تحليل :هل انتصار أوكرانيا على روسيا سيفيد الأمن الغربي ؟
تاريخ النشر: 5th, October 2023 GMT
واشنطن"د. ب. أ": تتواصل الحرب بين روسيا وأوكرانيا بلا نهاية واضحة تلوح في الأفق، وصارت بمثابة نزاع بين القوى الكبرى: معسكر غربي داعم لأوكرانيا، وآخر مؤيد لروسيا.
وقال الباحث البريطاني كون كوفلن، محلل شؤون الدفاع لدى صحيفة ديلي تليجراف، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي إن هجوم أوكرانيا المضاد لتحرير الأراضي التي تسيطر عليها روسيا قد يستغرق وقتا أطول من المتوقع، لكن الهدف الأساسي المتمثل في إلحاق هزيمة ساحقة بموسكو لا يزال ضروريا إذا كانت هناك رغبة في ردع الأنظمة الأخرى.
ويضيف كوفلن أنه منذ أن أطلق الأوكرانيون هجومهم المضاد في الصيف، أحرزت قواتهم تقدما بطيئا، لكنه ثابت، في استعادة الأراضي التي سيطر عليها الروس بعد أن شن الرئيس فلاديمير بوتين تدخله الغير المبرر العام الماضي.
وخلص التقييم العسكري الأحدث للمسؤولين الأمريكيين إلى أن الهجوم الأوكراني، لا سيما في جنوب البلاد، قد اكتسب زخما كافيا لاختراق ما يسمى بخط" سوروفيكين"، وهو شبكة معقدة من المواقع الدفاعية التي سميت على اسم الجنرال الروسي الذي ابتكره.
ويرى كوفلن أن كييف بحاجة ماسة لاختراق خط "سوروفيكين"، على الأقل، للوصول إلى هدفها الرئيسي وهو مدينة ميكولايف الساحلية، وبالتالي قطع الجسر البري الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم.
ومع ذلك، أثار معدل التقدم البطيء الذي تحققه قوات أوكرانيا على أرض المعركة مخاوف بشأن توقعات كييف لهدفها الاستراتيجي طويل المدى، والمتمثل في طرد القوات الروسية من جميع أنحاء البلاد.
كما دفع المعدل البطيء للتقدم الساسة على ضفتي الأطلسي إلى التساؤل عما إذا كان من المجدي مواصلة دعم المجهود العسكري لأوكرانيا، أو بدلا من ذلك التركيز على التفاوض من أجل تسوية سلمية بين طرفي الحرب.
وفي هذا السياق، حظيت التعليقات الأخيرة التي أدلى بها فيجك راماسوامي، الذي يطمح للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة في انتخابات 2024، بقلق كبير في كييف.
وجذب راماسوامي، وهو رجل أعمال 38 عاما ووافد جديد نسبيا إلى المسرح السياسي، الكثير من الاهتمام بسبب نهجه الجديد، حيث يدعو أوكرانيا إلى التنازل عن الأراضي لروسيا كجزء من حزمة سلام من شأنها أيضا أن تلزم موسكو بإنهاء تحالفها العسكري مع بكين.
وحجة راماسوامي الأساسية، التي تجذب الدعم في بعض الدوائر الجمهورية، هي أنه من خلال دعم المجهود الحربي الأوكراني، تخاطر الولايات المتحدة وحلفاؤها بإجبار موسكو على الانحياز بشكل أوثق إلى بكين، وبالتالي يوجد تكتل قوي في مواجهة الغرب.
وتبنى نفس وجهة النظر مذيع شبكة فوكس نيوز السابق تاكر كارلسون، الذي حذر من أن حرب أوكرانيا "تدفع الروس إلى الجانب الصيني ".
وكان حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، وهو منافس بارز يسعى إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري، خرج عن الصفوف في وقت سابق هذا العام وقال إن حماية أوكرانيا ليست مصلحة أمريكية حيوية.
