الكهرباء في أوروبا والطاقة الخضراء
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
سيمون كارداش- المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية ترجمة قاسم مكي في أوائل الشهر الماضي عدَّل الاتحاد الأوروبي أهدافه المناخية الخاصة باستهلاك الطاقة. فقد زاد حصة الطاقة المتجددة الملزمة له من إجمالي استهلاكه من الطاقة من 32% إلى 42.5%. لكن ضمان الوفاء بهذه الأهداف لا يعتمد فقط على تطوير موارد أقل إطلاقا للكربون.
الربط الكهربائي لتأمين هذه الاستثمارات في المستقبل على الاتحاد الأوروبي ليس فقط توسيع الشبكة نفسها ولكن إنشاء المزيد من وصلات (كابلات) الربط بين الدول الأعضاء. تلعب هذه الوصلات التي تربط شبكات البلدان المجاورة دورا حيويا في تعزيز أمن الطاقة بضمانها قدرة الدولة العضو على مقابلة الطلب على الطاقة عندما لا يكون التوليد المحلي للكهرباء غير كاف. هذه المشكلة كثيرا ما تكون أسبابها عوامل مناخية. مثلا في فرنسا تسببت درجات الحرارة المرتفعة في صيف 2022 في انخفاض توليد الكهرباء بواسطة الطاقة النووية مما اضطرها إلى زيادة وارداتها من بريطانيا وأسبانيا وألمانيا وبلجيكا. هذا التعاون العابر للحدود يعزز المرونة بتمكينه البلدان الأعضاء من تقليل المخاطر المرتبطة بالقيود والتقلبات المحتملة لإمدادات الطاقة المحملة والتي ستزداد وتيرتها مع تفاقم التغير المناخي. في الوقت الحاضر من المتوقع أن تصل سعة تبادل الكهرباء عبر الحدود في أوروبا إلى 136 جيجاوات في عام 2030. لكن وفقا للتقديرات يحتاج النظام إلى ما بين 148 جيجاوات و187 جيجاوات لتجنّب مثل هذه المشاكل. مشروعات شبكات النقل الموجودة والتي يبلغ عددها 131 مشروعا يتعلق بعضها بالتوسع في الربط الكهربائي بين البلدان الأعضاء. والمسألة الأساسية هي استكمالها في الوقت المطلوب. حتى الآن من جملة 50 مشروعا للربط عبر الحدود بين بلدان الاتحاد توجد 5 مشروعات قيد الإنشاء و15 مشروعا في مرحلة التصديق و9 مشروعات في مرحلة التخطيط الأولى. وحوالي 21 مشروعا لاتزال قيد الدراسة. يجب أيضا تخصيص الأولوية في خطة توسعة شبكة الكهرباء لتقوية الربط بين الدول الأعضاء والبلدان الأخرى خارج الاتحاد. تسريع هذه التوسعة يمكن أن يتيح للاتحاد الأوروبي الفرصة لتعزيز البنية التحتية للطاقة النظيفة مما يسمح بتبادل الدعم الكهربائي بين البلدان المجاورة في أحوال الطوارئ. مثلا توسعة الربط الكهربائي مع بريطانيا سيمكّن من زيادة واردات الكهرباء التي تنتجها مزارع الرياح البريطانية. وعلى نحو مماثل التوسع في الربط الكهربائي في جنوب أوروبا بما في ذلك غرب البلقان سيمكِّن من استيراد الطاقة الخضراء المنتجة في بلدان أخرى كأذربيجان والمغرب. بدوره أيضا تحديث وتوسعة الربط الكهربائي مع أوكرانيا أو مولدوفا يسمح لبلدان الاتحاد الأوروبي بتعزيز أمن الطاقة لجاراتها في شرق أوروبا. لكن من جملة المشروعات العابرة للحدود (38 مشروعا) التي تنفّذ بالتعاون بين البلدان الأعضاء والبلدان الأخرى ثلاثة منها فقط قيد الإنشاء و12 في مرحلة التصديق وأربعة في مرحلة التخطيط وحوالي 19 مشروعا قيد النظر. في المستقبل يجب أن يركز الاتحاد الأوروبي على تسريع مشروعات الربط عبر الحدود سواء داخل الاتحاد أو مع بلدان أخرى خارج الاتحاد؛ لتأمين الإمداد الكهربائي في أوقات انخفاض التوليد المحلي وتعزيز إمكانية الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة.
