أشبال محررون للجزيرة نت: سجون إسرائيل أصبحت مقبرة للأسرى بعد 7 أكتوبر
تاريخ النشر: 28th, November 2023 GMT
جنين – بيدين ملفوفتين يجلس محمد نزال على السرير في غرفة الطوارئ بمستشفى "ابن سينا" في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، والذي خرج ضمن الدفعة الرابعة التي أفرج عنها ليلة أمس الاثنين في عملية تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والاحتلال الإسرائيلي.
خرج الطفل نزال بإصابات بليغة في يده اليمنى ورضوض في يده اليسرى، بعد تعرضه للضرب المبرح بواسطة العصي في سجن النقب من قبل وحدات "المتسادا"، خلال مداهمات فرق التفتيش لأقسام السجن، وهي وحدة معروفة في سجون الاحتلال، تقوم بتعداد الأسرى وعزلهم وتفتيش الأقسام.
الكسر الذي تعرض له نزال بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لم تقم إدارة السجن بعلاجه، مما أدى إلى مضاعفات في يده، تمثلت في التحام عظم الأصابع بطريقة خاطئة على الأنسجة واللحم، والحاجة لعملية زرع بلاتين، بحسب الأطباء الفلسطينيين الذين فحصوه بعد تحرره.
يقول شقيقه معتز الذي يرافقه في المستشفى "تفاجأنا حين نزل من سيارة الصليب الأحمر في رام الله ليلة أمس الاثنين، كان يبدو عليه الإنهاك الشديد والشعور بالبرد، وكان يـتألم بشدة، وهو يرفع يده اليمنى إلى منتصف صدره، هناك فحصه المسعفون، وتبين لهم فورا وجود كسور في يديه، أخبره المسعف أن يده تحتاج لتجبير سريع، وبعد لفها نقل إلى المستشفى في رام الله".
ضرب وتنكيل وتجويععن ظروف اعتقاله يقول محمد نزال "اعتقلت قبل 3 أشهر، وحكم عليّ بالسجن الإداري القابل لتمديد مدة 6 أشهر، السجن أصبح مقبرة للأسرى بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحدات القمع والتفتيش تدخل الأقسام باستمرار، وتقوم بضرب الأسرى وتكسيرهم، قبل أسبوع دخلت وحدة المتسادا إلى القسم الذي كنت فيه، وبدؤوا بضربنا بالعصي بشكل هستيري، كنت أضع يدي على رأسي حتى لا تصل الضربات إلى رأسي، استمر بضربي حتى تكسرت يداي".
ظل الطفل نزال بدون علاج لمدة أسبوع كامل حتى تحرره ليلة أمس. يقول إنه تعرض للضرب أيضا في سجن عوفر أمس حين تم نقلهم إليه، قبل خروجهم في سيارات الصليب الأحمر، وهناك تعرض للتهديد بالاعتقال قبل خروجه، على الرغم من أنه لم يكن يعلم بقرار الإفراج إلا بعد وصول الصليب الأحمر.
ولم يقتصر الأمر على الضرب والتكسير، إذا يؤكد غالبية الأسرى المفرج عنهم ضمن صفقة التبادل، أن سلطات السجون فرضت عليهم بعد "طوفان الأقصى" سياسات التجويع وسحب المستلزمات الشخصية، وهو ما يؤكده نزال بالقول "كان نصيبنا من الطعام بشكل يومي صحن صغير من الأرز لكل 12 سجينا، كنا نعاني من البرد بعد سحب الأغطية منا، وسحب الغيارات والملابس، منعونا من الاستحمام، وكانوا يستهزئون بأن رائحتنا عفنة".
جرائم عدةمن بلدة قباطية كان جواد كميل (17 عاما) من ضمن الأسرى الأطفال الذين شملهم الإفراج ليلة أمس الاثنين. داخل منزله كان يستقبل المهنئين الذين أتوا في وقت مبكر للاطمئنان عليه، وجواد واحد من الذين تم الاعتداء عليهم في سجن النقب. يقول إن أحوال السجن اختلفت بمقدار 360 درجة بعد بدء الحرب على قطاع غزة، وأن تعذيب الأسرى يتم بشكل شبه يومي.
