لجريدة عمان:
2025-07-03@17:23:28 GMT

حينما يفقد العالم إنسانيته

تاريخ النشر: 11th, November 2023 GMT

منذ عام ١٩٤٨ والفلسطينيون مشتتون في معظم دول العالم، رغم وقوع حربين عالميتين مروعتين دفعت البشرية ثمنهما هائلًا من دماء شعوب لم يكن لها في تلك الحرب ناقة ولا جمل، رغم ما أعقب الحرب العالمية الثانية من اتفاق الدول الكبرى على تأسيس منظمة دولية تحول دون وقوع مثل هذه المآسي، والحيلولة دون استقواء الدول الكبرى على الدول النامية، إلا أن المؤامرة الكبرى التي قادتها بريطانيا بدعم ومساندة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لقيام دولة يهودية على أرض فلسطين، ودعمها عسكريًا وماليًا- كان بمثابة أول ضربة قاضية لمصداقية الأمم المتحدة، وما أشبه اليوم بالأمس! فها هم الفلسطينيون يموتون تحت أنقاض منازلهم، بعد أن راحت الطائرات والمدافع وكل وسائل الإبادة تحصد أرواح هذا الشعب الأعزل، بعد أن منعوا عنه الغذاء والدواء في مشاهد مروعة لم تحرك ضمير العالم الحر، الذي فقد إنسانيته، ورغم نداءات الأمين العام لأمم المتحدة (أنطونيو جوتيريش) بعد أن زار معبر رفح، وشاهد بعينيه هول المأساة، ودعوته الصريحة لإنقاذ الأطفال والنساء والمشردين، إلا أن كل نداءاته ذهبت هباءً، في الوقت الذي يموت فيه الناس تحت أنقاض منازلهم، أو في المستشفيات التي راح العدو يستهدفها بكل قسوة أو على قارعة الطريق.

ما يحيرني ويضاعف من ألمي ومرارتي هو موقف العرب الذين أبرأوا ذممهم وقد اكتفوا بالبيانات والتصريحات الإعلامية، بينما بعض أقطارنا العربية راحت تقدم خطابين متناقضين، أحدهما موجه إلى العرب، والآخر إلى الغرب الداعم للعدوان، وهي ازدواجية عجيبة، استغلها المعتدون لتبرير عدوانهم وطغيانهم، ورغم هول الفاجعة، وصعوبة المشهد الذي لا مثيل له حتى في الحروب العالمية الكبرى، إلا أن ضعف العرب وتعارض مواقفهم كان سببًا كافيًا لمزيد من العدوان، وفي ظل هذه النكبة الكبرى لم تُقدم دولة عربية أو إسلامية واحدة من الدول التي لديها علاقات مع إسرائيل على قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية رغم الحشود الجماهيرية المطالبة بقطع العلاقات التي ملأت الميادين في المدن العربية والإسلامية والأوروبية، وقد انتفضت غضبًا وألمًا بعد أن رأت عبر وسائل الإعلام صرخات الأمهات وبكاء الأطفال وجثث الشهداء على قارعة الطريق صباح مساء.

العجيب في الأمر أن بعض أقطارنا العربية -ونحن نتابع إعلامها- لا تشعرنا بأن هذا العدوان على أرض عربية، بل وكأنها أحداث تقع في دول أمريكا اللاتينية، فالبرامج الغنائية والمسرحية وكل ما يقدم عبر وسائل الإعلام لا يشعرنا بأي قدر من التعاطف، رغم أن ثقافتنا العربية عبر تاريخها الطويل قد عرفت كيف يشعر الناس بفقد جار أو صديق أو قريب، حينما يشارك الجميع بدعم أهل المفقودين، حتى لو كان هذا الدعم معنويًا، إنها ثقافة عربية أصيلة، أعتقد إنها لا تزال قائمة في مجتمعاتنا العربية. لم يعبأ البعض بشلالات الدماء على الأرض العربية في فلسطين، وقد راح أهلها يستنجدون بالعروبة والإسلام، إلا أن كل هذا قد ذهب هباءً، وهو مشهد مروع أحدث انقساما بين الجماهير العربية والإسلامية، وخصوصًا قد راح البعض يشن هجومًا قاسيا على القتلى، وقد حمّلهم المسؤولية عن قتلهم.