توسعة نظام الشبكة لضمان التوافق مع الطاقة المتجددة يجب أن تشمل توسعة الشبكة أيضا تغييرا لنموذج الشبكة السائد. ففي الوقت الحالي جزء كبير من شبكة أوروبا مركزي يعتمد على نقل الكهرباء لمسافات بعيدة. بدلا عن ذلك يجب أن تتجه الشبكة نحو نموذج توزيع لامركزي يسمح بنقل الكهرباء محليا. خلافا للشبكات المركزية يمكن لشبكات التوزيع تعظيم "سعة" الطاقة المتجددة على نحو أفضل من خلال نقل الكهرباء المنتجة محليا والتي في أحيان كثيرة يتم توليدها من مصادر محلية مثل وحدات الخلايا الضوئية المنزلية. يمكن لشبكات التوزيع أيضا تقليل تكلفة الكهرباء للمواطنين. ففي بولندا يعيش 80% من السكان في مدن صغيرة ولا يحتاجون بالضرورة إلى إمدادهم بواسطة شبكة مركزية باهظة التكلفة. توسعة شبكات التوزيع على حساب شبكات النقل الكبيرة ستمكِّن أيضا من خفض مخاطر الأصول المجمدة (أجزاء الشبكة التي لا تستخدم سعتها الكاملة) في الأجل الطويل مع الاتجاه باطراد نحو لامركزية نظام الطاقة الكهربائية. لكن وفقا لوكالة الطاقة الدولية سعة شبكة توزيع الكهرباء "غير كافية" في الوقت الحاضر. لذلك يجب أن يركز تخطيط الاستثمار بشدة على اللامركزية. لاسيما وأن المفوضية عندما أعلنت عن خطة العمل الأوروبية لطاقة الرياح في الشهر الماضي ذكرت أيضا أنها ستعقبها بخطة خلال هذا الشهر(نوفمبر) لتوسعة الشبكة. هذه بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح شريطة أن تضع في الاعتبار الحاجة المُلِحَّة للمزيد من شبكات التوزيع.
المضيّ قُدُما الرقمنة مجال خططت فيه بروكسل استثماراتها بشكل سليم. فوفقا لخطة العمل الخاصة بالاتحاد الأوروبي تم تخصيص حوالي 170 بليون يورو. هذه الاستثمارات في تحديث شبكة الكهرباء وابتكارات الطاقة الرقمية ستعزز مرونة النظام وتجعله متوافقا مع نسبة أعلى من الطاقة المتجددة. وسيمكن ذلك المستهلكين من تغذية الشبكة العامة بالطاقة الفائضة من ألواح الخلايا الضوئية الخاصة بهم أو استخدام الكهرباء المختزنة في سياراتهم الكهربائية للأغراض المنزلية. إقرار الاتحاد الأوروبي بالكفاءة المحتملة والتكلفة المعقولة للتمويل المستهدف يَعِد بتسريع هذا الجانب من تحديث الشبكة. يجب تطبيق نفس التخطيط المستقبلي على كل من الإمداد اللامركزي وصلات (كابلات) الربط الكهربائي؛ لتأمين شبكة الكهرباء الأوروبية بقدر كاف في المستقبل. ويلزم أن يكون ذلك واضحا في قائمة المشروعات ذات المصلحة المشتركة عقب تبني اللائحة المعدلة لشبكات الطاقة الأوروبية العابرة للحدود والتي أعلنتها المفوضية في خطة عمل طاقة الرياح الأوروبية. بالنظر إلى طموحات الاتحاد الأوروبي المتزايدة بشأن أهدافه المناخية وتطوير مصادر الطاقة المتجددة هنالك حاجة ملحّة لتوسعة شبكات الكهرباء بحيث تتمكن من استقبال وتوزيع الطاقة الخضراء. وفي ذلك يجب أن تتأكد المفوضية وكذلك الدول الأعضاء من وجود اتساق بين ما تخطط له وما تفعله. هذا ينطبق ليس فقط على التخطيط الكافي على مستوى أبعاد المشروع (بحيث يخدم المشروع الدولة العضو ويُحسِّن الربط داخل الاتحاد الأوروبي وبين الاتحاد والبلدان الأخرى) ولكن أيضا لإيجاد نماذج تمويل مناسبة للاستثمارات التي يجري تنفيذها. يتطلب إنجاز هذه المهمة التزاما ليس فقط من جانب الإتحاد الأوروبي ولكن أيضا من جانب الدول الأعضاء التي يجب أن تسارع إلى جعل توسعة الشبكة إحدى أولويات سياسات الطاقة على الصعيد الوطني. ولأن تطوير شبكة الكهرباء يستغرق سنوات يجب الشروع فيه على الفور لضمان مستقبل أكثر إخضرارا لأوروبا.
