آفة معاداة السامية أصبحت عالمية!
تاريخ النشر: 1st, November 2023 GMT
تبدو آفة معاداة السامية كأنها "فيروس" لا يمكن إيقافه وينتشر في جميع أنحاء العالم، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، وفق هوارد كورتز في فوكس نيوز.
ارتفعت نسبة الحوادث المعادية للسامية خلال أسبوعين في شهر أكتوبر بنسبة 388%، وفق رابطة مكافحة التشهير. ولم يعد الأمر يتعلق فقط بمتظاهرين مؤيدين لحماس، ورافعين للأعلام الفلسطينية، بل باندلاع هذه المظاهرات في حرم الجامعات، التي بقي رؤساؤها صامتين.
ذهب المتظاهرون، الذين يلبسون ثيابا ملطخة بالدماء، إلى حد الصراخ بعبارة: أنتم الإرهابيون لكل من أنتوني بلينكن ولويد أوستن. واتهم المتظاهرون أعضاء مجلس الوزراء بدعم الإبادة الجماعية في غزة.
وعندما قام الناشطون المؤيدون لإسرائيل بوضع ملصقات للمختطفين والرهائن، تم القبض على المسلحين المناهضين لإسرائيل، وهم يمزقزن الملصقات. وتعمل إدارة بايدن مع مسؤولي الكليات والمدارس لمكافحة الاعتداءات الجسدية على اليهود. لكن الواقع أن هذه الجامعات تكتظ بأعداد كبيرة من المعادين للسامية.
وتنتشر آفة معاداة السامية في الدول الأوروبية أيضا. فقد تعرض كنيس يهودي في برلين لهجوم بقنابل المولوتوف. وأغلقت مدرستان يهوديتان أبوابهما في لندن خوفا من هجمات مماثلة. أما في سيدني فهتف متظاهرون: احرقوا اليهود بالغاز!
ويختم الكاتب بالقول: ليس من الضروري أن تكون يهوديا حتى تشعر بالفزع. بل يمكنك أن تنظر لإسرائيل كدولة محتلة وبنفس الوقت يمكنك أن تدين خطف الأطفال والرهائن. فأنا كإنسان أتعاطف مع المدنيين الفلسطينيين الذين قتلوا في غزة، ومع أولئك الذين يعانون نقصا في الغذاء والماء.
المصدر: فوكس نيوز
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب
المصدر: RT Arabic
كلمات دلالية: أنتوني بلينكن حركة حماس طوفان الأقصى لويد أوستن معاداة السامية هجمات إسرائيلية
إقرأ أيضاً:
30 يونيو.. نكبة الوعود الفنكوشية وخراب مصر الممنهج
خرج في صيف 2013 بعض من الجماهير المصرية إلى الشوارع، تحمل لافتات تمرد والاستعانة بالجيش ضد حكم الإخوان المسلمين، وتطالب بـما يسمى "إنقاذ الوطن". المشهد كان كالآتي: ميدان التحرير يعج بالهتافات، والطائرات ترسم قلوبا في السماء، واعدة بمستقبل مشرق. لكن، يا سادة، ما حاولوا أن ينعتوها كـ"ثورة شعبية" تحول سريعا إلى أكبر خدعة سياسية في تاريخ مصر الحديث. ثورة؟ لا، بل انقلاب عسكري ناعم، مُدبر بعناية، مُمول بأموال الخليج، ومُزين ببريق الإعلام.
وما أسهل الكلام المعسول، كان الوعد بـ"جمهورية جديدة"، اقتصاد مزدهر، تعليم عالمي، صحة متطورة، وسياسة ديمقراطية تحترم الإنسان. لكن بعد 12 عاما، ها نحن نقف على أنقاض تلك الوعود: اقتصاد منهار، تعليم متداعٍ، صحة متهالكة، سياسة مقموعة، وسمعة دولية في الحضيض. وكأن هذا لا يكفي، شهدت مصر تدهورا أمنيا غير مسبوق، حيث امتلأت السجون بأكثر من 60 ألف معتقل سياسي بتهم ملفقة، واتُهمت مصر بالتواطؤ في حصار غزة ودعم "صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية.
هذا المقال ليس مجرد نقد، بل صرخة ساخرة ومؤلمة في وجه الوهم الذي بيع للمصريين، ودعوة للتأمل فيما آلت إليه الأمور. فلنبدأ بتشريح هذا "الانتصار العظيم" الذي تحول إلى كارثة وطنية.
