كان المتوقع أن تخرج قمة القاهرة للسلام على الأقل بقرار يقضي بفتح معبر رفح وإدخال المساعدات إليه دون توقف، لكن التوقع كان مبالغاً فيه بشكل خيالي، والقمة انتهت دون أن تخرج حتى ببيان ختامي يعبر فيه عن الحد الأدنى مما يجب قوله وليس فعله، أي بإدانة الإجرام الصهيوني بحق المدنيين في غزة..لكن ذلك لم يحدث، بل حاول الأوروبيين المشاركون في القمة إنهاءها ببيان يدين المقاومة.
ولهذا استحقت قمة القاهرة للسلام أن تسمى قمة العار العربي، فلم يكن العرب بحاجة لقمة يتداعون لها فقط ليعجزوا عن إصدار بيان إدانة، وقد أحسنت الجزائر التي رفضت المشاركة من البداية فيكفي أن يظل العار وراء الحجب وليس في قمة عربية.. إنها قمة العار بالفعل، لخَّصت الواقع الذي يمر به النظام العربي الرسمي وجسَّدت هوانه وضعفه، وجعلت الغرب يزيد في تنمره واستئساده بمحاولة فرضه لبيان كاد أن يُصدر باسم القمة يتضمن إدانة للمقاومة الفلسطينية وهي بالتأكيد ستكون إدانة للشعب الفلسطيني ولكل مقاومته المشروعة في مواجهة المحتل الصهيوني الغاصب.
والحقيقة أن هذه الجرأة ما كانت لتحدث لولا ضعف مواقف زعماء هذه الأنظمة تجاه الجرائم الصهيونية من اليوم الأول.
لا لبس في عدالة قضية الشعب الفلسطيني وفي أن مظلوميته أكبر مظلومية إنسانية وفي عدالة حقه وحقوقه وفي أنه يدافع عن نفسه، ولا لبس في إجرام الكيان الصهيوني وتوحشه وطغيانه وتعديه وأنه يرتكب جرائم إبادة وحشية ويقتل الأطفال والنساء ويتمادى في إرهاب وإبادة شعبنا الفلسطيني في غزة، ومع ذلك تفرّق رؤساء العرب عن هذا الحق وعجزوا في التعبير عن أقل موقف، في المقابل احتشد رؤساء أمريكا وحكومات الغرب الكافر لدعم الإجرام الصهيوني ودعمه وتسليحه وتذخيره وتحركوا حتى في مواجهة كل من يفكر في التضامن مع غزة وأهلها الأخيار.
إلى مستوى فصل وتوقيف كل من يُبدي تعاطفاً مع غزة من عمله، إذ قامت (بي بي سي) بتوقيف مذيعين وصحفيين وفصلهم بسبب تضامنهم/ كما أوقفت صحيفة نيويورك تايمز أفضل رسَّاميها عن العمل لأنه تضامن مع غزة..وهلم جرا!
وبينما يهرع مسؤولو الغرب وامريكا إلى تل أبيب واحداً تلو الآخر لدعم الكيان الصهيوني، يقوم بعض زعماء الأنظمة العربية بتحريك أبواقهم وذبابهم للتحريض على المقاومة وتشويهها وشن حملات إعلامية عليها..وهذه خطيئة لا تفسير لها إلا أن هؤلاء الحكام المنافقين باتوا أقرب إلى الصهاينة منهم إلى المقاومة بل إلى الأمة الإسلامية وشعوبها.
سيكتب التاريخ أن حرباً فاصلة نشبت بين أعداء الأمة والبشرية اليهود والغرب وأمريكا وبين أبطال غزة المدافعين عن كرامة الأمة كلها، وسيكتب بأن قادة النظام العربي الرسمي إزاء هذه الحرب وقفوا بين خائن متصهين، وبين مخذول جبان خانع، وبين متفرج محايد والتاريخ لن يرحم أحداً..ولن ينسى التاريخ أن هؤلاء أنفسهم حشدوا جيوشهم وقواهم قبل تسعة أعوام للحرب على الشعب اليمني وشنوا القصف والحرب والحصار على شعب عربي مسلم بادعاء حماية الأمن القومي العربي.. فيما هم لم يفعلوا شيئاً لحماية الأمن القومي العربي حين لم يحركوا ساكناً أمام العدو الصهيوني..
