حكم سنة المغرب القبلية.. دار الإفتاء تكشف رأي الشرع
تاريخ النشر: 21st, November 2023 GMT
ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (هل من السُنة أن يصلي المسلم قبل المغرب ركعتين بعد الأذان وقبل الفريضة؟)
واستشهدت دار الإفتاء في إجابتها على حكم سنة المغرب القبلية، بما رواه الإمام البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: "كَانَ المُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وآله وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ، قَالَ عُثْمَانُ بْنُ جَبَلَةَ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ: لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إِلَّا قَلِيلٌ".
وفي رواية لمسلم يقول أنس رضي الله عنه: "فيَجِيء الرَّجُلُ الْغَرِيبُ لِيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا".
وروى الجماعة إلا أبا داود عن عبد الله بن مُغَفَّل المُزَنِّي رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ. بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ. بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ لِمَنْ شَاءَ».
قال الإمام ابن حَجَرٍ العَسقَلانيُّ في "الفَتح" (2/ 108-109، ط. دار المعرفة) [قال القرطبي وغيره: ظاهر حديث أنس رضي الله تعالى عنه أنَّ الركعتين بعد المغرب وقبل صلاة المغرب كان أمرًا أقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه عليه، وعملوا به، حتى كانوا يستبقون إليه، وهذا يدل على الاستحباب، وكأن أصله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ».
وأما كونه صلى الله عليه وآله وسلم لم يصلهما فلا ينفي الاستحباب، بل يدل على أنهما ليستا من الرواتب، وإلى استحبابهما ذهب أحمد، وإسحاق، وأصحاب الحديث، وروى عن ابن عمر رضي الله عنه قال: ما رأيت أحدًا يصليهما على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعن الخلفاء الأربعة، وجماعة من الصحابة، أنهم كانوا لا يصلونهما، وهو قول مالك والشافعي.
وادَّعى بعض المالكية نسخهما فقال: إنما كان ذلك في أول الأمر؛ حيث نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس؛ فبين لهم بذلك وقت الجواز، ثم ندب إلى المبادرة إلى المغرب في أول وقتها، فلو استمرت المواظبة على الاشتغال بغيرها لكان ذلك ذريعة إلى مخالفة إدراك أول وقتها، وتعقب بأنَّ دعوى النسخ لا دليل عليها، والمنقول عن ابن عمر رضي الله عنه رواه أبو داود من طريق طاوس عنه، ورواية أنس رضي الله عنه المُثْبَتَة مُقَدَّمة على نفيه، والمنقول عن الخلفاء الأربعة رواه محمد بن نصر وغيره من طريق إبراهيم النخعي عنهم، وهو منقطع، ولو ثبت لم يكن فيه دليل على النسخ ولا الكراهة.
ويأتي في أبواب التطوع أنَّ عقبة بن عامر رضي الله عنه سُئِل عن الركعتين قبل المغرب فقال: "كنا نفعلهما على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم"، قيل له: فما يمنعك الآن؟ قال: "الشغل". فلعل غيره أيضًا منعه الشغل.
وروى محمد بن نصر وغيره من طرق قوية عن عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وأبي الدرداء وأبي موسى رضي الله عنهم وغيرهم أنهم كانوا يواظبون عليهما، وأما قول أبي بكر بن العربي: اختلف فيها الصحابة ولم يفعلها أحد بعدهم؛ فمردودٌ بقول محمد بن نصر، وقد روينا عن جماعة من الصحابة والتابعين أنهم كانوا يصلون الركعتين قبل المغرب.
وأخرج ذلك بأسانيد متعددة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن بريدة ويحيى بن عقيل والأعرج وعامر بن عبد الله بن الزبير وعراك بن مالك، ومن طريق الحسن البصري أنه سُئِل عنهما فقال: حسنتين والله لمن أراد الله بهما، وعن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: حقٌّ على كل مؤمن إذا أذن المؤذن أن يركع ركعتين، وعن مالك قول آخر باستحبابهما، وعند الشافعية وجه رجَّحه النووي ومن تبعه.
وقال في "شرح مسلم": قول من قال إن فعلهما يؤدي إلى تأخير المغرب عن أول وقتها خيال فاسد منابذ للسنة، ومع ذلك فزمنهما زمن يسير لا تتأخر به الصلاة عن أول وقتها، قلت: ومجموع الأدلة يرشد إلى استحباب تخفيفهما كما في ركعتي الفجر، قيل: والحكمة في الندب إليهما رجاء إجابة الدعاء؛ لأن الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرَدّ، وكلَّما كان الوقت أشرف كان ثواب العبادة فيه أكثر] اهـ.
