تحليل: هل عادت أيام السبعينيات إلى عدن بالنسبة للقطاع التجاري والاستثماري؟
تاريخ النشر: 29th, October 2023 GMT
(عدن الغد)خاص:
تحليل يقرأ في تبعات القرارات المتخذة في عدن والتي أضرت القطاعات العقارية والتجارية والاستثمارية..
هل نحن أمام خطة ممنهجة لتدمير القطاع الاقتصادي بشكل كامل في عدن؟
الإجراءات الأخيرة المتخذة اقتصاديا ومعيشيا.. هل هي فعلا غير مدروسة؟
ما التحرك الواجب اتخاذه لوقف القرارات هذه غير المدروسة التي أضرت القطاع العقاري والتجاري؟
لماذا وصل الأمر إلى مستوى مطاردة الناس في مصادر أرزاقهم البسيطة.
كيف يمكن أن تستفيد محافظات أخرى من الإجراءات غير المدروسة بعدن؟
(عدن الغد) القسم السياسي:
تسلم نظام ما بعد الاستقلال مدينة عدن من سلطات الاحتلال الإنجليزي وهي درة وجوهرة التاج البريطاني الذي لا تغيب عنه الشمس، ومركزا اقتصاديا وتجاريا وملاذا للمستثمرين، وقبلة التنوير الثقافي والفني والأدبي، في الجزيرة العربية والخليج، ولا مبالغة لو قيل حتى على مستوى الشرق الأوسط برمته.
فمجرد الحديث عما يقدمه ميناء عدن للمدينة وسكانها والمسيطرين عليها من شهرة وتجارة واقتصاد منتعش، كفيل بتأكيد هذه الحقيقة، التي للأسف لم يستوعبها الحكام الجدد لعدن ممن تحولوا إلى مجرد مجموعة من (الفحامين) الذين تعاملوا مع هذه الجوهرة كقطعة فحم، ولم يدركوا أهميتها فحولوها آنذاك إلى مجرد قرية مظلمة خاوية على عروشها.
حل الاستقلال الوطني على عدن أواخر العام 1967، ورغم النهج الاشتراكي الذي انتهجه الحكام الجدد، إلا أن شيئا من النشاط التجاري والبنوك العالمية والشركات العابرة للقارات كان مازالت متواجدا في المدينة، رغم رحيل الكثير من المستثمرين ورجال الأعمال منها، غير أن الأمر لم يستغرق سوى أقل من عامين حتى يتم تأميم كل تلك المعالم الاقتصادية لتتحول عدن إلى مدينة أشباح، بعد أن ضجت بالتجارة والنشاط المالي والاقتصادي لعقود.
عملت سياسة التأميم على إلحاق كل شيء بأملاك الدولة، بدءا بالبنوك العالمية، ومرورا بالشركات الكبرى التي كانت قد اتخذت من عدن مقرا لها، وليس انتهاء بمساكن المواطنين ومحالهم التجارية الصغيرة ودكاكينهم، حتى إن غالبية سكان عدن غادرها مأسوفا عليها، كما رحل عنها رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأعمال والمستثمرون ليعملوا على إنعاش الاقتصاد في مدن شرق أفريقيا وغرب الخليج العربي والسعودية وجنوب شرق آسيا، ويتركون مدينة عدن لقدرها المحتوم.
تلاشت ملامح الريادة الاقتصادية والمركز التنويري الذي مثلته عدن طيلة أكثر من 120 عاما؛ بفضل مينائها العالمي الذي فتح أبواب الرزق لكل العالم، واستثمرته بريطانيا أحسن استثمار، حتى بات ثاني أكثر موانئ الدنيا ازدحاما بالسفن التجارية، ولم تكن سلعة حول العالم إلا وتتواجد في عدن أو تنطلق منها أو تمر عبر مينائها الشهير.
