحة للاستمرار لفترة أطول، وإن أي طرف لم يستطع تحقيق نصر حاسم بعد 6 أشهر من اندلاعها، مشيراً إلى أن هذه الحرب لا تزال إلى الآن محصورة بين طرفي الصراع عسكرياً، لكن من سماتها الخطرة أنها يمكن أن تتمدد لتصبح حرباً أهلية شاملة بين المكونات المجتمعية في البلاد، ما يستدعي تكوين جبهة مدنية واسعة من القوى الوطنية لإنهائها.



البرهان سيختار أجندة الحرب
وقال عرمان في مقابلة مع «الشرق الأوسط» إن قائد القوات المسلحة، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بعد خروجه من القيادة العامة في الخرطوم، لا يستطيع توحيد الجيش على أجندة السلام، وسيلجأ إلى توحيده على أجندة الحرب التي يقف من خلفها الإسلاميون، للقضاء على ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2019 بعد أن فشلوا في ذلك من طريق الانقلاب.
وأضاف أن «هذه الحرب، بالنسبة لحزب المؤتمر الوطني المعزول والإسلاميين، هي وسيلة للرجوع إلى السلطة، وهم يسعون إلى أن تكون قوات (الدعم السريع) الشريك الأصغر، وفي سبيل ذلك لا يمانعون أن يصلوا إلى اتفاق معها إذا تخلت عن مواقفها المعلنة».
ويرأس ياسر سعيد عرمان «الحركة الشعبية - التيار الثوري الديمقراطي»، وهو فصيل رئيسي في تحالف «قوى الحرية والتغيير». وكان عرمان من أوائل «الشماليين» من وسط السودان، الذين التحقوا بـ«الحركة الشعبية» و«الجيش الشعبي»، بزعامة الراحل جون قرنق، والتي كانت تقاتل نظام البشير.

«حرب الحروب»
ويرى عرمان أن الحرب الحالية تختلف كمّاً ونوعاً عن كل الحروب السابقة التي شهدتها البلاد ما بعد الاستقلال، وعدها «حرب الحروب» على حد وصفه، وأنها أتت نتاج تراكمات فشل المشروع الوطني، الذي وصل إلى مرحلة نوعية بعد استيلاء الرئيس المعزول عمر البشير، مدعوماً من الإسلاميين، على السلطة في 1989، فاختطفوا الدولة السودانية، وعملوا على تسييس القوات النظامية، ولم يستطيعوا حتى الحفاظ على مؤسسة مهنية واحدة. وبالنسبة للقوات النظامية فقد لجأت إلى تعددية الجيوش للقضاء على حركات المقاومة المسلحة في الريف في سبيل الحفاظ على بقاء نظامهم في السلطة.
ويشير زعيم «التيار الثوري» في «الحركة الشعبية» إلى أن الحرب الحالية نشأت في عصب وقلب قوتين نظاميتين، هما القوات المسلحة السودانية و«الدعم السريع»، واندلعت في مركز السلطة وسيطرة القيادة، وأدت إلى دمار النسخة القديمة من الدولة السودانية، كما ألحقت أضراراً عميقة بالمدنيين والبنية التحتية للدولة ستستمر لعقود مقبلة، وتكاد الدولة تكون قد وصلت الآن إلى مرحلة الانهيار.

لست كاتب خطابات «حميدتي»
ورداً على من يتهمونه بكتابة خطابات قائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو الشهير باسم «حميدتي»، قال عرمان: «هذه أقاويل في غاية السذاجة والغرابة. الإسلاميون هم من أجازوا قانون (الدعم السريع) في 2017، وسمحوا له بتكوين جيش موازٍ»، مذكّراً بحديث مشهور للرئيس المعزول، عمر البشير، قال فيه إن قوات حميدتي هي لـ«حمايته».
وتابع عرمان قائلاً: «إن الإسلاميين لم يطالبوا مطلقاً بدمج أو حل قوات (الدعم السريع)، بل كانوا يدافعون عنها، وذهبوا بزعيم (حزب الأمة القومي) الراحل، الإمام الصادق المهدي، إلى السجن والمحكمة عندما انتقد (الدعم السريع) في ذلك الحين». ويضيف عرمان أن «إلصاق تلك الاتهامات به جاءت بعدما أجرى (الدعم السريع) تصحيحاً لموقفه من انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وأعلن وقوفه مع الاتفاق الإطاري»، وكانت «قوى التغيير» على وشك التوقيع على اتفاق نهائي يعيدها وقوى ثورة ديسمبر إلى السلطة مرة أخرى. فماذا كانت ستجني من الحرب؟ الإسلاميون هم المستفيدون من الحرب ويقفون خلفها».

