ما ورد في الشرع في فضل العمل بالغرس والزرع
تاريخ النشر: 9th, October 2023 GMT
قالت دار الإفتاء المصرية، إن العمل بالزراعة وما يتعلق بها من البذر والسقي والرعاية والعناية من أفضل الحِرَف التي يعمل بها الناس وأعلاها لِمَا يتحقق من خلالها من فوائد ومكاسب لمصلحة البلاد والعباد؛ ولذلك ضرب الله تعالى بها المثل عند حديثه عن فضل الإنفاق كما في قوله سبحانه: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 261].
قال الإمام القرطبي في "تفسيره": [في هذه الآية: دليل على أن اتخاذ الزرع من أعلى الحِرَف التي يتخذها الناس والمكاسب التي يشتغل بها العمال، ولذلك ضرب الله به المثل؛ فقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ الآية]، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلَا يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ، وَلَا دَابَّةٌ، وَلَا شَيْءٌ؛ إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةً» رواه مسلم؛ قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم": [هذه الأحاديث تبين فضيلة الغرس وفضيلة الزرع، وأن أجر فاعلي ذلك مستمر مادام الغراس والزرع وما تولد منه إلى يوم القيامة].
ثواب العمل بالغرس والزرعوقال العلامة القسطلاني في "إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري": [مقتضى الحديث: أن ثواب ذلك مستمر ما دام الغرس أو الزرع مأكولاً منه، ولو مات غارسه أو زارعه ولو انتقل ملكه إلى غيره، قال ابن العربي: في سعة كرم الله أن يثيب على ما بعد الحياة، كما كان يثيب ذلك في الحياة، وذلك في ستة: صدقة جارية.. أو غرس، أو زرع].
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَزْرَعَهَا وَعَجَزَ عَنْهَا، فَلْيَمْنَحْهَا أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، وَلَا يُؤَاجِرْهَا إِيَّاهُ» رواه مسلم.
وقال الإمام مظهر الدين الزيداني -كما نقله عنه الملَّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح": [يعني ينبغي أن يحصل للإنسان نَفْعٌ مِن ماله؛ فمن كانت له أرض فيزرعها حتى يحصل له نَفْعٌ منها، أو لِيُعْطِهَا أخاه ليحصل له ثوابٌ، فإن لم يفعل هذين الشيئين فليمسك أرضه، وهذا توبيخٌ لمن له مالٌ ولم يحصل له منه نَفْعٌ].
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: دار الافتاء الإفتاء
إقرأ أيضاً:
هل يجوز المسح على الخف خشية البرد في الشتاء؟.. الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية البرد في الشتاء؟ وما كيفية ذلك؟ وما مدته؟.
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: يجوز للمسلم أن يترخَّص بالمسح على الخفين خشية البرد في الشتاء، شريطة أن يُلبَسا بعد كمالِ الطهارةِ التامةِ من الحدثين الأكبر والأصغر، وأن يكونَا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من الرجلين أي: يغطيان الكعبين، وأن يمنعا نفوذ الماء إلى القدم، وأن يكونا ثخينين يُمْكِنُ متابعة المشي عليهما، ويكون المسح بأن يبلّل المسلم يده بالماء ثم يمرّرها على الخف الملبوس مفرجًا أصابعه خطوطًا مرة واحدة بداية من أطراف أصابع الرجل إلى الساق، وذلك مدة يوم وليلة إن كان مقيمًا، وثلاثة أيام ولياليها إن كان مسافرًا.
المسح على الخفين من مظاهر رفع المشقة في الشريعة الإسلامية
قامت الشريعة الإسلامية على أساس اليُسر والتخفيف ورفع العنت والمشقة عن المكلفين؛ قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]، وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: 78]، وعن أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ» أخرجه الإمام أحمد، والطَّبَراني في "المعجم الكبير".
ومن مظاهر هذا اليسر والتخفيف في الأحكام الشرعية: أنَّها أباحت للمكلف عند الوضوء أن يمسح على الخفينِ رُخصة من الله سبحانه وتعالى له تيسيرًا وتخفيفًا عليه، والأصل في ذلكَ: ما روي عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كُنْتُ مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ»، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا. أخرجه الإمام البخاري.
قال الإمام بدر الدين العَيْني في "عمدة القاري" (3/ 102، ط. دار إحياء التراث العربي): [فيه جوازُ وبيانُ مشروعيتهِ] اهـ.
حكم المسح على الخفين
قد اتفق الفقهاء على جواز المسح على الخفين في الحَضَر والسفر للرجال والنساء.
