لجريدة عمان:
2025-06-22@12:58:44 GMT

كيف نستعد للتصدي للجوائح في المستقبل؟

تاريخ النشر: 7th, October 2023 GMT

لم تكن البشرية تتوقع تفشي جائحة كورونا (كوفيد-19)، مع أننا كنا نتلقى على مدى عقود من الزمن إنذارات قوية تحذرنا من انتشار سارس، وإيبولا، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وأنفلونزا الطيور على نطاق أصغر. وأنشأ الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الذي أدرك الطبيعة الحقيقية للتهديد الذي قد تفرضه الأمراض المعدية، هيئة معنية بالأمن الصحي العالمي والدفاع البيولوجي داخل مجلس الأمن القومي.

ولكن دونالد ترامب، الذي كان يفتقر للحكمة، أوقف أشغال الهيئة.

ونظرا لأن هناك احتمالات قوية بأننا سنواجه وباءً آخر عاجلا أو آجلا، فإن المجتمع الدولي منخرط عن حق في مناقشة كيفية الاستجابة للأوبئة على نحو أفضل في المستقبل. وفي الشهر الماضي، أصدر اجتماع رفيع المستوى للأمم المتحدة بشأن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها «إعلانا سياسيا» رُحب به بوصفه قرارا معلما. وعلى حد تعبير كارولين رينولدز، المؤسِسة المشاركة لشبكة الإجراءات المتعلقة بالوباء، فإن المسودة المؤلفة من 14 صفحة أقرت أن الوقاية من الجوائح والتأهب والاستجابة لها هي أكثر بكثير من مجرد مسألة صحية وطنية؛ بل إنها قضية أمنية واقتصادية وطنية وعالمية. فعلى غرار قضية تغير المناخ، تشكل الأوبئة خطرا نظاميا عالميا وتهديدا وجوديا للبشرية، ويتعين علينا أن نتعامل معها على هذا الأساس.

ولكن أليس هذا مجرد توضيح لما هو واضح؟ وفي حين أشاد البعض بالاتفاق ووصفه «تاريخيا»، إلا أنه لم يكن مصحوبًا بأي التزامات ثابتة من جانب الحكومات.

إننا نعلم بالفعل ما سيتطلبه الأمر للاستجابة للجوائح على نحو أفضل في المستقبل. فبعد انتشار فيروس كورونا على مستوى العالم، مات الملايين من الناس في البلدان الفقيرة بسبب عدم القدرة على الوصول إلى الأدوية التي كانت تُخزن في البلدان الغنية. وكنا نحتاج إلى التنازلات عن كل حقوق الملكية الفكرية المرتبطة بالتصدي لمسببات الجائحة ــ بما في ذلك اللقاحات، والاختبارات، ومعدات الحماية الشخصية، والعلاجات ــ فضلا على التزامات الجميع بتقاسم ما لديهم من تكنولوجيا، وتوفير كل الأموال اللازمة لمساعدة البلدان الأشد فقرا.

ومع ذلك، خلال أزمة كوفيد-19، لاحظنا أنه حتى أقوى الدول المدافعة عن الحوكمة الدولية، تحديدا الولايات المتحدة، ليست نادمة عن انتهاكها للقواعد والأعراف التي كانت تعتبرها متناقضة مع مصالحها المباشرة. إن الحد من بعض تحركات الأشخاص لاحتواء انتشار الفيروس، وحظر تصدير المنتجات الأساسية المتعلقة بفيروس كورونا كانا أمرين مختلفين تماما.

وفضلا على ذلك، وبفضل الطلب الشجاع المتعلق بحرية الاطلاع على المعلومات في جنوب إفريقيا وتسريبات أخرى مؤكدة، أصبحنا نعلم الآن أن شركات الأدوية الكبرى قد انحدرت إلى مستوى متدن للغاية لدرجة أنها فرضت رسوما على بعض البلدان النامية أعلى مقارنة مع تلك التي فرضتها على البلدان المتقدمة. كما أصر بعضها على تصدير الجزء الأكبر من منتجاتها إلى أوروبا من الأسواق الناشئة حيث تُصَنع، مع أن مواطني تلك البلدان كانوا في أمس الحاجة إلى الأدوية.

