المؤرخ الكوري كيم هو: التنقل بين الخيال والسياق الثقافي والنصوص سر نجاح مهمة المؤرخ
تاريخ النشر: 3rd, November 2023 GMT
الشارقة في 3 نوفمبر / وام / أكد المؤرخ الكوري البروفيسور كيم هو أن البيانات هي العامل الرئيسي للحفاظ على استمرار الدراسات التاريخية وتخيّل الماضي ..مشيراً إلى أنه من الصعب تصوّر شكل الماضي دون وجود بيانات كافية.
وأشار كيم هو خلال جلسة "تصوّر الأحداث التاريخية" التي عقدت ضمن فعاليات الدورة الـ 42 من معرض الشارقة الدولي للكتاب في مركز إكسبو الشارقة إلى ضرورة فتح الباب للربط بين البيانات - ممثلة في النصوص- والسياق الثقافي.
وأضاف: “دائما أتنقل بين النصوص والسياق الثقافي ومن خلال هذا التنقل أعزز قدرات التخيل اعتمادًا على حقائق تاريخية لذلك فإن سر نجاح المؤرخ يتجسد في قدرته على التنقل بين الخيال والسياق الثقافي والنصوص بشكل سليم فالنصوص والسياق ليسا متصلين ببعضهما البعض لكنهما دائمًا يتفاعلان سويًا لتقديم حقيقة جديدة”، مشيراً إلى أن النصوص والسياق الثقافي لهما نفس المكانة الخاصة وبالتالي فمن الضروري الاعتماد عليهما جنباً إلى جنب.
وأوضح أن الحقيقة تختلف عن الصورة الذهنية المتوارثة فالتبادلات المباشرة بين كوريا والعالم العربي كانت نادرة جدًا في الماضي وهذا الأمر قد يتسبب في تكوين صورة ذهنية غير دقيقة لدى كل طرف عن الطرف الآخر لكن الآن أصبحت التبادلات كبيرة بين الجانبين ومن ثم تتغير تلك الصورة.
ولفت كيم إلى أن المؤرخ يجب أن يمتلك مهارة العودة إلى الماضي والسفر عبر الزمن وأن يتجنب التحيز منذ البداية ومن خلال تحقيق توازن بين المعطيات يمكن أن يحصل على نتيجة أقرب إلى الدقة والاستمرار فيها مع تعمق الدراسة التاريخية.
وأوضح كيم هو أن زيارته إلى دولة الإمارات للمشاركة في فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب تعد الأولى له لدولة عربية وقال عندما وصلت إلى المعرض فوجئت بكثرة الكتب العربية المعروضة به ورغبت في معرفة ماذا يدور في تلك الكتب وكيف يمكن نقل ذلك المحتوى الثمين إلى كوريا.
رضا عبدالنور/ بتول كشواني
المصدر: وكالة أنباء الإمارات
إقرأ أيضاً:
نادر كاظم الناقد الثقافي
(1)
جاء اكتشافي لمجمل أعمال الناقد وأستاذ الدراسات الثقافية البحريني نادر كاظم منذ سنوات قليلة (ربما منذ عام 2020)، قبل ذلك كنت أسمع الاسم يتردد على ألسنة أساتذة وأصدقاء أجلاء يذكرونه بكثيرٍ من التقدير والتوقير والاحترام.
أول من ذكر اسم الدكتور نادر في مناقشة دارت بيننا صديقي وأستاذي الدكتور سامي سليمان أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة ورئيس قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة (وأحد أبرز أساتذة النقد الثقافي الآن مصريا وعربيا) وواحد من أبرز نقاد ما بات يعرف في السنوات العشرين الأخيرة "النقد الثقافي". وهو يدرس هذا الفرع من العلوم الإنسانية بالفعل في برامج الدراسات العليا لطلاب الماجستير والدكتوراه.
أخبرني الدكتور سامي بأن دراسات نادر كاظم تكاد تكون الأهم في حقل الدراسات الثقافية عمومًا (والنقد الثقافي) وأنه أنجز أطروحته للدكتوراه حول موضوع غاية في الأهمية: "تمثلات الآخر: صورة السود في المتخيل العربي الوسيط"، وهي دراسته التي أعاد تنقيحها وأضاف عليها في الطبعة الأخيرة الصادرة منذ عام أو يزيد عن دار سؤال البيروتية في 570 صفحة تقريبا من القطع المتوسط.
