لجريدة عمان:
2025-05-21@05:30:44 GMT

«الدلالة» في عيون أحد روّادها

تاريخ النشر: 14th, November 2023 GMT

«الدلالة» في عيون أحد روّادها

منذ 35 عامًا وتحديدًا منذ أن وطئت قدماه عرصة المناداة بسوق نزوى عام 1988 لم تفقد عرصات السوق الدلال سالم بن خلفان بن صالح البطراني أشهر منادٍ أو دلّال بالولاية إلا فيما ندر، حيث حفر اسمه كواحد من أبرز ممارسي هذه المهنة وأصبح مضربًا للأمثال بتفانيه في هذه المهنة التي يكتسب منها عيشه ووفّرت له ولأسرته الرفاهية والاستقرار على مدى هذه الفترة الطويلة.

ولمهنة الدلالة قواعد وأعراف لمن يمتهنها فهي ليست مجرد مزايدة على سلعة بل يتعدّى ذلك إلى أخلاق وقيم عليا وأمانة لمن يمتهنها حفاظا على حقوق الناس نتعرّف عليها من خلال هذا الحوار مع سالم البطراني الذي قال: بدايتي مع هذه المهنة كانت في عام 1988 وكان عمري في ذلك الوقت 8 سنوات، وامتهنتها بحثًا عن بعض المال نظرًا لضيق ذات اليد حيث شجّعني الدلال سالم بن علي الرميضي (رحمه الله) بعد أن توسّم فيّ النباهة وكان ذلك خلال فترة الإجازة الصيفية وحثّني على امتهانها مؤقّتًا لمساعدة نفسي وأهلي بما تجود به هذه المهنة من دخل وفق قدراتي رغم أنني كنت أول شخص من الأسرة يمارس مهنة الدلالة، مضيفًا إنه بدأ فعليًا في ممارسة المهنة بعد متابعة الدلالين في عرصات السوق كثيرًا ومراقبة أدائهم وكيفية عرض البضائع للمشترين.

مهنة قديمة

وتابع قائلا: الدلالة مهنة معروفة وقديمة قدم الأسواق وتعتبر بمفهومها البسيط وساطة بين البائع ومن يرغب في الشراء حيث يجلب البائع بضاعته للسوق ويقوم الدلال بمعاينتها وتقدير قيمتها ثم يعرضها على العامة، وللدلالة في سوق نزوى أهمية كبيرة نظرًا لحركته القوية وما تتوفر فيه من أصناف المعروضات بشتّى أنواعها كذلك وجود الكثير من الباعة والمشترين من خارج الولاية ومن ولايات عديدة يعرضون بضائعهم ومنذ القدم كانت البضائع تتوارد على السوق وكان يعجّ بالحركة والنشاط طيلة أيام الأسبوع، ثم بدأت أيام المناداة والمزادات تتقلّص حيث تنشط يومي الجمعة والسبت وتنخفض باقي الأيام بل إن بعض العرصات لا تعمل سوى يومين كعرصة مناداة الأبقار والأغنام عدا الأيام التي تسبق عيدي الفطر والأضحى بينما باقي أيام العام تقام يومي الجمعة والسبت.

وعن رأيه في أهمية الدلالة وهل لها ذات الجدوى السابقة قال: نعم لا يزال لديها القوة نفسها والمستوى نفسه، فالمناداة أو ما يعرف حديثًا بالمزايدة تعطي للبضاعة قيمتها الحقيقية غالبًا، كما أنها تمنع الاحتكار وتتاح لكافة الناس المزايدة وفق إمكانياتهم ورؤيتهم للبضائع المعروضة وتعرّف الناس بمميزات البضاعة وجودتها، كما تتيح للراغب في المزايدة النظر في البضاعة وتمعّنها خاصة إذا كانت من أصناف الفواكه والخضار والتمور والمواشي ليكون على بيّنة من أمره قبل رسوّ المزاد عليه.

معاملات أفضل

وتطرّق البطراني، في حديثه إلى تطوّر حالة المهنة منذ بدايتها وحتى الآن فقال: في السابق كانت المعاملة أفضل بين الجميع وكان الباعة والمشترون أكثر حرصًا على حقوق الناس وغالبًا لا تتم المزايدة الكيدية بمعنى قيام شخص برفع السعر بغية الاحتكار أو غمط حق الآخرين وكذلك التفاهم بالمعروف والطيب لكي نصل لحل وسط في حالة حدوث أي خلاف وغالبًا ما يتم الاتفاق بين البائع والمشتري وفق الأعراف والتقاليد ولا يتم اللجوء للتشريعات إلا في آخر الحلول وكانت قلوب الناس أصفى من الوقت الحالي حيث نجد خلال هذه الفترة لا مبالاة من المزايدين، إذ يقوم البعض بالمزايدة لرفع السعر ثم يختفي من المشهد ونضطر للبدء من جديد كذلك يقوم البعض بعد رسو المزاد عليه بدفع جزء من السعر ثم يماطل في تسديد ما يتبقى عليه من حقوق إضافة إلى عدم اقتناع بعض المشترين بالبضاعة عند رسو المزايدة عليهم وفي هذه الحالة نقوم بإعادة المزايدة من جديد في حالة كان البائع موجودا وبرضاه أما في حالة عدم موافقة البائع أو مغادرته لمكان المزايدة يلتزم من رسا عليه المزاد بالوفاء بالتزامه.