لسنا جناحاً سياسياً لـ«الدعم السريع»
واعتبر عرمان دمغ «قوى التغيير» بأنها «الجناح السياسي لقوات (الدعم السريع)، والاتهامات التي تطاله، تربصاً وشيطنة، يطلقها الإسلاميون لتفتيت وتدمير حركة المجتمع السياسي والمدني، وهم الذين دفعوا بهذه الحرب بتقديرات خاطئة، ظناً منهم بأنهم قد يكسبونها في ثلاثة أيام كما صرح قادتهم، ولم يستطيعوا. وهم لا يرون (الدعم السريع) بتسليحها وقوتها والآلاف الذين انضموا إليها، وكل تركيزهم على الخطابات، وإذا تمكن حميدتي من إنشاء جيش وتسليحه، فإنه لا يتمكن من كتابة خطاب. أيهما أصعب: إنشاء الجيش وتسليحه أم مجرد كتابة خطاب؟».

البرهان يمثل الجيش... لا السودان
وحول خطاب رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقول عرمان إن «البرهان يمثل القوات المسلحة بوصفه قائداً للجيش، ولا يمثل السودان، وهو الذي نفذ انقلاباً عسكرياً على الحكم المدني الديمقراطي».
وفي حديثه في نيويورك وزياراته للخارج لم يطرح أي أفكار عملية أو حلولاً لقضية الحرب وكيفية الخروج منها، وكل ما يبحث عنه هو مشروعية وشرعية لإطالة أمد الحرب التي وصفها من قبل بالعبثية، وليس لوضع حدٍّ لها. في مقابل مطالب قائد «الدعم السريع» حميدتي بتصور واضح لإنهاء الحرب، والتزامات قاطعة تجاه الشعب ووقف انتهاكات حقوق الإنسان. وأضاف عرمان أن البرهان وحميدتي أعلنا استعدادهما لوقف الحرب والتزامهما بمنبر جدة، و«نطالبهما الآن بالذهاب والتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار طويل الأمد، وفتح ممرات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين من المدنيين، ووقف الانتهاكات من الطرفين، والتوجه بمشاركة واسعة من المدنيين الراغبين في التغيير لمخاطبة جذور الأزمة، وبناء جيش مهني مختلف تماماً عن القوات الموجودة الآن».

أوهام الإسلاميين تمنع الحل
وأكد عرمان أن «فلول النظام المعزول هم من يقودون هذه الحرب، ويقفون خلف تعبئة المدنيين للمشاركة في القتال، ويهاجمون البرهان نفسه، ويحذرونه من الذهاب إلى جدة، ومن التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، ويدفعونه لمواصلة الحرب». وقال إن منبر جدة، بوساطة المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية، أهم محاولة لوقف الحرب في السودان، لكنها اصطدمت بغياب الإرادة السياسية، والمنبر يحتاج إلى توافق وتكامل مع مبادرات منظمة «إيغاد» والاتحاد الأفريقي، وضم قوى جديدة من الاتحاد الأوروبي ومجموعة «الترويكا» والدول العربية والأفريقية، لخلق قوة دفع جديدة.
وأضاف عرمان أن «العقبة الحقيقية هي أوهام الإسلاميين بإحراز نصر في هذه الحرب. فهم يسعون لإطالة أمد الحرب لإنتاج نموذج سوري في السودان، للاعتراف بهم من المجتمع الدولي، ويعتقدون أنه بالتجييش يمكن أن يجدوا قوة كافية لهزيمة قوات (الدعم السريع)، ونخشى أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية شاملة ومشاكل إثنية وجهوية في البلاد». وأكد عرمان أن «الفرصة الآن متاحة لوقف الحرب والبحث عن مشروع وطني جديد يكسب فيه السودان، ولا يكسب فيه أي من طرفي الحرب».