انقلاب باسم الثورة:
لنكن واضحين ولنسمّ الأشياء بمسمياتها: 30 يونيو لم تكن ثورة شعبية بقدر ما كانت عملية منظمة بعناية. الملايين خرجوا، نعم، لكن من نسق؟ من موّل؟ من حمى؟ الحشود التي ملأت الميادين لم تكن عفوية بالكامل، بل كانت جزءا من سيناريو أُعد في غرف المخابرات، بدعم إقليمي ودولي، للإطاحة بأول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ مصر، الدكتور محمد مرسي. الإخوان المسلمون تمت عرقلتهم في إدارة البلاد، لا شك، لكن هذا لا يبرر الانقلاب على إرادة شعبية، ولا يبرر تحويل مصر إلى سجن كبير.
في 3 تموز/ يوليو 2013، أعلن عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع آنذاك، عزل الرئيس مرسي، معلنا "خارطة طريق" لمستقبل مصر. لكن تلك الخارطة كانت خريطة ضياع: دستور أُلغي، وبرلمان حُل، وانتخابات ديمقراطية أُجهضت. الجيش، الذي زُعم أنه "حامي الشعب"، استعاد السلطة بقبضة حديدية. السخرية هنا أن الانقلاب لم يُبع كانقلاب، زُيّن بكلمات براقة: "إرادة الشعب"، "تصحيح المسار"، "الجمهورية الجديدة". لكن الحقيقة كانت واضحة كالشمس: الجيش عاد للحكم، والشعب عاد إلى قفص الطاعة.
لعبت الدعاية الإعلامية دورا رئيسيا في تبرير الانقلاب، قنوات التلفزيون، الممولة بسخاء، روجت لرواية "الخلاص الوطني"، بينما تمت شيطنة كل معارض، الصحفيون والنشطاء الذين تجرأوا على النقد واجهوا السجن أو الاختفاء القسري. وفي غضون أشهر، تحولت مصر من دولة تحلم بالديمقراطية إلى دولة السجانين تكمم الأفواه. السخرية المريرة أن الشعب، الذي خرج للمطالبة بالحرية، وجد نفسه تحت حكم أشد قسوة من ذلك الذي ثار ضده في 2011.
الفصل الثاني: الاقتصاد.. وعود الرخاء وواقع الخراب
كان الوعد بـ"اقتصاد قوي" و"تنمية شاملة"، قيل للشعب إن مصر ستصبح "نمرا اقتصاديا"، وأن مصر ستصبح أد الدنيا مع مشروعات قومية عملاقة مثل العاصمة الإدارية وقناة السويس الجديدة. لكن دعونا ننظر إلى الأرقام والواقع بدلا من الشعارات.
التضخم والبطالة:
واجهت مصر بعد 30 يونيو، ارتفاعا غير مسبوق في التضخم والبطالة. الجنيه المصري فقد قيمته بشكل دراماتيكي، من حوالي 7 جنيهات مقابل الدولار في 2013 إلى أكثر من 56 جنيها في 2025. الطبقة الوسطى، عماد المجتمع، تفككت تحت وطأة ارتفاع الأسعار وتدهور الأجور. حسب تقارير اقتصادية، أصبح أكثر من 30 في المئة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، والسلع الأساسية مثل الخبز والزيت تحولت إلى أحلام بعيدة المنال.
المشروعات القومية:
نعم، بُنيت جسور وطرق، لكن لمن؟ العاصمة الإدارية، التي كلفت مليارات الدولارات، تقف شامخة كرمز للتبذير بينما المستشفيات تفتقر للأسرّة والمدارس تفتقر للكتب. قناة السويس الجديدة، التي بيعت كـ"هدية مصر للعالم"، لم تحقق العوائد المتوقعة، بل أغرقت البلاد في ديون خارجية تجاوزت 160 مليار دولار. السخرية أن هذه المشروعات تُروج كإنجازات بينما المواطن يكافح لشراء رغيف خبز.
الديون:
أصبحت مصر مدينة بمليارات لصندوق النقد الدولي ودول الخليج، مع شروط قاسية أثقلت كاهل المواطن. برامج مثل "تكافل وكرامة" زُعمت كدعم للفقراء، لكنها لم تكن سوى مسكنات مؤقتة، لا تعالج جذور الفقر.