ضاعف من هول المأساة اختفاء بعض حكامنا عن المشهد، وكأن القضية برمتها لا تعنيهم، حتى حينما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عقد قمة عربية كان الصمت هو الإجابة المناسبة، وهو أمر يدعونا إلى الريبة والشعور بأن أمرًا يدبر بليل في سبيل الإجهاز على القضية الفلسطينية نهائيًا، وربما يتصور البعض إنه آمن في وطنه، فالخطر يهدد الجميع من كل جانب، ولا سبيل أمامنا إلا أن نعتصم بوحدتنا وهويتنا، وطالما بقي العرب منقسمين مختلفين، فالمستقبل يكتنفه الغموض والخطر، لا نطالب حكامنا بأن يجيّشوا الجيوش ويعلنون الحرب، بل أضعف الإيمان أن يستخدموا قواهم الناعمة في السياسة والدبلوماسية والاقتصاد، وعلاقاتهم الدولية الواسعة لإنقاذ شعب يباد تحت أعين الجميع، وأعتقد أن على الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا مهمة عظيمة، فلا يكفي التظاهر في الشوارع والميادين وبيانات الشجب والإدانة، بل عليهم أن يشكلوا لوبيا عربيا منظما، وهم من الكثرة لدرجة أن باستطاعتهم أن يشكلوا ضغطًا على البرلمانات الأوروبية والأمريكية وأن يمارسوا دورهم في الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، فضلًا عن مهام كثيرة وهي وسائل لم تلتفت إليها الجاليات العربية في أوروبا وأمريكا، رغم أنهم من الكثرة لدرجة أن باستطاعتهم أن يؤثروا على صناعة القرار السياسي في الوقت الذي يشغل فيه اللوبي الصهيوني دورًا كبيرًا وقوة ضغط هائلة في السياسة والإعلام والاقتصاد في سبيل خدمة إسرائيل، لكن المشكلة أن مواطنينا العرب والمسلمين قد حملوا أمراضهم وأدرانهم على ظهورهم أينما رحلوا.

يملك العرب كل مقومات القوة، فأينما ذهبت من المشرق العربي إلى مغربه تجد اللغة العربية هي الوسيلة الوحيدة للتحدث، وأينما حللت بقطر عربي وتجولت بين مكتباته تلاحظ أن كل ما يقرؤه المشرقيون العرب يقرأه المغاربة، وأن شغف كل الشعوب نحو التطلع إلى وحدتها، وأن العلاقات الاجتماعية تمتد من المشرق إلى المغرب في محبة ووئام.

لقد أتيح لي السفر إلى كل الأقطار العربية من المشرق إلى المغرب، لم أشعر ولو لمرة واحدة أنني قد غادرت بلدي، بل أجد في كل قطر نزلت فيه محبةً وترحيبًا، حتى في ظل ما كانت تواجهه بلدي من مناكفات سياسية، لكن كان الشعب دائما هو الحاضنة الاجتماعية والفكرية، وفي كل البلاد التي زرتها غالبًا ما كنت أتجول بين منافذ بيع الكتب والصحف، وكل ما تقع عيناي عليه إما أن أكون قد قرأته أو سمعت عن مؤلِفه، والمكتبات عامرة بما يكتبه الكتاب والمفكرون العرب من كل الأقطار، وغالبًا ما كنت أزور المكتبات القديمة، ومن عناوين الكتب أشعر أن المؤلف لا يكتب لبلده فقط، بل عينه وقلبه تستهدف القارئ العربي في كل مكان.

لم يلتفت صناع القرار إلى أهمية هذا الرصيد الفكري والحضاري والاجتماعي، الذي يعد رصيدًا ضخمًا لصناعة مستقبل أفضل نحمي به أوطاننا وشعوبنا وثقافتنا، والعدوان الصهيوني في قلب هذا المشهد، فماذا نحن منتظرون لإنقاذ أهلنا في فلسطين مما يُخطط لهم من مصير مظلم، طالما القرار بيد حكامنا، فعليهم أن يثقوا بأن من ورائهم رصيدًا ضخمًا من البشر يمكن الاعتماد عليه، بهدف حماية مستقبلنا والحفاظ على هويتنا، والتجارب التاريخية منذ بداية البشرية تؤكد أن كل الغزاة والمستعمرين في طريقهم إلى الزوال طالما تمسكنا بحقوقنا وبأرضنا، ومن المستحيل أن يُقتلع الفلسطينيون من أرضهم مهما طال الاحتلال، والقضية الفلسطينية ستظل حية ما بقي الفلسطينيون على أرضهم التي ولدوا عليها، ولن يتمكن العدو بكل قوته وجبروته من اقتلاع شعب من أرضه، والفلسطينيون من أكثر الشعوب إيمانًا بهذه القضية التي لا تسقط أبدًا بالتقادم.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: إلا أن بعد أن

إقرأ أيضاً:

المسند يكشف: 7 أسباب صادمة تجعل موجات الحر قاتلة في أوروبا دون الدول العربية

الرياض

يتساءل كثيرون عن أسباب ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب موجات الحر، رغم أن درجات الحرارة هناك أقل من المعدلات المعتادة في الدول العربية.