يشرح كميل الظروف التي عاشها قبيل شموله في صفقة الأسرى، بالقول "أنا معتقل منذ قرابة العام، ما حدث خلال هذه الفترة لم أره أبدا من قبل، قوات القمع تدخل بحشودات كبيرة إلى أقسام الأسرى، وتبدأ بضربهم، والهدف هو القتل، هذا واضح من مكان الضرب بحيث يتركز على الرأس والبطن والظهر".
وأكد أن الأسرى القدامى يتعرضون للأذى بطريقة أكبر ويتم عزلهم، ومنعهم من رؤية بقية الأسرى، كما يتحدث عن منع المصروف الشخصي للأسير الفلسطيني والمسمى "الكنتينا".
وأضاف كميل "كان معي في الغرفة 13 أسيرا كلهم تعرضوا للضرب والتكسير، يضربوننا بقوة، ثم يمنعون عنا العلاج، ولا يعرضون أي أحد منا على عيادة السجن، كان معنا في القسم أسير أمضى 17 عاما ومحكوم بالمؤبد، ضربوه بطريقة فظيعة على رأسه حتى فقد الوعي، ثم حملوه إلى غرفة العزل وحتى وقت خروجي لم نعلم عنه شيئا".
"تمارس علينا بالشهرين هذول ضرب واعتداء من قبل الكيتر والوحدات.."
– الشبل جواد كميل الذي تعرض للإغماء فور تحرره نتيجة الضرب، من قباطية – جنين. https://t.co/4BW1W6IfCx pic.twitter.com/7vsO7jqQ5X
— ق.ض ???? (@jalestinian) November 28, 2023
طبيب السجنوتعرض كميل لهجوم الكلاب البوليسية في غرفته بسجن النقب، حيث أفلت السجان الكلب عليه، فجرحه في ساعده، وحين طلب من طبيب السجن أن يفحص يده رفض، وأعطاه فقط دواء مسكن.
اللافت أن كميل أكد أن طبيب السجن كان في مرات عدة يدخل مع وحدات القمع إلى غرف الأسرى ويشارك في ضربهم وتعذيبهم، متابعا "كيف للطبيب هناك أن يعالجني وهو الذي كان يشارك السجانين بضربنا وتكسيرنا؟".
وأضاف "بعض الأسرى لم يستحم منذ 50 يوما، وحتى من تمكن من الاستحمام كان يخشى أن تدخل وحدات القمع، وتبدأ بالضرب وهم في الحمامات".
وشدد كميل على أن الأسرى كلهم معرضون للموت، بسبب سياسات مصلحة السجون الإسرائيلية، مضيفا "الحمد لله أني خرجت، لأن أوضاع السجن أصبحت أكثر خطورة، وتزيد يوما بعد يوم، خصوصا لأصحاب الأحكام العالية والمؤبدات، أنا سعيد لخلاصي من عذاب السجن، خصوصا أن الترجيحات كانت تؤكد تمديد اعتقال الإداري، لكن فرحتي ناقصة، فما يعيشه أهلنا في غزة هو إبادة جماعية، وأمر يدمي القلوب".
واختتم بالقول "اليوم أكلت أول وجبة مشبعة أعدتها والدتي بعد 50 يوما من الجوع والتعذيب، أتمنى أن يعيش كل الأسرى شعوري هذا بالفرحة والأمان مع عائلتي، فرج الله عن أهلنا في قطاع غزة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: لیلة أمس
إقرأ أيضاً:
حصاد المشروع الاستعماري في فلسطين
لم تعد إسرائيل تشكل خطرًا على المنطقة وحدها، بل أصبحت تشكل خطرًا على النظام العالمي القائم بعد الحرب العالمية الثانية بأسره؛ لأنها تعمل باختصار على هدم وخرق كل الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وهي أكثر الدول في العالم خرقًا لحقوق الإنسان؛ بتقارير الأمم المتحدة. وهي -كما هو واضح- أصبحت السبب في تهديد وإضعاف منظمات الأمم المتحدة بشكل مباشر، وهي المنظمات التي أنشأها النظام العالمي بعد الحرب الثانية للحفاظ على عالم أكثر استقرارا وأمنا، عالم تحترم دوله وأنظمته المعاهدات والحقوق الدولية والاتفاقيات. لكن إسرائيل أصبحت تدوس على اتفاقيات العالم ولا تبالي به أدنى مبالاة، وتستخدمه لأغراضها، وهذا ما يجعل صورة النظام العالمي تتهاوى في وجدان الأجيال المعاصرة، ونرى المظاهرات الغربية المتتالية وهي لا تعبر فقط عن احتجاجها على إسرائيل، بل كذلك عن احتجاجها على السقوط الأخلاقي والإنساني والحضاري الذي يرعاه الغرب ودوله بدعمهم المباشر لبربرية إسرائيل.
