مبادرة القضارف للخلاص .. بيان مهم حول واقع الحرب والتدخلات الأجنبية
تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
يتطرق هذا البيان للتدخل الخارجي السالب المرتبط بالتطورات الأخيرة في السودان المتعلقة بحرب أبريل ٢٠٢٣ م والتي كشفت عن الكثير من السوءات والسيئات داخليا وخارجيا .
الشعب السوداني الأبي:
إن سوء إدارتنا للمشهد الداخلي خلال سنين الثورة، هو الذي مهد الطريق للتدخلات الخارجية المتربصة، والتي عملت على إيقاف عجلة الثورة، وإن أظهرت خلاف ذلك.
وبعد الحرب نجد ان مليشيا الدعم السريع - ربيبة المؤتمر اللا وطني - سيئة السمعة، واصلت جرائمها القذرة الممنهجة، وارتكبت جرائم الإبادة الجماعية في الجنينة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في الخرطوم ودارفور وكردفان - بما يخالف كل الأعراف والقوانين الوطنية والدولية في حربها المستمرة حتى الآن، لا نقول ضد الجيش السوداني - كما قد نتصور - ولكن ضد الدولة أرضها وشعبها هويتها وتاريخها جيشها ومؤسساتها المدنية والعسكرية ، مستخدمة مرتزقة أجانب مكنتها من مفاصل المناطق الحيوية خاصة في الخرطوم.
ونحن نعي جيدا أن حزب المؤتمر الوطني المنحل، يعمل بكل ما أوتي من قوة، لاستثمار هذه الحرب للعودة إلى الانفراد بالسلطة مرة أخرى؛ وأن ليس هنالك خلاف بين الكيزان الذين يحاولون امتطاء الجيش والكيزان الذين يعملون داخل مليشيا الدعم السريع لاتخاذها رافعة للمال والسلطة.
ونحن نؤكد أن أسرة دقلو المدعومة من دول خارجية هم الذين يشنون حرب المليشيا ضد الدولة. ولن نقع في فخ تجريم مجموعات إثنية سودانية أصيلة تقبع في دارفور أو كردفان أو غيرها، إذ أن هؤلاء سودانيون أصيلون لهم الحق في هذا الوطن مثل غيرهم.
أيها الشعب السوداني الصامد:
قبل ان يكون هنالك أي تدخل خارجي في ثنايا ثورة ديسمبر استطاع الشعب السوداني بعد أربعة أشهر من الحراك الثوري المستمر - دون عون من أي دولة - أن يسقط رأس نظام المؤتمر الوطني متمثلا في المجرم عمر البشير.
أما بعد أن بدأت التدخلات من المجتمع الإقليمي والدولي، بدأ المشهد الداخلي يزداد تعقيدا، وكان التدخل الخارجي أحد الأسباب التي أسهمت في تشظي القوى الثورية؛ وكلما بلغت غضبة الشعب ذروتها من إجرام قيادة الجيش والمليشيا، تأتي القوى الخارجية وترد لهم الاعتبار.
كان دور الاتحاد الأفريقي سالبا والذي أسهم، مع غيره من العوامل، في صناعة الشراكة مع العساكر المجرمين في الوثيقة الدستورية 2019، كما كان دور بعثة الأمم المتحدة سالبا ومسيطرا في فترة ما قبل الحرب.
ولقد ظلت دولة الإمارات تقدم مصالحها غير المشروعة بصورة سافرة. فبالأمس القريب أبرمت مع حكومة انقلاب 25 أكتوبر عقدها لتشييد ميناء أبو عمامة، والذي وقفت مبادرة القضارف للخلاص ضده مع مجموعة من منظمات المجتمع المدني بشرق السودان.
وقد تورطت ذات دولة الإمارات في حرب السودان كراعٍٓ للمليشيا المتمردة على الوطن ، ودعمها سياسيا وامدادها عسكريا بالسلاح عبر قاعدة أم جرس العسكرية بتشاد، تحت غطاء المساعدات الإنسانية ، كل ذلك لأطماعها في موارد السودان ومعادنه وأراضيه الزراعية وموانئه البحرية واستخدام رجاله كمرتزقة، تريد أن تحقق كل تلك المصالح عبر أنظمة عميلة تستزرعها في السودان.
