قبل أسابيع قليلة، تصدرت منطقة الساحل الأفريقي عناوين الأخبار إثر انقلاب عسكري في النيجر لفت الانتباه إلى منطقة اعتادت أن تعيش طي النسيان. فعلى مدار تاريخه، لم يحظَ الساحل الأفريقي باهتمام دولي واسع، ولم تكن المنطقة أكثر من مجرد معبر تقليدي لمرور القوافل التجارية وتجارة الملح والذهب والعبيد.

 

جيوسياسيا، فصل الساحل الأفريقي بين فضائين مختلفين تماما، هما شمال أفريقيا، وأفريقيا جنوب الصحراء، مشكِّلا بذلك منطقة شاسعة تمتد من شرق القارة إلى غربها، وهي منطقة أوسع من اسم دول الساحل الأكثر تداولا اليوم الذي يحصر المنطقة في خمس دول هي مالي والنيجر وتشاد وموريتانيا وبوركينا فاسو.

 

اقتصاديا، تُعَدُّ دول الساحل الأفريقي من أفقر دول العالم، لكنها تتمتع على النقيض من ذلك بثروات معدنية كالذهب واليورانيوم والفوسفات، بجانب الثروات النفطية المهمة، وهو ما أكسب المنطقة أهمية جيواقتصادية. أما سياسيا، فقد باتت البلاد مرتعا لأزمات معروفة تُكرِّر نفسها دون توقف، من انقلابات عسكرية إلى أزمات سياسية بسبب الفساد وضعف المؤسسات، ليكون بذلك الخيط الرابط بين الأنظمة السياسية وبين المجتمعات أَضعف من أن يقيم دولا حقيقية.

 

يُعد الاستعمار هو المسؤول الأول عن الحالة المتردية لدول الساحل اليوم، وحين نتحدث عن الاستعمار في دول الساحل فنحن نعني فرنسا على وجه التحديد. وضعت باريس يدها رسميا على المنطقة عبر مرسوم عام 1895 الذي أعلن أفريقيا الغربية منطقة "فرنسية"، وذلك من أجل تركيز السلطة في يد قوات الاحتلال الفرنسي، بعدها اعتمدت فرنسا قانونا جديدا يخص تشكيل جيش كولونيالي وأجهزة عسكرية أخرى تساعد باريس على بسط سيطرتها على المنطقة كاملة، وبعد هذا القانون بثماني سنوات، أي في عام 1908، أنشأت فرنسا ما يُسمى بـ"أفريقيا الاستوائية الفرنسية" التي جمعت الغابون والكونغو الوسطى و"أوبانغي" (أفريقيا الوسطى) وتشاد. وبعد خضوع كل هذه المناطق للمستعمر الفرنسي، أصدرت باريس بعد مرورها إلى الجمهورية الرابعة قرارا يَعتبر جميع سكان أفريقيا الغربية الفرنسية مواطنين فرنسيين.

 

لم يدم ذلك الوضع طويلا، فقد حصلت دول أفريقيا الفرانكفونية على استقلالها في نهاية المطاف، لكن فرنسا ليست ساذجة لكي تُفرِّط بسهولة في كل ما ملكته يمينها سابقا من خيرات هذه المنطقة. لذلك، وضعت باريس إستراتيجية متكاملة تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين في القارة السمراء، وتحديدا في منطقة الساحل وغرب أفريقيا: أولهما هو اقتحام المنطقة بطريقة عميقة لا تتأثر بالنزعات التحررية لدى الدول الأفريقية، مع الحفاظ على علاقات استثنائية مع قادة هذه الدول على جميع المستويات.

 

وقد شكَّل التدخل العسكري أحد أهم أشكال حضور فرنسا في مستعمراتها السابقة، وذلك منذ عهد الجنرال "ديغول" الذي منح عددا من الأنظمة الأفريقية -الديكتاتورية غالبا- لقب "الأنظمة الصديقة" باسم المصالح الإستراتيجية. ورقميا، عرفت منطقة الساحل نحو 40 تدخلا عسكريا فرنسيا منذ 1960، آخرهما عمليتا "سرفال" (مالي – يناير/كانون الثاني 2013) و"برخان" (عملية مكافحة التمرد الفرنسية في الساحل – أغسطس/آب 2014).