المطلوب إرادة سياسية مدعومة إقليمياً ودولياً
وبشأن المبادرات المطروحة لوقف الحرب في السودان، قال: «إذا لم تتوفر الإرادة السياسية لدى الأطراف، فلن نحرز أي تقدم. والمبادرات تحتاج إلى قوى ضغط إقليمية ودولية. صحيح أن الجهود الحالية تضم قوى وبلداناً مهمة، لكن بلا تنسيق وعمل مشترك لن تستطيع التأثير على الأطراف». وأشار عرمان إلى أن «غياب الاتحاد الأوروبي والدور الفاعل للأمم المتحدة، ساهم في إضعاف المبادرات وجعلها تعمل بإرادة محدودة، وكذلك التناقضات وتضارب المصالح الإقليمية والدولية، وعدم مشاركة المدنيين بصورة فاعلة، ورغبة بعض الأطراف التي تدفع بالاستمرار في الحرب، مثل وزارة الخارجية السودانية في الهجوم الذي تشنه على بلدان (إيغاد) والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي».
واعتبر أن «المطلوب تجميع كل المبادرات، أي منبر جدة مع كافة المنابر الأخرى، لخلق صلة تكاملية مشتركة، وأن يكون المدنيون طرفاً فاعلاً، وفي الوقت نفسه يأخذ المجتمع الدولي قرارات حقيقية ضد كل من يريد إطالة أمد الحرب».

السودانيون هم أساس الحل
ورأى القيادي في «قوى التغيير» أن «الضغوط الدولية على طرفي القتال غير كافية، والضغط الحقيقي يجب أن يأتي من السودانيين»، مشيراً إلى أن «الحركة السياسية التي هجرت ونزحت من أهم مراكزها في العاصمة الخرطوم، تحتاج إلى وقت لإعادة ترتيب أجندتها وتنظيم صفوفها». وأكد عرمان أن «لا أحد يدعم التدخل الدولي أو الأمم المتحدة لتولي قيادة السودان، وهذا غير مطلوب أو مرغوب بالنسبة للسودانيين، وأفضل الحلول هي التي يشارك فيها السودانيون ويقودونها بأنفسهم، والتدخل الإقليمي والدولي مكلف، ويمكن للسودانيين في الخارج أن يلعبوا دوراً فاعلاً في إعادة الاهتمام بالقضية السودانية، وكذلك المجتمع السياسي والمدني».
وأعرب عرمان عن خشيته من أن «هذه الحرب مرشحة لأن تكون طويلة إذا لم يوحد السودانيون قواهم، ويجعلوا الاهتمام بقضية الحرب محوراً أساسياً، إقليمياً ودولياً»، مؤكداً أن «الأولوية الرئيسية لشعبنا هي إيقاف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، ووقف الانتهاكات، وليس لتكوين حكومة في بورتسودان شرق البلاد أو في العاصمة الخرطوم. وعلى طرفي النزاع التوجه لوقف الأعمال العدائية بشكل شامل».

دور «الفلول» و«التماسيح»
ولفت القيادي السوداني إلى «محاولات الفلول والتماسيح الموجودين في بورتسودان للدفع بأن تكون الأولوية للتوظيف وإعطاء ألقاب ليست موجودة على الواقع، بأن يكون هنالك رئيس وزراء أو وزراء، يستنزفون القليل الموجود من إمكانيات البلاد، ويدفعون في تكريس تقسيم السودان».  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان لوقف الحرب هذه الحرب إلى أن

إقرأ أيضاً:

نيزافيسيمايا: كيف تنتهي الحروب في الشرق الأوسط؟

فتح التصعيد العسكري الجديد بين إسرائيل وإيران والذي يهدد بانفجار إقليمي واسع الباب للتساؤل عن سيناريوهات إنهاء النزاع في ضوء تجارب الحروب السابقة.

وفي هذا التقرير الذي نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا" الروسية يسلط المدير العام لمجلس الشؤون الدولية الروسي، أندريه كورتونوف، الضوء على أبرز النماذج التاريخية لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط مقارنًا إياها بالواقع الجيوسياسي الراهن.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2صحف عالمية: إسرائيل أمام مفترق طرق يتطلب قرارا سياسياlist 2 of 2مسؤول أميركي رفيع: اتفاقات الحدود الإسرائيلية مجرد أوهامend of list

ورغم إعلان دونالد ترامب "انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا"، فإن الكاتب يرى أن الأوضاع على أرض الواقع تشير إلى أن الحديث عن نهاية دائمة للصراع لا يزال سابقًا لأوانه.