وأوضحت دار الإفتاء، أن صلاة ركعتين قبل المغرب أمرٌ مشروعٌ، ولكنها سنة غير مؤكَّدة، وعلى كلٍّ: فالأمرُ كما سبق يظهر منه الخلاف القائم بين العلماء في مشروعيتها، وهذا يجعل الأمر فيه سعة: فمَن شاء صلاها ومَن شاء تركها، ولا يَعتِب هذا على ذاك، ولا يَعتِب ذاك على هذا؛ فمِن القواعد الفقهية المقررة: "لا يُنكَر المُختَلَف فيه".
وأشارت إلى أنه لا يَصح أن تكون هذه المسألة وأمثالها من مسائل الفروع الفقهية سببًا للشقاق بين المصلين في المسجد الواحد، ومدعاةً لتفريق كلمتهم.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: دار الإفتاء المسلم المغرب الفريضة الأذان صلى الله علیه وآله وسلم ى الله علیه وآله وسلم رضی الله عنه دار الإفتاء قبل المغرب أول وقتها أ ذ ان ی ن ى الله ع ه وآله
إقرأ أيضاً:
الصلاة ودلائل القرب من الله
الصلاة هي العبادة الوحيدة التي فرضت في السماء، وكان لها من شرف المكانة والرفعة أن استدعي النبي محمد صلى الله عليه وسلم أليها أثناء عروجه في السماء، وقد من الله علينا بأن فرض علينا 5 صلوات بثواب 50 صلاة، وقد خفف الله عن أمة محمد بأن جعلها 5 صلوات بأجر 50 صلاة، وذلك في القصة المشهورة في المعراج ولقاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأخيه سيدنا موسى عليه السلام.
فهي صلة مباشرة بين الانسان وربه، لا تحتاج إلى وسيط أو موعد، وهي اختبار يومي للخشوع والوعي بحظرة الخالق والوقوف بين يديه، والتذلل له، واستشعار القرب والمحبة منه، وحضور الجسم والقلب لفهم المعنى الحقيقي للعبادة والتي هي الغاية الكبرى من وجوده في هذه الحياة.
كما أن هذه الصلاة هي العهد التي تمثل الفيصل بين المسلمين وغيرهم، كما جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" فهي التي من خلالها تفرق بين المسلم والكافر، ولجلالة هذه العبادة وعظم مكانتها فإنها أول ما يحاسب عنه الإنسان يوم القيامة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " أوَّلُ ما يحاسبُ بِهِ العبدُ يومَ القيامةِ الصَّلاةُ، فإن صلُحَت صلُحَ سائرُ عملِهِ، وإن فسَدت فسدَ سائرُ عملِهِ" فلك أن تتخيل أنه بمجرد صلاح هذه العبادة فإنها حتما ستؤدي إلى صلاح باقي الأعمال، فما هو السر الموجود في هذه العبادة العظيمة، فأداؤها على أكمل وجه معيار لباقي العبادات والأعمال الصالحة، وسبب أساس لدخول الجنة، فكلما كان المؤمن حريصا على صلاته مؤديا لها على أكمل وجه كلما كان قريبا لله نائلا رضاه ورحمته، وسيجزيه الله الجنة، بل وأعجب من ذلك أنه كلما كان كثير الصلاة والسجود لله تعالى كلما كان في أعلى درجات الجنان مع الأنبياء والصديقين والشهداء.
ويؤكد ذلك ما رواه أحد الصحابة البدريين، الذي كان من أهل الصفة وهو ربيعة بن كعب الأسلمي الذي اغتنم فرصة نومه مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل الفجر في يوم شديد البرد أشعل حطبا ووضع فيه إبريق ماء حتى يكون الماء دافئا، ثم حمل الإبريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لكي يتوضأ به، فأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يجازيه على عمله النبيل، فقال له "سل" اي اطلب ما شئت، فانتهز هذا الصحابي الجليل الزاهد العابد الفرصة لعلمه أن الدنيا زائلة فقال: أسألك مرافقتك في الجنة" فسكت الرسول صلى الله عليه وسلم قليلا، لأنها مسألة عظيمة، فقال: " أوغير ذلك" فقال ربيعة "هو ذلك" أي أنني لا أريد غير ذلك، فبماذا أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم، قال له: فأعني على نفسك بكثرة السجود" أي أكثر من الصلاة والسجود حتى تنال هذه المنزلة العظيمة، ولذلك امتثل هذا الصحابي الجليل بهذا الأمر وقضى بقية عمره في الركوع والسجود والجهاد في سبيل الله، فبهذه الصلاة الكثيرة سيكون رفيق الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة.