هكذا نرى اليوم أن خبر إبادة الناس وسط مجاعة غزة أصبح الخبر الثانوي مع نشوب خبر الحرب الإسرائيلية الإيرانية الذي أصبح يتصدر الأخبار، بعد أن كدنا نرى بعض التململ الغربي من الكارثة المحققة المستمرة الفصول التي تديرها إسرائيل في غزة، عبر تجويعها المستمر لسكان القطاع، واستهدافها المباشر للغزاويين الجياع، في سياسات إسرائيل المتواصلة والخارجة عن حدود الإنسانية بتجويع الناس، واعتبارهم أهدافًا، واصطيادهم عند نقاط توزيع المساعدات الشحيحة، وما زال الضحايا يتساقطون يوميًا، وهو ما يدفعنا لتأمل هذا الحصاد الإسرائيلي وهذه الدولة التي أصبحت حرفيًا دولة إرهابية.
ما الفرق بين هذه الصهيونية وبين الجماعات الإرهابية المسلحة؟ وما الذي قامت به الجماعات الإرهابية ولم تقم به الدولة الإرهابية هذه؟ بل إن جرائم إسرائيل أشنع؛ فقد قامت بذبح الأطفال أمام الشاشات، وها هي لا تكتفي بالتجويع بل تستهدف الجياع، وهذا ما لم تجرؤ الجماعات الإرهابية أن تفعله، وأن تجد هذه الأفعال الخارجة عن حدود الإنسانية دعمًا غربيًا غير محدود فهذا يعني بكل وضوح أن الذهنية الغربية الحاكمة أصبحت ذهنية سقيمة، وتشترك مع الصهيونية في المرض العقلي نفسه.
يحدث هذا بينما يتابع الناس في كل مكان وقائع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، ويطلق ترامب تصريحاته المتناقضة، ولا ينتج شيء عن الجهود الدبلوماسية . فلا يزال الضحايا في غزة يسقطون يوميًا، وتحولت أجزاء من غزة إلى فوضى كبيرة يقوم فيها المسلحون بنهب الناس في الطرقات كما كتبت الأسبوع الماضي إسراء أبو قمر في مقالها بالجارديان، الذي ترجمه بدر الظفري لجريدة عمان.
يتأمل المرء أفعال هذه الدولة الإرهابية ولا يرى غير الخطأ، والجريمة الاستعمارية الفادحة التي هجرت اليهود من موطنهم الطبيعي في أوروبا لتزرعهم في فلسطين بوهم إعادة اليهود إلى وطنهم المزعوم قبل 5 آلاف سنة! وما النتيجة التي يحصدها العالم المعاصر غير دولة معادية بشكل سافر لكل مكونات محيطها الطبيعي، عبر كيان شاذ وغريب، لا يقيم أي صداقات ولا حسن جوار مع محيطه، وكل ما أقامه طوال عمره هو الحروب. فلم تبق دولة مجاورة لإسرائيل لم تدخل معها في حرب مباشرة أو غير مباشرة، والآن تشن حربها المباشرة الأولى مع إيران لا لشيء إلا لتؤكد حجم العدائية المتأججة التي تحملها، والتي لا تجد لها أي تصريف غير في مزيد من الدمار والقتل وتشريع الإرهاب، وأين سيفضي بها وبنا كل هذا؟
لا معنى أمام الكارثة المحققة للحديث عن التاريخ والحقوق، وما ذنب الأبرياء وأولهم الفلسطينيون والعرب وغيرهم من ضحايا هذا المشروع الاستعماري الأحمق المتمثل بالزج ببقايا اليهود الغربيين الذين عملوا على حشد يهود العالم في دولة واحدة ترى أن هدفها هو تفجير المنطقة باليهود؟ وما هذه الأجيال الإسرائيلية المعاصرة التي لم تجد ولم تفهم عبرة تستخلصها من تاريخها غير معاداة الآخرين وتدميرهم وقهرهم وإبادتهم والتسلط عليهم؟
إن إسرائيل اليوم لم تعد مشكلة تهدد الدول المحيطة بها فحسب، بل هي كارثة محققة على داخلها أولًا، والضحايا الفلسطينيون لهذه الدولة، داخل إسرائيل وخارجها، دليل على أن إسرائيل عبء حقيقي على نفسها وداخلها. وما يدفعه الإسرائيليون اليوم من حياة الحرب اليومية ليس إلا تأكيدًا على أن الكيان المؤسس على الحرب وزرع الرعب لا يمكن أن يجني السلام والأمن والاستقرار لمواطنيه، بل سيجني بكل تأكيد ما زرعت يداه.
