خاتِمَةُ رسالة دكتوراه المؤرخ مكي شبيكة المعنونة: “السودان والثورة المهدية (1881 – 1885م)” .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
تقديم: قدم المؤرخ مكي شبيكة (1905 – 1980م) أطروحةً لنيل درجة الدكتوراه من جامعة لندن في يونيو من عام 1949م بعنوان "السودان والثورة المهدية (1881 – 1885م)"، قيل إنها أول رسالة دكتوراه في السودان في مجال العلوم الإنسانية.
وحوت الرسالة (التي جاءت في 536 صفحة) مقدمةً وتسعة فصول وخاتمة، وثبتاً بالمراجع. وكانت عناوين الفصول هي، على التوالي: إعلان المهدية، وإدارة عبد القادر باشا، وحملة هكس، والجلاء عن السودان، ومهمة غوردون، وحملات شرق السودان، وسياسة غوردون، وإنقاذ غوردون، وحملة الإنقاذ.
أشكر الأستاذ محمد عمر الامين البشير لتكرمه بإرسال الأطروحة كاملةً لي.
المترجم
************* ************ ********
تُظْهَرُ الأدلة أن ثورة المهدي كانت في المقام الأول ثورةً دينية الطابع، وكانت حركة ينتظر قيامها العالم الإسلامي منذ أمد بعيد. وليس هنالك فيما قاله المهدي أو سجله في منشوراته ما يشير إلى أنه كان يعمل على الانْتِصاف من المظالم، بل على العكس، كانت كل أقواله ومنشوراته تؤكد بوضوح على إصلاح الجانب الديني، وضرورة العودة لبساطة الإسلام. وكان اِمْتِعَاضِهِ ونقمته من الأتراك في الأساس بسبب ممارساتهم غير الإسلامية، وليس بسبب عسفهم. وكانت العوائق الطبيعية (مثل تباعد المسافات، والحر وشح المياه) هي ما ساعدت المهدي كثيراً على تحقيق انتصاراته، إضافةً لاعتراض حزب عرابي باشا العسكري على إرسال قوات للسودان، وأخيراً بسبب هزيمة الجيش المصري في معركة "التل الكبير"، وحله من بعد ذلك (1). وأظهر المصريون، خاصة في منطقة الدلتا، الكثير من التعاطف الديني مع المهدي؛ غير أن الطبقة الحاكمة في القاهرة بقيت تجاهد بشدة من أجل الاحتفاظ بالسودان.
ولم يبد البريطانيون بعد احتلالهم لمصر إلا أقل القليل من الاهتمام بالسودان، إذ لم يكن لهم أي سبب خاص ليهتموا به، وكانوا يعدون ثورة المهدي أمراً محلياً خالصاً لا يخص غير مصر. وكان ذلك الاتجاه يتسق مع سياستهم العامة التي كانت في ذلك الوقت تهدف لتحاشي أي التزامات، حتى في مصر نفسها. وكانوا، حتى في مصر التي لهم فيها مصلحة واضحة، يؤكدون أنهم طالما كانوا يسيطرون على البحار، فبإمكانهم منع أي قوة من ممارسة السيطرة على مصر، ومن تعريض مصالحهم للخطر. لذلك، رأوا أنه من غير اللازم عليهم تحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن الداخلي في مصر. ولكن بما أن مصر عجزت عن المحافظة على مملكتها في السودان بعد هزيمة هكس، نصحت الحكومة البريطانية أولاً، ثم أصرت على أن تتخلي مصر عن السودان حتى توقف المزيد من الاستنزاف لقوى الجيش المصري البشرية ولمصادر البلاد المالية.