غير أن الحكام الجدد حينها أماتوا كل شيء في المدينة بمجرد استلام مسئولية إدارتها، فالنظام المنغلق بسبب النهج الاشتراكي التأميمي الذي اتبعه حكام عدن وجنوب اليمن عقب الاستقلال، جعل من المدينة فارغة من أية مؤشرات اقتصادية وتجارية قد تعيدها إلى عهدها الذهبي ما قبل خروج البريطانيين منها، خاصة خلال فترة سبعينيات القرن الماضي.
> تخفيض الراتب
لعل ما يعلق في أذهان الكثيرين، وما يطلع عليه الجيل الجديد في كتب التاريخ، أن هناك مظاهرة شعبية خرجت في عدن ذات يوم من أيام سبعينيات القرن الماضي تطالب الحكومة حينها بتخفيض مرتبات موظفي الدولة، وهو ما لم يحدث في أي مكان من العالم.
لكن النظام في ذلك الوقت لم يكن بمقدوره دفع مرتبات الموظفين، فعمل على الترتيب لإخراج آلاف المنتسبين للسلك المدني والعسكري ليوحي للعالم أن الشعب وبشكل عفوي يُقدر ظروف الدولة وأوضاعها الاقتصادية الصعبة.
بينما النظام هو من فرض عليهم ذلك، بعد أن عجز عن دفع التزاماته تجاه الموظفين، عقب تحويل عدن إلى مجرد قرية تفتقر للأنشطة التجارية والاقتصادية، ونفرت منها رؤوس الأموال ورجال الأعمال والشركات الكبرى، وتم تصفية البنوك العالمية من المدينة، حتى لم يعد في عدن أية مقومات لاقتصاد حقيقي ينتشلها من وضعها الاقتصادي المتردي.
خلال السبعينيات القرن الماضي، لم يكن قد تبقى في عدن أي مستثمر أو رجل أعمال، وتوقفت غالبية النشاطات التجارية من استيراد أو تصدير في عدن، فكيف يمكن ذلك وقد فرض النظام نهجا اقتصاديا منغلقا جعل كل تلك المسئوليات بيد الدولة وأجهزتها الرقابية والاقتصادية، وحدد ما يتم استيراده، بينما لم يكن هناك أي شيء يمكن تصديره.
وهذا ما انعكس على وضع الإيرادات في البلاد كلها، ما فضح الدولة وباتت عارية أمام ما تبقى من شعبها الذي لم يغادر عدن وكان ينتظر مرتباته، ليتفاجأ أن الحكومة تجبره على الخروج بمظاهرات يطالبها بتخفيض قوته ومعاشه الذي لم يتبقَّ للناس في عدن شيء سواه.
وكل ذلك ناتج عن سياسة التأميم وتطبيق نظام الاشتراكية في كل تفاصيل ومرافق الدولة، حتى إن أحدا لا يستطيع أن يبني غرفة في بيته إلا بإذن رسمي، ولا أن يشتري ما يريده من احتياجات إلا بطوابير طويلة، ربما في النهاية لا يجد ما يشتهيه، أو يتم إجباره على شراء شيء لا يرغب فيه.
> ما أشبه الليلة بالبارحة
ذلك التاريخ التعيس لمدينة مثل عدن عرفت عهودا من الازدهار والتألق الاقتصادي والتجاري، يتكرر اليوم في المدينة وبشكل يكاد يكون متشابها للغاية، بعد أن شهدت قرارات اقتصادية وأخرى متعلقة بالاستثمار والمستثمرين بدأت نتائجها تعطي مؤشرات سلبية، ألحقت أضرارا بالقطاع العقاري في عدن، ودفعت نسبة كبيرة من المستثمرين ورؤوس الأموال إلى المغادرة.
وهذا يذكر الجميع بما حدث لمدينة عدن في السبعينيات، فما أشبه الليلة بالبارحة، فاليوم تعيش عدن وقفا تاما لمعظم المشاريع الخاصة والأهلية، فلم يعد أصحاب العقارات يبنون، وضرب الكساد سوق الأراضي بعد أن عجز الناس عن بناء أراضيهم بسبب تكاليف التراخيص الباهظة، حتى على مستوى أصحاب وملاك المنازل الصغيرة من المواطنين البسطاء، ممن عجزوا عن ترميم غرفهم أو عمل إضافات.
