الغافل وحده من لا يدرك إخفاق مقولة وزير الدعاية النازيةجوزف غوبلز (اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس) في تحقيق جدواها. فالتجربة النازية برمتها قُبرت تحت أنقاض برلين قي ظل الكذب الصراح. في التراث العربي( الصدق سيد الأخلاق).في المقابل من أقذع الأوصاف وصم الرجل ب (الكاذب). في التاريخ الحديث تنتج الأنظمة الإستبدادية دون غيرها الخطاب السياسي الكاذب.
*****
فالأنطمة الاستبدادية لا تكتفي بقمع الشعوب واحتكار السلطة والثروة فقط بل تذهب بعيداً على نحو شرس على درب مصادرة حقوق التفكير والتنظيم والتعبير. لذلك تهيمن أجهزتها القابضة على منابر الإعلام ثم تحشوها بالكذب والإفك بواسطة أُجراء مروضين .من هنا يتوهم رأس النظام ألّا لسان إلا لسانه كما لا عقل إلا عقله . في غياب الحريات يفقد الشعب اختيار مصادر وأقنية تعدد الآراء كما تفقد الدولة ميزة الرقابة فيفقد الحاكم الفرد فرص التقويم .لا أحد يجروء على طرق بابه بغية مكاشفته بالحقيقة ممن حوله.إما خوفًا منه ،أو خوفاً عليه، أو خوفاً على مصالح متقاسمة. هكذا تتمدد إمبراطورية الخوف . ليس ثمة بيئة أفضل لانتعاش الكذب أفضل من الخوف تحت ظل الإستبداد، القمع والترهيب.
*****
كما يخبرنا التاريخ رأس النظام المستبد الفاسد يقابل معاناة شعبه بالتجاهل والمكابرة فتجاربه منصات إعلامه ببث الأكاذيب، التزييف والتبريرات الملفقة.
مصيبة الجنرالات رؤساء الأنظمة الانقلابية انهم لايزالون يديرون اكاذيبهم بعقلية جنرال تشيلي، بينوشيه مجردين من خيال فانتازيا الإعلام الحديث .الآن لم يعد لأي إعلامي هاوٍ استدعاء فقط أكاذيب وتناقصات هؤلاء الجنرالات الأفاقين بل يستعيدون كذلك جرائمهم في حق الشعب بالصوت والصورة.ازمة هؤلاء الجنرالات الكذابون أنهم يعانون حالة مرضية لكنهم يكذبون حتى على أنفسهم فيرفضون الاستسلام للمداواة و العلاج.
*****
نحن نعايش أحد أكثر فصولنا التاريخية المحشوة بالأكاذيب،التلفيق حداً تجاوز البكاءإلى الضحك ثم الرثاء.فدولة الانقلاب من إفكها تعيش بلا منصة إعلام رسمية.هذه لذاتها أُكذوبة تراجيدية عصرية ليس لها مقابل في مشارق الدنيا ومغاربها.إحدى تداعيات تلك المفارقة إضاعةالنطام الصدقية أمام شعبه وربما أمام العالم بأسره.بغض النظر عن التصديق في رواية البرهان عن رؤية جده في نومه بصعوده ألى رئاسة الدولة فالثابت في يقظة الشعب أنه ربيب نظام وليد فرية كبرى في حق الشعب ، الجيش والدين والوطن ؛مارس كل من عرابه ورأسه الكذب على الناس والتاريخ بلا حياء ، والحياء من شُعب الإيمان.في ديننا الحنيف الكذابون ليسو محرومون فقط من دخول الجنة أو الملكوت بل هم في الدرك الأسفل من النار.
*****
العالم يشاهد هذه الأيام مسلسل محاكمة ترامب الرئيس الأميركي السابق بتهم عدة في صدارتها الكذب.صحيفة ذي اندبندنت البريطانية نشرت دراسة لعالمة الإجتماع بيلا باولو من جامعة فيرجينيا خلصت إلى ان ترامب اكذب الرؤساء الكذابين. صحيفة واشنطن بوست أفادت ان ترامب تجاوز عشرة آلاف كذبة إبان تواجده داخل البيت الأبيض.صحيح ترامب رئس بلدا ديمقراطيا لكن العالم قاطبة شاهد كيف شوّه الرجل الصورة الاميركية أثناء ولايته كما خلال محاولته تمديدها. لديّ قناعة بأن أيًا من الجنرالين المتعاقبين على قصر الرئاسة في الخرطوم سيتفوقان على ساكن البيت الابيض السابق.