وفي نهاية المطاف أُرْسِلَ غوردون إلى السودان لسحب القوات المصرية منه. غير أنه لم يكن قادراً تماماً على التعامل مع الموقف (الذي وجد نفسه فيه). وكانت في شخصيته، وفي طريقة تعامله مع الموقف، الكثير من المآخِذ. وكان غوردون قد أعد خططا مستفيضة ومُعقَّدة قبل وصوله للخرطوم، وعمل على دراسة المشاكل فيها. وكان موقفه من الزبير (رحمة) مُتَبَايِناً يفتقر للاتساق. وكانت خططه الجديدة (أو خططه السابقة بعد تعديلها) هي نتاج للتغييرات التي حدثت في الوضع بالسودان. غير أنه كانت يفتقر للقدرة على التعبير عن نفسه بطريقة مقنعة للوزراء والمسؤولين الدائمين في إنجلترا. وبالإضافة لذلك، لم يأخذ غوردون في الاعتبار إمكانية تطبيق اقتراحاته، ولم يحسن تقدير الاختلافات في تنفيذها. فقد كانت الكثير من اقتراحاته غير قابلة للتطبيق إلا عن طريق ديكتاتور، وليس عبر آليات حكومة برلمانية.
وكان البرلمان البريطاني يمارس نفوذا كبيراً على سياسة الحكومة، خاصة في الأمور ذات الأهمية العالية. ومن أمثلة التأثير والنفوذ القوي لليبراليين من أعضاء مجلس العموم البريطاني هو رفضهم السماح بإرسال الزبير (رحمة) إلى السودان، وحملة جراهام إلى سواكن (2). وكان أهم الذين بادروا بوضع السياسة البريطانية (حيال السودان) هم نورثبروك وبارينق في البدء، ولاحقاً هارينقتون، وجلاديستون (صاحب النفوذ الأعظم). وحتى في البرلمان، تم الإدلاء ببيانات حول سياسة الحكومة من قبل وزراء مثل دايك عوضاً عن قرانفيل ، على الرغم من أن هذا يرجع جزئياً إلى حقيقة أن قرانفيل كان عضواً في مجلس اللوردات، ذلك المجلس الذي لم يبد مثل هذا الاهتمام الحيوي بالسياسة الحكومية في شؤون السودان كما اتخذها مجلس العموم.
غير أن ذلك الإجراء الذي اتخذته الحكومة البريطانية في نهاية المطاف كان قد أتخذ بعد فوات الأوان. لقد كان هناك فشل عام في القاهرة، وكذلك لندن، في تقدير طبيعة الثورة المهدية، وحقيقة أن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في السودان كانت تصب في صالح نجاح المهدي.
ربما يقدم خطاب السير هنري بونسوني (3) إلى بارينق (لورد كرومر)، بتاريخ 19 مارس 1885، أفضل تعليق على هذا الفشل:
"... أعتقد أننا علينا جميعا هنا – الناس كلهم، كبرائهم ومن هم دون ذلك - أن نتقاسم جميعاً المسؤولية لأننا لم نستوعب الوضع كما كان ينبغي لنا أن نفعل".
*****************
إحالات مرجعية
(1) وقعت معركة التل الكبير بين قوات عرابي وجيش الخديوي توفيق في يوم 13 /9/1882م بمنطقة "التل الكبير" القريب من منطقة القناة. أنظر https://shorturl.at/AGJW1
(2) الجنرال الإنجليزي المقصود هو جيرالد جراهام (1831 – 1899م) قائد حملة سواكن الحكومية ضد قوات المهدية بقيادة عثمان دقنة في معركتي التيب (الثانية) والتاماي عام 1885م. https://shorturl.at/hB056
(3) كان الضابط السير هنري فريدريك بونسونبي من رجال البطانة الملكية، وشغل منصب السكرتير الخاص للملكة فيكتوريا.
alibadreldin@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: غیر أن
إقرأ أيضاً:
“نيويورك تايمز”: الإمارات ضالعة في حرب السودان وبن زايد سلح “الدعم السريع”
وكالات- متابعات تاق برس- أفاد تقرير حديث لـ”نيويورك تايمز” أن دولة الإمارات العربية وبواسطة الشيخ منصور بن زايد آل نهيان لعبت دورًا محوريًا في جهود تسليح قوات الدعم السريع في حربها ضد الجيش السوداني.
وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة الأميركية اعترضت مكالمات هاتفية منتظمة بين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو وقادة الإمارات، بمن فيهم الشيخ منصور.
وتنفي الإمارات العربية المتحدة ضلوعها في حرب السودان، بينما تتهمها الحكومة السودانية بالوقوف خلف قوات الدعم السريع، وإطالة أمد الحرب.
وبحسب الصحيفة الأميركية، ساعدت المعلومات الاستخباراتية المسؤولين الأميركيين على استنتاج أن منصور بن زايد لعب دورًا محوريًا في تسليح قوات الدعم السريع، كما أشارت إلى إنشاء جمعيات خيرية تابعة للشيخ منصور مستشفى، مدّعيةً أنها تعالج المدنيين، قائلة إن هذا العمل الإنساني كان أيضًا غطاءً للجهود الإماراتية السرية لتهريب طائرات مسيّرة وأسلحة قوية أخرى إلى قوات الدعم السريع، وفقًا لمسؤولين أميركيين وأمميين.
ولم ترد الإمارات على أسئلة نيويورك تايمز حول علاقاتها وأدوارها في الحرب السودانية.
وقال أكثر من اثني عشر مسؤولًا أميركيًا وأفريقيًا وعربيًا، للصحيفة الأميركية إن منصور بن زايد “في صدارة مساعي بلاده العدوانية لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء أفريقيا والشرق الأوسط”، بحسب تعبيرها. ووصفت مجهود الأمير بأنها “جزء من حملة إماراتية شاملة للاستحواذ على الموانئ والمعادن الاستراتيجية، ومواجهة الحركات الإسلامية، وترسيخ مكانة الدولة الخليجية كقوة إقليمية ذات وزن ثقيل”، طبقًا لما ورد في التقرير.
وسابقا دعا المشرعون الديمقراطيون في الكونجرس الأميركي إلى حظر مبيعات الأسلحة للإمارات.
وقال جيفري فيلتمان، المبعوث الأميركي إلى القرن الأفريقي من عامي 2021 و2022: “لطالما أدركنا أن منصور هو من يقف وراء الكواليس في السودان”.
وقال مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة علمت منذ الأيام الأولى للصراع أن الإمارات تؤوي الفريق محمد حمدان دقلو في أبوظبي وتُسلّح مقاتليه في الميدان، إذ سافر جوًا إلى الإمارات، حيث مُنح ملاذًا آمنًا في مسكن محمي، وسجّل خطبه المصورة لمؤيديه في السودان.
وتقول نيويورك تايمز إن الإمارات أرسلت أسلحةً إلى قوات دقلو عبر قاعدة جوية في تشاد، حيث كانوا يُديرون ظاهريًا مستشفى ميدانيًا بتمويل من جمعيتين خيريتين، كلتاهما تحت سيطرة الشيخ منصور أو إشرافه. لم تُجب أيٌّ من الجمعيتين على أسئلة الصحيفة، لكن مسؤولين إماراتيين قالوا إنه من “التهور والضرر” التلميح إلى أن المستشفى يُستخدم لأي غرض غير العمل الإنساني.
وقال مسؤول أميركي إنّ المبعوث الأميركي إلى السودان، توم بيرييلو، واجه الشيخ منصور شخصيًا عام 2024 بشأن دعمه للجنرال دقلو خلال اجتماع في الإمارات، سعيًا منه للحدّ من التدخل الأجنبي. وقد تهرّب الشيخ منصور من التهمة، قائلًا إنّ مسؤولية السلام تقع على عاتق أعدائه.
الحكومة السودانية كانت قد رفعت دعوى ضد الإمارات العربية المتحدة أمام محكمة العدل الدولية لدورها المزعوم في الإبادة الجماعية القائمة في السودان عبر تسليح قوات الدعم السريع. المحكمة شطبت القضية لاحقًا لعدم الاختصاص.
الإماراتالدعم السريعحرب السودان