"طوفان الأقصى" يجرف بقايا فلسفة الأنوار بعيدًا
تاريخ النشر: 29th, November 2023 GMT
محمد بن رضا اللواتي
mohammed@alroya.net
هل يُراجع فرانسيس فوكوياما أطباء النفس هذه الأيام وهو يُشاهد بُقع العار التاريخي على جبين الولايات المتحدة الأمريكية جراء جرائمها ضد الإنسانية في فلسطين وغزّة؟
ليس من البعيد أن يكون خاضعًا لأدوية علاج الكآبة، فهو الذي بشَّر العالم بنبي هذا العصر، أي أمريكا؛ باعتبارها المحطة النهائية لمسيرة ثقافات البشر بأجمعها، وفي أحضانها سيجد التاريخ المهد الأبدي له والذي ظل يبحث عنه منذ لحظات انبثاقه الأولى.
لقد بشَّر الناس بالتحوُّل التدريجي والحتمي لثقافاتهم واستحالتها إلى الثقافة الأمريكية بصفتها الديمقراطية الليبرالية الفُضلى التي يبحث عنها بنو البشر، وزعم أنَّ الناس، وبقناعة تامة، ودون مقاومة، سينسابون داخل ما يسميه بـ"الأَمْرَكَة" الثقافية فرحين مستبشرين!
ولكن أبت غزّة إلّا أن تقول له: كلا!
لم تعد غزّة اليوم بمفردها التي تقول له "كلا"، وإنمّا مئات ألوف- بل ملايين- من البشر في شتى دول العالم بما فيه مواطنو الولايات المتحدة نفسها، يرددون كلا، فلقد سقطت الأقنعة، وظهرت الحقيقة التي ظلت مستورة على الكثيرين، واستفاق النَّاس على واقع دولة الكذب والنفاق الأولى في العالم؛ إذ منذ عقود لم يشهد الناس فظائعَ كالتي مارستها الولايات المتحدة مع ربيبتها الصهيونية البغيضة في غزّة الجريحة، من قتل الأطفال وحديثي الولادة وهدم المستشفيات على رؤوس المرضى والنساء والعجزة.
هذه هي دولة فوكوياما وأمثاله الذين اعتاد بعض العرب على عد أعمالهم الكتابية بصفتها أرقى أشكال الفلسفات التي تستحق التحقيق والمناقشة والدراسة والتأييد.
وها هو "طوفان الأقصى" بانتصاره التاريخي على الصهيو-إمبريالية يُطيح هذه المرة برائد مدرسة فرانكفورت الفلسفية النقدية، والذي يصفونه بالفيلسوف الأهم بعد الحرب العالمية الثانية "يورجن هابرماس" الذي خرج على العالم بخطاب بعنوان "مبدأ التضامن" أو (A Principle of Solidarity) وقَّعه هو وكل من نيكول دايتلهوف وكلاوس جونتر وراينر فورست، أساتذة العلوم السياسية في جامعة جوتة الألمانية، والذي لم يكن سوى إعلان عن تضامنهم جميعًا مع جرائم الكيان الغاصب الذي كانت تديره الولايات المتحدة على جثث الأبرياء في غزّة العِزَّة والكرامة.
جاء في الخطاب: ".. المجزرة التي ارتكبتها "حماس" مصحوبة بنيتها المعلنة إبادة الحياة اليهودية بصورة عامة، كانت سببًا في دفع إسرائيل إلى الانتقام بهجوم مضاد، والمبرر من حيث المبدأ... وعلى الرغم من كل القلق على مصير السكان الفلسطينيين، فإنَّ معايير الحكم تفلت من أيدينا تمامًا عندما تعزى نوايا الإبادة الجماعية إلى تصرفات إسرائيل"!
صدق غربالي عندما وصف الخطاب بأنه يُشكِّل فضحية أخلاقية ومعرفية واعتداء على حقائق تاريخية، وأنه يبدو أن الكيان الغاصب قد جعل في أولوياته الفلسفة لصناعة رأي نخبوي عالمي مساند له. (مقال بعنوان: العمى الأخلاقي لعقل الأنوار، هابرماس عقله على إسرائيل: فؤاد غربالي: الميادين 20 نوفمبر).
بالأمس القريب كانت البؤر الثقافية العربية لا تكف عن تذكير بعضها البعض بأهمية عدم الانحياز والتحييد الأخلاقيين عندما نكون بصدد تقييم موقف، وهي تبني ذلك على ما يقوله ويُذكرنا به سليل فلسفة الأنوار هابرماس، وقد أعلت رُتبة أقواله إلى مصاف- كما يقول أحمد الشيخ في مقاله بعنوان تهافت هابرماس وسقوطه الأخلاقي: الجزيرة 20/11/2023- الكتب السماوية، وإذا به داس على كل المواقف الأخلاقية مجتمعةً!