والمثير للانتباه أن البرهان ورفاقه من قادة الجيش لم يجرؤ أي واحد منهم على ذكر تدخل الإمارات في خطاباتهم المبذولة. كما لا تذكر معظم القوى السياسية التدخلات الخارجية السالبة في الشأن السوداني.. فما الذي يجبر دولة الإمارات على التوقف عن تدخلها إذا كان الجميع يلزمون السكوت؟!
إن دول مثل الإمارات والسعودية اللتين ظلتا تستخدمان منسوبي الجنجويد وأفراد الجيش السوداني كمرتزقة في حربهما الظالمة على الشعب اليمني الشقيق، وانظمة دول مثل مصر وجنوب السودان وكينيا وتشاد ذات الأنظمة الديكتاتورية المستبدة، التي تكمم أفواه شعوبها وتجردهم من إنسانيتهم وكرامتهم - غير مؤهلة لأن تساهم في إنجاح التحول المدني الديمقراطي في السودان؟! وفاقد الشيء لا يعطيه!!
ونحن على يقين أنه لا يمكن أن يحدث هذا العدوان الإماراتي العسكري السافر على الدولة السودانية دون علم الولايات المتحدة الأمريكية ورضاها ، إن لم يكن بإيعاز منها.
إن الولايات المتحدة نفسها لا تحرص على إنجاح التحول المدني الديمقراطي في السودان، وإنما تحرص على رعاية مصالحها غير المشروعة ومصالح حلفائها ووكلائها الإقليميين.
لقد تكشف زيف أمريكا وادعائها بعد أن دعمت فاقد الشرعية الفريق البرهان قائد الجيش - ثلاث مرات - بعد مخالفته الأعراف والقوانين الدولية بارتكابه جرائم وجنايات في حق الشعب السوداني وذلك كالاتي :
١- ارتكاب جريمة فض اعتصام القيادة العامة كجريمة ضد الإنسانية مع شركائه من قادة الجيش والجنجويد .
٢ - تعطيل التحول المدني الديمقراطي وتقويض النظام الدستوري بانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ م .
٣ - تمثيل الشعب السوداني في الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنقلابي غير شرعي. ولا يخفى على احد نفوذ الولايات المتحدة وتأثيرها على الامم المتحدة.
ويبدو أن امريكا تسعى لاتخاذ البرهان عميلا مفضلا لها، ولا غرابة فهو رجل إسرائيل في السودان كما وصفته بعض الصحف الإسرائيلية .
وليس هنالك سبب يجعلنا نثق في الدول الغربية ونسلمها زمام أمرنا. وحتى الاتحاد الأوروبي الذي بدا يحرك عقوباته الآن على المتورطين في جرائم الحرب، لن ننسى أنه هو الذي دعم مليشيا الدعم السريع ماديا ومعنويا في حقبة الإنقاذ، حينما أوكل لمليشيا الجنجويد المجرمة مهمة مكافحة الهجرة غير النظامية إلى أوروبا، ودماء الإبادات الجماعية في دارفور لم تجف. مع العلم بإن سبب هجرة الأفارقة إلى أوروبا هو تردي الأوضاع في البلدان الأفريقية وأن الغرب ونهبه للثروات هو أحد أسباب هذا التردي.
كما أن تدخل شركة فاغنر الروسية في الحرب لمصلحة الجنجويد ماثلا للعيان. وهي تحرص على ميلان الكفة لصالح سلطة تفسح لها المجال لمزيد من نهب الموارد المعدنية والتمدد الأمني في افريقيا.
أيها الشعب السوداني الصابر :
تكرر مبادرة القضارف للخلاص إدانتها لكل جرائم القتل والاغتصاب والنهب والسلب والسرقة والحرق والتهجير التي تمارسها مليشيا الدعم السريع ضد الشعب والدولة، وإننا إذ ندين مليشيا الدعم السريع نرى أنه لابد من إصلاح المؤسسة العسكرية وإبعادها عن السياسة والتجارة والاقتصاد، لتتفرغ للمهمة التي أنشئت من أجلها ، وهي حماية حدود الوطن من أي عدوان أجنبي وحراسة الدستور كما كان هتاف الثوار :
العسكر للثكنات والجنجويد ينحل
لقد أمسى تحقيق هذا الشعار ???? ضرورة واضحة بعد الحرب . وضرورة ان يأتي ضمن خطة الإصلاح التي تهدف إلى تصحيح عقيدة الجيش وتحديثه وبنائه قوميا، وإخراج مقاره من المدن، وحل مشكلاته المادية وزيادة مرتبات جنوده وضباطه بما يسد حاجة أسرهم في الأمور الحياتية، واعادة بناء وتأهيل وتوسيع اشلاق الجيش بصورة حضارية بما يضمن لأسرهم حياة كريمة .