ويضيف أن الخبراء يحذّرون من استمرار خطر تبادل الضربات الجوية بين الأطراف المعنية، إضافة إلى إمكانية تصعيد الوضع، بما في ذلك احتمال إغلاق مضيق هرمز.

نهاية 3 حروب كبرى

وعلى الرغم من استمرار التصعيد، فإن جميع الحروب، بما في ذلك حروب الشرق الأوسط، لها تاريخ انتهاء. فعلى مدار نصف القرن الماضي، شهد الشرق الأوسط -إلى جانب عدد كبير من المواجهات العسكرية المحدودة نسبيًا والنزاعات الأهلية المستمرة- 3 حروب كبرى على مستوى الإقليم.

تشمل هذه الحروب: الحرب الإيرانية–العراقية (1980–1988)، وعملية "عاصفة الصحراء" (1991)  وما يعرف باسم "الصدمة والترويع" (2003).

وفتح الوضع الراهن الباب للتساؤل عن مدى ارتباط تجربة خوض هذه الحروب، وخاصة طرق إنهائها، بالصراع الحالي المتصاعد في المنطقة وعن مدى إمكانية الاستفادة من دروس الماضي لفهم مسارات التسوية المحتملة في الأزمة الراهنة.

ويضيف الكاتب أن لكل حرب طابعها الخاص، وأي مقارنة تاريخية تظل نسبية وقابلة للنقد. فعلى سبيل المثال، كانت العمليات البرية هي العامل الحاسم في جميع الصراعات الثلاثة التي تم ذكرها سابقًا. أما في المواجهة الراهنة، فمن الصعب تصور وقوع اشتباك مباشر بين وحدات مدرعة تابعة للجيش الإسرائيلي والقوات المسلحة الإيرانية على سهول سوريا أو العراق.

إعلان

وتتمثل إحدى السمات الفارقة في الوضع الحالي في غياب الخط الفاصل الواضح بين الحرب والسلم، وهو ما كان قائمًا في العديد من النزاعات الشرق أوسطية السابقة. فبينما يصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأحداث الأخيرة بأنها "حرب استمرت 12 يومًا"، هناك من يرى أن دورة المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران الحالية بدأت بالفعل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

إلى جانب ذلك، شهدت العقود الأخيرة تطورًا كبيرًا في التقنيات العسكرية، الأمر الذي غيّر بشكل جذري طبيعة العمليات القتالية وطريقة خوض الحروب بين الأطراف المتنازعة.

وبحسب الكاتب فإن الجوانب المثيرة هنا ليست تلك المرتبطة بفنون العمليات أو حتى الإستراتيجيات العسكرية التي تتبعها الأطراف، بل النتائج التي أسفرت عنها تلك المواجهات العسكرية، بما في ذلك شروط الاتفاقات وصيغ التسويات التي تم التوصل إليها لإنهاء النزاعات.

وشكّلت الحرب التي استمرت 8 أعوام بين إيران والعراق أحد أكثر النزاعات دموية وطولًا في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. فقد تكبد الطرفان خسائر بشرية فادحة تُقدّر بمئات الآلاف، فيما تجاوزت التكاليف الإجمالية للحرب عتبة التريليون دولار.

جنود عراقيون خلال القتال ضد القوات الإيرانية على طول منطقة الحدود بين البلدين عام 1984 (غيتي إيميجز)

ورغم أن القوى الخارجية لم تشارك بشكل مباشر في العمليات العسكرية، فإنها لعبت دورًا مؤثرًا من خلال تزويد الجانبين (العراق وإيران) بالأسلحة، وغالبًا ما كانت تقدم الدعم لبغداد وطهران في الوقت نفسه. ومع ذلك، انتهى هذا الصراع دون تحقيق نصر حاسم لأي من الطرفين، حيث اضطُر الجانبان إلى القبول بالعودة إلى الوضع الذي كان قائمًا قبل اندلاع الحرب.