والأسوأ من ذلك أنه في حين كانت حكومات البلدان النامية خاضعة لالتزامات تعاقدية صارمة، فقد أعفيت الشركات نفسها حتى من الحد الأدنى للمتطلبات اللازمة لتسليم ما وعدت به من إمدادات في الوقت المناسب. وأصرت على السرية -لأسباب أصبحت واضحة الآن- حتى حين يؤدي ذلك إلى انتهاك قوانين النزاهة في أي بلد. لذا، وضعت العديد من حكومات البلدان النامية أمام خيارين: إما إنقاذ حياة مواطنيها أو الحفاظ على القيم الديمقراطية. واختارت دولة واحدة على الأقل الحصول على اللقاحات من روسيا باعتباره حلا وسطا. واختارت الدول الأخرى الصين باعتبارها المصدر الوحيد الممكن للقاحات.

إن أي نهج عقلاني يجب أن يبدأ بالاعتراف أن السيطرة على الأوبئة تصب في مصلحة الجميع. ونظرا للعجز الواضح للدول الغنية والقوية فيما يتعلق بالوفاء بالتزاماتها أثناء الأزمات، فإن الحل المعقول يتلخص في ضمان القدرة على إنتاج المنتجات المرتبطة بالوباء في كل مكان، وإزالة العوائق المتوقعة التي قد تحول دون قيام البلدان بذلك. وهذا يعني الموافقة على تنازل قوي عن الملكية الفكرية، وفرض عقوبات صارمة على أي شركة أدوية تتدخل تدخلا خاطئا في استخدام شركة أخرى للملكية الفكرية المحددة، بما في ذلك الحالات التي يصَدر فيها الإنتاج إلى دول ثالثة في العالم النامي.

ومن أجل السيطرة على التهديدات المستقبلية، يجب نقل بعض التكنولوجيا ذات الصلة الآن، ويجب أن تلتزم الحكومات والشركات بتسهيل أي عمليات نقل إضافية قد تجعلها مسببات الأمراض المستقبلية ضرورية. وينبغي للحكومات أن تمتلك الأدوات والسلطة القانونية اللازمة لإجبار أو حث الشركات الواقعة ضمن ولاياتها القضائية على تقاسم مثل هذه التكنولوجيا؛ وينبغي أن يكون للدول النامية الحق في رفع دعوى قضائية في حال لم يحدث ذلك. ومع ذلك، فإن آليات التنفيذ العالمية ضعيفة، وقد شهدنا خلال جائحة كوفيد-19 انتهاكًا للقواعد والمعايير الدولية من جانب دول الشمال العالمي- دون أن تترتب على ذلك عواقب. ولهذا السبب من المهم جدًا أن نتوفر على قدرات فيما يتعلق بإنتاج الأدوية وتطويرها في الجنوب العالمي.

ولا يمكننا أن نثق في قدرة الاقتصادات المتقدمة على توفير التمويل الطارئ عندما يتطلب الوضع ذلك. فمجرد إقناعها بتقديم التزامات مسبقة أثناء المفاوضات الحالية، مُهمة صعبة جدا. ومرة أخرى، لكي نسيطر على التهديدات المستقبلية، يتعين علينا أن نعمل على حشد الأموال اللازمة الآن، ووضع قواعد واضحة لتسليمها. وحتى لو كان من غير المرجح أن تقدم بعض الحكومات الأموال على الفور- فلا ينبغي للعالم أن يتوقع شيئا من الجمهوريين في الكونغرس الأمريكي- إذ لا يزال ممكنا صياغة اتفاق ملزِم لتسليم الأموال عبر قنوات متعددة الأطراف مثل بنوك التنمية وصندوق النقد الدولي.

وهناك مبدأ تبادل المصالح في هذا الصدد. إذ نظرا لأن السيطرة على أي مسبب للأمراض في المستقبل سوف تتطلب الحصول على بيانات، فإننا نحتاج إلى التزام جميع البلدان بتقاسم البيانات. ولكن خلال أزمة كوفيد-19، عوقبت جنوب إفريقيا فعليا عندما حددت متغيرا جديدا من الفيروس: استجابت بلدان أخرى بفرض قيود ضدها فيما يتعلق بالسفر، مع أنه لم يكن مصدر المتغير واضحا، أو ما إذا كان أكثر انتشارا في مكان آخر. إن ردة الفعل هذه سابقة كارثية يحتمل أن تلقي بظلالها على الوباء القادم. فلابد أن تكون لدى البلدان حوافز للانفتاح. ويعد ضمان الوصول إلى التكنولوجيات والتمويل في حالات الطوارئ أمرًا ضروريًا لتحقيق هذا الهدف.