وقال الدكتور عبدالله المسند، أستاذ المناخ السابق بجامعة القصيم: “من أكثر الأسئلة تكرارًا عند تأثر بعض الدول الأوروبية بموجات حر قاتلة: كيف ولماذا تسجل أوروبا وفيات بأعداد كبيرة، رغم أن درجات الحرارة هناك أقل من درجات الحرارة المعتادة في دول الخليج والعالم العربي؟ الجواب باختصار: الوفيات تحدث غالبًا بين كبار السن، خاصة من تجاوز سن 65 عامًا، وتصل نسبتهم في بعض الحالات إلى 95% من الوفيات المسجلة أثناء موجات الحر”.

وتابع أن هذه الظاهرة تعود إلى عدة أسباب بيئية وصحية وعمرانية وسلوكية، وشرحها بالتفصيل، ضعف التكيّف المناخي: أجسام الأوروبيين لم تتكيف مع درجات الحرارة المرتفعة كما هو الحال في سكان المناطق الحارة كالدول العربية” .

وأضاف: “نظامهم الحيوي ونمطهم المعيشي مهيأ للبرودة أكثر من الحرارة، غياب أجهزة التبريد: لا تتوفر المكيفات (ولا حتى المراوح) في الكثير من البيوت الأوروبية، خاصة القديمة منها، ومساكن كبار السن”.

كما أشار إلى أن ثقافة الاعتماد على التهوية الطبيعية ما زالت سائدة، تصميم المباني ضد البرد لا الحر، المباني مصممة لعزل البرودة والاحتفاظ بالدفء، وليس للتبريد أو مقاومة الحرارة، الغرف صغيرة، والأسقف منخفضة، ما يؤدي إلى تركيز الحرارة في مساحات ضيقة، وترتفع درجة الحرارة بسرعة داخلها، ارتفاع نسبة الرطوبة، الغابات، والأنهار، والبحيرات، وقرب المدن من البحار والمحيطات، كلها ترفع الرطوبة الجوية”.

واستكمل : “عند اجتماع الرطوبة المرتفعة مع الحرارة، تتوقف فعالية التعرق، فيفقد الجسم وسيلته الطبيعية في التبريد، ما يؤدي إلى الإجهاد الحراري وربما الوفاة، صفاء السماء من الغبار، خلو الأجواء الأوروبية من الغبار والعوالق الجوية يجعل الإشعاع الشمسي أكثر قوة ونفاذًا، مما يزيد من الشعور بالحر، سمك الغلاف الجوي أقل، في العروض العليا، يكون الغلاف الجوي أقل سمكًا، وبالتالي يحجب الإشعاع الشمسي بشكل أقل من المناطق الاستوائية، مما يؤدي إلى شدة تأثير الشمس المباشر، طول النهار صيفًا، النهار في أوروبا أطول من النهار في منطقتنا، وقد يزيد على 2 إلى 3 ساعات عن مدن مثل ‎الرياض أو ‎مكة، طول فترة التعرض للشمس يعني ارتفاع الحمل الحراري على الجسم” .

واختتم المسند حديثه، قائلًا : “قد يكون أحد هذه العوامل أو كلها مجتمعة سببًا في جعل موجات الحر الأوروبية أكثر فتكًا، ومع استمرار ارتفاع حرارة الأرض بفعل الاحتباس الحراري وازدياد انبعاثات غازات الدفيئة، فإن موجات الحر ستزداد قوة وتكرارًا واتساعًا. فهل سألتم: أنى لنا هذا؟ قال تعالى: (قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ)، هذا والله أعلم” .

مقالات مشابهة

  • تعرف على الدول التي يتعين على النساء فيها أداء الخدمة العسكرية
  • الجامعة العربية تؤكد دعمها لـ "الأونروا" وتطالب باتخاذ إجراءات فورية لحمايتها
  • الجامعة العربية تؤكد دعمها الثابت لوكالة الأونروا
  • الجامعة العربية تؤكد دعمها الثابت لـ "الأونروا" وتطالب بحمايتها
  • المسند يكشف: 7 أسباب صادمة تجعل موجات الحر قاتلة في أوروبا دون الدول العربية
  • ٣٠/ يونيو، ليلة القبض علی جَمْرَة!!
  • أفضل الدول العربية للعيش إن كان السلام هدفك الأول.. إليك ترتيبها على مؤشر 2025
  • العراق بالمرتبة الخامسة بين ارخص الدول العربية معيشة
  • محمد الموجي.. مهندس الألحان الذي غيّر وجه الموسيقى العربية
  • سباق مواهب الذكاء الاصطناعي يشتعل.. إسرائيل في المقدمة وغياب العرب