نهضة عنوانها التضافر والتلاحم
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
أهمُّ ما يميِّز سلطنة عُمان من وجهة نظري الشخصيَّة البسيطة، هو هذا التلاحم والتضافر الملحوظ بَيْنَ القيادة والشَّعب، وهو تلاحم قائم على الثِّقة المتبادلة القائمة على أُسُس راسخة ممتدَّة طوال التاريخ العُماني التليد. فكافَّة مُكوِّنات الطَّيف العُماني، حكمًا ومحكومين، يضعون في الأساس مصلحة بلدهم، ويعملون بشكلٍ جماعي وعقلٍ جمعي على رفعة وطنهم، فهناك حالة عُمانيَّة متفرِّدة قلَّما تجدها، قائمة على ترابط منسوج بعناية، يحاول الوصول نَحْوَ أهدافه الرئيسة بثقة كبيرة، وينطلق من رؤية شاملة لمفهوم الترابط بَيْنَ الوطن والمواطن، رؤية عميقة ترتكن على كافَّة الأسباب الممكنة لِتعززَ روح الولاء، وترسِّخَ تفاعل القيادة مع شَعبها الوفي، ما يُسهم في تعميق مبدأ وثقافة الانتماء.
هذه الرؤية الَّتي آمَنَ بها المغفور له بإذن الله تعالى السُّلطان قابوس بن سعيد ـ طيَّب الله ثراه ـ كانت بوَّابة النَّجاح لِمَا تَحقَّق من إنجازات نهضويَّة كبيرة طوال مدَّة حُكمه، وهي رؤية طوَّرها حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وعمل على تنميتها بشكلٍ ملحوظ، وجعلها بوَّابة العمل الوطني، حيث عمَّق هذا الترابط عَبْرَ بوَّابة المشاركة الشَّعبيَّة في التخطيط والتنفيذ معًا، وكانت رؤية «عُمان 2040» الطموحة خير مُعبِّر عن تلك الرؤية السَّامية لِمُجدِّد نهضة عُمان المباركة، والَّتي تعمل على بناء منظومة وطنيَّة شاملة تنصهر لِتؤسِّسَ دَوْرًا مجتمعيًّا بارزًا في بناء الولاء والتلاحم والانتماء الوطني، حيث يدرك جلالته أهمِّية هذا الدَّوْر الوطني في تحقيق جلِّ الأهداف الوطنيَّة المنشودة.
ويأتي تأكيد جلالة السُّلطان المُعظَّم على هذا الدَّوْر الشَّعبي الملحوظ والمتنامي منذ تولِّي جلالته مقاليد الحُكم، حيث أشار جلالة القائد أثناء خِطابه الأخير أثناء افتتاح دَوْر الانعقاد السَّنوي الأوَّل للدَّوْرة الثَّامنة لمجلس عُمان، إلى دَوْر أبناء عُمان الأساسي فيما تَحقَّق خلال الأعوام الأربعة الماضية من إنجازات متواصلة في مسار التنمية الشاملة، حيث حرص جلالته دائمًا على المُضي قُدُمًا نَحْوَ ترسيخ مبدأ المشاركة الشَّعبيَّة. فسلطنة عُمان باتَتْ محمَّلةً بطموحات شَعبيَّة ووطنيَّة كبيرة، وباتَتْ تستشرف مستقبلًا جديدًا قائمًا على طموحات وآمال وتطلُّعات شَعبيَّة مُتجدِّدة، قائمة على ما تَحقَّق من منجز رغم عِظَمِ التحدِّيات والأزمات الَّتي واجهتها في السَّنوات القليلة الماضية، فخطط الإنقاذ قَدْ حقَّقت المنشود، وبَقيَ المُضي قُدُمًا في الطريق المرسوم برؤى سامية ثاقبة وحكيمة، تدرك المتغيِّرات في عالَمنا المعاصر.