فيما بعد عرفت المزيد عن الدكتور نادر كاظم؛ وأنه من مواليد قرية الدير- مدينة المحرق بالبحرين عام 1973، وأنه تخرج في قسم اللغة العربية بجامعة البحرين عام 1995، وحصل على درجة الماجستير في النقد الحديث عام 2001 عن «المقامات والتلقي» بإشراف المرحومة الدكتورة نبيلة إبراهيم، ثم حصل على درجة الدكتوراه من معهد البحوث العربية بالقاهرة عام 2003 عن دراسته الرائدة «تمثيلات الآخر: صورة السود في المتخيل العربي الوسيط».
(2)
منذ هذه اللحظة ولد اهتمامي بأفكار الدكتور نادر ومتابعته في كل ما يكتب من مقالات أو يلقي من محاضرات أو يشارك في ندوات.. إلخ، وبدا لي الرجل باحثًا مكينًا وأستاذًا جسورا واثقًا وموهوبًا في المحاضرة، ومن القلة التي يتوفر لها الحضور العارم أثناء حديثها أو أثناء محاضرتها مهما كان الموضوع الذي يحاضر فيه. هذه هي "الموهبة" التي أُعجب بها، وهذا هو الحضور الذي أظنه أحد نواقص الثقافة العربية عمومًا والثقافة الأكاديمية بشكل خاص!
تاليًا، كنت قرأت له مقالًا رائعًا عن الناقد المغربي الكبير عبد الفتاح كيليطو؛ كان واحدًا من أهم وأمتع ما قرأت فعلا عن الناقد المغربي الأصيل وإنجازه المتميز في قراءة نصوص التراث الأدبي العربي بالأخص. هذه هي الكتابة التي أحب؛ كتابة سائغة ورائقة وسلسة، العبارة الرشيقة المباشرة، وغير المثقلة بالشحوم والدهون النظرية والمنهجية المنفرة الزائدة عن الحد!
تقرأ المقالَ فتجد معرفة حقيقية ومتماسكة، وتجد أفكارًا مكتوبة بلغة بسيطة لا استعراض فيها ولا التواء ولا عسر! من يقرأ هذا المقال ولم يكن يعرف من هو عبد الفتاح كيليطو فأتصور أنه سيسعى بفضول وشغف حقيقي للبحث عن هذا الناقد الكبير، والسعي بشغف لقراءة أعماله المهمة، وأظن أنه بهذا يكون المقال قد حقق هدفه تماما، ويا ليت كل ما نكتب يحقق أهدافه بهذه السلاسة والوضوح والنعومة أيضًا.
(3)
جاء نموذج الدكتور نادر ليجسد حرفيا وعمليا (من خلال كتبه وأبحاثه وندواته ومحاضراته ومواقفه الإنسانية الشجاعة) الفكرة التي آمنت بها طيلة عمري منذ التحقتُ بكلية الآداب بجامعة القاهرة، وهي أن الأستاذ الجامعي ليس مدرسا وشارحا فقط! هو "مثقف" في المقام الأول، صاحب فكر، وصاحب رؤية، وصاحب وجهة نظر، وبالتبعية صاحب موقف أيضًا! هكذا كانت قناعتي!
صحيح أن هذا النموذج يكاد يكون معدومًا ويكاد يكون في ندرة الكبريت الأحمر الآن بعد ما طال الجامعة من طالها من قضاء على استقلاليتها وأصبحت محكومة بكل شيء إلى قوانين الجامعات الحرة التي تنتج المعرفة في إطار من القيم الإنسانية الأساسية التي لا يختلف عليها أحد!
ولعل هذا ما يصل بين نادر كاظم في العقد الثالث من الألفية الثالثة، وبين مثقف عظيم وجليل بقيمة طه حسين، هذا الوصل الذي يمكن أن ألخصه في عبارة واحدة "ترسيخ قيم النهضة الفكرية والثقافية والدعوة إليها والعمل على نشرها في الجامعة وخارج أسوارها مهما كان الثمن"، سبيلهما في ذلك الفكر النقدي والعقلانية، ونقد البنية الفكرية والمجتمعية التي تعوق كل سبل النهوض والنقد والازدهار، وعلى رأسها حرية الفكر وحرية البحث العلمي واستقلال الجامعة، والخوض في الملفات الشائكة.. إلخ.