وأثناء التصدي لكوفيد-19، أعطينا الأولوية لأرباح شركات الأدوية على حساب حياة الناس ورفاهيتهم في البلدان النامية، لقد كان ذلك غير أخلاقي، ومخزيا، وأدى إلى نتائج عكسية. وما دامت مسببات الأمراض تتفاقم في أي مكان، فسيكون هناك خطر حدوث طفرات جديدة تهدد الجميع. ومع خوض أمريكا وحلفائها الأوروبيين المعركة لكسب القلوب والعقول في مختلف أنحاء العالم النامي، فقد وضعوا أنفسهم في ورطة وكشفوا عن نقاط الضعف التي تعيب أنظمتهم الديمقراطية. إن ما يراه بقية العالم هو حكومات خاضعة لسيطرة شركات الأدوية الكبرى لدرجة أنها ستعطي أولوية لمصالح هذه الشركات على حساب أمنها الخاص.

يجب أن نمهد الطريق لاستجابة أكثر عدلا وشمولا وعقلانية في المستقبل. وإزاء هذه المهمة العاجلة، كانت اجتماعات الأمم المتحدة الشهر الماضي أقل بكثير من المستوى المطلوب.

جوزيف إي. ستيغليتز حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد وأستاذ جامعي بجامعة كولومبيا، وهو كبير الاقتصاديين السابق في البنك الدولي (1997-2000)، ورئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأمريكي، والرئيس المشارك للجنة رفيعة المستوى المعنية بأسعار الكربون.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: البلدان النامیة فی المستقبل کوفید 19

إقرأ أيضاً:

مصر تُقلع نحو المستقبل.. توطين صناعة السيارات بخطط طموحة وتقنيات عالمية

في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية والتحديات التي تواجه الدول النامية، تبرز مصر كنموذج يسعى بجدية نحو تحقيق نهضة صناعية حقيقية، يأتي على رأس أولوياتها توطين صناعة السيارات. هذا القطاع الحيوي بات يشكل محورًا مهمًا في الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة التي تتبناها الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، كأداة لتحفيز النمو، وتقليل الاعتماد على الخارج، وتعزيز القدرات التصديرية.

شراكة استراتيجية وإنتاج محلي بنسبة 45%

كشف اللواء مختار عبد اللطيف، رئيس مجلس إدارة الهيئة العربية للتصنيع، عن تحقيق تقدم كبير في مشروع توطين صناعة السيارات في مصر، مشيرًا إلى أنه تم إنتاج سيارة "ستروين C4X" محليًا بنسبة مكون محلي بلغت 45%، وذلك بالتعاون مع مجموعة "ستيلانتس" الفرنسية، من خلال الشركة العربية الأمريكية للسيارات، التابعة للهيئة.

وخلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية لبنى عسل في برنامج "الحياة اليوم"، أوضح عبد اللطيف أن السيارة يتم إنتاجها بفئتين، الأولى بسعر 1.2 مليون جنيه، والثانية (فول أوبشن) بسعر 1.5 مليون جنيه، وتتميز بمحرك تيربو ثلاثي الأسطوانات سعة 1200 سي سي وناقل حركة أوتوماتيكي بـ8 سرعات، ما يجعلها خيارًا اقتصاديًا ومنافسًا في فئتها.

خطة طموحة لإنتاج 240 ألف سيارة

وتحدث عبد اللطيف عن الخطة المستقبلية للهيئة، التي تستهدف إنتاج 240 ألف سيارة حتى نهاية عام 2031، منها 160 ألفًا للتصدير و80 ألفًا للسوق المحلي. كما أشار إلى أن المشروع سيشهد إطلاق طرازين جديدين بنهاية عام 2026، أحدهما من فئة السيدان والآخر من طراز SUV.

وأكد أن الهيئة تعمل بشكل منهجي على زيادة نسبة المكوّن المحلي تدريجيًا، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، في إطار السعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الفاتورة الاستيرادية، الأمر الذي ينعكس بشكل مباشر على أسعار السيارات، ويجعلها أكثر تنافسية مقارنة بالمستوردة بالكامل.

دعم رئاسي مباشر وتوجه نحو التصدير

أوضح اللواء عبد اللطيف أن الرئيس السيسي يتابع هذا الملف عن كثب، حيث تم خلال الاجتماع الأخير مع الرئيس استعراض مستجدات صناعة السيارات ومشروعات التوسع المستقبلية. وشدد عبد اللطيف على أن الهيئة تفتخر بدورها في دعم الدولة على طريق توطين الصناعة، وأنها مستمرة في جهودها لتحقيق نقلة نوعية حقيقية تجعل من مصر لاعبًا مهمًا في سوق السيارات العالمي.