السخرية الكبرى هنا ليست فقط في الفشل الاقتصادي، بل في الدعاية التي تروّج للنجاح مثلما العرس الذي أقامه الإعلام المصري لحصوله على دفعة من الاتحاد الأوروبي وكأنه نصر في الشحاذة.
بينما يقف المواطن في طوابير الخبز، يُقال له إن مصر "تنطلق نحو المستقبل". يا لها من قفزة! المواطن يرى أسعار الوقود ترتفع، والكهرباء تنقطع، والغاز يختفي، بينما يُطلب منه التصفيق لـ"الإنجازات". إذا كان هذا هو الرخاء، فكيف يكون الخراب؟
الفصل الثالث: التعليم.. منارة الأمم أم خراب العقول:
كان التعليم المصري حتى أواخر التسعينات منارة للمنطقة، لكن بعد 30 يونيو، تحول إلى مسرح للعبث. الوعد بـ"تعليم عالمي" و"جيل واعٍ" تبخر أمام واقع مزرٍ.
المناهج:
زعموا أن المناهج أنها "مُحدثة" تحولت إلى أدوات دعاية، تمجد النظام وتتجاهل التفكير النقدي. الطلاب يحفظون، لا يفكرون. بدلا من تعليم ينمي العقول، أصبح التعليم وسيلة لتكريس الطاعة العمياء.
البنية التحتية:
تفتقر المدارس لأبسط المرافق، والفصول مكتظة، والمعلمون يعانون من أجور تكاد أن تكون فتاتا. حسب تقارير حقوقية، يعاني أكثر من 50 في المئة من المدارس الحكومية من نقص في المقاعد والكتب. التوسع في الجامعات الخاصة، مثل الجامعات الأهلية، لم يكن سوى وسيلة لتحويل التعليم إلى سلعة للأغنياء.
التعليم الفني:
لايزال رغم الوعود بتطوير التعليم الفني خريجوه يواجهون سوق عمل غير مهيأ، ولا يزال المجتمع ينظر إليهم بازدراء. بدلا من تمكين الشباب، أصبح التعليم عبئا عليهم، وإذا نظرنا إلى الدول الغربية نرى أن التعليم المهني تم تطويره ليواكب سوق العمل وكيف يتم تطوير الطلاب حتى يكونوا على قدر كبير من الكفاءة العملية.
والسخرية هنا أن النظام يتحدث عن "المنافسة العالمية" بينما الطلاب المصريون يكافحون لفهم مناهج عفا عليها الزمن. المدارس أصبحت سجونا فكرية، والجامعات تحولت إلى مصانع لتخريج عاطلين. يا لها من "جمهورية جديدة" تترك أبناءها في ظلام الجهل!
الفصل الرابع: الصحة.. مستشفيات بلا أسرّة ووعود بلا حياة:
كان الوعد بـ"طفرة صحية غير مسبوقة". لكن القطاع الصحي في مصر بعد 30 يونيو أصبح رمزا للإهمال، ولكم في كارثة كورونا مثال ونموذج.
المستشفيات:
تفتقر المستشفيات العامة للمعدات الأساسية، والأطباء يهاجرون بحثا عن حياة أفضل، ولكن أن تبحث في أعداد هجرة الأطباء للخارج فقد تعدى رقم الأطباء المهاجرين مثلا لإنجلترا إلى 8000 طبيب مصري.
أما المواطنون فيموتون في طوابير الانتظار، بينما يُروج لـ"مبادرات صحية" لا تصل إلا للقلة. حسب تقارير حقوقية، توفي مئات المرضى في السجون والمستشفيات بسبب الإهمال الطبي.
التأمين الصحي:
لا يزال نظام التأمين الصحي الشامل، الذي زُعم أنه سيغطي الجميع، حبرا على ورق في معظم المحافظات. المواطن البسيط يدفع من جيبه، أو يموت.
الأدوية:
أدى نقص الأدوية وارتفاع أسعارها جعل العلاج ترفا. حتى الأدوية الأساسية، مثل أدوية الضغط والسكر، أصبحت شحيحة. في 2020، وثقت منظمة العفو الدولية وفاة معتقلين بسبب الإهمال الطبي في السجون، وهو ما يعكس حال القطاع الصحي عموما.