في السابق، وعندما سُئل هابرماس عن سؤال حول رأيه في السياسة الإسرائيلية، رد بأنَّ الإجابة عنه ليس من شأن مواطنٍ من جيله!
هذا الصمت فسره "أومري بوهم" بأنه رفضٌ لاتخاذ موقف التنوير- الذي نذر هابرماس لأجل تتميمه- هذا، عندما تتعلق المسألة بالشؤون اليهودية!" (القدس الإلكترونية: يحيى الكبيسي: مقال بعنوان: رب غزّة وأزمة هابرماس الأخلاقية 23 نوفمبر).
هذا في السابق!
أما اليوم، فقد ترك هابرماس الصمت، هذا عندما داس على موقف التنوير بقدميه وهو يمضي ليقف بجانب الصواريخ التي فتكت بخمسة آلاف طفل فلسطيني مُبررا لها جرائمها!
طوفان الأقصى.. حسبُك ما جرفت!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
اتفاق أميركي صيني لتسريع شحن المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة
قال مسؤول في البيت الأبيض أمس إن الإدارة الأميركية توصلت إلى اتفاق مع الصين بشأن تسريع شحنات المعادن الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة، وسط جهود رامية لإنهاء الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
وحسب المسؤول فإن الإدارة الأميركية والصين "اتفقتا على تفاهم إضافي بشأن إطار عمل لتنفيذ اتفاق جنيف"، مضيفا أن التفاهم "يتعلق بكيفية تنفيذ تسريع شحنات المواد الأرضية النادرة إلى الولايات المتحدة مجددا".
وقال مسؤول آخر في الإدارة الأميركية إن الاتفاق بين واشنطن وبكين أبرم في وقت سابق من الأسبوع.
ونقلت وكالة بلومبيرغ عن وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك قوله "سيسلموننا عناصر أرضية نادرة"، وبمجرد أن يفعلوا ذلك "سنلغي إجراءاتنا المضادة".
وقال الرئيس دونالد ترامب في وقت سابق أمس إن الولايات المتحدة وقعت اتفاقا مع الصين أمس الأول الأربعاء، دون أن يخوض في تفاصيل، مضيفا أنه قد يتم إبرام اتفاق منفصل مع الهند قريبا.
ويظهر الاتفاق تقدما محتملا بعد أشهر اتسمت بالضبابية والاضطرابات التجارية في أعقاب عودة ترامب للبيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني، لكنه يؤكد أيضا أن الطريق لا يزال طويلا أمام التوصل إلى اتفاق تجاري نهائي بين البلدين.
وخلال محادثات تجارية أجريت بين الولايات المتحدة والصين في مايو/ أيار في جنيف، التزمت بكين بإزالة التدابير المضادة غير الجمركية المفروضة على الولايات المتحدة منذ الثاني من أبريل/ نيسان الماضي، لكن لم يتضح كيف سيتم إلغاء بعض هذه التدابير.
وفي إطار رد الصين على الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة، علقت بكين صادرات مجموعة واسعة من المعادن المهمة، مما أدى إلى اضطراب سلاسل التوريد الضرورية لشركات صناعة السيارات والطائرات وأشباه الموصلات والمتعاقدين العسكريين في شتى أنحاء العالم.
إعلانوأفاد مصدر بأن الصين تأخذ القيود التي تفرضها على المعادن الأرضية النادرة ذات الاستخدام المزدوج "على محمل الجد"، وكانت تدقق في المشترين لضمان عدم تحويل هذه المواد إلى الاستخدامات العسكرية الأميركية، وأدى ذلك إلى إبطاء عملية منح التراخيص.
وتعثر اتفاق جنيف بسبب القيود التي فرضتها بكين على صادرات المعادن النادرة، مما دفع إدارة ترامب إلى الرد بفرض ضوابط تصدير تمنع شحنات برامج تصميم أشباه الموصلات، والطائرات، وسلع أخرى إلى الصين.
وفي أوائل يونيو /حزيران، نقلت رويترز عن مصدرين مطلعين أن الصين منحت تراخيص تصدير مؤقتة لموردي المعادن الأرضية النادرة لأكبر 3 شركات أميركية لصناعة السيارات، إذ بدأت اضطرابات سلسلة التوريد في الظهور بسبب القيود المفروضة على تصدير تلك المواد.
وفي وقت لاحق من الشهر، قال ترامب إن هناك اتفاقا مع الصين تورد بموجبه المغناطيس والمعادن الأرضية النادرة للولايات المتحدة، بينما تسمح واشنطن للطلاب الصينيين بالالتحاق بالجامعات الأميركية.