شهر على حرب غزة.. الاقتصاد الفلسطيني يتعرض لتدمير غير مسبوق
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
بعد شهر كامل من اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يعيش الاقتصاد الفلسطيني حالة من الضعف لم يشهدها من قبل، ولم يقتصر التأثير على غزة التي دمرت أكثر مبانيها والبنى التحتية بل تجاوزها للضفة الغربية التي تأثرت معظم قطاعاتها الاقتصادية.
وحتى اليوم، لم تصدر أي من المؤسسات الرسمية أو البحثية أي خسائر أولية لقطاع غزة، بسبب صعوبة إحصائها مع استمرار القصف الإسرائيلي المكثف.
لكن قبل الحرب، كانت نسبة البطالة في غزة تبلغ 46%، بينما 80% من السكان يتلقون مساعدات إنسانية، فيما لم يتم إعادة بناء 80% من المباني التي دمرت في حرب عام 2014 حتى عشية الحرب الأخيرة قبل شهر من الآن.
ونهاية الشهر الماضي قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف، إن قطاع غزة تكبد 3 مليارات دولار خسائر مباشرة وغير مباشرة بفعل العدوان الإسرائيلي، الذي طال المنشآت التجارية والاقتصادية ومنازل المدنيين ومقار حكومية وأهلية وبنى تحتية، في تقدير أَولي لحجم الخسائر بسبب العدوان المتواصل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقبلها بأيام كشفت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (إسكوا) عن تعرض قطاع غزة لتدمير وتداعيات اقتصادية غير مسبوقة جراء العدوان الذي يتعرض له من قبل الاحتلال، ونبهت إلى أرقام مذهلة مفادها أن جميع سكان غزة تقريبا، أو ما يقدر بنحو 96%، يعيشون الآن في فقر ويعانون أشكال الحرمان المتعددة بسبب الحرب الحالية.
وذكرت إسكوا، في تقرير نشرته في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن العدوان الدائر حاليا ضد غزة -إلى جانب الحصار الذي كان مفروضا عليها على مدار السنوات الماضية- زج بالسكان في دوامة غير مسبوقة من الحرمان والفقر المتعدد الأبعاد، ومن ثم إلى كارثة إنسانية على المستويات كافة.
وحسب التقرير الأممي، فإن قطاع غزة لم يكن قبل الحرب يعيش وضعا طبيعيا، إذ إن الحصار المفروض عليه منذ عام 2007 هو أخطر مظهر لسياسات إسرائيل الطويلة الأمد المتمثلة في تقييد حركة الفلسطينيين، وهو ما يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي.
وأوضح التقرير أنه بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعيش سكان غزة تحت قصف عنيف متواصل لا يسبب الدمار المادي فحسب، بل يحرمهم أيضا من الوصول إلى الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية المنقذة للحياة والمياه والغذاء والكهرباء والتعليم والتوظيف.
خسائر الضفة:
بورصة فلسطين
كانت بورصة فلسطين أول ما تأثر به الاقتصاد المحلي بسبب اندلاع الحرب، إذ سجلت تراجعات في معظم الجلسات من 7 أكتوبر/تشرين الأول، وهبط مؤشرها الرئيس "مؤشر القدس" في جلسة 17 أكتوبر/تشرين الأول لأدنى مستوى منذ سبتمبر/أيلول 2021.
ولاحقا، بدأ المؤشر يصعد تدريجيا، مع إعلان البورصة وهيئة سوق رأس المال الفلسطينية، عن تدابير جديدة تحافظ على الأسهم وقيمتها السوقية، وتحفيز السيولة في السوق المالية.
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أصدر مجلس إدارة هيئة سوق رأس المال الفلسطينية قرارا تنظيميا ولمدة 3 أشهر، يسمح للشركات المساهمة العامة المدرجة شراء أسهمها دون اشتراط عقد وموافقة الهيئة العامة غير العادية.
ويهدف القرار إلى تعزيز واستقرار أسعار الأوراق المالية المدرجة في بورصة فلسطين، في ضوء الأحداث والتطورات الأخيرة التي طرأت على قطاع الأوراق المالية الفلسطيني.
ومنذ جلسة 5 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى نهاية جلسة 5 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تراجع مؤشر القدس بنسبة 8.5% وفق مسح أجرته الأناضول للبيانات الرسمية.
150 ألف عامل عاطلون
تظهر بيانات الإحصاء الفلسطيني أن هناك قرابة 140 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية يعملون في إسرائيل، إلى جانب 18.5 ألف عامل من قطاع غزة.
اليوم، يلتزم معظم هؤلاء العمال منازلهم، بسبب تعليق غالبية الأنشطة الاقتصادية في إسرائيل، باستثناء قطاعي الزراعة والأغذية.
وتبلغ فاتورة أجور هؤلاء العمال قرابة 1.5 مليار شيكل (397 مليون دولار) شهريا، معظمها يتم ضخه في أسواق الضفة الغربية، على شكل قوة شرائية واستهلاكية.