*****
الكذابون خاسرون دائا إذ لا أحد يصدقهم ولو صدقوا. هكذا تحدث الفيلسوف ارسطو.هي حكمة خالدة. كذلك مقولة الكاتب الأميركي اللازع مارك توين (الأرقام لا تكذب لكن الكذابين يكتبون ارقاما.) لنفهم حكمة توين علينا إدراك نوعية ما يكتبه الرؤساء الأفاكون من الأرقام !هي أرقام قياسية في النهب،الفساد، الجرائم، الضحايا،التشريد، التهجير الجماعي ،التدمير و الإبادة.وأرقام قياسية في البطالة،إزهاق الأرواح و إجهاض الفرص.وأرقام قياسية في نشر الفوضى ،الإحباط واليأس| الكاتب الساخر برنارد شو ماياة الكذابين ليست في ألا أحد يصدقهم بل في انهم لايصدقون أحدا!!لذلك هي العزلةمصيرهم.
*****
البرهان وعدنا بالإنحياز إلى الثورة،فاذا الانحياز إنقلابا.كماوعدنا بالتجانس مع الدعم السريع فاذا التجانس انفجارا.وعدنا بحسم الحرب في سويعات فاذا الاقتتال شهورا مفتوحة .وعدنا بانتصار على المتمردين فإذ القائد هارب من حصار المتمردين على طوق القيادة.وعدنا بالرجوع العاجل الى بيوتنا فاذا غالبية العاصمة تحت الاحتلال.كل الوعود صارت سرابا. هذه جرائم يحاكم عليها بقانون زياد بن أبيه في خطبته الشهيرة (كذبة الأمير بلقاء مشهورة.فاذا تعلقتم علي بكذبة فقد حلّت لكم معصيتي).فوعود البرهان تطابق تتفيذاً لتهديدات ووعود إبن أبيه في خطبته (البتراء)اذ فيها هدد (من أحرق قوما أحرقناه ومن نقب بيتا نقبنا عن قلبه ومن نبش قبرا دفناه فيه...فربما مبتئس بقدومنا سيُسر ومسرور بقدومنا سيبتئس)
*****
البرهان قال لوعلم أن عُشر مالحق بنا من دمار لما دخل الحرب.فلِم لم يطفئها عندما بلغت ذلك العشر .ثم لِم يطفئها وها نحن نردد قول إبن أبيه (أنج سعد فقد هلك سعيد).لايهم اذا ما انجز البرهان وعيد زياد بن أبيه بيديه أم بيد حليف الأمس عدو اليوم .فهو رأس النظام وقائد الجيش الأعلى وداعم الدعم السريع السخي.!
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
إبراهيم شقلاوي يكتب: الخرطوم تعود بهدوء الحسم وذكاء الخطاب
في سياق إقليمي بالغ الحساسية ، تعود الخرطوم مجددًا إلى الساحة السياسية والدبلوماسية، مدفوعةً بتحولات داخلية وضغوط خارجية، عبر مقاربة جديدة تتسم بقدر عالٍ من الاتزان السياسي والحنكة في الخطاب الدبلوماسي. حيث عكست الجولة الأخيرة لرئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، التي امتدت من إشبيلية إلى القاهرة، ملامح هذا التحول في الأداء السياسي السوداني، بالنظر الي تتقاطع رسائل السيادة الوطنية مع ضرورات إعادة التموضع الإقليمي في أوقات شديدة الحساسية.
في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، بدت مشاركة الرئيس البرهان اختبارًا لمدى قدرة السودان على استعادة موقعه في الخارطة الدولية، من خلال طرح رؤية متماسكة تجاه إصلاح النظام المالي العالمي. وقد جاءت كلمته قصيرة وواثقة، رافضة التعامل مع السودان كدولة متلقية للمساعدات، في ما بدأ وكأنه إعادة تموضع سياسي ورسالة صريحة مفادها أن السودان، المنهك من الحرب، ليس على استعداد لبيع سيادته مقابل فتات الدعم الدولي، بل يسعى إلى شراكات عادلة ومتكافئة.
هذا الذكاء السياسي في الصياغة والموقف لم يكن معزولًا عن الواقع، بل متصلًا به عبر سلسلة لقاءات ثنائية، أبرزها مع الرئيس العراقي عبد اللطيف جمال رشيد، والتي شكلت انطلاقة لانفتاح جديد في السياسة الخارجية السودانية، عنوانه تنويع الشركاء والانخراط المتوازن مع الفضاءين العربي والإقليمي، بعيدًا عن المحاور الضاغطة والابتزاز السياسي.
وعلى طريق العودة، كانت القاهرة المحطة الأهم، إذ شكّلت زيارة البرهان ولقاؤه بالرئيس عبد الفتاح السيسي محطة مفصلية. فمصر التي تؤدي دورًا محوريًا في الملف السوداني، تواجه تحديات كبيرة في موازنة علاقاتها بين حليفها الاستراتيجي خليفة حفتر، قائد “الجيش الوطني الليبي”، والضغوط التي تمارسها الإمارات، الداعم الأكبر لحفتر على القاهرة.