وتدور رحى حرب استنزاف بين إيران وإسرائيل منذ سنوات، لم يُبد أي من الطرفين خلالها استعدادا للتنازل عن قضاياها الأساسية. من جانبها، تعتمد إيران على تفوقها في عدد السكان والعمق الإستراتيجي وقاعدة الموارد الواسعة في حين تراهن إسرائيل على استمرار الدعم غير المحدود من واشنطن. ومع ذلك، تظل القدرة الحقيقية للطرفين على تحمل مواجهة عسكرية طويلة الأمد وشديدة الحدة محل تساؤل كبير، في ظل التعقيدات المتزايدة على الأرض والتطورات التقنية في ميدان القتال.

في المقابل، تظل قدرة إسرائيل على تحمل التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لصراع طويل الأمد دون أن يؤثر ذلك على منظومة الحكم داخلها  أمرًا يشوبه الغموض ومثيرًا للجدل.

وفي حال تطبيق سيناريو حرب الاستنزاف بشكل أو بآخر، من المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة دورات متكررة من "تصعيد – تهدئة – تصعيد جديد"، حيث سيُعلن كل طرف عن نصره النهائي وهزيمة الخصم، رغم عدم وجود أسباب مقنعة لهذه الادعاءات.

وفي الوقت نفسه، سيخرج كلا الطرفين من الصراع منهكين بشكل كبير، ما سيُسرّع من التحول السياسي الحتمي لكل من إيران وإسرائيل.

في مواجهة إيران اليوم، تقود إسرائيل والولايات المتحدة المبادرة الإستراتيجية، مستندتين إلى تفوق تكنولوجي حاسم على طهران. وكما في عملية "عاصفة الصحراء"، يُراهن الطرفان على سرعة الحملة العسكرية وتقليل الخسائر الأميركية والإسرائيلية إلى أدنى حد ممكن.

إعلان

ومع ذلك، هناك فروقات جوهرية مقارنة بالوضع في عام 1991. فالمجتمع الدولي اليوم منقسم حيال الحرب الحالية، مما يُفقد الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة وإسرائيل شرعيتها. على العكس من ذلك، تتزايد نسبة التأييد لإيران، التي ينظر إليها كضحية لعدوان أميركي–إسرائيلي غير مبرر.

ويؤكد الكاتب أن إنهاء الصراع يخدم مصلحة جميع الأطراف المعنية. ومن بين الشروط المحتملة لأي اتفاق مستقبلي تأكيد القيادة الإيرانية التزامها المطلق بنظام عدم انتشار الأسلحة النووية، مقابل رفع جزئي للعقوبات الأميركية المفروضة على طهران. كما ينبغي تخلّى الطرفين عن الأهداف المعلنة، التي تتمثل في تغيير النظام السياسي في طهران وإنهاء دولة إسرائيل.

ومع ذلك، يمكن أن تواجِه محاولات التوصل إلى مثل هذه التسوية مقاومة شديدة من التيارات المتشددة في جميع الدول المشاركة في الصراع والتي تطالب بمواصلة الحرب حتى تحقيق نصر كامل.

ينبغي تخلّى كل من إيران وإسرائيل عن هدفيهما المعلنين في تغيير النظام السياسي في طهران وإنهاء دولة إسرائيل

ويعود الكاتب بالأذهان إلى  عملية "الحرية من أجل العراق" التي  أطلقها الرئيس الأميركي جورج بوش الابن في مارس/آذار 2003، معتبرًا إياها بمثابة استكمال لما بدأه والده في حرب الخليج عام 1991.

وقد تحقّق الهدف العسكري للعملية، والمتمثل في الإطاحة بنظام صدام حسين، خلال فترة زمنية قصيرة لم تتجاوز 3 أسابيع، غير أن الهدف السياسي من الحرب –إقامة عراق مستقر وليبرالي ديمقراطي وموالٍ للولايات المتحدة– لم يتحقق مطلقًا.

بل على العكس، فقد خلّفت الحرب آثارًا كارثية على العراق والمنطقة برمّتها، إذ أصبحت العملية محفزًا لأزمة عميقة في مفهوم الدولة الوطنية، وأسهمت في صعود طويل الأمد للتطرف السياسي والتشدد الديني في الشرق الأوسط.