يأتي هذا الهزال والضعف بينما تشتغل الماكينة الإعلامية لمملكة العدوان السعودية بقوة في التحريض على حركة المقاومة حماس وتشويه قادتها، وتشتغل الماكينة الإعلامية لدويلة الإمارات في تسويق السردية الصهيونية والتناغم مع إعلام بني صهيون بشكل واضح وبتجاهل شبه كامل للجرائم الوحشية التي يرتكبها العدو الصهيوني، أو بالتعاطي معها أحياناً في سياق توصيفها كمستجدات يومية للحرب وربطها بما يقوله الصهاينة من أنها عمليات مستمرة على غزة.
والخلاصة..
كما كشفت هذه الحرب عوار الغرب وانحرافه وفضحت زيف القيم الإنسانية التي يتشدق بها وكشفت بالشواهد الواضحة عن إجرام أمريكا برعاية الكيان الصهيوني وتسليحه ودعمه لارتكاب جرائم الحرب والإبادة ودورها في تسليح وتذخير هذه الحرب الوحشية، ستكشف أيضاً عجز ووهن وَضِعَة حكام العرب الذين باتوا أسارى لأمريكا والصهاينة إما أولياء لهم أو خانعون، وتبرز في المقابل مواقف أحرار الأمة ومجاهديها وقادتها الحقيقيين..
بئس ما يفعله الزعماء هؤلاء جميعاً..هذا الهوان والذلة ليس له سابقة..هذه الخيانة والتآمر من بعض الزعماء العرب مع الصهاينة لا سابق له..ومعه يصبح القول بأن المسار الوحيد لنصرة غزة وردع العدو الصهيوني هو تحرك الشعوب العربية والإسلامية وأحرارها ومجاهديها ومحور مقاومتها.
هذه الدماء الطاهرة التي تسيل في غزة ليس لها ثمن إلا إزالة الكيان الصهيوني وتحرير فلسطين كل فلسطين.. والله المستعان.
المصدر: الثورة نت
كلمات دلالية: الکیان الصهیونی
إقرأ أيضاً:
لماذا يريد الغرب تعميم نموذجه الفكري والسياسي؟
تعد السيادة داخل أي دولة في عصرنا الراهن فكرة قانونية، معبرة عن الجماعة السياسية المكتملة قانونيًا، وتعكس الكيان المعنوي في ما تقوم به من تصرفات سياسية وإدارية قانونية لصالح المواطنين، ومقتضى هذه السيادة أن سلطة الدولة وسيادتها سلطة أصلية، بمعنى أنها تنبع من ذات الدولة، ولا تستمد أصلها من سلطة أخرى مهما كانت، فالهيئات والأجهزة الأخرى في الداخل، تستمد سلطتها من الدولة التي تملك إنشاء مختلف الهيئات ومنح وتحديد اختصاصاتها، والدولة هي التي تنظم شؤون نفسها لأنها تملك السلطة التأسيسية، أي سلطة وضع الدستور.
ولسيادة الدولة وجهان، داخلي وخارجي. فالسيادة الداخلية، أي في علاقات الدولة بالأفراد والهيئات في الداخل تعني السلطة العليا التي تفرض نفسها على الجميع ولا تنازعها سلطة أخرى. أما السيادة الخارجية، فإنها تعني أن تكون الدولة مستقلة وأن تتعامل على قدم المساواة مع غيرها من الدول. أي أن السيادة الخارجية مرادفة للاستقلال. وعلى ذلك فإن السيادة الخارجية لها معنى سلبي، لأنها تعني مجرد عدم خضوع الدولة لغيرها من الدول، أما السيادة الداخلية فيبدو أن لها معنى إيجابيا، لأنها سلطة آمرة عليا تفرض إرادتها على الجميع. على أن البعض قد ذهب إلى أن للسيادة الداخلية بدورها معنى سلبي لأنها وصف لسلطة عليا دون تحديد لمضمون هذه السلطة. أي أنها لا تبين الاختصاصات التي تملك الدولة مباشرتها في الداخل. وعلى ذلك فإن هذه السيادة ـ في جوهرها ـ إنما تفيد استبعاد أي عقبات يقيمها الأفراد أو الجماعات في سبيل ممارسة الدولة لسلطتها العليا. ولذلك فإن بعض فقهاء القانون الدولي، يرون أن سلطة الدولة بغير سيادة أو بسيادة ناقصة، ويذهبون إلى أن السيادة شيء غير السلطة السياسية، وإنه إذا كانت السلطة السياسية ركنًا من أركان الدولة فإن السيادة ليست كذلك، إذ قد توجد الدولة بغير سيادة ذلك على حين لا توجد دولة بغير سلطة.