لكن هذه التدخلات العسكرية الفرنسية أتت بنتائج عكسية، وبدلا من أن تعزز باريس من دعمها لأصدقائها الأفارقة -كما زعمت- فإنها زرعت المزيد من بذور الشك والتمرد في صفوف شعوب المنطقة وحتى حلفائها الافتراضيين من القادة العسكريين. وفي عام 2020، بدأت أحجار الدومينو في منطقة الساحل تتساقط عبر انقلابات عسكرية أطاحت بالقادة الموالين لفرنسا في مالي ثم في بوركينا فاسو، وختاما في النيجر. ويشرح الفيديو المرفق من "ميدان" قصة سقوط قطع الشطرنج الفرنسية في منطقة الساحل، وكيف تنطفئ مصابيح باريس في منطقة طالما اعتبرتها ملعبها الخاص.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الساحل الأفریقی منطقة الساحل دول الساحل فی منطقة

إقرأ أيضاً:

الدفاع الجزائرية: لا مرتزقة لنا بالساحل الأفريقي وهذه افتراءات سيئة الإخراج

نفت وزارة الدفاع الجزائرية اليوم السبت ما وصفته بـ"الأخبار المضللة والاتهامات غير المؤسسة" التي تحدثت عن "إنشاء الجزائر وحدات مرتزقة تنشط في منطقة الساحل لتنفيذ عمليات سرية".

وفي بيان نشرته في صفحتها على فيسبوك، قالت الوزارة إن هذه الأخبار "ليست سوى افتراء سافر وكذب مكشوف، ومحاولة يائسة للمساس بسمعة الجيش الوطني الشعبي وتلطيخ الصورة الناصعة للجزائر إقليميا ودوليا".

وأضافت أن بعض وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية تروج "لروايات وسيناريوهات وهمية فاشلة سيئة الإخراج من نسج خيالها وخيال أسيادها".

وأوضح المصدر ذاته أن هذه الروايات والسيناريوهات "تتضمن معلومات زائفة وعارية من الصحة حول إنشاء الجزائر لوحدات مرتزقة تنشط في منطقة الساحل لتنفيذ عمليات سرية".

 

وذكرت وزارة الدفاع أن الجيش الوطني الشعبي يؤدي مهامه في إطار الاحترام التام للدستور ولقوانين الجمهورية الجزائرية، وفي انسجام تام مع سياستها ومبادئها الثابتة القائمة على حسن الجوار، واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتفضيلها للحوار والمفاوضات في حل الأزمات.

ونوهت أن الجزائر التي تعد جزءا لا يتجزأ من منطقة الساحل وتشاركها نفس المصير والمصالح، لا يمكنها بأي حال من الأحوال، أن تكون طرفا في زعزعة استقرارها، "بل على عكس ذلك تماما، تسعى دوما للمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لسكان المنطقة، تكريسا لمبدأ التضامن، ووفاء للعلاقات التاريخية والإنسانية المتميزة التي تربطها مع شعوب منطقة الساحل".

وشددت وزارة الدفاع على أن الجزائر لن تقبل أن يزايد عليها أحد في مواجهتها للإرهاب، مؤكدة أن "هذه الحملات الدعائية الدنيئة، التي تغذيها الإشاعات والأخبار الزائفة، لن تتمكن من تحقيق مآربها الخسيسة، ولن تستطيع التشويش على الدور المحوري لبلادنا في المنطقة، كطرف فاعل في تعزيز السلم والاستقرار".

إعلان

وكانت مواقع إخبارية زعمت مؤخرا أن الجزائر شكلت وحدة عسكرية لتنفيذ عمليات سرية في النيجر ومالي وبوركينا فاسو.

مقالات مشابهة

  • سالي عاطف تكتب: لماذا يُصوِّر الإعلام أفريقيا بصورة سلبية؟
  • «افتراء سافر».. الجزائر تنفي مزاعم إنشاء وحدات مرتزقة في الساحل
  • السلطات الفرنسية تحظر نشاطًا لحركة “ماك” للإعلان عن انفصال منطقة القبائل عن الجزائر
  • 6 إجابات تفسر لماذا عادت الانقلابات العسكرية إلى أفريقيا
  • الدفاع الجزائرية: لا مرتزقة لنا بالساحل الأفريقي وهذه افتراءات سيئة الإخراج
  • خبير: فرنسا ترى في طلب نيجيريا فرصة لاستعادة نفوذها الأمني والسياسي بغرب أفريقيا
  • وزارة الدفاع ترد بقوة وتنفي روايات وسيناريوهات زائفة حول أنشطة سرية في منطقة الساحل 
  • وزارة الدفاع تنفي قطعياً روايات وسيناريوهات زائفة حول أنشطة سرية في منطقة الساحل 
  • شاهد.. تجربة فريدة لحراس مرمى لانس مع الشرطة الفرنسية
  • فرنسا متخوفة من التهديد الإسرائيلي للبنان.. واجتماعات ثلاثية في باريس الاسبوع المقبل