السخرية هنا أن الدولة تتحدث عن "الصحة أولوية" بينما المستشفيات تتحول إلى مقابر للفقراء. المواطن يرى إعلانات عن مستشفيات فاخرة للنخبة، بينما هو يكافح للحصول على حقنة. يا لها من "طفرة"!
الفصل الخامس: السياسة.. كمامة على الأفواه:
كان هناك وعد بديمقراطية حقيقية، لكن ما حدث كان تكريسا للاستبداد. بعد 30 يونيو، أصبحت السياسة في مصر مرادفة للقمع، والوعود أصبحت هباء منثورا.
الحريات:
امتلأت السجون بكل من قاوم من شباب الثورة إلى الصحفيين والناشطين وحتى العامة من الشعب الذين فهموا الأمر على حقيقته.
أصبحت حرية التعبير تهمة، وتحولت الصحافة الحرة جريمة وتحولت إلى أداة دعاية للنظام وإنجازاته الفنكوشية.
فحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية عام 2019، اعتقلت السلطات أكثر من 2300 شخص في حملة قمع واحدة فقط، بتهم مثل "نشر أخبار كاذبة" و"الانتماء إلى جماعة إرهابية".
الانتخابات:
تحولت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى مسرحيات هزلية، حيث لا منافس حقيقيا، والنتائج معروفة سلفا. حتى الحوار الوطني، الذي زُعم أنه خطوة نحو الانفتاح، كان مجرد واجهة لتلميع صورة النظام.
المشاركة السياسية:
تم تهميش الأحزاب، وأبعد الشباب عن المشهد السياسي، وأصبحت السياسة حكرا على النخبة الموالية، والأمثلة كثيرة مثل حزب مستقبل وطن.
السخرية هنا أن النظام يتحدث عن "الجمهورية الجديدة" بينما الشعب محروم من أبسط حقوقه السياسية. الشباب الذين قادوا ثورة 2011 أصبحوا إما في السجون أو في المنفي، والصوت الحر أصبح تهمة. يا لها من ديمقراطية!
الفصل السادس: التدهور الأمني.. مصر سجن كبير:
إذا كان الانقلاب قد وعد بالاستقرار الأمني، فإن الواقع كان عكس ذلك تماما. مصر تحولت إلى سجن كبير، حيث يقبع أكثر من 60 ألف معتقل سياسي خلف القضبان، معظمهم بتهم ملفقة، في ظل تدهور أمني غير مسبوق. حسب تقارير منظمات حقوقية، مثل العفو الدولية وهيومان رايتس ووتش، فإن السلطات المصرية نفذت حملات قمع واسعة النطاق منذ 2013، استهدفت المعارضين من كل الأطياف: إسلاميين، ليبراليين، ناشطين، صحفيين، وحتى أشخاص عاديين عبروا عن استيائهم من ارتفاع الأسعار على وسائل التواصل الاجتماعي.
الاعتقالات الجماعية:
منذ الانقلاب في 2013، اعتقلت السلطات المصرية عشرات الآلاف بتهم مثل "الانتماء إلى جماعة إرهابية"، و"نشر أخبار كاذبة"، و"إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي". في تموز/ يوليو 2024، وثقت منظمة العفو الدولية اعتقال 119 شخصا في ست محافظات بسبب دعوات للاحتجاج ضد ارتفاع الأسعار وانقطاع الكهرباء. هؤلاء لم يكونوا ناشطين سياسيين، بل مواطنين عاديين عبر عنهم عن غضبهم.
الاختفاء القسري:
وثقت تقارير حقوقية حالات اختفاء قسري، حيث يُختطف الأشخاص ويُحتجزون في مقار الأمن الوطني دون تهمة أو محاكمة ويطلق على هذه العملية أيضا مصطلح "الثلاجة". بعضهم يظهر بعد شهور في نيابة أمن الدولة، بينما يختفي آخرون إلى الأبد.
المحاكمات الجماعية:
في عام 2025، وثقت منظمات حقوقية إحالة أكثر من 6000 معتقل إلى محاكم الإرهاب، في جلسات تفتقر إلى أبسط معايير العدالة. المحامون مُنعوا من الوصول إلى ملفات القضايا، والمتهمون حُوكموا عبر الفيديو، في انتهاك صارخ للحق في محاكمة عادلة.