وخلال شهر الحرب، فقدت السوق الفلسطينية هذه القوة الشرائية، بسبب تعطل العمال الفلسطينيين، بينما ينقسم عمال غزة بين جزء في قطاع غزة، والجزء الآخر وصل إلى الضفة الغربية في الأيام الأولى للحرب.
لكن بالمجمل، ورغم عدم إصدار أي إحصاءات رسمية، فإن القوة الشرائية في الضفة الغربية تأثرت بشكل عام، فيما أغلقت غالبية المطاعم أبوابها بسبب غياب الزبائن طيلة أيام الحرب الدائرة.
القطاع المصرفي
وأصدرت سلطة النقد الفلسطينية، في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تعليمات للمصارف العاملة في السوق المحلية، للتعامل مع التبعات النقدية للحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة.
أهم ما ورد في التعليمات الجديدة، مرتبطة بالمقترضين من قطاع غزة، والتي نصت على تأجيل تسديد أقساط القروض إلى نهاية يناير/كانون الثاني 2024.
وقالت مصادر، إن هناك مخاوف بشأن الإقراض المصرفي الموجه للعملاء في قطاع غزة، إذا بلغت قيمة القروض المقدمة للأفراد والشركات في القطاع 923 مليون دولار حتى نهاية سبتمبر/أيلول الماضي.
أموال المقاصة
ودخلت أموال الضرائب الفلسطينية "المقاصة" إلى أجواء الحرب، مع خروج عدة تصريحات بشأنها.
ففي 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وجّه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بتجميد أموال المقاصة الفلسطينية، بسبب ما وصفه عدم إدانة السلطة عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مستوطنات غلاف غزة.
وتقوم إسرائيل بجمع الضرائب نيابة عن السلطة الفلسطينية مقابل واردات الفلسطينيين على السلع المستوردة، وتحول الأموال إليها شهريا، بمتوسط 750 مليون شيكل (190 مليون دولار).
إلا أن وزير الدفاع يوآف غالانت، أمر بتحويل الأموال منقوصا منها ما تحوله الحكومة الفلسطينية إلى قطاع غزة، كعقاب لسكان القطاع.
إلا أن السلطة الفلسطينية رفضت، الأحد، تسلم أموال الضرائب (المقاصة) من الجانب الإسرائيلي، بعد إعلان تل أبيب تحويلها، بعد خصم مبالغ كانت توجه سابقا لقطاع غزة، بحسب مصادر حكومية للأناضول.
وذكرت المصادر أن "قرارا رئاسيا صدر بعدم تسلم أموال المقاصة منقوصة، لأن قرار خصم أموال تذهب لغزة يعني تعزيز فصل الضفة الغربية عن القطاع".
وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي شنت المقاومة الفلسطينية -بقيادة كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة (حماس) عملية "طوفان الأقصى" ضد الاحتلال، وأعقبتها إسرائيل بحرب على غزة دخلت يومها الـ31.
وأحصت وزارة الصحة بغزة أكثر من 10 آلاف شهيد منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وأكدت أن 70% من ضحايا العدوان هم من النساء والأطفال، فضلا عن إصابة أكثر من 24 ألفا آخرين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: أکتوبر تشرین الأول الماضی الضفة الغربیة قطاع غزة
إقرأ أيضاً:
تقدير استراتيجي: سيناريوهات لمستقبل السلطة الفلسطينية بعد طوفان الأقصى
جاءت معركة "طوفان الأقصى" بوصفها لحظة فاصلة في تاريخ القضية الفلسطينية، إذ فرضت واقعاً جديداً على مجمل البيئة السياسية في فلسطين، وجعلت من مستقبل السلطة الفلسطينية سؤالاً مفتوحاً على احتمالات متعددة، بعضها وجودي.
في هذا السياق، نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات تقديراً استراتيجياً مهماً، أعدّه الباحثان الغزيّان وائل عبد الحميد المبحوح وربيع أمين أبو حطب، يتناول مستقبل السلطة الفلسطينية في ضوء تداعيات هذه المعركة التاريخية، ويستقرأ خمسة سيناريوهات رئيسية قد ترسم ملامح المرحلة المقبلة.
السيناريو الأول: استمرار الوضع الراهن (الجمود والانقسام)
يرجّح هذا السيناريو بقاء السلطة الفلسطينية بشكلها الحالي في الضفة الغربية، مع بقاء حركة حماس على إدارة غزة، ما يعني استمرار الانقسام السياسي والجغرافي، في ظل عجز النظام السياسي الفلسطيني عن التجدد أو الإصلاح.
فرص التحقق: عالية على المدى القريب، لكنها مهددة بانفجارات داخلية وتغيرات خارجية تجعلها هشة وغير مستدامة.