وعلى الإنسان أن يكون بصيرا بنفسه يتلمس أثر الصلاة فيه، وينتبه لصلاته وهل هي صالحة يؤديها على ما يحب الله ويرضى، أم أنها مجرد عادة مربوطة بوقت ويتم تأديتها من غير روح، فالصلاة انقطاع لله عما سواه، وحضور كامل للعقل والقلب والجسد، واستحضار لعظمة الموقف، فهو لقاء مع من خلقك وجعل لك السمع والبصر والقلب، فاجعل هذه الأعضاء تناجي خالقها وتتصل به وتتوسل إليه، وتدعوه وتسبحه وتحمده وتقدسه، وتطلب الهداية منه، وتتلو كلامه، وتنحني إليه وتتتذلل في انقياد تسليم مطلق، وتلصق جبهتك وهي أعلى وجهك بالأرض في أخفض مكان تستطيع أن تنزل فيه رأسك، ويغيب العالم من حولك لتكون صلتك به خالصة في خشوع يغلفه الخوف ويزينه الرجاء، ليكون لهذه الصلاة أثر تجده في ذاتك، وفي صفاء روحك، وفي انقياد نفسك، وفي تحبيب الإيمان إلى قلبك، وفي نفورك من الذنوب والمعاصي، فهذا الأثر الذي ستجده إذا جاهدت في استحضار كل ذلك أثناء الصلاة.
فمن استحضر كل هذه المعاني أثناء تأديته للصلاة وداوم عليها فإنه سيجد أثر ذلك في نفسه، فالله عز وجل يقول في سورة العنكبوت: " اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" فمن ابتلي بمعصية أو عادة سيئة فإن صلاح صلاته كفيلة بأن تنهاه عن الفحشاء والمنكر، وهذا مقياس وضعه الله عز وجل، لمعرفة قبول الصلاة وعدم قبولها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " من لن تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له"، فعلى الإنسان أن يراقب نفسه ويراقب عبادته وأثره عليها ليكون على بينة أمام نفسه قبل أن يقف أمام الله ويسأل عن صلاته هل هي فاسدة وبالتالي فإن عبادته كلها مرودة، أم هي صالحة ولذلك فإن عبادته وأعماله كلها مقبولة.
والصلاة إلى كونها عبادة فإنها أيضا أداة لضبط وقت المسلم، فهي أول عمل يؤديه بعد استيقاضه من النوم، بل هي التي توقضه، فمن اعتاد على صلاة الفجر فإنه سوف يصحو قبل الأذان حتى ولو لم يضع منبها يوقضه من نومه، وهذا أثر دارج في الثقافة المحلية، فالناس يقولون "الصلاة توقض صاحبها" فكل جارحة إذا عودها الإنسان على الاتصال بالله عز وجل، فإنها تشتاق إلى ذلك الاتصال، وتجد فيه لذة عجيبة، ولذلك فإنها تجعله يشعر بموعد الصلاة من غير منبه خارجي، وهذا ما يذكره كبار السن ومن ابتلاهم الله بالعمى، فإنه يعرفون وقت الأذان بدقة عجيبة تجار منها العقول.
وهذه أحد الدلائل على قبول الله لأعمالهم، وقد ورد في كتب الوعض والرقائق قصة جارية رومية عند عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب فيحكي عن نفسه فيقول: كانت لي جارية رومية وضيئة، وكنت بها معجباً، فكانت في بعض الليالي نائمة إلى جنبي، فانتبهت فالتمستها فلم أجدها، فقمت أطلبها فإذا هي ساجدة، وهي تقول: بحبك لي إلا ما غفرت لي ذنوبي، فقلت لها: لا تقولي: بحبك لي، ولكن قولي: بحبي لك، فقالت: لا يا مولاي، بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وبحبه لي أيقظ عيني وكثير من خلقه نيام، فدليل محبة الله لك أن يقيمك في مواطن الطاعة، فإذا رأيت من نفسك إقبال على العبادة ونفورا من المعاصي فهذا دليل قبول الله لأعمالك.