(4)
ولعل نقطة البدء في تدشين مشروع هذا المفكر الكبير والناقد الثقافي المتميز هي تنوع مصادر تكوينه الثقافي والمعرفي، والظروف العلمية والأكاديمية التي هيأت له تدريبا منهجيا رفيع المستوى في النقد الأدبي من خلال إنجاز أطروحته في الماجستير عن المقامات والتلقي، أولًا.
ثم ثانيًا، خلال إنجاز أطروحته للدكتوراه التي فكك فيها الصور النمطية السلبية في التراث الثقافي العربي في كتابه عن تمثيلات السود في المتخيل السردي العربي، والذي نال عنه جائزة الكتاب المتميز، يقول عنه الدكتور سعيد المصري عالم الاجتماع الكبير وأستاذ الأنثروبولوجيا الثقافية بجامعة القاهرة "وكنت ألاحظ مدى جديته، ودأبه الشديد في القراءة والكتابة، وإثارة الجدل والحوار في القضايا المسكوت عنها في التراث الثقافي العربي".
كان نادر كاظم -منذ بداية تكوينه- باحثًا ومفكرًا موسوعيًّا يتجاوز حدود التخصص الضيق ليسبح برشاقة فكرية عميقة بين النقد الأدبي، والدراسات الأدبية، والأدب المقارن، والأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والتاريخ والفولكلور، والدراسات الثقافية.. بحيث ضاقت وعجزت اللوائح الجامعية عن قولبته في تخصص بعينه (بتعبير سعيد المصري)، ولم يعبأ نادر بهذا القصور المعرفي ليمضي قدمًا نحو مسيرته بشجاعة في الإنتاج الفكري الذي يتقاطع مع تخصصات عديدة في العلوم الاجتماعية والإنسانية، حتى استقر به العمل أستاذًا للدراسات الثقافية، وهو الذي كان سببًا في الاعتراف بهذا التخصص الرفيع لأول مرة في جامعة البحرين.
(5)
وأخيرًا؛ أستعيد ما كتبه الصديق العزيز الدكتور سعيد المصري الذي وصف نادر كاظم بأنه "رمز لجيل جديد في الثقافة العربية"، وهو يعد "من أفضل الباحثين والمفكرين في عالمنا العربي عمومًا، وفي منطقة الخليج العربي على وجه الخصوص".
وقد قدم الدكتور سعيد شهادة موجزة عن الدكتور نادر، على وجازتها واختصارها، فإنها تمثل خير تمثيل ما رأيته أنا أيضا على المستوى الشخصي والمعرفي والثقافي في السنوات الخمس الأخيرة التي تيسر فيها الاقتراب من فكر نادر كاظم، وعلى المستوى الشخصي أيضا؛ يقول سعيد المصري:
"وقد عرفته عن قرب منذ أن عملنا معا بجامعة البحرين في صيف 2004 /2005 خلال عملي أستاذًا زائرًا بقسم العلوم الاجتماعية، وكانت إسهامات دكتور نادر البارزة في تفعيل وتطوير حركة الدراسات الثقافية النقدية على مستوى العالم العربي واضحة خلال عمله في إدارة تحرير ثلاث من أهم المجلات العلمية والفكرية والثقافية في البحرين وهي: مجلة أوان (2003-2005)، ومجلة العلوم الإنسانية (2005-2014)، ثم بعد ذلك مجلة ثقافات (2008-2014). ومنذ ذلك الوقت بذل نادر كاظم جهدًا كبيرًا في تفعيل حركة النقد الثقافي العربي، وإثارة كثير من القضايا والأسئلة ما بعد الحداثية. وامتدت علاقتي بالدكتور نادر بعد ذلك حين كنت أطالع بانتظام كتاباته المهمة والغزيرة سواء في مقالاته أو كتبه التي تربو على أكثر من سبعة عشر كتابًا حتى الآن، حيث عبرت تلك الكتابات عن مشروع فكري واضح حول أهمية التنوع الثقافي والتعايش الإنساني بين مختلف الثقافات".
أعتبر أن من بين أهم انشغالاتي المعرفية الأصيل بل من منجزاتها الكبيرة فعلا في السنوات الخمس الأخيرة البدء في إعادة قراءة وإعادة اكتشاف هذا المثقف الرائع و"الناقد الثقافي" الأصيل بألف لام التعريف، وأستاذ الدراسات الثقافية؛ المفكر البحريني والعربي الكبير نادر كاظم..