السيناريو الثاني: عودة السلطة إلى غزة بعد الحرب
ينطوي على إعادة هيمنة السلطة الفلسطينية (برئاسة رام الله) على قطاع غزة، كما كان الحال قبل انتخابات 2006، ما يعني إنهاء حكم حماس لغزة، سواء بترتيب دولي أو بضغط إقليمي.
فرص التحقق: منخفضة، ما لم تحدث صفقة شاملة تنص على إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بإجماع وطني، وهو ما لا تتيحه المعادلات الحالية.
السيناريو الثالث: تفكيك السلطة وعودة الاحتلال المباشر
يناقش احتمال قيام الاحتلال الإسرائيلي بحل السلطة الفلسطينية، وإعادة السيطرة المباشرة على الضفة الغربية وربما غزة، ضمن مشروع ضمّ واسع، مترافق مع تهجير قسري وتغيير ديموغرافي.
تضع معركة "طوفان الأقصى" الفلسطينيين أمام لحظة الحقيقة: فإما الانخراط في مشروع وطني جامع يعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة والمقاومة، أو الانزلاق إلى مشاريع التصفية والتفكيك التي تخدم الاحتلال. وبين هذه وتلك، يبقى قرار الفلسطينيين أنفسهم هو الحاسم في تحديد السيناريو الذي سيغدو واقعاً.فرص التحقق: تتصاعد في ظل حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة، لكنها تصطدم بمعيقات دولية وميدانية، كما أنها قد تشعل انتفاضة فلسطينية شاملة.
السيناريو الرابع: إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن
يقوم هذا السيناريو على فكرة تصفية القضية الفلسطينية من خلال فصل الجغرافيا وتوزيعها: غزة تُلحق إدارياً أو أمنياً بمصر، والضفة تُربط بالأردن، في إعادة تدوير لمشاريع قديمة.
فرص التحقق: ضعيفة حالياً، لكنها مطروحة في كواليس بعض المفاوضات وتزداد في ظل العجز عن بلورة مشروع فلسطيني موحد.
السيناريو الخامس: إصلاح شامل أو بناء نظام سياسي جديد
يتضمن هذا السيناريو إمّا إصلاح السلطة الفلسطينية الحالية عبر دمج كل الفصائل في نظام ديمقراطي تشاركي، أو إنشاء نظام سياسي فلسطيني جديد برعاية إقليمية ودولية، دون إقصاء، يقود مرحلة ما بعد الحرب.
فرص التحقق: متوسطة، وتزداد في حال تشكّلت جبهة فلسطينية موحدة تدير معركتي الحرب والسياسة معاً، وتفرض حضورها كقوة شرعية أمام المجتمع الدولي.
العوامل المرجّحة أو المعيقة للسيناريوهات
يستعرض التقدير مجموعة من المحددات الجوهرية التي تعزز أو تُضعف فرص تحقق هذه السيناريوهات، أبرزها:
ـ قدرة حركة حماس على التكيّف مع الوقائع السياسية والإنسانية في غزة، واستمرار حضورها المقاوم والسياسي.
ـ موقف الحاضنة الشعبية في غزة تجاه المقاومة بعد المجازر والتدمير والتهديد بالتهجير.
ـ التدخل الدولي في إنهاء الحرب وفرض تسوية سياسية أو إنسانية.
ـ الوضع الداخلي في إسرائيل وتماسك الحكومة اليمينية، ومدى ضغط المعارضة والشارع الإسرائيلي.
ـ مدى استعداد السلطة الفلسطينية للإصلاح الحقيقي ومواجهة واقعها المأزوم.
ـ تطورات الجبهة الشمالية (حزب الله) وسقوط نظام الأسد أو تغير أولويات النظام السوري.
التوصيات: نحو جبهة وطنية لمواجهة المرحلة
أوصى التقدير الاستراتيجي بعدد من الخطوات السياسية الملحة، أبرزها:
ـ اعتبار مستقبل غزة والضفة شأناً فلسطينياً خالصاً، ورفض أي مشاريع خارجية لتفتيت الجغرافيا أو الهوية.
ـ تشكيل جبهة وطنية موحدة تقود عمليات الحرب والتهدئة على قاعدة التشاركية ورفض الإقصاء.
ـ تعزيز ثقافة المواطنة والمشاركة السياسية في صفوف الحركات والفصائل.
ـ رفض تجريم المقاومة بكل أشكالها، ودعمها سياسياً وشعبياً.
التحرك نحو تجريم الاحتلال دولياً ومعاقبته على جرائمه في غزة، والسعي لوقف الحرب والتهجير.
تضع معركة "طوفان الأقصى" الفلسطينيين أمام لحظة الحقيقة: فإما الانخراط في مشروع وطني جامع يعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أساس الشراكة والمقاومة، أو الانزلاق إلى مشاريع التصفية والتفكيك التي تخدم الاحتلال. وبين هذه وتلك، يبقى قرار الفلسطينيين أنفسهم هو الحاسم في تحديد السيناريو الذي سيغدو واقعاً.