الإهمال الطبي والتعذيب:
وثقت منظمات حقوقية، مثل مركز الشهاب لحقوق الإنسان، وفاة مئات المعتقلين بسبب الإهمال الطبي والتعذيب. في 2020، توفي قياديون مثل عصام العريان وطارق الغندور وإسماعيل فريد، والقائمة تطول بسبب الإهمال الطبي في سجن طرة.
أصبحت السجون مقابر جماعية، حيث يُحرم المعتقلون من الرعاية الصحية والتهوية والزيارات العائلية.
بناء السجون:
بينما يعاني المواطن من الفقر الاقتصادي والإهمال الطبي، والتعليم لا يفعل شيئا في وطن ضائع، أنفق النظام مليارات الجنيهات على بناء 49 سجنا جديدا منذ 2013، ليصل إجمالي السجون إلى 91 سجنا رئيسيا. هذه الأموال كان يمكن أن تُستخدم لتحسين التعليم أو الصحة، لكن الأولوية كانت للقمع.
السخرية المريرة هنا أن النظام يروج لـ"الأمن والاستقرار" بينما يحول مصر إلى دولة بوليسية. المواطن الذي يكتب منشورا على فيسبوك يجد نفسه في السجن، والطفل الذي يشتري ملابس مدرسية يُعتقل بتهمة "التظاهر". يا لها من "جمهورية آمنة"!
الفصل السابع: مصر والقضية الفلسطينية.. بين الشعارات والتواطؤ:
عندما كانت مصر يوما ما رمزا لدعم القضية الفلسطينية ومن قبل نكبة 48، أصبحت مصر بعد 30 يونيو موضع اتهامات بالتواطؤ في حصار غزة، دعم "صفقة القرن"، وحتى المشاركة غير المباشرة فيما يُوصف بـ"الإبادة الجماعية" بحق الفلسطينيين. لكن دعونا نفصل بين الشعارات الرسمية والواقع المرير، مع لمسة من السخرية على هذا التناقض الصارخ.
صفقة القرن:
أُعلنت عن "صفقة القرن" في كانون الثاني/ يناير 2020 كخطة أمريكية لتسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لكنها في الحقيقة كانت خطة لتصفية القضية الفلسطينية. اقترحت الخطة ضم إسرائيل لأجزاء كبيرة من الضفة الغربية، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح مع عاصمة رمزية في ضواحي القدس. مصر، رسميا، أعلنت رفضها للخطة، مؤكدة دعمها لحل الدولتين. لكن تقارير إعلامية ومنشورات على منصة إكس بتاريخ اتهمت مصر بالتواطؤ في تمرير الصفقة عبر دعم خطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهذا ما صرح به السيسي نفسه في لقائه مع ترامب في لقائه بالبيت الأبيض. ردت السلطات المصرية بنفي قاطع، مؤكدة أن التهجير "خط أحمر" (كما ورد في بيان الخارجية المصرية عام 2024). لكن السخرية هنا أن النظام يتحدث عن "دعم فلسطين" بينما يُتهم بإغلاق معبر رفح أمام الفلسطينيين الفارين من القصف، مما يثير الشكوك حول نواياه الحقيقية.
حصار غزة:
شاركت مصر منذ سيطرة حماس على غزة عام 2006، في فرض حصار مشدد على القطاع، إلى جانب إسرائيل. مصر أغلقت معبر رفح، المنفذ الوحيد لغزة إلى العالم الخارجي، لفترات طويلة، بحجة "منع تهريب الأسلحة" و"الأمن القومي".
فحسب تقرير لمنظمة العفو الدولية (2025)، ساهم الحصار المصري-الإسرائيلي في تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث بات 62 في المئة من سكان القطاع بحاجة إلى مساعدات غذائية. في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كثفت إسرائيل حصارها على غزة، مانعة دخول الغذاء والماء والدواء، وهو ما وصفته منظمات حقوقية بـ"العقاب الجماعي". مصر، رغم فتح معبر رفح بشكل متقطع لإدخال مساعدات، واجهت اتهامات بتقييد حركة المساعدات تحت ضغط إسرائيلي وأمريكي، وذلك في تغريدة للإعلامي إسامة جاويش في 26 كانون الثاني/ يناير 2025.
السخرية أن مصر تتحدث عن "التضامن العربي" بينما الفلسطينيون يموتون جوعا على بعد أمتار من الحدود المصرية.