وكما ذكر جاستن لوجان، مدير دراسات الدفاع والسياسة الخارجية بمعهد كاتو للأبحاث مؤخرا، تخاطر الآراء التي يتبناها راماسوامي وغيره من الجمهوريين البارزين باجتذاب الأمريكيين العاديين الذين سئموا من تمويل الحرب.
ورغم أن هذه الحجج أثارت بشكل مفهوم، قلق كييف، حيث يدعو الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الغرب إلى تعزيز دعمه للجيش الأوكراني، وليس تقليصه، فشلت أيضا في الاعتراف بالأهمية الحيوية لإلحاق الهزيمة بروسيا من أجل مستقبل أمن الغرب.
ويرى كوفلن إنه لولا استسلام الولايات المتحدة لأفغانستان في أغسطس من عام 2021، لما تدخلت روسيا في أوكرانيا أبدا: فلم يبدأ بوتين في إرسال قوات إلى الحدود الأوكرانية ببطء إلا بعد بضعة أسابيع في سبتمبر الماضي.
وفي الآونة الأخيرة، ينظر المجتمع الدولي إلى استسلام أي أرض أوكرانية في "صفقة" ما لإنهاء الحرب على أنه انتصار لبوتين وعملية هروب أمريكية أخرى عاجزة.
وحتى الآن، ووفقا لأحدث التقييمات الاستخباراتية الغربية، فإن الدعم الغربي لحملة أوكرانيا العسكرية قد أدى إلى خسارة موسكو لما يقرب من نصف قدرتها القتالية الإجمالية في الصراع. وكلما طال أمد الحرب، أصبحت قوة روسيا العسكرية التقليدية أكثر تدهورا، مما يحد من قدرتها على شن تهديد عسكري كبير للغرب. وستظل روسيا تحتفظ بأكبر ترسانة نووية في العالم، لكن قدرتها على تهديد جيرانها بالوسائل التقليدية ستكون مقيدة بشدة.
وعلاوة على ذلك، يقول كوفلن إنه إذا كانت روسيا تعتقد بشكل جدي أن مصالحها ستتلقى خدمة أفضل من خلال تطوير علاقات وثيقة مع الصين، فعليها أن تعيد التفكير.
وحال نجح بوتين في الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي الأوكرانية بقوة السلاح، ستخلص الصين إلى أنها تستطيع استخدام تكتيكات مماثلة لتحقيق أهدافها الخاصة، ولا يزال هناك عامل آخر يهدد بتقويض الدعم الغربي لأوكرانيا وهو عدم موثوقية نهج إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه الصراع.
فمن ناحية، لا يزال البيت الأبيض ملتزما بدعم القضية الأوكرانية، ومن ناحية أخرى، يبدو أن الإدارة مرتبكة بشأن تحديد أهدافها النهائية في الصراع. وكما قال الجنرال الأمريكي المتقاعد جاك كين مؤخرا في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، يشير سجل إدارة بايدن الحالي إلى أنها لا تزال تفتقر إلى هدف استراتيجي في الصراع.
واختتم كوفلن تحليله بالقول إنه إذا كان هذا هو الحال، فمن أجل صالح الأمن في الغرب، تحتاج الإدارة إلى الاتفاق على نهاية اللعبة للصراع الأوكراني، حيث تصبح هزيمة روسيا المهينة على أيدي القوات الأوكرانية المدعومة من الغرب الهدف الرئيسي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مجاهدو غزة يقلبون موازين الحرب… ويكتبون تاريخ الأمة من جديد
يمانيون../
في زمن التخاذل والصمت العربي الرسمي، وفي عالم يغرق في ازدواجيته الأخلاقية، تبقى غزة عنوانًا للفداء، وصوتًا ناطقًا باسم الحق، وبوصلة لا تحيد في مواجهة الطغيان. لم تعد غزة مجرد مدينة أو قطاعًا محاصرًا منذ سنوات، بل غدت رمزًا لمشروع مقاومة راسخ، يتجاوز حدود الجغرافيا ليعيد تعريف الكرامة والحرية والرجولة في أمة أُريد لها أن تركع.