لم تنجح إسرائيل خلال العقود السبعة من تاريخها في كسب دولة صديقة واحدة في محيطها الإقليمي، ولم تفلح في تحقيق علاقة وثيقة لا مع محيطها العربي ولا مع بقية المحيط الجغرافي، ولولا الضغط الغربي والأمريكي للقبول بإسرائيل فإنها لم تكن لتنجح أبدًا في تكوين علاقات وثيقة، أو احترام متبادل بينها وبين جيرانها ومحيطها، ولم تبق دولة من الدول القريبة والبعيدة عنها لم تدخل معها في حرب مباشرة أو غير مباشرة. والآن ها هي تهاجم إيران بكل صفاقة، وخطاب رئيس وزرائها المهووس يستدعي التاريخ من جديد ليفضح بذلك الإطار الذي ينظر منه إلى العالم المعاصر، والهدف الذي يرسمه لنفسه ودولته وفق ذلك الإطار الماضوي المندثر.
كل ذلك بينما الأطفال والنساء والشيوخ والسكان في غزة لا يزالون تحت حصار متجرد من كل إنسانية، وإسرائيل تتعامل مع الناس تعاملًا منحطًا خارجًا عن أبسط الحدود والأعراف، وهي لا تفضح بذلك غير هويتها التدميرية، ووجودها العدواني، وشخصيتها الجنونية، فلا يوجد اليوم في العالم بأكمله نظام يبلغ من الظلامية والإجرام هذا المبلغ، ويتباهى علناً بذلك؛ بسبب السقوط الأخلاقي الذريع لحماته الغربيين، خاصة الدول الكبرى التي تدعم وتبرر له جرائمه المحققة ضد الإنسانية، وتعجز أن تحرك ساكنًا لإيقافه. ولعل الحقيقة هي أن هذا الكيان أصبح خارجًا عن السيطرة منذ أمد طويل حتى بالنسبة لحماته ورعاته الغربيين.
لم يعد الأمل اليوم إلا أن تتكاتف دول المنطقة والعالم لدرء هذا الخطر الذي لم يعد ينذر بالكارثة فحسب، بل هو ينتجها منذ عقود، ويعمل عليها، ولم يقدم لدول المنطقة ولمحيطه غير الدمار وتهديد النظم المستقرة والقتل والهدم. فمن الجلي والواضح أن النظام الإسرائيلي عاجز عجزًا هيكليًا عن التقدم خطوة واحدة باتجاه السلام والاستقرار، رغم كل العروض السخية التي قدمت إليه، ولكنه لا يجد ما يقدمه بالمقابل غير الخراب، لنفسه ومحيطه منذ تأسس إلى اليوم. ولم تفض كل اتفاقيات السلام الكثيرة معه إلا لصيغة واحدة هي الاستسلام له كليًا منذ كامب ديفيد والقاهرة إلى آخر اتفاق في لبنان خلال هذه الحرب مرورًا بأوسلو المخيبة.
يبدو أن إسرائيل دخلت فعليًا في متوالية تفجير ذاتية، وهي تبحث طوال الوقت عن مبرر لاستمرار انحلالها وتفسخها ودمارها الذاتي، وإن جنون القوة الذي أصابها حتى أصبحت تستبيح الأجواء بطائراتها الحربية في كل جهة ليس إلا الذروة التي تعقبها السقوط. وليس العجز الغربي عن مداراة هذه الفضيحة الأخلاقية التي تمثلها إسرائيل أمام العالم بأسره إلا دليلًا على حجم الانفصام الأخلاقي الناتج عن دعم هذا المشروع الصهيوني الأخرق. وهذا الحل المختلق لم يحترم معطيات التاريخ، ولا احترم قيمة اليهود وأدوارهم في بلدانهم الأصلية، وبالتالي ها هي إسرائيل تهدر كل قيمة إنسانية غير قيمتها، ربما لأن القيمة هي عقدتها الأزلية.
إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني