عمار علي حسن يعود إلى الشعر بديوان "غبار الطريق"
تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT
صدر ديوان "غبار الطريق" عن "دار العين للنشر" في القاهرة، والذي عاد به عمار علي حسن إلى إبداع الشعر بعد أن فارقه نحو ثلاثين عاماً أصدر فيها ثلاثة وعشرين كتاباً أدبياً عبارة عن روايات ومجموعات قصصية ومسرحية إلى جانب سيرة ذاتية سردية علاوة على خمسة وعشرين كتاباً في مجال التصوف والنقد الثقافي وعلم الاجتماع السياسي.
ومع هذا يرى الشاعر والناشر د. فارس خضر أن هذه الديوان قد وقع عليه ظلم كبير لأنه صدر بينما كان وباء كورونا يحبس الجميع في المنازل، ويأخذ بالألباب فلا يفكر الناس إلا فيه ليل نهار، فتراجع الانشغال بالكتب والقراءة بشكل عام.
ويقول عمار علي حسن "بدأت مسيرتي الأدبية شاعراً، فكتبت قصائد عدة في ميعة الصبا، لم أسع إلى نشرها، وأخذتني القصة القصيرة ثم الرواية من الشعر، وإن كانت روح القصيدة قد حضرت جليًّة بهيًّة في ثنايا سطوري السردية، ولم يفارقني خيال الشاعر وجسارته في سطوري العلمية".
وأضاف عمار “أجد الآن أنه قد يكون مفيدًا، على الأقل بالنسبة لي، خروج تجربتي الشعرية البعيدة إلى النور، بعد أن هجرتها، وهو هجران يضنيني؛ لأنني من الذين يعتبرون الشعر أكثر ألوان الأدب رسوخًا ورهافة وصعوبة”.
وبينما كان ديوانه الأول عبارة عن قصائد الصبا التي نقلها من ورق قديم، ونقحها، دون إخلال بمضمونها، كي تبقى كما كانت ناطقة باسمه في زمن جميل مضى، فإن ديوان الثاني عبارة عن قصيدة واحدة طويلة تتنوع وتتوزع على أكثر من لون شعري، بما يجعلها حافلة بالتجريب.
ويقول عمار "رغم أن أغلب دور النشر الخاصة لم تعد تتحمس لنشر الشعر الذي تراجع توزيعه في السنوات الأخيرة إلى درجة مزعجة ومحزنة في آن، فإن الناشرة د. فاطمة البودي، التي سبق لها نشر دواوين لشعراء آخرين، تحمست لديواني، ونشرته في زمن وجيز".
يقسم عمار ديوانه أو قصيدته الطويلة التي يحويها ديوان كامل، يشغل مائة وست عشرة صفحة من القطع المتوسط، إلى ثمانية مقاطع، كل مقطع منها عبارة عن مشهد أو لوحة شعرية، تعاد ثلاث مرات، وفي كل مرة تأخذ شكلا أو نوعا شعريا مغايرا، الأول يكون وفق "شعر التفعيلة" والثاني يأتي على هيئة قصيدة نثر، والثالث عبارة عن سرد شعري مكثف، وكأنه نوع من القصيدة القصة، أو الشعر المنثور.
وليس "غبار الطريق" هو الديوان الأول الذي يحوي قصيدة واحدة طويلة، فقد تكرر هذا في الشعر المعاصر كثيرا، لكنه أتى مختلفا عن كل هذا في الشكل، الذي لا يرتبط من خلال "غبار الطريق" بعناوين وفق الأرقام والحروف، إنما بالتنوع أو التوزع بين ثلاثة أشكال من الشعر.
لا توجد عناوين فرعية في الديوان، إنما هو فقط عنوانه الرئيسي. وتقسم العناوين الفرعية هذه بين المقاطع والألوان الشعرية، التي تأخذ جميعها سمتا سرديا لافتا، بحيث نرى العناوين هي (1/ أ) ثم (1/ ب) وبعدها (1/ج)، حتى نصل إلى الرقم (8) فيتوزع على الحروف الثلاثة السابقة، ويضيف إليها في النهاية حرف (د) حيث تتفاعل فيه الأنواع الشعرية كلها.
