واشنطن "د ب أ": شهدت العلاقات بين روسيا وتركيا في الآونة الأخيرة فترات من التوتر على خلفية عدة تطورات، إلا أن الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط قد وضعت حدا على ما يبدو لتلك التوترات.

ويقول الباحث والكاتب الروسي رسلان سليمانوف، المتخصص في قضايا الشرق الأوسط في تقرير نشرته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي أن الفترة الأخيرة من التوتر بين روسيا وتركيا قد انتهت على ما يبدو.

وقبل بضعة أشهر فقط، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يختبر الخطوط الحمراء لموسكو من خلال القيام بمبادرات ودية تجاه أوكرانيا. والآن جاء رد الحكومتين الروسية والتركية على الحرب في الشرق الأوسط متماثلا تماما، باستخدامها كعصا لضرب إسرائيل وداعميها الغربيين.

ومن المرجح أن تسعى موسكو وأنقرة، إلى تعزيز علاقاتهما الخاصة، ومواءمة مواقفهما بشأن القضايا الإقليمية الشائكة. لكن هذا لا يعني أن أحد الطرفين لن ينتهي به الأمر إلى اتهام الطرف الآخر بطعنه في الظهر.

واتخذ أردوغان عدة قرارات هذا الصيف كان الكرملين سيعتبرها عدائية. وخلال زيارة قام بها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في يوليو إلى اسطنبول، قال الرئيس التركي إن أوكرانيا "تستحق" عضوية الناتو. وبالإضافة إلى ذلك، سلم أردوغان إلى كييف خمسة قادة من فوج آزوف الأوكراني الذين كانوا في تركيا بموجب شروط تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا.

وفي تلك اللحظة ، كان الكرملين مشغولا ببدء الهجوم المضاد الأوكراني والتمرد من قبل مجموعة فاجنر الروسية الخاصة، وكان عليه أن يكتفي بالاعتراضات اللفظية التي قدمها كبار المسؤولين على النحو الواجب. وكان الرد الروسي الجاد الوحيد هو التراجع عن صفقة الحبوب في البحر الأسود على الرغم من جهود تركيا للتفاوض على التمديد، والتي تضمنت تدخلا شخصيا من قبل أردوغان.

وفي حين أدركت أنقرة أن موسكو في موقف ضعيف، كان أردوغان يختبر فقط الخطوط الحمراء لموسكو. ولم يكن يحاول إحداث تدهور في العلاقات الثنائية بشكل جذري. ووافق أردوغان على الذهاب إلى منتجع سوتشي الروسي المطل على البحر الأسود في 4 سبتمبر للقاء الرئيس فلاديمير بوتين، على الرغم من أن الخطة الأصلية كانت أن يذهب بوتين إلى تركيا. وعلى الرغم من التوقعات، لم تؤد المحادثات إلى إحياء صفقة الحبوب، أو في الواقع تحقيق أي نتائج مهمة. وكانت النتيجة الرئيسية إشارة إلى العالم بأن العلاقات بين موسكو وأنقرة في حالة جيدة.

ويقول سليمانوف إن البيانات الاقتصادية تقدم دليلا حيا على الصداقة. وارتفع حجم التجارة بين روسيا وتركيا بأكثر من 80% في عام 2022 إلى 62 مليار دولار، حيث أصبحت روسيا أكبر مصدر لواردات تركيا. ومن المتوقع أن تكون أرقام هذا العام أعلى من ذلك.

ومع ذلك، كانت السياسة الخارجية دائما نقطة شائكة، مع استمرار الخلافات حول سوريا وليبيا ومنطقة ناجورني كاراباخ المتنازع عليها في جنوب القوقاز. ومع ذلك، تمكنت روسيا وتركيا من تجنب المواجهة المفتوحة في السنوات الأخيرة. والآن، مع اشتعال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يجد البلدان نفسيهما في نفس المعسكر، وهو أمر لم يكن عليه الحال قط في أي قضية دولية كبرى أخرى، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التنبؤ بأن العلاقات بين البلدين سوف تتحسن بسرعة.

وذكر بيان للكرملين نقلا عن مكالمة هاتفية بين أردوغان وبوتين في 24 تأكتوبر حول الحرب بين إسرائيل و "حماس" أن موسكو وأنقرة لديهما "مواقف متشابكة عمليا، تركز على تنفيذ حل الدولتين المعروف، الذي ينص على إنشاء فلسطين مستقلة تتعايش مع إسرائيل في سلام وأمن". وقد تكون مواقف الرئيسين متشابهة ، إلا أن دوافعهما مختلفة تماما. فعندما يقول ممثل روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن إسرائيل كقوة احتلال، ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها، فإنه يحاول تصوير روسيا كواحدة من قادة ما يسمى بالجنوب العالمي. في المقابل، يطمح أردوغان إلى قيادة العالم الإسلامي.

ويرى سليمانوف أن دعم روسيا المفتوح لحماس هو ظاهرة حديثة نسبيا، ونتيجة مباشرة للغزو واسع النطاق لأوكرانيا. وعلى وجه التحديد، أدى الغزو إلى فتور العلاقات مع إسرائيل ودفء العلاقات مع إيران. وقبل هجوم 7 أكتوبر على إسرائيل، كان من الممكن تفسير مشهد وفود "حماس" في موسكو على أنه سعي روسيا للتوسط بين الفصائل الفلسطينية. ومع ذلك، تنظر إسرائيل الآن إلى مثل هذه الاتصالات بشكل مختلف تماما.