إنَّ التَّوجيهات السَّامية لِتَعظيمِ المشاركة الشَّعبيَّة والعمل على تنمية دَوْر الشَّباب العُماني، وتأهيله لكَيْ يتقدَّمَ مَسيرة البناء والأمل في التوجُّه نَحْوَ إحداث التنمية الشَّاملة المستدامة المنشودة، خصوصًا مع مساعي تجديد عهد النَّهضة المباركة، الَّتي سيكُونُ للشَّباب العُماني دَوْر كبير؛ كونه باتَ يُشكِّلُ ديموغرافيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا، متحوِّلًا رئيسًا، في جُملة من المتغيِّرات الَّتي تعيشها سلطنة عُمان، في طريقها نَحْوَ المستقبل، الَّذي باتَ يعتمد على مبدأ اللامركزيَّة، سواءً في التخطيط أو التنفيذ، وهو نهج يسعى إلى تمكين المُجتمع المحلِّي مِن إدارة شُؤونه والإسهام في بناء وطنِه.
إبراهيم بدوي
ibrahimbadwy189@gmail.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
سوق العمل العُماني بين التنظيم والتنظير
يشهد سوق العمل في سلطنة عُمان إجراءات تصحيحية من خلال اتخاذ مجموعة من القرارات التنظيمية التي، بلا شك، ستنعكس إيجابًا على الموضوعات والقضايا المرتبطة بقطاع العمل والتشغيل، لاسيما قضية الباحثين عن عمل، سواء الذين لم يسبق لهم العمل أو المنتهية خدماتهم من القطاع الخاص.
ويتميّز سوق العمل العُماني بأنه يحوي جملة من الفرص الوظيفية التي لم يُستفد منها منذ سنوات طويلة، أو لم يشغلها العُمانيون الباحثون عن عمل. ورغم حجم الدعم الذي تقدمه الحكومة للقطاع الخاص ورواد الأعمال عبر مختلف المبادرات، إلا أن مستوى تفاعل السجلات التجارية ما زال دون المأمول من ناحية توفير فرص عمل للباحثين عن عمل، والمساهمة في الاقتصاد العُماني.
وبلغ عدد السجلات التجارية غير المساهمة في التوطين نحو ربع مليون سجل، قادرة على إيجاد ما لا يقل عن 100 ألف فرصة عمل للباحثين عن عمل، إذا ما تم استثناء السجلات التجارية غير النشطة والمتعثرة ماليًا والمنتهية صلاحيتها. ورغم وجود فرص وظيفية حقيقية مناسبة للباحثين عن عمل في غالبية السجلات التجارية، إلا أن كثرة الأعذار التي يطرحها ملاك السجلات غير واقعية، ولا مبنية على أرقام حقيقية أو متابعة مستمرة للنشاط التجاري، وربما تكون نوعًا من أنواع التجارة المستترة التي تسعى الجهات المعنية لمكافحتها سريعًا؛ لضررها على الاقتصاد الوطني.
إن تجويد منظومة سوق العمل في سلطنة عُمان بحاجة إلى مزيد من العمل الجاد من قبل أطراف الإنتاج الثلاثة، إضافة إلى اتخاذ مزيدٍ من القرارات الفاعلة لدراسة أسباب عدم توليد منشآت القطاع الخاص لفرص عمل مستدامة، في ظل تحسّن وضعها المالي، وتحسّن منظومة الاقتصاد الكلي عمومًا. وهنا نطرح تساؤلًا عن واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأنشطة التجارية الأخرى خارج منظومة بطاقة ريادة، من حيث التدفقات المالية، وعقود عمل العاملين العُمانيين وغير العُمانيين في المنشأة، وطبيعة الموردين، وطرق سداد مستحقاتهم، والمستحقات الشهرية الأخرى المترتبة على المنشأة، وفواتير الكهرباء والمياه، إضافة إلى التحويلات الخارجية، وسداد الرواتب الشهرية للعمال؛ حتى يتم التأكد من الأعمال التجارية الحقيقية القادرة على المساهمة في الاقتصاد الوطني، ومدى قدرتها على المساهمة في معالجة قضية الباحثين عن عمل.
والأهم من ذلك، أن تقوم المؤسسات المعنية بدراسة مؤشر مساهمة قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عُمان، ورفعه وفقًا لمستهدفات «رؤية عُمان 2040» ووفقًا للمأمول من هذا القطاع في المساهمة بفاعلية في التوجه الوطني نحو التنويع الاقتصادي.
أيضًا، أقترح تأجيل تطبيق قرار توظيف عُماني واحد على الأقل في السجلات التجارية حتى يتم الانتهاء من دراسة واقع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ووضع المعالجات الداعمة لتطبيق القرار في المنشآت. كذلك، من المهم تكثيف حملات الرقابة والتفتيش على الحاصلين على تمويل لإقامة مشروعاتهم الخاصة؛ لضمان الاستفادة من امتيازات بطاقة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تنمية المشاريع وتنفيذها على أرض الواقع، إضافة إلى نوعيتها، ومدى استدامة وضعها المالي والإداري؛ بهدف معرفة الأعداد الفعلية للسجلات التجارية النشطة، ومدى قدرتها على توفير شواغر وظيفية للباحثين عن عمل.
لنكن صرحاء، إن ما يسيء للقرارات الحكومية هو تفسيرها الخاطئ، وكثرة المنظّرين والمفسرين غير الاختصاصيين بشأنها، خاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، مما يسهم في تناقل بعض المعلومات بطريقة مغلوطة، تساعد مستقبلًا على صنع الشائعات عن القرار وتداولها على نطاق واسع. ولمعالجة مثل هذه الممارسات المتكررة عند صدور القرارات الحكومية، يجب أن تصدر المؤسسة الحكومية بيانًا توضّح فيه تفاصيل القرار، قبل أن يتم التقليل من أهميته في وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا تكون الاجتهادات الشخصية في تفسير القرارات الحكومية سببًا في إثارة الرأي العام سلبيًا، أو يتكوّن رأي عام مبني على آراء شخصية غير صحيحة ومضللة.
كذلك، من الجيد أن تحوي الرسائل الإعلامية الموجّهة توضيحًا لأبعاد القرار الإيجابية، والمرونة في تنفيذه، من حيث دوره في اكتشاف الفرص الوظيفية المناسبة للعُمانيين في بعض الأنشطة التجارية، والدعم المتوقع أن تقدمه وزارة العمل لأصحاب السجلات لتوظيف الباحثين عن عمل، من خلال مبادرات العمل والتشغيل الداعمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ماليًا، مثل مبادرة «العمل الجزئي» و«العمل بنظام الساعات».
أرى أن قرار وزارة العمل بإلزامية توظيف عُماني واحد على الأقل في كل سجل تجاري، ربما اتُّخذ للتعامل مع قضية شائكة مثل قضية الباحثين عن عمل، رغم معاناة بعض السجلات التجارية من تحديات هيكلية منذ التخطيط لممارسة الأعمال؛ لغياب دراسات الجدوى الاقتصادية، مما زاد من أعداد السجلات التجارية لتصل إلى ربع مليون سجل غير ملتزم بقرار التوطين. وربما تكون السجلات التجارية في الأساس شكلية فقط؛ لممارسة ملاكها التجارة المستترة في فترة ذروة انتشارها، وترتب عليها التزامات مالية كبيرة، مما حال دون استمرارها.
وأقترح تكوين لجنة تضم الجهات ذات العلاقة؛ لشطب السجلات التجارية غير النشطة، مع إعفائها من الغرامات، سواءً كانت عمالية أو إدارية أو التزامات أخرى، حتى يتم معرفة العدد الحقيقي للفرص الوظيفية المتوقع توفيرها.
ختامًا، أرى أن تقبّل القرارات الحكومية لدى أفراد المجتمع يكمن في ابتعاد البعض عن التنظير بشأنها، خصوصًا في وسائل التواصل الاجتماعي، أو الاجتهاد في تفسيرها دون الاستناد إلى مصدر رسمي أو معلومات دقيقة، مع ضرورة أن تبذل الجهات الحكومية جهدًا أكبر في سرعة تفسير القرارات الحكومية، حتى لا يُساء فهم القرار أو يُضلَّل المجتمع حوله، أو حتى يُقلّل منه، رغم إيجابيته ودوره في دعم الأداء الحكومي ومنظومة سوق العمل والتشغيل. رغم يقيني بأن وزارة العمل ستعمل على دعم قرار إلزامية توظيف عُماني واحد على الأقل في السجلات التجارية، بمبادرات تضمن نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودعمها ماليًا.