يمكن القول إن الديوان يحمل حكاية واحدة عن قطار الصعيد، البسيط المجهد، الذي عركه الشاعر نفسه، كما دلت على ذلك سيرته الذاتية التي صدرت تحت عنوان "مكان وسط الزحام". إنه حلم السفر الذي كان، ولا يزال يراود، كثيرين ممن ضاق بهم العيش، فيكون القطار هو طوق النجاة الذي يلقى إليهم كي ينتشلهم إلى براح يأملون أن يأتي يوما.
إنه القطار الذي يبدو أمام الكادحين في الحقول أشبه بدودة تتلوى مثلما يرونها تحت أقدامهم حين تقلب فؤوسهم الأرض، وهكذا يبدأ المقطع الأول من الديوان:
"قطار الصعيد
قافلة مجهدة
تمشي تحت جناح شمس ذابلة
فتجرح الأصيل
أما هنا بين ساقيّ
فتصير حشرة بائسة
تنبض في شراييني
وترمي عيوناً عابسة
مقددة كشفتي تائه
أرهقه ترديد السؤال
عن عنوان مجهول
وشوارع مائسة
راكدة كساعة خربة
لا تعرف الوقت
بين الميلاد والرحيل
تتلوى على حديد فأسي
دودة واحدة
من الأرض إلى الموت خرجت وأنا أتابعها
بأشواق زائدة
وزاد السبيل
قاتلًا مبصرًا كنت
ضحية عمياء كانت
وبين كن وكان يبدأ كل شيء وينتهي"
والأبيات السابقة تمثل جزءا من المقطع الأول، وقد جاءت وفق شعر التفعيلة، فيعيد الشاعر صياغة هذه الحالة نفسها وفق مسار قصيدة النثر، فيقول مثلا:
"قطار الصعيد
يمضي حافيًا
كأقدام من يتطلعون إليه في الزروع
أجرب مثل ملابسهم الكالحة
ضيق كعيونهم التي أكلها الانتظار".
ويعود الشاعر في المقطع الثالث ليجمل، وربما يوضح أكثر، أو يؤكد الصورة والرؤية، عبر سرد شعر، فيقول: "قطار ودودة. معدن ولحم، يتشابهان في السعي الدؤوب، وفي الجري والزحف. هذه على بطنها الأملس، وهذا على أشواق راكبيه. حين تعبر هي من حقل إلى آخر، تحت التراب اللدن أو فوقه، تقول في نفسها: طرت من كوكب إلى كوكب، ومن مجرة إلى أختها، هكذا المسافات تقاس بالمشقة، وليس بطول السفر".
على المنوال ذاته تجري المقاطع جميعا وتوزيعاتها، حتى نصل إلى الثامن منها، فيربط هذه المشاعر الخاصة جدا حول السفر، بالسياق العام الذي يحيط بمن يحلم بالفرار من جحيم الفاقة والعوز، سواء بقي في مكانه البعيد يتحين الفرصة كي يركب القطار إلى بلاد بعيدة، أو حين يحل في هذه البلاد، ويبدأ في مكابدة الغربة والاغتراب.
وهذا السمت الحكائي الذي يتوسل به الديوان يجعل كثيرا من المشاهد والصور تطل من أبياته، والوقائع والشخوص يخرجون من سطوره، والأصوات على اختلاف أنواعها ودرجاتها تسمع من تدفقه، إلى أن ينتهي بأبيات لافتة، وكأنها تشاكس الوضع الراهن، فتقول:
"قطار لا عيون له
ولا بريق
معطلة أبواقه التي تصرخ معلنة عن قدومه
فلا زعيق
لا محطات تبكي على كتف انتظار
لا سيمافورات تطعن الفضاء
تحدد الطريق
لا كبسولات تعانق القضبان
تدوي ساعة الخطر
فالسرعة فاقت الحدود
جنونية هي
والوقت ليل
على باب المضيق
السائق لا يسمع سوى صدى صوته
ولا يرى دخان الحريق".