يرى مراقبون بحسب اعلام محلي أن الموقف المصري بات يتأرجح بين ضغوط الإمارات، التي تدفع القاهرة لدعم حفتر وميليشياته في ليبيا، وبين الرؤية الاستراتيجية لمصر، التي تسعى إلى دعم الحكومة السودانية وتحقيق الاستقرار في السودان، بما يصب في خدمة الأمن القومي المصري، خاصة فيما يتعلق بأمن الحدود ومياه النيل.
هذا التناقض تجلّى بوضوح في دعم حفتر لميليشيا الدعم السريع، التي دخلت المثلث الحدودي بسيطرة عسكرية على أراضٍ سودانية، ما أثار استغرابًا واسعًا في الأوساط السياسية والإقليمية، وطرح تساؤلات حول جدية التزام القاهرة بتحالفها مع الخرطوم، في ظل دعم مباشر تلقته الميليشيات من قوات حفتر. هذا الوضع يضع مصر في موقف حرج، بين ولائها التقليدي لحفتر وضغوط حلفائها الإقليميين، وبين حاجة السودان إلى دعم مصري ثابت لإنهاء أزماته.
من هذا المنطلق، تكتسب زيارة البرهان إلى القاهرة أهمية خاصة، إذ تعكس مسعى الخرطوم لإعادة ترتيب الأوراق، وتعزيز التنسيق مع مصر، والتوصل إلى تفاهمات أمنية وسياسية تضمن احترام السيادة السودانية في المثلث الحدودي، وتحصين العلاقات بين البلدين من أي اهتزازات قد تنجم عن تضارب المصالح.
اللقاء الذي جمع البرهان والسيسي في مدينة العلمين حمل رسائل واضحة بشأن التزام مصر بدعم وحدة السودان واستقراره في مواجهة التحديات الإقليمية، إلى جانب التوافق على ضرورة التنسيق المشترك لمواجهة أي تهديدات محتملة تمسّ الأمن المائي والحدودي للبلدين.
وفي هذا السياق، كشفت مصادر مطلعة بحسب “منصة الخبر ” عن لقاء غير معلن ضمّ البرهان والمشير خليفة حفتر، بحضور السيسي. وإذا صحّ ذلك، فإنه يمثل أحد أبرز تجليات “دبلوماسية الضرورة”، التي تدفع الأطراف إلى فتح خطوط تواصل رغم التعقيدات والتدخلات. فمصر الحليف الوثيق لحفتر، تجد نفسها بين مطرقة الضغوط الإقليمية وسندان التزامها المعلن بدعم الدولة السودانية ومؤسساتها.
وتُدرك الخرطوم أنها لا تستطيع تجاهل التهديدات القادمة من حدودها الغربية، وأن الحوار مع القوى الفاعلة في الميدان بات ضرورة للحفاظ على الحد الأدنى من التوازن، خصوصًا في ظل تنامي التداخل بين ميليشيا الدعم السريع وقوات حفتر، وهو ما يُنذر بإعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة لصالح قوى لا تخدم استقرار السودان أو مصر.
يتضح من مجمل هذه التحركات أن السودان يسعى إلى إعادة تموضع متوازن بين الانفتاح الدولي والمصالح الإقليمية، مستفيدًا من دبلوماسية هادئة وفعالة يقودها البرهان، ومؤسسًا لمرحلة جديدة من التنسيق الإقليمي، تقوم على الواقعية السياسية، والحوار المباشر، ومعالجة الملفات الأمنية بمنطق المصالح المتبادلة، لا بمنطق الوصاية أو المجاملة.
وفي الداخل تبرز أهمية الإسراع في تعيين وزيرا للخارجية ضمن حكومة “الأمل” التي يقودها الدكتور كامل إدريس، بما يعكس انسجامًا بين المسارين السياسي والدبلوماسي. فالسودان بحاجة إلى صوت رسمي محترف ومتفرغ لإدارة تعقيدات المرحلة، وقيادة الملفات الخارجية بكفاءة في المحافل الدولية، ضمن ما يمكن تسميته بـ”معركة الخرطوم الدبلوماسية”.
وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة، ومن دون ضجيج، تتحرك الخرطوم نحو إعادة صياغة موقعها السياسي بأسلوب متزن، يدمج بين الواقعية والندية، ويوازن بين ضرورات الداخل وحسابات الخارج. في زمن التشظي والضغوط، تعود الخرطوم كفاعل سياسي يدير خلافاته وخياراته بحكمة، ويعيد رسم خطوط سياسته الخارجية بأدوات جديدة.. إذا الطريق بدأ يُرسم بوعي: هدوء في الحسم، وذكاء في الخطاب.
إبراهيم شقلاوي
دمتم بخير وعافية.
الأربعاء 2 يوليو 2025م
Shglawi55@gmail.com