وهذا الرأي الأخير يلتقي مع مفاهيم العولمة ومفاهيمها التي من أهدافها الانتقاص من سلطة الدول، بحكم ما تمثله من توجهات وتدخلات، تحت مسميات الحرية الاقتصادية أو الديمقراطية، أو تعميم الانفتاح السياسي الليبرالي من خلال إلغاء الحواجز والأبواب المغلقة، التي تنتهجه الدولة القومية أو الدولة الاشتراكية، التي تدور آنذاك في فلك المعسكر الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي سابقًا، لذلك فإن سيادة الدول ستتناقص تدريجيًا بدرجات متفاوتة فيما يتعلق بممارسة سيادتها في ضبط عمليات تدفق الأفكار والمعلومات والسلع والأموال والبشر عبر حدودها.
فالثورة الهائلة في مجالات الاتصال والمعلومات والإعلام حدت من أهمية حواجز الحدود والجغرافيا. وإذا كان بمقدور بعض الدول أن تحد في الوقت الراهن وبصورة جزئية من التدفق الإعلامي والمعلوماتي القادم إليها من الخارج، فإن هذه القدرة سوف تتراجع إلى حد كبير وقد تنعدم في المستقبل، خاصة في ظل وجود العشرات من الأقمار الصناعية التي تتنافس على الفضاء. كما أن توظيف التكنولوجيا الحديثة في عمليات التبادل التجاري والمعاملات المالية يحد من قدرة الحكومات عل ضبط هذه الأمور، مما سيكون له تأثيره بالطبع على سياساتها المالية والضريبية وقدرتها على محاربة الجرائم المالية والاقتصادية، وبالإضافة إلى ما سبق فإن القوة الاقتصادية والمالية، التي تمثلها الشركات متعددة الجنسية، خاصة مع اتجاه بعضها نحو الاندماج والتكتل في كيانات أكبر، إنما تسمح لها بممارسة المزيد من الضغط على الحكومات، وبخاصة في العالم الثالث، والتأثير على سياساتها وقراراتها السيادية، وليس بجديد القول إن رأسمال شركة واحدة من الشركات العالمية العملاقة، يفوق إجمالي الدخل القومي لعشر أو خمس عشرة دولة إفريقية مجتمعة، وهو ما يجعل هذه الكيانات في وضع أقوى من الدول. ومن هذه المنطلقات الجديدة للعولمة أيضًا ستصبح المقدرة السيادية للدول ـ خاصة في العالم الثالث ـ تتغير لمصالح هذه التحولات التي يشهدها العالم في الوقت الراهن.
ويرى الباحث د/ تركي الحمد أن هذا التوجه الجديد في مسألة انحسار سيادة الدول أو الانتقاص من سلطتها هو نوع من الانقلاب الجذري ـ في العلاقات بين الدول، على اعتبار أن هذا التحول الجديد هو تغيير محتمل «في شكل الدولة ونمط الحكم المعتبر شرعيًا»، بحيث يمكن القول إن مثل هذا الانقلاب لا يقل في أهميته المستقبلية، عن ذلك الانقلاب في التاريخ الأوروبي، الذي أدى في النهاية إلى انتهاء عصر وبداية عصر جديد، مع ما يرافق ذلك من بداية ظهور مفاهيم سياسية جديدة، أو مضامين جديدة لمفاهيم قديمة، تصف هذا الانقلاب والتحوّل، وتحاول أن تضعه في إطار نظري سياسي جديد ، كما فعل منظرو تلك الحقبة، فبعيدًا عن مستوى التحليل الآني والجزئي للسياسة، والمواقف السياسية بصفتها فن الممكن، فإن الإفرازات السياسية بعيدة المدى منظور إلى المسألة من زاوية كلية لعصر العولمة وخاصة في أعقاب حرب الخليج الثانية وانهيار آخر الإمبراطوريات التقليدية الاتحاد السوفييتي».