والمسح هو: إمرار اليد المبتلَّة بالماء على الشيء بلا تسييل؛ كما في "التعريفات" للجُرْجاني (ص: 211، ط. دار الكتب العلمية).
والخُفُّ هو: نعل مصنوع من الجلد يغطي الكعبين، والكعبان هما: العظمتان البارزتان أسفل الساق على جانبي القدم.
قال الإمام زين الدين ابن نُجَيْم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 173، ط. دار الكتاب الإسلامي): [والخف في الشرع: اسم للمتخذ من الجلد الساتر للكعبين فصاعدًا وما ألحق به، وسمي الخف خفًّا من الخفة؛ لأنَّ الحكم خُفَّ به من الغَسل إلى المسح] اهـ.
كيفية المسح على الخفين
كيفية المسح على الخفين: أن يُبلل -من أراد المسح- يده بالماء ثم يمررها على الخف الملبوس مفرجًا أصابعه خطوطًا مرة واحدة بداية من أطراف أصابع الرِّجْل إلى الساق.
قال العلامة إبراهيم الحلبي الحنفي في "ملتقى الأبحر" (ص: 38، ط. دار البيروتي): [وسنته: أن يبدأ من أصابع الرِّجْل ويمدَّ إلى الساق مفرجًا أصابعه خطوطًا مرة واحدة] اهـ.
شروط المسح على الخفين
قد اشترط الفقهاء لجواز المسح على الخفين عدةَ شروطٍ، منها: أن يُلبَسا بعد كمالِ الطهارةِ التامةِ من الحدثين الأكبر والأصغر، وأن يكونَا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من الرِّجْلين أي: يغطيان الكعبين، وأن يمنعا نفوذ الماء إلى القدم، وأن يكونا ثخينين يُمْكِنُ متابعة المشي عليهما.
حكم المسح على الخفين خشية البرد في الشتاء
للمكلف إذا خشي على نفسه أن يصيبه مرض من البرد أثناء فصل الشتاء أن يمسح على الخف بالكيفية السابق ذكرها، إذا توافرت فيه الشروط الشرعية.
أقوال الفقهاء في مدة المسح على الخفين
أما مدة المسح على الخفين، فقد اختلف الفقهاء في تقديرها، فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة إلى أنَّه مُقَدَّرٌ بِمُدَّةٍ في حق المقيم يومًا وليلة، وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها؛ لما روي عن عوف بن مالك رضي الله عنه "أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ: ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ وَلَيَالِيهِنَّ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ" أخرجه الإمام أحمد في "المسند".
وذهب المالكيةِ إلى أنَّ المسح على الخفين غير مُقَدَّر بِمُدَّة، فله أن يمسح كما شاء، مع ندبِ نَزعِهِ كلَّ جُمُعَةٍ؛ لما روي عن خزيمة بن ثابت رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ»، قَالَ أَبو داود: رواه منصور بن المعتَمِرِ، عن إبراهيم التَّيْمِيِّ بإِسناده، قال فيه: "وَلَوِ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَنَا" أخرجه أبو داود.
المختار للفتوى في مدة المسح على الخفين
المختار للفتوى هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنَّ المسح على الخفين في حق المقيم يوم وليلة، وفي حق المسافر ثلاثة أيام ولياليها؛ لأنَّ الشرع الشريف حدد المسح، والحد يمنع المحدود من مشاركة غيره في حكمه، فلا يمسح المقيم ولا المسافر أكثر من المدة التي حُددت له، ولأنَّ المسح إذا كان على حائل يقدَّر بالحاجة من غير مجاوزة كالجبيرة، وحاجة المقيم إلى لبس الخفين لا يستديم في الغالب أكثر من يوم وليلة، والمسافر لا تستديم حاجته فوق ثلاث ليال.
وبناءً على ما سبق وفي السؤال: فيجوز لك أن تترخَّص بالمسح على الخفين خشية البرد في الشتاء، شريطة أن يُلبَسا بعد كمالِ الطهارةِ التامةِ من الحدثين الأكبر والأصغر، وأن يكونَا طاهرين في نفسهما، وأن يكونا ساترين لمحل غسل الفرض من الرجلين أي: يغطيان الكعبين، وأن يمنعا نفوذ الماء إلى القدم، وأن يكونا ثخينين يُمْكِنُ متابعة المشي عليهما، ويكون المسح بأن تبلل يدك بالماء ثم تمررها على الخف الملبوس مفرجًا أصابعك خطوطًا مرة واحدة بداية من أطراف أصابع رجلك إلى ساقك، وذلك مدة يوم وليلة إن كنت مقيمًا، وثلاثة أيام ولياليها إن كنت مسافرًا.