في المقابل، يعيش ميناء عدن أسوأ فتراته على الإطلاق، ليس أسوا منها سوى فترة السبعينيات، بعد أن تراجع مستوى نشاطه لحساب ميناء الحديدة، نتيجة ممارسات كثير من نقاط الجبايات الأمنية على طول مسار نقل البضائع من ميناء الحاويات بعدن إلى مناطق وصولها في مختلف محافظات اليمن؛ ما دفع التجار إلى تحويل سفنهم من ميناء عدن إلى موانئ أخرى، على رأسها يأتي ميناء الحديدة.
وجميع تلك القرارات، كوقف التصرف بالعقارات، وممارسات الإتاوات على شاحنات النقل وآثارها على ميناء عدن، وحتى إيقاف عمل محطات الغاز، ومنع حركة الدراجات النارية وحرمان مواطنين وشباب من مصدر رزق، يصنفها بعض المراقبين بأنها خطة ممنهجة لتدمير القطاع الاقتصادي والتجاري بشكل كامل في عدن، بشكل يشابه إلى حد كبير ما كان يجري من ممارسات قبل نحو خمسين عاما.
وبحسب أولئك المراقبين، فإن مثل هذه القرارات لا يمكن أن تكون قد اتخذت بطريقة واعية لصالح الاقتصاد في عدن تحديدا وبقية المحافظات الجنوبية، غير أنهم أكدوا عدم وجود أي رؤية لما بعد تنفيذ تلك القرارات، ولعل قرار وقف عمل محطات الغاز أكبر دليل على هذا التخبط، فسرعان ما تم التراجع عنه بعد أن تسبب بمشاكل عديدة.
الأمر الذي يؤكد أن هذه القرارات التي تدفع ثمنها مدينة عدن لم تكن مدروسة أو مخطط لها، إلا في اتجاه الإضرار بالاقتصاد والوضع التجاري في عدن، فهناك توجه لإلحاق مشاكل معيشية في عدن، ما نتج عنه هذه القرارات العشوائية التي أضرت أكثر مما أفادت، كما أن قرارات أخرى كمنع الدراجات النارية ومطاردة أصحابها وأرزاقهم يحمل الكثير من الأضرار المعيشية على نسبة واسعة من الأسر والشباب العاطلين عن العمل، والذين يمكن أن يتحولوا إلى مشكلة جديدة، بعد أن كانت تلك الأعمال تشغل كل وقتهم.
وجميع تلك الممارسات والحملات والقرارات تؤكد أن عدن تسير إلى الوراء، وتعيد الزمن من جديد، وترجع إلى عهد السبعينيات المظلم اقتصاديا ومعيشيا، واليوم تعيش المدينة نفس ما كانت تعيشه قبل خمسين عاما، من الركود الاقتصادي والكساد التجاري الذي ألقى بظلاله على الناس والبسطاء ودفعهم إلى الهجرة والنفور من المدينة.
> أين يكمن الحل؟
لم ينتهِ الوقت بعد، وبإمكان السلطات المسئولة عن عدن والمحافظات الجنوبية تلافي القرارات المتخذة وتبعاتها الخطيرة اقتصاديا ومعيشية، من خلال التعامل مع كل المشاكل المترتبة على القرارات بشكل مرن، والتراجع عن اتخاذها مع العمل على تنظيم وترتيب القضايا التي اتخذت القرارات بشأنها.
فهيبة الدولة والنظام لا تتم عبر إعلان قرارات معينة وتنفيذها، والضرب بعرض الحائط بكل تبعاتها وتداعياتها المعيشية، ولكن من خلال ترتيب وتنظيم وتخطيط المشكلات التي نتج عنه هذه القرارات، كملف العقارات، ومشاكل إتاوات النقل والنقاط الأمنية، وحتى ملفات الوقود والدراجات النارية، فيمكن من خلال هذا التنظيم والتخطيط إيجاد الحل لكل تلك المعضلات.
فبدلا من منع البناء في العقارات والأراضي، يمكن فرض معايير وضوابط معينة من قبل السلطات المختصة ومراقبة النشاط العقاري وليس إيقافه، وعليه كان يمكن ترقيم وتنظيم حركة الدراجات النارية وتقييد حركتها بمناطق المديريات وضبط المخالفين منهم، بدلا من إيقاف حركتها وقطع أرزاق البسطاء والعاطلين عن العمل من الشباب.
ويمكن لحلول كهذه، أن تمنع التبعات المعيشية وربما حتى الأمنية لمثل هذه القرارات التي أغلقت أبواب الأمل أمام الناس والشباب تحديدا، وجعلت من حياتهم مجرد سواد طاغٍ يغشي عيونهم وآفاق مستقبلهم، بل ويجعلهم يفكرون بالانحراف، أو في أحسن الحلول الرحيل عن عدن، وهذا الأمر يستحب على التجار والمستثمرين ورؤوس الأعمال، وحتى ينسحب على الشباب.
وهنا، قد تنتهز محافظات يمنية أخرى، وربما حتى دول أخرى، هذه المشكلات التي تعاني منها عدن، بسبب قراراتها العشوائية وتتلقف المستثمرين ورجال الأعمال وتشجعهم على الاستثمار فيها، أو استغلال توقف ميناء عدن مثلا لتشغيل موانئها بطريقة أكثر فاعلية، واستقطاب رؤوس الأعمال لتنفيذ مشاريع عقارية وسياحية بعد أن نفروا من عدن نتيجة ما يجري فيها من قرارات غير مدروسة.
وتلافيا لكل تلك الخسائر، يمكن للقائمين على عدن وسلطاتها من حكومة ودول تحالف، تجاوز تلك التبعات والتداعيات والعودة إلى جادة الصواب، وإنعاش اقتصاد المدينة عبر فرض تشغيل ميناء عدن حتى على الدول الرافضة لمثل هكذا إجراء، وإحلال الاستقرار في المدينة بهدف تشجيع المستثمرين ورؤوس الأعمال على إمشاء مشاريع عقارية وسياحية، وتشغيل الشباب وخلق وصناعة فرص عمل كثيرة.
كما يجب على السلطات تجنب الإضرار بأصحاب المشاريع المتناهية الصغر، والتي في مقدمتها تأتي الدراجات النارية، التي تمثل مشاريع حيوية لأصحابها توفر لهم قوت يومهم، وفيهم تتجسد معاني الوضع المعيشي، حيث إنهم أكثر الفئات التي تكتوي بنيران التراجع المعيشي أو قرارات تعسفية تتخذ بلا رؤية أو دراسة علمية لتبعاتها.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: الدراجات الناریة هذه القرارات فی المدینة مدینة عدن میناء عدن عدن إلى فی عدن کل تلک بعد أن
إقرأ أيضاً:
تحليل لـCNN: لماذا لم يتدخل ترامب لحل أزمة الهند وباكستان؟
تحليل بقلم ستيفن كولينسون من شبكة CNN
(CNN) -- تُعدّ الأزمة العنيفة بين الهند وباكستان حالة طوارئ دولية من النوع الذي كان سيدفع في السابق إلى جهد دبلوماسي أمريكي شامل لتهدئة الأوضاع وتجنب حرب أوسع نطاقًا.
لكن هذا القتال الأخير الذي تجاوز كشمير، المنطقة ذات الأغلبية المسلمة المتنازع عليها، قد يُصبح اختبارًا لقدرة إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على التحرك وتطلعاتها المحدودة للالتقاء عالميًا، وللعالم بدون قيادة أمريكية.
قدّم ترامب، الثلاثاء، ردًا أوليًا سلبيًا على القتال، الذي أشعله هجوم إرهابي على سياح هنود تُحمّل نيودلهي متشددين تدعمهم باكستان مسؤوليته، وقال: "إنه لأمر مؤسف. آمل فقط أن ينتهي بسرعة".