كما ترفض المبادرة التدخل الأجنبي في الشأن السوداني وازدواجية المعايير التي تمارسها أميركا ضد الدول الافريقية - ومنها السودان - وادعاءات الغرب في أنه يريد أن يساعد الشعب السوداني في التحول المدني الديمقراطي، ونرفض عدوان الإمارات وتدخلات دول الإقليم.
وتوقن المبادرة أن شعوب كل هذه الدول تقف مع الشعب السوداني، وتؤكد على ضرورة أن تتأسس العلاقات الخارجية على الندية والاحترام المتبادل ومصلحة الشعوب المشتركة.
عليه فإننا في مبادرة الخلاص نرى أن أي تفاوض لا يتضمن حل مليشيا الجنجويد، ولا يفسح الطريق لإبعاد قيادة الجيش الحالية، فإنه يمثل في أحسن الأحوال هدنة طويلة الأمد، وليس إيقافاً للحرب.
ونرى أنه لن تخرج البلاد الى بر الامان الا بعملية سياسية سودانية بحتة ، لا تكرر اخطاء الماضي بتدخلاته الأجنبية.
والثورة مستمرة
ما في حرب بتوقف ثورة ومافي مليشيا بتحكم دولة
مبادرة القضارف للخلاص
٦ / ١٠ / ٢٠٢٣ م
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ملیشیا الدعم السریع الشعب السودانی فی السودان
إقرأ أيضاً:
عادل الباز يكتب: لماذا نتفاوض مع الإمارات؟ وعلى ماذا يدور هذا التفاوض؟ (1/2)
1 خلفية التفاوض : من المليشيا إلى الدولة الراعية
أصبح الحديث علنيًا في أروقة السياسة العامة والخاصة يدور حول التفاوض مع الإمارات، وليس مع المليشيا. فقد انقضى أمر هذه الأخيرة، ويُنتظر إعلان انهيارها التام في أي لحظة مع تقدم طلائع الجيش إلى دارفور.
الحقيقة أن محاولات التفاوض مع الإمارات لم تتوقف، أو لنقل إن مساعي الإمارات للتواصل مع السودان لإيجاد مخرج من مأزقها لم تنقطع. في هذا السياق، شهدنا اتصالين معلنين: الأول في 19 يوليو 2024، حين تواصل محمد بن زايد مع الرئيس البرهان بوساطة إثيوبية عقب زيارة رئيس إثيوبيا إلى بورتسودان. أما المناسبة الثانية فكانت في 20 يناير 2024، حين شاركت الإمارات في مفاوضات سودانية-سودانية فيما عُرف باتفاق المنامة.
هناك العديد من التقارير التي تشير إلى لقاءات غير معلنة، وآخرها تقرير من “Africa Intelligence” الذي أشار إلى رفض الجيش السوداني المشاركة في اجتماع سري مع الإمارات في 12 مايو 2025 بسبب مطالب مبالغ فيها من أبوظبي. ولم يحدد التقرير تلك المطالب، وراجت أنباء أن الإمارات طالبت بضرب الإسلاميين ومنحها استثمارات محددة كشرط لوقف الحرب، غير أن هذه التقارير لم تُؤكد من مصادر رسمية أو مصادر موثوقة. لكن يظل السؤال قائمًا: لماذا التفاوض مع الإمارات؟ وما هي محددات هذا التفاوض؟ وعلى ماذا يدور تحديدًا؟ هذا ما سنناقشه في هذا المقال.
2
عندما يتمدد تمرد داخلي إلى هذا الحد، ويبلغ هذا المستوى من التسليح والمساعدات اللوجستية، ويصمد لسنوات رغم ضراوة المعارك، يصبح السؤال المركزي: من أين له كل هذا الدعم؟
الدعم الكبير والمؤكد الذي تلقته قوات الدعم السريع من الإمارات أصبح حقيقة مثبتة في تقارير الأمم المتحدة، والتحقيقات الدولية، وشهادات شهود الحرب، وحتى في أروقة الكونغرس الأمريكي. لم يعد الأمر محل جدل. التفاوض مع الإمارات إذًا ليس تراجعًا عن مواجهة العدو الداخلي، بل هو اعتراف سياسي بأن المليشيا لم تكن سوى أداة عسكرية لمشروع خارجي، وأن مفتاح الحل لم يعد في الميدان، بل في أبوظبي.