خطوة انتقالية نحو التصنيع الكامل

تسعى مصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى بناء اقتصاد قوي يعتمد على التصنيع المحلي، ويعد قطاع السيارات أحد الركائز الأساسية في هذه الرؤية الطموحة.

 في هذا السياق، أكد عمر بلبع، رئيس الشعبة العامة للسيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن الاهتمام المتزايد بصناعة السيارات والتوسع في التجميع المحلي يمثلان خطوة استراتيجية مهمة.

التجميع المحلي.. البداية نحو التصنيع الكامل

يرى بلبع أن دعم الدولة لقطاع السيارات والتجميع المحلي، ليس فقط خطوة نحو الاكتفاء الذاتي، بل يمثل مرحلة انتقالية تمهّد للتصنيع الكامل مستقبلاً. وأشار إلى أن تعميق المكوّن المحلي في عمليات التصنيع يسهم في رفع كفاءة الإنتاج الوطني وتقليل الاعتماد على الواردات الأجنبية، ما ينعكس بشكل مباشر على تحسين الميزان التجاري ودعم العملة المحلية.

فرص عمل وتنمية اقتصادية شاملة

واعتبر بلبع أن قطاع السيارات لا يقتصر فقط على الإنتاج داخل المصانع، بل يمتد ليخلق آلاف فرص العمل في سلاسل التوريد المرتبطة به، مثل قطاع النقل وقطع الغيار والخدمات اللوجستية. وهو ما يسهم بدوره في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني وتوسيع القاعدة الإنتاجية بشكل متكامل.

مدينة لصناعة السيارات وتوطين التكنولوجيا

وفي خطوة طموحة نحو المستقبل، أشار بلبع إلى توجيهات الرئيس السيسي بإنشاء مدينة متكاملة لصناعة السيارات، والتوسع في إنتاج السيارات الكهربائية، مؤكدًا أن هذا التوجه يعكس رؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى توطين التكنولوجيا الحديثة وتحفيز منظومة الابتكار في مصر.
 

مصر على أعتاب نهضة صناعية واعدة

اختتم بلبع تصريحاته بالتأكيد على أن مصر الآن تقف على أعتاب مرحلة صناعية جديدة، سيكون لقطاع السيارات فيها دور محوري. فالاستثمار في هذا القطاع لا يقتصر فقط على دعم الاقتصاد، بل يعزز من مكانة مصر كمركز إقليمي لصناعة السيارات في الشرق الأوسط وإفريقيا، ويقربها أكثر من تحقيق حلمها في التنمية المستدامة والاكتفاء الذاتي.


تقف مصر على أعتاب نهضة صناعية واعدة، تضع في قلبها توطين صناعة السيارات كأحد أعمدتها الأساسية. من تصنيع سيارات محلية بجودة أوروبية، إلى خطط تصدير واستثمارات مستقبلية واعدة، تتجه البلاد بخطى واثقة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وخلق فرص عمل وتحسين الميزان التجاري وبفضل الإرادة السياسية والدعم المؤسسي والوعي الشعبي المتزايد، ويمكن لمصر أن تصبح مركزًا إقليميًا لصناعة السيارات، تنطلق منه المركبات المصرية إلى طرقات العالم، محملة بعبق الصناعة الوطنية، وثقة المستقبل.

طباعة شارك مصر السيارات الدولة الاقتصادية الرئيس السيسي تصنيع

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد: المكتب التنفيذي ربع قرن من الإنجاز وذراعاً في صنع المستقبل (فيديو)
  • البترول: 220 مليون متر مكعب من حقل ظهر في المستقبل
  • مكافحة التهريب في تعز تضبط كمية كبيرة من الأدوية المهربة والمحظورة
  • ضوابط جديدة للتصدي للمنافسة غير المشروعة في تجارة السلع والخدمات
  • طحنون بن زايد: الأب ركيزة أساسية في بناء المجتمع واستقراره
  • منافس Galaxy Z Fold 7.. هونر Magic V5 يثبت أن النحافة عنوان المستقبل
  • مصر تُقلع نحو المستقبل.. توطين صناعة السيارات بخطط طموحة وتقنيات عالمية
  • رئيس الأركان الإسرائيلي: نستعد لحملة طويلة وننتظر أياما صعبة
  • حجيرة: إطلاق منطقة التبادل الحر الإفريقية فرصة سانجة لتنشيط التجارة بين البلدان الافريقية (فيديو)
  • الفاتيكان يحث على معالجة أزمة الديون في الدول النامية