والأربعاء، ذهب إلى أبعد من ذلك قليلًا، عارضًا مساعيه الحميدة دون أن يُظهر حماسًا كبيرًا للتدخل، وقال: "أتفق مع كليهما، وأعرفهما جيدًا، وأريد أن أراهما يُحلّان الأمر، لقد تبادلا الضربات، لذا نأمل أن يتوقفا الآن... إذا استطعتُ فعل أي شيء للمساعدة، فسأكون حاضرًا.
وتواصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مع كبار المسؤولين من الهند وباكستان في الأسابيع الأخيرة - ومنذ الضربات الهندية في عمق الأراضي الباكستانية يوم الثلاثاء، وفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية.
لكن لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى اتساع نطاق الجهود الأمريكية لتنسيق الوساطة الدولية أو إدارة الأزمات.
وقد يعود ذلك جزئيًا إلى أن الوقت لم يحن بعد للدبلوماسية، إذ يتوقع الجميع خطوات تصعيدية من كلا الجانبين.
وفي حين أن ادعاء باكستان إسقاط 5 طائرات هندية قد يوحي بارتياحها، إلا أن قادتها تعهدوا بالرد على المنشآت العسكرية الهندية.
وسيتم مراقبة رد الولايات المتحدة عن كثب في الأيام المقبلة، لأن إدارة ترامب الثانية تخلت عن قواعد اللعبة في السياسة الخارجية الأمريكية، تاركة فراغًا كانت القيادة الأمريكية تعمل فيه سابقًا.
ولا يُبدي ترامب اهتمامًا يُذكر ببناء تحالفات دولية وتفعيل التحالفات الأمريكية سعيًا لتحقيق أهداف مشتركة، إنه أكثر حرصًا على استعراض القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية للتلاعب بالدول الأصغر لصالح أمريكا، ولا يرى فرقًا يُذكر بين الحلفاء والخصوم في نظرته الضيقة للعالم، القائمة على مبدأ الربح والخسارة.
وعلى أي حال، سيكون من المتناقض رؤية رئيسٍ لديه مخططات توسعية في غرينلاند وكندا وبنما يتوسط في أحد أكثر النزاعات الإقليمية إثارةً للمشاكل في العالم.
وفي حين جعل ترامب من صنع السلام حجر الزاوية في ولايته الجديدة، فإن جهوده في تهدئة البؤر الساخنة عالميًا مع اشتعال الحروب في أوكرانيا وغزة لم تُحرز تقدمًا يُذكر.
وفي غضون ذلك، لم يتم التحقق بعد من ادعائه بأن المتمردين الحوثيين في اليمن قد تعهّدوا بوقف الهجمات على الشحن الدولي في أعقاب الغارات الجوية الأمريكية.
وكما تضمنت مساعي ترامب الدبلوماسية في أوكرانيا وحول حرب إسرائيل في غزة، بقيادة مبعوثه ستيف ويتكوف، قليل الخبرة الدبلوماسية، محاولاتٍ لكسب مزايا مالية أو غيرها للولايات المتحدة، وضغط على الحكومة في كييف لتوقيع اتفاقية لاستغلال رواسب المعادن الأرضية النادرة.
وطرح ترامب تصورا بأنه يمكن إخراج الفلسطينيين من غزة - فيما قد يرقى إلى مستوى التطهير العرقي الاستعماري الجديد - حتى تتمكن الولايات المتحدة من بناء "ريفييرا الشرق الأوسط".
لا توجد مزايا مالية أو غيرها واضحة للولايات المتحدة في كشمير قد تجذب انتباه ترامب.
لقد تطلبت جهود السلام العالمية الأمريكية الناجحة في الماضي - بما في ذلك توجيه الرئيس جيمي كارتر لاتفاقيات السلام بين إسرائيل ومصر وإنهاء الرئيس بيل كلينتون للحرب في يوغوسلافيا السابقة - شهورًا وسنوات من بناء الثقة البطيء والدبلوماسية التحضيرية المكثفة على المستويات الأدنى.