الكاتب زميل أول سياسات بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی الطاقة المتجددة الربط الکهربائی الدول الأعضاء شبکة الکهرباء من الطاقة فی مرحلة فی الوقت ن أیضا عام 2030 یجب أن
إقرأ أيضاً:
في إطار استراتيجية شاملة لتعزيز القدرات الدفاعية.. الاتحاد الأوروبي يقر صندوق أسلحة بـ150 مليار يورو
البلاد – بروكسل
في خطوة وُصفت بالتاريخية على صعيد السياسات الدفاعية الأوروبية، أقر وزراء دول الاتحاد الأوروبي أمس (الثلاثاء)، إنشاء صندوق مشترك للأسلحة بقيمة 150 مليار يورو، في إطار استراتيجية شاملة لتعزيز القدرات الدفاعية للقارة، وسط تصاعد المخاوف من تهديدات روسية مستقبلية وتراجع المظلة الأمنية الأمريكية في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب.
خطوة نحو استقلال دفاعي أوروبي
ويُعد هذا القرار آخر خطوة قانونية لإطلاق برنامج “العمل الأمني الأوروبي”، الذي يهدف إلى تمويل مشاريع دفاعية مشتركة بين دول الاتحاد، بتمويل قائم على قروض مشتركة، ما يمثل سابقة في تاريخ الاتحاد من حيث التمويل الدفاعي الجماعي.
وتُعتبر هذه الآلية خطوة نحو تعزيز استقلالية القرار العسكري الأوروبي، في وقت تتزايد فيه التساؤلات حول مدى التزام الولايات المتحدة، العضو الرئيس في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالدفاع عن شركائها الأوروبيين، لا سيما مع تصاعد الخطاب المتشدد من الرئيس ترامب ضد دول الحلف التي لا ترفع إنفاقها الدفاعي إلى النسبة المتفق عليها (2 % من الناتج المحلي).
وبحسب ما كشف عنه دبلوماسيون أوروبيون في قمة بروكسل التي عقدت في 6 مارس الماضي، فإن برنامج إعادة تسليح أوروبا يتطلب تمويلاً إجمالياً يقارب 800 مليار يورو خلال السنوات القادمة. وبخلاف الصندوق الحالي، فإن نحو 650 مليار يورو من هذه القيمة سيتم تأمينها عبر ديون وطنية جديدة من قبل كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي على حدة.
أبعاد القرار: من أوكرانيا إلى العمق الأوروبي
تأتي هذه الخطوة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، والتي شكّلت نقطة تحول في الوعي الأمني الأوروبي، حيث لم يعد يُنظر إلى الحرب بوصفها أزمة إقليمية، بل تهديدًا مباشرًا لأمن القارة بأسرها.
وفي رسالة رسمية إلى قادة الدول الأوروبية، كتبت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن أوروبا تواجه “خطرًا واضحًا وحاضرًا لم يشهد أي منا مثله في حياته”، مشيرة إلى أن “مستقبل أوكرانيا الحرة ذات السيادة، وأوروبا الآمنة والمزدهرة، على المحك”.
قرار الاتحاد الأوروبي قد يُفسّر أيضًا على أنه محاولة لتقليص الاعتماد المفرط على الناتو، في ظل استمرار الضغط الأمريكي، خصوصًا من إدارة ترامب، التي طالما رأت أن الولايات المتحدة تتحمل عبئًا أمنيًا غير متناسب في الدفاع عن أوروبا.
ويبدو أن الرسالة الأوروبية باتت واضحة: لن تترك أوروبا أمنها رهينة للتقلبات السياسية في واشنطن، خاصة مع تنامي التوجهات الانعزالية في السياسة الأمريكية. وبالتالي، فإن صندوق الدفاع الأوروبي الجديد قد يشكل نواة مستقبلية لإنشاء “ركيزة دفاعية أوروبية مستقلة”، سواء داخل أو خارج إطار الناتو.
في ظل المتغيرات الجيوسياسية والتحديات الأمنية المتصاعدة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد قرر الانتقال من ردود الفعل السياسية إلى مأسسة أمنية فعلية، تترجمها أرقام غير مسبوقة من الاستثمارات العسكرية. غير أن هذا الطموح لن يكون بلا ثمن، سواء على مستوى الدين العام للدول الأوروبية، أو على صعيد إعادة صياغة علاقة القارة مع حلف الناتو والولايات المتحدة، وربما أيضًا، التوازن مع روسيا التي ترى في أي حشد عسكري أوروبي تهديدًا مباشرًا لنفوذها.