لقد أذهل صمود المجاهدين في غزة العالم، فوقف العدو قبل الصديق مندهشًا أمام هذا الثبات الاستثنائي، الذي لا تفسره موازين القوى المادية، بل موازين الإيمان والوعي والبصيرة. هؤلاء ليسوا جنودًا عاديين، ولا مقاتلين مأجورين، بل حملة مشروع، ومجاهدون يحملون راية الأمة، ويقاتلون نيابة عن كرامة شعوب صمتت حكوماتها، وتنكرت لها أنظمتها.
{فتية آمنوا بربهم فزادهم هدى}
من يظن أنه سيُخضع هؤلاء فهو واهم، بل مجنون؛ فهم الذين خرجوا من أزقة المخيمات وتحت الحصار، وصاغوا ملحمة ستتحدث عنها الأجيال. هم فتيةٌ آمنوا بربهم، فزادهم هدى، وثباتًا، وبصيرة لا تضاهى. يواجهون العدو الصهيوني المدجج بأعتى الأسلحة والمدعوم من قوى الغرب، لكنهم لم يهتزوا، ولم يتراجعوا، بل يسطرون أروع فصول البطولة والإيمان.
ازدواجية دولية وتخاذل عربي
في مقابل هذه الملحمة البطولية، يتجلى المشهد الدولي والعربي في أقبح صوره: أنظمة عربية تُطبع مع العدو وتغض الطرف عن مجازره، فيما دول كبرى تكتفي بتعاطف إعلامي، وتقدّم الغطاء السياسي والعسكري للقاتل. لم يعد الغرب بحاجة إلى إخفاء نفاقه؛ فصوته يعلو دفاعًا عن “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، بينما تُنتشل جثث الأطفال من تحت الأنقاض، ويُباد شعب بأكمله على مرأى من العالم.
أما الموقف العربي الرسمي، فهو مشلول، عاجز، بل ومشارك أحيانًا بصمته وتواطئه. ومع ذلك، لا يزال هناك أمل متجدد في الشعوب الحيّة، التي خرجت تهتف لفلسطين، وتضغط من أجل موقف أخلاقي يعيد شيئًا من التوازن لصوت عربي غائب عن المؤسسات الرسمية.
اليمن… موقف في زمن التخاذل
وحدها جبهة اليمن المقاوِمة، وعلى رأسها السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي، وقفت بوضوح وقوة إلى جانب فلسطين. كانت المواقف صريحة، والأفعال تسبق الأقوال. أطلقت صنعاء صواريخها وطائراتها المسيّرة نحو العدو، لا لتغير معادلة ميدانية فحسب، بل لتعلن للعالم: إن أمة ما زالت حيّة، تقف مع مظلوميها، وتقاتل دفاعًا عن قضاياها العادلة.
الحق لا يُهزم… والمشروع القرآني باقٍ
ما يجري في غزة اليوم ليس معركة حدود، بل مواجهة بين مشروعين: مشروع الهيمنة الصهيونية الأمريكية الساعي لإخضاع الشعوب ونهب مقدراتها، ومشروع قرآني تحمله قوى المقاومة، يبشّر بعالم جديد قوامه العدل والكرامة والحرية.
مجاهدو غزة ليسوا مجرد مقاتلين، إنهم طليعة أمة، وصفوة رجال، ومشروع مستقبلي يُكتب بالدم والإيمان، تاريخًا مختلفًا عن سجل الهزائم المتراكمة. وكل شهيد يسقط، وكل بيت يُقصف، يزيد جذوة هذا المشروع اشتعالًا، ويُقرب لحظة النصر الحتمية التي لا شك فيها.
تقرير | عبدالمؤمن جحاف