ولم تظهر أي إشارة في الأشهر الثلاثة الماضية إلى أن ترامب لديه دافع لتطبيق استراتيجية مماثلة ومعمقة في أي صراع قائم، ناهيك عن صراع جديد في جنوب آسيا.
وقال تيم ويلاسي ويلسي، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، لشبكة CNN، أن الولايات المتحدة لعبت دورًا رائدًا في تهدئة الأزمات المتعلقة بكشمير، بما في ذلك في أعوام 2000 و2008 و2019، لكنها قد لا ترغب في ذلك الآن.
وأضاف: "لدينا الآن رئيس في البيت الأبيض يقول إنه لا يريد أن يكون شرطي العالم. كما أنه ربما يكون أكثر تعاطفًا مع رئيس الوزراء الهندي (ناريندرا) مودي منه مع الباكستانيين".
لماذا سعت واشنطن دائمًا إلى إنهاء العنف في كشمير؟
يقع كشمير إقليم في شمال غرب شبه القارة الهندية، ويحده أفغانستان والصين والهند وباكستان، تطالب كل من الهند وباكستان بالسيادة الكاملة عليه، وتسيطر كل منهما على قطاع تفصله حدود متوترة تُعرف باسم خط السيطرة، تسيطر الصين على جزء ثالث من كشمير.
لقد أشعلت القوة الاستعمارية البريطانية فتيل الصراع الذي استمر لعقود من الزمن في أواخر أربعينيات القرن العشرين، حيث قسمت الهند إلى دولتين منفصلتين: الهند الحديثة، التي يغلب عليها الهندوس، والباكستان ذات الأغلبية المسلمة، ومنذ ذلك الحين، خاض الطرفان المتنافسان 3 حروب على كشمير.
وفي ربع القرن الماضي، شهدنا أيضًا العديد من المناوشات الصغيرة واندلاعات القتال على الإقليم.
ومن أكثرها إثارة للقلق تدخل كلينتون في صراع كارجيل عام 1999 وسط مخاوف في الاستخبارات الأمريكية من أن تتسع رقعة الحرب وتتحول إلى صراع نووي كارثي بين قوتين أجرتا مؤخرًا تجارب نووية.
وفي السنوات الأخيرة، خففت باكستان والهند من حدة التهديدات النووية حتى في أوقات التوتر بشأن كشمير.
ومع ازدياد نضجهما النووي، تراجعت المخاوف من حرب كارثية باستخدام أسلحة الدمار الشامل.
ومع ذلك، رأت واشنطن أن منع تفاقم صراع كشمير يستحق استثمار القوة الأمريكية.
وكان هذا هو الحال في إدارة ترامب الأولى، عندما تدخل وزير الخارجية آنذاك مايك بومبيو لنزع فتيل مواجهة بين الخصمين في جنوب آسيا حول كشمير قبل ست سنوات.
وكتب بومبيو في مذكراته "لا تتراجعوا أبدًا": "لا أعتقد أن العالم يدرك تمامًا مدى قرب التنافس الهندي الباكستاني من التحول إلى حرب نووية في فبراير/ شباط 2019".
ويحبس العالم أنفاسه الآن انتظارًا للتصعيد المحتمل التالي بشأن كشمير.
وبررت الهند هجماتها بالصواريخ على الجزء الخاضع لسيطرة باكستان من كشمير، وبررت باكستان نفسها بأنها كانت تضرب ما وصفته بـ"معسكرات إرهابية" في أعقاب الهجوم على سياح معظمهم من الهندوس، والذي أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل في كشمير الهندية الشهر الماضي.
وتعهدت باكستان بالرد بعد أن قالت إن 31 مدنيًا قُتلوا في هجمات الهند، وحذر رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف في خطاب من أن "ربما ظنوا أننا سنتراجع، لكنهم نسوا أن... هذه أمة من الشجعان".
وستزداد احتمالية المزيد من التصعيد من جانب الهند إذا اعتقدت أنها مضطرة للرد على هجمات باكستانية جديدة.
وتتزايد الحوافز السياسية للقيام بذلك لأن الهجوم الإرهابي وفقدان الطائرات الهندية يُمثلان إحراجًا شخصيًا لمودي.
وأكدت مصادر لـ CNN إسقاط طائرة هندية فرنسية الصنع.
أزمة جديدة في عالم متغير
إلى جانب تحفظ إدارة ترامب عن لعب دور القيادة العالمية الأمريكية التقليدي، هناك أسباب أخرى تجعل الاستراتيجيات الدبلوماسية السابقة أقل فعالية في نظام عالمي أكثر تشرذمًا وتقلبًا.
كان أحد آثار أزمة كارجيل عام 1999 هو تقريب الولايات المتحدة من الهند، وهي دولة تزداد قوةً وحزمًا وثراءً، وسارت كل إدارة منذ ذلك الحين على خطى كلينتون، وترامب قريب شخصيًا وسياسيًا من مودي، وهو قومي مثله.
كما أن الطبيعة المروعة للهجمات على السياح العُزّل في كشمير قد أثارت تعاطفًا مع الهند - ليس فقط في واشنطن - وشعورًا بحقها في الدفاع عن نفسها، حتى لو كانت هناك تحفظات في معظم أنحاء العالم بشأن حملة مودي على المسلمين في كشمير الهندية في السنوات الأخيرة.
ونفت باكستان إيواء "معسكرات إرهابية" تم التخطيط للهجمات منها على أراضيها.
في غضون ذلك، تآكلت قدرة الولايات المتحدة على الضغط على باكستان منذ نهاية تحالف الدولتين المضطرب في الحرب على الإرهاب وخروج الولايات المتحدة من أفغانستان.
وعادت باكستان الآن بالكامل إلى ولائها السياسي القديم للصين، مما يعني أن لكل من الدولتين المتنافستين في جنوب آسيا حليفًا من القوى العظمى.
وقال ميلان فايشناف، مدير برنامج جنوب آسيا في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، لـ CNN الأربعاء: "لا شك في أن موقف الولايات المتحدة قد تغير جذريًا في السنوات الأخيرة".
وأضاف: "الهند من أهم الشركاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، بينما تراجعت أهمية باكستان بشكل كبير، وأعتقد أن التوقعات الأمريكية هي أن باكستان سترد، ثم يأملون أن يتمكن كلا الجانبين عند هذه النقطة من حفظ ماء الوجه وإيجاد مخرج".
في غياب واشنطن، قد تبدأ الوساطة في الشرق الأوسط.
فعلى سبيل المثال، لعبت قطر دورًا محوريًا في جهود التوسط لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن بين إسرائيل وحركة "حماس".
لكن الحكومة في قطر - مثل باكستان، الدولة ذات الأغلبية السنية المسلمة - أعربت عن تعازيها وأدانت الهجوم على كشمير الهندية.
ونشرت الصحافة الهندية، التي يمكن أن تلعب دورًا تحريضيًا في مثل هذه الأوقات، تقريرًا عن اتصال هاتفي أجراه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مع مودي، اعتبرته تجاهلًا متعمدًا للحكومة في إسلام آباد.
وفي غضون ذلك، أجرى رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني محادثات هاتفية منفصلة مع وزير الخارجية الهندي ورئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف.
وقالت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، إن بلادها "تدعم بالكامل" جميع الجهود الإقليمية والدولية لحل القضايا بين الهند وباكستان.
وذكر ويلسي أن دائني باكستان، بما في ذلك الإمارات والسعودية، لديهم النفوذ لفرض ضبط النفس على إسلام آباد، حيث تمر باكستان بأزمة اقتصادية عميقة.
ولكن ما لم يتفاقم الوضع إلى حد كبير، فمن غير المرجح أن تقود الولايات المتحدة الجهود الدولية لإنهاء الأزمة.
أمريكاالهندباكستاننشر الجمعة، 09 مايو / أيار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.