نهج بوش الابن

ويتبنى العديد من صناع القرار في إسرائيل والولايات المتحدة نهجًا تبناه الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن ونائبه ديك تشيني قبل أكثر من 20 عامًا. فبالنسبة لهم، يُعتبر تغيير النظام السياسي في طهران السبيل الوحيد الموثوق لتحقيق الاستقرار الإقليمي وفتح الباب أمام إمكانية إدماج إيران في منظومة الأمن الإقليمي.

ومن هذا المنطلق، تتبنى واشنطن وتل أبيب إستراتيجية تقوم على تكثيف الضغوط على طهران من خلال تفكيك ما يوصف بـ"أذرع الأخطبوط الإيراني" في المنطقة وفرض عقوبات اقتصادية جديدة ودعم المعارضة الداخلية المتشددة بالإضافة إلى تنشيط شبكات المعارضة الإيرانية في الشتات حول العالم وتوجيه ضربات ضد البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية وغيرها من إجراءات التصعيد.

وعلى عكس ما حدث في العراق عام 2003، لا يبدي أحد في واشنطن اليوم استعدادا للتخطيط لحرب برية واسعة النطاق ضد إيران يتبعها احتلال لأراضيها. كما لا ينبغي الاستهانة باستقرار النظام السياسي الإيراني.

وفي حال حدوث انهيار في المنظومة السياسية الإيرانية، فإن تداعيات ذلك، وفقا للكاتب، قد تكون أشد خطورة مما حدث في العراق. فتحطيم مؤسسات الدولة الإيرانية وتحولها إلى "ليبيا ثانية" أو "صومال جديد" من شأنه أن يشكل كارثة لا فقط على مستوى الشرق الأوسط، بل أيضًا على مستوى المناطق المجاورة.

السيناريو الأكثر واقعية

ويرى الكاتب أن السيناريو الأكثر واقعية لإنهاء الصراع الحالي، هو السيناريو الذي أنهى عملية "عاصفة الصحراء". ففي هذا الإطار، قد تُجبر طهران على الإقرار بالتغير الجذري الذي طرأ بالفعل على ميزان القوى في المنطقة والقبول بتفكيك برنامجها النووي.

في المقابل، يتعين على خصوم إيران التخلّي عن خططهم القصوى الهادفة إلى إلحاق "هزيمة إستراتيجية" بإيران أو تدمير أسس دولتها.

ويتطلّب تنفيذ هذا السيناريو، وفقا لكورتونوف، سلوكًا مسؤولًا من جميع الأطراف المنخرطة في النزاع، وهو ما لا يزال محل شك في الوقت الراهن. فقد تنجرف القيادة الإسرائيلية خلف وهم مغرٍ يتمثل في "الحل النهائي" للمسألة الإيرانية.

إعلان

أما في طهران، فقد يقود انعدام الثقة بإسرائيل والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الرغبة في الحفاظ على هامش حرية في المجال النووي، إلى مواقف تصعيدية يصعب احتواؤها.

وفي المقابل، قد تبقى إدارة الرئيس ترامب أسيرة تصوراتها المبسطة والنمطية حيال منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على صفقات ظرفية.

وفي ختام التقرير يقول الكاتب إن فرص تحقق أي من سيناريوهات التسوية مربوط بتطورات الصراع العسكري والتفاعلات السياسية الداخلية المعقدة الجارية حاليًا في كل من إيران وإسرائيل والولايات المتحدة.

مقالات مشابهة

  • البرهان في مصر… التوقيت والمآلات وإمكانية التنسيق مع حفتر
  • بعد زيارة البرهان لمصر.. هل يشهد السودان هدنة قريبة بين الجيش و(الدعم السريع)؟
  • الأمم المتحدة: مشاورات مع الجيش السوداني والدعم السريع من أجل هدنة إنسانية بالفاشر
  • نيزافيسيمايا: كيف تنتهي الحروب في الشرق الأوسط؟
  • حكومة السودان تنصب للدعم السريع فخاً
  • أكد مروره بظروف استثنائية.. البرهان: السودان متمسك بالتعاون البناء مع المجتمع الدولي
  • تكهنات بلقاء سري بين البرهان وحفتر
  • البرهان ينتزع وعودا من الاتحاد الأوربي.. ما هي؟
  • الجيش السوداني يصد هجوما واسعا لقوات الدعم السريع على الفاشر
  • “نيويورك تايمز”: الإمارات ضالعة في حرب السودان وبن زايد سلح “الدعم السريع”