يشار إلى أن "غبار الطريق" هو الديوان الثاني لعمار علي حسن بعد "لا أرى جسدي". وقد صدرت للكاتب والشاعر له أربع عشرة رواية، وسبع مجموعات قصصية، ومسرحية، وديوان شعر، وسيرة ذاتية سردية، ومتتاليتان قصصيتان، وقصة للأطفال، وستة وعشرون كتابًا في الثقافة والاجتماع السياسي والتصوف، وتُعد حول أعماله الأدبية عشرون رسالة ماجستير ودكتوراه داخل مصر وخارجها، وكتبت عنها دراسات ومقالات نقدية عديدة، وترجمت بعض كتاباته إلى لغات عدة، وحصلت على جوائز كبرى عدة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة مصر عبارة عن
إقرأ أيضاً:
مهرجان الشعر العماني.. مسيرة الإبداع الطويلة
في عام 1998م أقيم أول مهرجان للشعر العماني، بأوامر سامية من السلطان الراحل قابوس بن سعيد -طيّب الله ثراه-، كان الحدث استثنائيا، فتح أبواب الحلم أمام الشعراء بمختلف فئاتهم، وأعمارهم، وتشكلت لجنة تحكيم برئاسة الشاعر عبدالله بن صخر العامري -رحمه الله-، وتشرفتُ بأن أكون أحد أعضاء هذه اللجنة (المشتركة)، والتي ضمت شعراء وأكاديميين من جامعة السلطان قابوس، وشارك في منافساتها شعراء كبار، في المجالين الفصيح، والشعبي، وكانت آلية الاختيار في بداية الأمر تقوم على اختيار عشرة شعراء في كل مجال، من كل منطقة ومحافظة في ذلك الوقت، وكان الوعد في ولاية نزوى التي احتضنت باكورة المهرجانات.
تقدم لهذه (المسابقة) مئات الشعراء، من كل منطقة، وتنافس فيها شعراء معروفين ومهمين على مستوى الشعر العماني، خاصة في الفصيح، وكانت القصائد بطبيعة الحال تأتي دون أسماء قائليها، واُستبعدت أسماء كبيرة من المنافسة، من بينهم شيخ البيان الشاعر عبدالله بن علي الخليلي -رحمه الله-، والذي كان وجوده حدثا كبيرا، ودافعا مهما للمهرجان في بداياته، ولكن قصيدته لم تتأهل -للأسف-، ولذلك ارتأت إدارة المهرجان، أن تشارك القصيدة من باب تكريم شاعرها، وبالفعل قرأ القصيدة الشاعر (حبراس بن شبيط) -رحمه الله- نيابة عن الشيخ عبدالله الخليلي.
كان من الإشكالات التي واجهت المهرجان في ذلك الوقت، هو عدم وجود شعراء يمثلون المنطقة أو المحافظة بسبب طبيعة الشعر الذي هو سائد فيها، فكان من الصعب إيجاد شاعر من (الوسطى) مثلا يكتب الشعر الفصيح، وهو ما جعل اللجنة تكتفي بشعراء الشعر الشعبي.
اجتمع الشعراء من كل مناطق سلطنة عمان في ولاية نزوى، وألقوا قصائدهم على مدى أسبوع تقريبا، وكانت الجلسات المصاحبة ثرية، وحضور الأمسيات كبير، والأجواء قريبة من الروح، وظهر في ذلك المهرجان شعراء شباب، أصبح يشار لهم بالبنان بعد ذلك.
كانت النتائج النهائية مفاجئة للكثيرين؛ حيث تسيّد المشهد شعراء شباب في الشعر الفصيح، بينما حصل شعراء ذوو تاريخ شعري عريق على مراكز شرفية، أو متأخرة بالنسبة لتجاربهم، وهذا ما حصل كذلك في الشعر الشعبي، ولكن المعيار الأول والأخير للفوز، كان هو (الإبداع)، ورغم كل شيء ظلت تلك اللحظات بتفاصيلها، ومفارقاتها، لحظات محفورة في ذاكرة الشعر العماني حتى اليوم.
وهناك الكثير من الحكايات التي يمكن سردها عن ذلك المهرجان، والذي استمر بالعطاء، والجمال في دوراته اللاحقة، رغم اللغط الذي تثيره النتائج في كل مرة، وها هو يفتح أبوابه للمرة الثالثة عشرة الأسبوع القادم في محافظة مسقط، في الفترة من 14 ـ 18 من الشهر الحالي، تحت إشراف وزارة الثقافة والرياضة والشباب، والذي نأمل أن يقدم الجديد في دورته الحالية، ونتمنى التوفيق للجميع.