3
لماذا التفاوض مع “دولة العدوان”؟
لأن معادلة الحرب تغيّرت، فمن يملك قرار استمرار أو إنهاء الحرب لم يعد قادة المليشيا، بل غرف التحكم الخارجية. المليشيا فقدت السيطرة على الأرض والشعب وحتى حواضنها، وانتقل القرار العسكري والسياسي والمالي إلى أبوظبي، التي تواصل تقديم الدعم تحت واجهات متعددة: مساعدات إنسانية، مبادرات سياسية، وتأثير مباشر في مراكز القرار في الغرب عبر استثماراتها ونفوذها المالي.
إذن، التفاوض هنا مع من يمول الحرب ويخطط لها ويغذي استمرارها.
4
التفاوض: أداة مكملة للحسم العسكري
التفاوض ليس بديلًا عن الحسم العسكري، بل أداة مكمّلة له. فكما أن النصر في الميدان يتحقق بالإنهاك والتطويق والتقدم، فإن النصر السياسي يُصان ويُستثمر بالتفاوض من موقع القوة.
إذا كانت الإمارات قد استثمرت في الحرب لتحقيق مكاسب استراتيجية أو اقتصادية أو جيوسياسية، فالتفاوض وسيلة لإقناعها بأن كلفة هذه المقامرة باتت تفوق عائدها، وأن مشروعها خاسر على كل المستويات، وأن السودان لن يُدار من الخارج ولا بالمليشيات.
التفاوض هنا هو رسالة واضحة: نحن ندرك من أنتم، ونعرف ما تريدون، وندير الصراع على كل مستوياته العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية. التفاوض يُكمل الحسم العسكري.
5
إذا كانت هذه مسببات التفاوض مع الإمارات، فإن شرطًا واحدًا يظل هو الحاسم في أي حديث عن التفاوض، ألا وهو وقف العدوان ابتداءً؛
بمعنى أن تتوقف أبوظبي عن تمويل المليشيا بالسلاح وكافة أشكال دعمها، ثم بعدها يمكن أن نذهب إلى موائد التفاوض.
أما أن يكون السلاح متدفقًا، والإمارات مستمرة في تسعير الحرب بواسطة المليشيا أو وكلائها في المنطقة، حفتر وغيره، فإن ذلك مجرد عبث سياسي ومضيعة للوقت.
6
محددات التفاوض
المشكلة ليست في التفاوض بحد ذاته، بل في محدداته وشروطه. فلا ينبغي أن يُدار التفاوض من موقع المساواة بين طرفين متكافئين، بل من موقع دولة تخاطب دولة أخرى تجاوزت الأعراف الدبلوماسية والسيادة، واتخذت العدوان وسيلة لتحقيق أهدافها.
لذا، يجب أن يُدار التفاوض عبر قنوات دبلوماسية سيادية وشفافة، من موقع قوة، وليس من موقع مساواة مع دولة تجاوزت السيادة.
ثانيًا : التفاوض من موقع القوة.
السودان ليس دولة تابعة ولا خانعة، وهو اليوم في لحظة مفصلية تمنحه أوراقًا تفاوضية نادرة:
فلا استقرار في البحر الأحمر دون السودان، ولا نمو حقيقي في شرق أفريقيا دون ممراته، ولا مستقبل للمشاريع الإقليمية مهما تكاثرت الموانئ دون إرادته المستقلة.
كل هذا يجب أن يكون على الطاولة، لا من باب التهديد، بل من باب إثبات الحضور والندية.
ثالثًا : التفاوض مع الإمارات لا يجب أن يتحول إلى رهن سيادة السودان أو فرض خارطة سياسية على مقاس طرف خارجي.
ما قد يُطلب اليوم كتنازل سياسي، قد يصبح غدًا سببًا في انفجار جديد إذا شعر السودانيون أنهم استُبعدوا لإرضاء جهة أجنبية، أو أن مواردهم نُهبت باسم الاستثمار.
المطلوب اليوم ليس فقط الانتصار في الميدان، بل الانتصار في معركة الحفاظ على القرار الوطني.
طلبات أبوظبي قد تُعرض، لكن قبولها أو رفضها يجب أن يتم من داخل مؤسسات دولة ذات سيادة، وينبغي أن يكون التفاوض شفافًا ومعلنًا. على ماذا نتفاوض مع الإمارات ؟ نواصل في الحلقة القادمة.
عادل الباز
إنضم لقناة النيلين على واتساب