ويرى البعض أن التدخلات في شؤون الدول إنما هو عبارة نوع من الشعور بالقدر الإنساني المشترك في عصرنا الراهن، ليست القضية هنا تدخل هذه الدولة في الشأن الداخلي لتلك الدولة، بقدر ما هو في ذلك الشعور المتنامي بالمصير المشترك لكل بني الإنسان، نعم إن لمثل هذه العولمة التي تحولت للتغريب المكشوف نتائجها السلبية العديدة على الدولة في العالم الثالث خاصة، وما يثيره ذلك من أسئلة وإشكالات الهوية والمصير الوطني أو القومي أو نحو ذلك.
لكن الكثيرين يختلفون مع الباحث د/ تركي الحمد فيما طرحه في هذه القضية، ويرون أن العولمة يمكن أن تكتسب طابع العمومية والانتشار في كل الأمم والحضارات والدول بحكم إمكانياتها العلمية والتكنولوجية والمعلوماتية مع احتفاظ هذه الدول والشعوب بسلطتها وتراثها السياسي والاقتصادي مع ضرورة انفتاحها السياسي وإقرارها التعددية وغيرها من المضامين التي لا تختلف حولها الأمم والشعوب الأخرى.
وإذا ضعفت الدول وانتقصت سيادتها مع بروز سلبيات العولمة التي من آثارها تسريح العمالة، وتراجعت الصناعات الوطنية أمام الصناعات العالمية المتقدمة وغيرها من المؤثرات، فإن المشكلات الداخلية ستتفاقم وسيصبح الكلام عن الانفتاح السياسي والديمقراطي والرفاه الاقتصادي مجرد أحلام وردية، وستحل القلاقل بدل الاستقرار والرفاه وغيرها من مقولات أدعياء فكرة الغرب.
فتعميم النموذج الغربي ليس خاليًا من الأيديولوجيا لأنها تقاد من مجموعات لها استراتيجيتها وأفكارها وطموحاتها السياسية والاقتصادية والفكرية، ولذلك فإن التطبيقات ستكون مختلفة، وليست بالصورة الوردية التي يطلقها مؤيدوها بطبيعة الحال تبدو هذه العملية المستحدثة في التاريخ، بأنها تدعم فرضية التقارب بل وترسّخها. والواقع أنها تكشف عن العديد من أنواع التنافر وعدم الاتساق حين تحدد نطاق هذا النظام، فعندما تحثّ على استيراد نماذج غربية إلى مجتمعات الجنوب تكشف بذلك عن عدم ملاءمة هذه النماذج.
وعندما تحرّض المجتمعات الطرفية على التكيّف، وتوقظ أيضًا آمال التجدد، مع المخاطر، في الوقت ذاته بخداعها وحين تعجّل بتوحيد العالم، فإنها تحبّذ ظهور التفردات وتزيد تأكيدها، وحين تمنح النظام الدولي مركزًا للسلطة، مركّبًا أكثر من أي وقت مضى، فإنها تتجه نحو زيادة حدة منازعاته وشدة صراعاته، وحين يسعى الغرب فرض نموذجه ويطرح نهاية التاريخ عند هذا النموذج، فهذا يعني بلا شك يجعل هويته وفكره هو الذي يفرض على الثقافات والحضارات الأخرى، لا سيما المجتمعات غير الغربية، أو التي تنتمي ـ عرفًا ـ إلى ما يسمى العالم الثالث، فهذا النظرة الفكرية الفوقية التي يريدها الغرب، تناقض وتعترض على التعددية الفكرية والسياسية، التي هي سمة إنسانية لكل الثقافات البشرية منذ أن وجدت، فمسألة تعميم النموذج الغربي على الأمم الأخرى، لا يمكن يجد القبول والاستجابة، سواء بالترغيب أو الترهيب، وتلك ضمن مسائل مبدئية في الأفكار والنظرات والهويات لا يمكن التخلي عنها.