من ناحية أخرى، لطالما دعم أردوغان حماس، وسمح لمقاتلي الحركة بالإقامة في تركيا ومنحهم جوازات سفر تركية. وخرج الرئيس التركي نفسه من عباءة الدوائر الإسلامية، ودعم حماس مهم من الناحية الأيديولوجية بالنسبة له. وفي الأيام الأولى من الحرب الحالية، حاول أردوغان التنقل ذهابا وإيابا بين إسرائيل وحماس . لكنه سرعان ما تخلى عن هذا التكتيك وقرر تقديم دعمه الكامل "للأشقاء" الفلسطينيين.

وقد دفعت الطرق المختلفة موسكو وأنقرة إلى اتخاذ القرار نفسه بالتضحية بالعلاقات مع تل أبيب، مما يعني أنه لا يمكن لأي منهما أن يكون وسيطا في الصراع الحالي. ويبدو أن اقتراح تركيا الأخير بإنشاء مجموعة من الضامنين لتسهيل التوصل إلى حل للقتال غير قابل للتحقيق. حتى موسكو لم تكن متحمسة للفكرة.

وفي الوقت نفسه، لم تكن تفاعلات أي من البلدين مع "حماس" فعالة بشكل خاص. وعلى الرغم من التنسيق مع القيادة السياسية للجماعة، لم تحقق روسيا ولا تركيا تحرير أي رهائن. وهذا يتناقض مع الجهود الأكثر نجاحا التي تبذلها مصر وقطر، على سبيل المثال، وهما على اتصال مع الجناح العسكري لحماس في غزة. ومع ذلك، فإن نهجهما يسمح لروسيا وتركيا بتوجيه انتقادات متكررة إلى الغرب، وهو أمر مهم لجماهيرهما المحلية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بین روسیا وترکیا العلاقات بین الشرق الأوسط موسکو وأنقرة على الرغم من ومع ذلک

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: السيسي أحد الخاسرين في الشرق الأوسط الجديد.. ماذا بعد؟

تناول تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية المشهد الإقليمي للنظام المصري حيث اعتبرته أكبر الخاسرين من التغيرات الأخيرة في المنطقة.

ونشرت المجلة تقريرها الذي حمل عنوان: الخاسرون في الشرق الأوسط الجديد، متناولة الخاسرين من التحولات الأخيرة التي يشهدها الشرق الأوسط الجديد، مشيرة إلى أن أول الخاسرين هو  رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.

وأشارت المجلة إلى أن السيسي كان قبل 8 سنوات في مركز المسرح، فقد استقبله الرئيس دونالد ترامب بحفاوة واضحة في البيت الأبيض في نيسان/ أبريل عام 2017.، وعندما زار ترامب السعودية، موضحة أنه لا أحد كلف نفسه العناء هذه المرة لاستدعائه عندما عاد الرئيس ترامب إلى الرياض في أيار/ مايو.

وقالت المجلة، إن اللحظة الحالية هي لحظة تحول في الشرق الأوسط، مؤكدة أن على رأس قائمة المتفرجين مصر، ويقع اللوم على السيسي نفسه، فقد دمر الاقتصاد المصري الذي راكم ديونا لا يمكن تحملها، تصل إلى 90 بالمئة من نسبة الناتج المحلي العام وذلك لتمويل مشاريع تافهة، رافضا الإصلاحات المنطقية التي قد تعزز القطاع الخاص الراكد.



وبينت، أنه "بالنسبة للسيسي، كان الحلفاء العرب الذين دعموه يعولون عليه آمالا كبيرة قبل عقد من الزمان. لكن الشرق الأوسط قد تغير، فقد انقسم وعلى مدى عقود بناء على أسس أيديولوجية، أما اليوم فبات الانقسام بين دول عاجزة وأخرى تستطيع الوفاء بالوعود.

ودخل الاقتصاد المصري دائرة الديون الخارجية مع أول قرض لحكومة السيسي، تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، بقيمة 12 مليار دولار، لتتوالى القروض، وتحصل مصر حتى عام 2021 على 20 مليار دولار من الصندوق الذي رفع لها قرضا من 3 إلى 8 مليارات دولار ، بالربع الأول من العام الماضي.

ونتيجة لسلسة القروض المتواصلة حتى الآن، وصل الدين العام بالربع الثالث من 2024 إلى 13.3 تريليون جنيه، فيما بلغ الدين الخارجي 155.3مليار دولار، بحسب بيانات وزارة التخطيط المصرية.

مقالات مشابهة

  • قناة الحرة تعلق بثها التلفزيوني.. ما السبب؟
  • ما هو «الشرق الأوسط الجديد»... الحقيقي هذه المرة؟!
  • قناة الحرة تعلق بثها التلفزيوني
  • إيكونوميست: السيسي أحد الخاسرين في الشرق الأوسط الجديد.. ماذا بعد؟
  • الباحة تحتضن أكبر مدينة بن في الشرق الأوسط .. فيديو
  • صحيفة إسرائيلية: تركيا أصبحت القوة الجديدة التي تُقلق إسرائيل في الشرق الأوسط!
  • خلافات ترامب وماسك تندلع علناً في الشرق الأوسط
  • عاجل|أردوغان يجدد التزام تركيا بالسلام: جهود متواصلة لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا
  • تعرف على موسكو أكبر مدن أوروبا وقلب روسيا النابض
  • نظرة على الشرق الأوسط في عقل ترامب