الاتهامات بالمشاركة في الإبادة الجماعية:
وجهت اتهامات خطيرة لمصر بالتواطؤ المباشر في "الإبادة الجماعية" في غزة، خاصة بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. تقرير لـ"جاكوبين" (20 حزيران/ يونيو 2024) اتهم مصر بالمشاركة في حصار غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، كما منع الخروج إلا بدفع مبالغ ضخمة وصلت إلى 7 الالاف دولار للشخص الواحد، مما ساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية.
تقول مصر إنها تعمل على وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات (كما في بيان الخارجية عام 2025)، لكن المنتقدين يرون أن هذه الجهود شكلية، وأن مصر تخضع لضغوط دولية للحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل (1979).
السخرية المريرة أن مصر، التي تُروج لنفسها كـ"حامية القضية الفلسطينية"، تُتهم بتسهيل قمع الفلسطينيين عبر إغلاق المعبر ومنع حتى أصعب الحالات الطبية من الخروج.
السخرية الكبرى هنا ليست فقط في التناقض بين الخطاب الرسمي والواقع، بل في محاولة النظام تلميع صورته كـ"داعم لفلسطين" بينما الشعب المصري، المتضامن تاريخيا مع الفلسطينيين، يُقمع عندما يحتج لدعم غزة. يا لها من "وحدة عربية" تُبنى على جثث الأشقاء!
الفصل الثامن: سمعة مصر.. من منارة الشرق إلى مادة التندر:
كانت مصر يوما رمزا للحضارة والثقافة. لكن بعد 30 يونيو، أصبحت سمعة مصر دوليا مادة للنقد والسخرية.
العلاقات الدولية:
بينما يُروج لنجاح السياسة الخارجية، خسرت مصر الكثير من نفوذها الإقليمي. قضية سد النهضة كشفت عن ضعف الدبلوماسية المصرية، حيث أُهدرت حقوق مصر في النيل مقابل مصالح سياسية، ودورها الإقليمي بعدما كانت شريكا أساسيا في بعض الملفات في المنطقة وأصبحت سمعتها أنها دولة تتسول المساعدات من الآخرين.
ملف حقوق الإنسان:
وثقت تقارير منظمات مثل هيومان رايتس ووتش انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما جعل مصر هدفا للانتقادات العالمية. الإفراج عن بعض المعتقلين، مثل زياد العليمي، كان مجرد خطوة شكلية لتحسين الصورة قبل أي مؤتمرات دولية تقام سواء في الداخل أو المشاركات في الخارج.
الثقافة والإعلام:
كان الإعلام المصري في يوما ما رائدا، تحول إلى أداة دعاية للنظام العسكري، وأصبح إعلاميو مصر يتبعون الكفيل في إحدى الدول العربية الحديثة عبر مسؤول الترفيه فيها، مما أضر بسمعة مصر كمركز ثقافي.
السخرية هنا أن مصر، التي كانت "أم الدنيا"، أصبحت تُذكر في سياق القمع والفشل. يا لها من "هيبة"!
إلى أين نمضي؟
انقلاب 30 يونيو، لم يكن مجرد حدث سياسي، بل نقطة تحول أعادت مصر إلى الوراء عقودا. الوعود بالرخاء والعدالة والتقدم كانت أوهاما بيعت للشعب، بينما الواقع كان تدهورا شاملا: اقتصاد منهار، وتعليم متداعٍ، وصحة متهالكة، وسياسة مقموعة، وتدهور أمني، وسمعة دولية في الحضيض.
يقبع أكثر من 60 ألف معتقل سياسي في السجون بتهم ملفقة، ومصر تواجه اتهامات بالتواطؤ في حصار غزة ودعم خطط مثل "صفقة القرن" التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من حصار وإبادة، يجد مصر، التي كانت يوما رمز التضامن العربي، تُسهم في معاناته عبر إغلاق معبر رفح والحد من المساعدات.
لكن، رغم السخرية والألم، يبقى الأمل. الشعب المصري، الذي خرج في 2011 و2013، لا يزال يحمل إرادة التغيير. الشعب الفلسطيني، رغم الحصار والقصف، يواصل صموده الأسطوري. الحقيقة لا تموت، والوعي لا يُكبل إلى الأبد. فلنضحك على الوعود الفنكوشية، ولكن لنحتفظ بالغضب والأمل لنبني مصر وفلسطين اللتين نستحقهما. فالمستقبل، مهما طال الظلام، سيُشرق يوما بالحرية والعدالة.