بدايته وتطوّره

يستعيد سالم البطراني ذكرياته الأولى حيث يقول: كانت بدايتي مع الأغنام لسهولة اقتيادها ثم انتقلت إلى الأبقار وظللت فترة طويلة قرابة ثماني سنوات في مناداة المواشي والمردود في السابق كان قليلًا لكنه كافٍ في ذلك الوقت حيث يصل بين عشرة ريالات وخمسة عشر ريالًا في اليوم ويزيد قليلًا وقت الذروة خلال نهاية الأسبوع أو الأعياد، أما عن النسبة التي يحصل عليها الدلال فهي حسب المتعارف عليه قانونًا 6% من قيمة الشراء لكن ينخفض المبلغ قليلًا وفق الاتفاق بين الأطراف الثلاثة البائع والمشتري والدلال لتيسير عملية البيع؛ بعد ذلك ونظرًا لتقلّص حركة المناداة على المواشي واقتصارها على يومي الإجازة والأعياد بدأت في العمل في قاعات أخرى حيث انتقلت إلى الخضروات والفواكه ثم مارست المناداة في بعض الأصناف الأخرى كالأسلحة «السيوف والخناجر والبنادق» وأحيانًا المزايدة على البيوت وخلايا العسل وغير ذلك حيث إن عرصات سوق نزوى متنوعة وتنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية هي مناداة المواشي والأسماك والخضروات والفواكه والأسلحة كذلك هناك ساحة لمناداة السيارات ولكن تم إلغاؤها حاليًا وتتم بطريقة ودية وغير معتمدة كساحة مناداة.

مواسم مختلفة

تحدّث البطراني عن أهم ما يميّز سوق نزوى من خلال ما يعرض فقال: سوق نزوى مقصد للجميع من كل ولايات سلطنة عمان وشهرته خرجت إلى خارج الحدود حيث يرتاد السوق خلال هذه الفترة وخاصة أيام الجمعة مرتادون من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وأحيانًا من البحرين وقطر إضافة إلى الكثير من المقيمين في البلاد حيث يشتهر بوجود البضائع الموسمية فمثلًا خلال شهر يناير ومع بدء موسم الطلع في النخيل يتم عرض عذوق النبات بمختلف أنواعها وهي عديدة ولا تتوفر غالبًا بأنواعها إلا في سوق نزوى حيث تجلب من خارج الولاية كذلك موسم بداية القيظ وجلب أصناف من الرطب ثم موسم الأمباء الأخضر «المانجو» الذي يجلب من ولايات شمال الباطنة وولاية قريات والموز من شمال الباطنة والفيفاي من محافظة ظفار وقريات وكذلك خلايا النحل من ولاية الرستاق وما جاورها ومنتجات ولاية الجبل الأخضر حيث يعتبر سوق نزوى مكانًا مثاليًا لتسويقها وخاصة الرمّان كذلك منتجات الثوم والبصل من جبل شمس بولاية الحمراء والتمور من ولايات الداخلية والظاهرة وبالتالي أصبحت للسوق قوة كبيرة ناهيك عن الأغنام التي تجلب من شتى الولايات بالمحافظة وولايات شمال الشرقية وعبري كذلك هناك مناداة للأسلحة كالسيوف والخناجر والبنادق المتنوعة «الكند والصمع والسكتون» وهي ترفد السوق بمزيدٍ من المرتادين ويقومون بالمزايدة حيث يعرفون الطريقة والسوق مفتوح ومتاح للجميع.

مشاهير الدلالين

تناول سالم البطراني في حديثه أشهر من مرّ على السوق من الدلالين والمزايدين فقال: الناس ما زالت تتذكّر الكثير من الدلالين ذوي السمعة الطيبة والمعاملة من أمثال سالم بن علي الرميضي وسالم بن حمد الحوسني وعزيز بن مسعود الرميضي ومسلّم بن محمد العفيفي (رحمهم الله جميعًا) وكذلك ممن على قيد الحياة سالم بن عامر الرميضي ومسلّم بن محمد الرميضي وخلفان بن حمد أمبوسعيدي وغيرهم وللكثير منهم ذكريات ومواقف مع مهنة الدلالة وبعض هؤلاء الدلالين أورثوا المهن لأبنائهم ولكن الغالبية لا يمارس المهنة بصفة مستمرة بل موسمية ويترفّعون عنها رغم أنها تحقق عائدًا مجزيًا وخاصة في البضائع ذوات الأثمان الغالية كالبيوت حيث يحدث أحيانًا أن يتم بيع منزل بـ50 ألف ريال عماني فيكون نصيب الدلال قرابة ثلاثة آلاف ريال عماني كذلك في حالة الخناجر الثمينة ذوات القرن الهندي التي تصل قيمتها إلى ستة آلاف ريال عماني فيكون نصيب الدلال ما يزيد على 250 ريالا عمانيا وهكذا.

مواقف وحكايات

ينتقل بنا الحديث إلى أهم المواقف والحكايات التي يصادفها الدلال فيقول: هناك الكثير من المواقف التي تحدث من بينها تراجع المشتري عن إتمام عملية الشراء وهروب بعض المشترين بسبب عدم توفر النقد لديهم والدفع بالآجل حيث يقوم الدلال بدفع المبلغ للبائع ثم يقوم المشتري بالتقسيط وأحيانًا يتهرّب كذلك عرض سلع ثم يتراجع أصحابها عن بيعها أو عرض سلع وخروج أصحابها وعدم التعرّف عليهم ومن بين المواقف التي تثير الدلال هو تفاهم البائع والمشتري بعد مدة من الدلالة حيث يبقى الدلال خارج اللعبة ولا يستوفي حقه وهذا يحدث كثيرا في السيارات حيث يضع الباعة أرقام هواتفهم في السيارات ويقوم من له رغبة بالتواصل مع البائع ويبقى الدلال دون حقّه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هذه المهنة الکثیر من سالم بن فی حالة

إقرأ أيضاً:

بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا

إبراهيم برسي

في بلادٍ تكسّرت فيها البوصلات، ولم يتبقَّ للناس سوى البكاء على ما لا يُبكى عليه، وجدنا أنفسنا في زمنٍ تُحكمه مفردتان فقط: “الجَغِم والبلّ”. ليستا مجازًا، بل تقنية للقتل الشعبي، تُمارَس في وضح النهار، ويباركها العقل المغسول تحت إيقاع أناشيد الحرب.

“الجَغِم” لم يعد فعلاً بدائيًا لشخص يبتلع ما ليس له، بل تحوّل إلى ماكينة مؤسسية تلتهم الذهب، والنفط، والموتى، وتُنتج بلاغات وفتاوى.
أما “البلّ”، فقد صار طقسًا شعبيًا لإضفاء الشرعية على هذا الجشع. كلمة تُقال بصوت خافت، لكنها تحمل في طيّاتها استسلامًا جماعيًا. كأنك تقول: دع الأمر للقدر، فالعدو دائمًا هو الآخر، والحرب دائمًا هي الحل.

تقول عالمة النفس الفرنسية ماري فرانس هيريجوين:
“الأنظمة السلطوية لا تحتاج لإقناعك، بل فقط لإرباكك، لتخلق مساحة ذهنية تُمكِّنها من غرس أفكارها كحقائق.”

وهذا بالضبط ما فعلته الجبهة الإسلامية حين تسلّلت إلى المؤسسة العسكرية، لا كضيف، بل كمضيفٍ أعاد تعريف معنى الوطن، والعدو، والموت.

في بورتسودان، تُدار الدولة من ثكنة عسكرية، ويُحكم البلد عبر فتاوى القهاوي.
في نيالا، يُدفن الموتى دون أسماء.
في الفاشر، صارت المقابر أكبر من المدارس.
في أم درمان، تُخفي العائلات أبناءها لا من العدو، بل من الجيش.

ولفهم ما نحن فيه، لا بد أن نتذكّر ما حدث في رواندا عام 1994.
حينها، لم يكن السلاح هو المشكلة، بل الكلمة. في راديو “ميل كولين”، كانت الأغاني الشعبية تُغنّى، ثم تتبعها دعوة صريحة:
“اقطعوا التوتسي كالأنشاب.”

هكذا تبدأ المجازر: بمصطلحات تبدو عفوية، بعبارات يُردّدها الناس دون إدراك، ثم ينفجر العنف.

“بلّ بس”، اليوم، تُشبه تمامًا تلك العبارات. تُفتح بها أبواب الجحيم، وتُشرعن بها مجازر لا تُشبه المجازر، بل تُشبه النشيد الوطني بصيغة جنائزية.

يقول أنطونيو غرامشي:
“الهيمنة لا تتحقق بالعنف وحده، بل بالموافقة الصامتة للمقهورين.”

وهذه الموافقة هي ما تفعله الجبهة الإسلامية كل يوم، حين تحوّل المواطن إلى “متلقٍ”، ثم إلى “مُبرِّر”، ثم إلى “جلّاد”، باسم الدولة أو الدين أو القبيلة.

أما الذين يجغمون بالفعل، فهم ليسوا على الجبهات، بل في البنوك، في دبي، في أنقرة، في الدوحة، وفي القاهرة.
يجغمون العقود، والشركات، والذهب، والمستقبل.
يحرقون البلاد، ثم يتهمون المواطن بأنه لم “يبلّ بما فيه الكفاية”.

هل هذا وطنٌ أم مسرح عمليات؟
هل هذه حربٌ أم إعادة تموضع للجبهة تحت رايات جديدة؟
هل ما زلنا بشرًا، أم مجرّد وقود بين “الجَغِم والبلّ”؟

لكننا نعرف.
نعرف أن الجبهة لا تحارب لتنتصر، بل لتحكم.
وأن المواطن لا يموت فقط، بل يُعاد إنتاجه كأداة للقتل.
نعرف أن “الجَغِم” صار مصيرًا، و ”البلّ” صار عقيدة.
لكننا، رغم كل شيء، نعرف.
ومن يعرف، لا ينجو بالمعرفة… بل يُساق بها إلى النفي.

أشد أنواع الغسيل دموية، ليس ذاك الذي يُبيّض القميص، بل الذي يُغطّي الجريمة بلون الراية.
وحين تتدفق الأكاذيب من الشاشات إلى الدماغ، يتحوّل المواطن إلى جندي دون أن يرتدي الزي العسكري.
يضحّي بابنه، ويصفّق لمن نهب راتبه، ويقولها دون تفكير:
“بلّ بس… نحنا في معركة وجود وكرامة.”

تستعيد ذاكرتنا نموذج سيراليون، حيث تحوّل الأطفال إلى قتلة باسم “الوطن”.
تقول الباحثة الكندية نومي كلاين:
“حين يُعاد تعريف العنف كضرورة أخلاقية، تنهار البنية النفسية للإنسان، ويصبح القتل فعلَ طمأنينة.”

وهذا ما نراه:
مواطنون يتعاملون مع الحرب كأنها زواج مقدّس، ومع الموت كأنه استثمار مضمون في سوق الوطنية.

في “الخوي والنهود”، لم يعد الناس يتساءلون عمّن هو على حق، بل عمّن لا يزال على قيد الحياة.
في “دنقلا وكسلا”، لا يُسأل الأب عن حلم ابنه، بل عن موقعه على الخارطة:
في الجيش؟ في الدعم؟ أم في المقابر؟

السودان اليوم ليس بلدًا، بل سجن مفتوح يدور فيه الحارس والضحية في حلقة “بلّ وجَغِم”، بين رصاصتين، ورايتين، وبيانين.

نحن الذين كُتب علينا أن نعيش بين “الجَغِم والبلّ”، لا نملك حتى ترف الصمت.
لأن الصمت نفسه صار مشاركة في الجريمة.
لأن “البلّ” اليوم يعني أنك قبلت أن تُمحى،
و ”الجَغِم” يعني أنك صرت جزءًا من ماكينة المحو.

وحدهم الذين لا يبلّون ولا يجغمون، من يكتبون بأجسادهم معنى الوطن.
أما الباقون، فقد اختاروا شكلهم في الجنازة: بين قاتلٍ يبتسم، ومبرّرٍ يبرّر، وجثةٍ تصفّق في الغياب.

الوسومإبراهيم برسي

مقالات مشابهة

  • الجح «الحبحب» المحلي
  • الأمم المتحدة: المساعدات التي دخلت إلى غزة قطرة في محيط
  • بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا
  • ما سر الحشرة الزومبي التي تخرج بالملايين في أميركا كل 17 سنة؟
  • بدء تباشير "القيظ" في نزوى
  • الكائنات الغريبة التي لم نعهدها
  • إجراء أول عملية لعلاج الجنف التنكسي بمستشفى نزوى
  • بحجم إصبع وبثلاث عيون.. اكتشاف مفترس عاش قبل 500 مليون سنة
  • سلام في مراكز الاقتراع في الجميزة : بيروت تاريخيا حاضنة للجميع وستبقى كذلك
  • تواجه شبح الاندثار.. «الأسبوع» داخل أقدم ورشة لصناعة الحُصر في الإسكندرية